الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل اليزيدية وتاريخهم
2 -
إن هذه الفرقة كانت ولا تزال متكتمة، منزوية، لا تختلط بأحد، ولا ترغب - كغيرها أمثالها - أن تنشر ديانتها، أو عقيدتها بين الأقوام المجاورين وهذا التكتم يدعو أحياناً إلى تقولات، وآونة إلى حب التطلع والبحث عن الخفايا والأمور المستورة أو إلى الاختلاق وسوء التفسير؛ ويكاد يكون غريزياً في الأقوام أن يكشف المبهم إذ الذين لا يهمهم شأن غيرهم، ولا يودون الاطلاع على سبب كل حادث، قليلون جداً، ولذا يصدق قول القائل:
منعت شيئاً فأكثرت الولوع به
…
أعز شيء على الإنسان ما منعا
ويصح توجيه غرض الباحثين، وحرصهم على التطلع بهذا الوجه، إذ لم نر الأفكار قد اشتغلت بالملل والنحل في هذه الأيام، اشتغالها بالتحقيق عن هذه الفرقة بقصد التوصل إلى حقيقة هذا الكتمان وما وراءه، والبت في أمره، وعلى كل حال ينتهي البحث باستكمال الوثائق والتدوينات الكافية.
كان من رأي الأستاذ صاحب لغة العرب: (إنها (أي اليزيدية) بعد أن كانت تقرب من الإسلامية في عقائدها، وشعائرها، ورسومها، