الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقع هوفة
اوبس
(لغة العرب) من المدن العراقية القديمة التي لم يعرف إلى الآن موقعها (هوفة) فإن الباحثين لا يزالون ينقرون عن موضعها، ولما يهتدوا إليها، وفي ما يأتي فصل معرب عن الإنكليزية لأحد هؤلاء العلماء ومن كلامه يتبين عدم قرار فكرهم في هذا الموضوع.
اكثر المشاكل البابلية متعلقة بتحقيق موقع هوفة (اوبس) الصحيح، وعليه أصبحت معرفة حقيقة هذه المدينة القديمة، معرفة صادقة باتة، من أهم الأمور المختصة بالبلدانيات، والتاريخيات، وعلم الآثار القديمة.
وعلينا قبل أن نشرع بتعيين موقع (هوفة) الحقيقي، أن نراجع ما بينه الثقات من مواقعها العديدة، ويجدر بنا أن نخصص قبل كل أمر، الزمن الذي زهت فيه.
وأول تنويه بهوفة يرى هو في رقيم من عصر (انشاغوشنا) مؤسس السلالة الملكية الثانية، في (أرك) في نحو سنة 3488ق. م. بحيث يقال إن أحد الملوك الشمريين القدماء ظفر بملك هوفة وملك كيش.
وذكرت هوفة أيضاً في رقيم (اناتم) ملك لجش، الذي حكم في سنة 2900 ق. م. وروى (أناتم) في رقيمه هذا، كيف تعقب (زوزو) ملك هوفة فقهره، فيمكننا أن نستنتج مما بينوه أن (هوفة) كانت قصبة مملكة قبل نيف و 5000 سنة. وكثيراً ما أشار (استرابون) إلى هوفة في كتبه في سنة 24 ق. م. وبالتالي إذا كان تاريخ سنة 3488 صحيحاً، فنعلم إنها كانت مدينة ذائعة الصيت إلى مدة لا تقل عن 3500 سنة.
وقد تعطف علينا الدكتور (لنغدن) وأحاطنا علماً بأن الاسمين القديمين: أحدهما يوناني وهو (أوبس) والثاني بابلي وهو (هوفة) وكانا يطلقان على (اكشك) ثم حل الاسم (هوفة) محل (أكشك) في أثناء عصر الكشيين، ولكن لم يعلم المؤلف سبب هذا التغيير في الأسماء، كما انه لا يعلم أعثر على الدليل الحقيقي في الرقيم المسماري توجيهاً لذلك التغيير أم لا. ولكن يحتمل أن تغيير الاسم نتج من تغير موقع المدينة الذي حدث بتبدل في عقيق نهر دجلة
وإذا تمكنا من أن نتحقق معرفة أوبس اليونانية وهوفة البابلية، فلا يكون ذلك أمراً واقعاً
حالاً.
فلندرس الآن الإفادات التي تخص هوفة وأوبس والتي نراها أيضاً في رقم البابليين وفي كتب اليونانيين والرومانيين التاريخية.
وأول إفادة موضعية ذات أهمية؛ ترى في رقم سنحاريب وهي على الثور رقم 2 في سنة 694 أو 693 ق. م. فاقتبسنا منها ما يلي:
(رجال أرض الحثيين وهم من مغلوبي قوسي، أسكنتهم نينوى، سفناً عظيمة من شغل بلادهم صنعوا بمهارة، بحارة من صور وصيدا وبلاد اليونان من مقهوري يدي أمرتهم، على دجلة نزلوا بصعوبة في أرض يابسة تمتد إلى هوفة، ومن هوفة نقلوها (أي نقلوا السفن) على البر على مدحرجات (؟) فسحبوها حتى (المدينة؟. . .) وفي قناة ارحتو وضعوها.)
يطلعنا نبو كدر أصر الثاني على الحلقة الثانية من سلسلة الأدلة الموضعية، ويسلم ذلك الملك العظيم إلى أعقابه النبأ التالي:
(شيدت سداً من تراب ارتفاعه 5 (بروات) فوق هضبة هوفة والى وسط (سفر) ومن شاطئ دجلة حتى الفرات، وجمعت حوالي المدينة على بعد 20 (برواً) مياهاً كثيرة تشابه سيل البحر، وحكمت السد بالملاط والآجر، ليحفظ من أي ضرر كان يأتي به الفيضان).
ونرى إشارة أخرى بارزة في تاريخ هوفة في سنة 555 إلى 538 ق. م. في تاريخ كورش نبو نئيد وفيها الرفيعة الآتية:
(قهر كورش سكان أكد حين حارب جيشها في شهر تموز في هوفة على ضفة دجلة) ويذكر زينفون هوفة في سنة 401 ق. م. عند رجوع العشرة آلاف يوناني، ذيالك الرجوع التاريخي، وكان بعد المحاربة القاضية في كناسة، ويروي ما يأتي بعد أن مر بستاكة:
(قطعوا من دجلة في مدة أربعة أيام مسافة 20 فرسخاً فوصلوا إلى نهر فسقس الذي عرضه مائة قدم، وعليه جسر، وكانت ترى هنالك مدينة كبيرة آهلة بالسكان تسمى هوفة).
ولا نزال نسمع بعد 75 سنة أي في 325 ق. م. بأن أوبس مدينة عارمة ويخبرنا عنها (أريان) بما يلي:
(ركب الاسكندر في أول أمره نهر (أولاوس) إلى البحر فاجتاز الخليج الفارسي ودخل دجلة
حتى وصل معسكره، وكان (هيفائستيون) ينتظر رجوعه هناك، وتحت إمرته جيش، ثم واصل الاسكندر سفره إلى أوبس وهي مدينة واقعة على نهر دجلة وأمر برفع جميع الموانع والسدود التي تحول دون طريقه وبفتح جميع القني).
ويروي لنا استرابون في كتابه في السنة ال 24 ق. م. ذاكراً دليلاً فيه بعض الخطورة الموضعية إذ يقول نقلاً عن (أيراتستنس) ما يأتي:
(بعد أن يقترب الفرات شيئاً فشيئاً من دجلة بقرب سور سميرام وقرية تسمى أوبس، وبعد أن يجري في وسط بابل يفيض في الخليج الفارسي).
ويروي هذا المؤلف عند وصفه سير مجرى دجلة ما يلي:
(بعد أن تجري دجلة جرياناً طويلاً تحت الأرض، تظهر ثانية في (خالونيتس) وتجري إلى أوبس فسور سميرام على ما يسمى، ثم تغادر (كردياي) وكل أرض العراق إلى يمناها).
ويخبرنا أيضاً (استرابون) في وصفه لآشور:
(إن الأراضي يتخللها أنهار عديدة أكبرها الفرات ودجلة. وتصلح دجلة لسير السفن وذلك من فوهتها، والى فوق، حتى أوبس، واوبس قرية فيها سوق للأماكن المجاورة لها).
والمؤرخ الآتي ذكره الذي نتوقع منه ذكراً لاوبس هو (بلينيوس) ولكن مؤلفاته لا تنوه تنويهاً صريحاً بوجود هذه المدينة ولا يجوز أن يكون سبب إهماله هذا واقعاً من باب المصادفة، ولا من وهم منه، ولاسيما إنه ذكر في مؤلفاته أسماء بلدان ربما كانت أقدم من سواها، وقد أهمل ذكرها نظراؤه من المؤرخين. أفلا يعقل أن تكون إحدى المدن التي وصفها (بلينيوس) بأسماء يونانية هي بالحقيقية أوبس؟ وذكر لانبريير الفائدة التالية بخصوص اوبس في معجمه التاريخي:
(مدينة واقعة على دجلة سميت بعد ذلك إنطاكية).
فهذه الإفادة تؤكد لنا تأكيداً لا ريب فيه لما ذكر. وإذا اعتمدنا على أن (لانبريير) أسند روايته إلى أمر واقع، وتمكنا من معرفة موقع إنطاكية من دون معارضة، نتمكن حين ذاك من أن نشير إلى طائفة خاصة من الروابي ونقول للباحث عن الآثار القديمة: امسك بيدك المعول والمجرفة وباشر العمل، ولكن لم يتمكن المؤلف من سوء الحظ أن يحصل في أثناء بحثه أو بمعونة العلماء الشهيرين، على أي برهان يثبت ما بينه (لانبريير)؛ وان يحتمل أن
يكون حدس (لانبريير) صحيحاً. وإذا زدنا على ذلك أننا إذا تمكنا من أن نتحقق بصورة مقنعة موقع باقي البلدان التي ذكرها (بلينيوس) والمؤرخون القدماء، فيمكننا أن نصل بطريقة الانتقاء، إلى افتراض يرضي بعض الإرضاء من الوجهة الموضعية، ويسوغ لنا مقابلته بالإفادات التي وصلت إلينا من الأساتذة القدماء.
وإذا بينا الآن بالتفصيل موقع إنطاكية نقلاً عن بيان (بلينيوس)، فيكون ذاك في محله. ويذكر هذا المؤرخ في بيانه عن أرض العراق ما يلي:
(كانت تعود جميع أراضي العراق في السابق إلى الآشوريين، وكان لا يكسوها غير القرى، اللهم إلا بابل ونينوى، فجمع المكذونيون هذه الجماعات ومصروا مواطنهم تمصيراً، والذي أهاب بهم إلى ذلك العمل كثرة خصب الأراضي. وفي أرض العراق مدينة (سلوقية) و (لاذقية) و (آرمية) فضلاً عن المدينتين المذكورتين. وفي جزيرة العرب أناس يسمون (الأوريون) و (المردنيون) ما عدا إنطاكية التي أسسها نيقانور حاكم أرض العراق فسميت (عربية)).
ويوضح بلينيوس في فقرة أخرى في شرحه عن موقع (إنطاكية عربية) توضيحاً صريحاً فنقرأ ما يأتي:
(إن بين هذه الأقوام وميشان تقع (ستاكة) وتعرف أيضاً باسم اربيلية وفلسطين. ومدينتها ستاكة من أصل يوناني. وتقع تلك المدينة ومدينة سبداتة في الشرق وترى إنطاكية في الغرب بين النهرين (دجلة) و (ترنادوتس) الذي أطلق عليه أيضاً انطيوخس اسم (افامية) وهو اسم والدته).
يأتي بنا البحث أخيراً إلى مؤلفات هيرودوتس في سنة 430 ق. م. ويذكر فيها حوادث زحفه كورش إلى بابل فيروي ما يلي:
(مر كورش بضفة نهر جندس حينما كان زاحفاً إلى بابل، وجندس نهر ينشأ في جبال متانية ويجري خلال أراضي الدردنيين ثم يصب في نهر دجلة. وأما دجلة فبعد أن يصب فيه نهر جندس، يجري ماراً بمدينة أوبس فيفيض في بحر اريثرة. وعند وصول كورش إلى هذا النهر (أي إلى جندس) - ذلك النهر الذي لا يمكن اجتيازه إلا بزوارق - أقبل بعض الخيل البيض المقدسة على الماء، وهي خيل تتدفق فيها القوة والنشاط، وحاول أن
يقطع النهر وحده ولكن جره التيار وأغرقه في أغواره).
وأما معرفة حقيقة جندس فيأتينا (هيرودتس) في فقرة أخرى بإفادة متقنة كل الإتقان، وفي وصفه الطريق الملكية المؤدية من سردس إلى السوس يذكر ما يلي:
(إن عدد مواقع الاستراحة في أرمينية خمسة عشر والمسافة 56 فرسخاً ونصف فرسخ. . . ويتخلل هذه المنطقة أربعة أنهار كبيرة توجب على الإنسان أن يعبرها بواسطة زورق أولها دجلة، والثاني والثالث يسميان باسم واحد مع انهما نهران مختلفان وكل واحد منهما يجري في موقع ممتاز عن موقع صاحبه لأن النهر الذي سميته الأول ينشأ في أرمينية بينما إن الثاني يجري خارجاً من بلاد المتانية والنهر الرابع يعرف بجندس وهو النهر الذي حفر له كورش ثلاثمائة وستين فرعاً ففرقه.
من كتاب (معضلات بابل)
تأليف اللفتنت كرنل و. هـ. لين من الجيش الهندي سابقاً تعريب
فنسان م. ماريني
(ل. ع) قد تنتقل بعض أسماء المواضع من موطن إلى موطن آخر ربما كان بعيداً جداً. ذلك ما حدث في القديم ويحدث إلى اليوم. فاسم بغداد معروف في أميركة مثلاً، ودار السلام معروف في أفريقية. ونظن أن هوفة محفوظة في العراق نفسه باسم (الهفة)(راجع ياقوت) وان لم تكن في موقع هوفة المذكورة هنا.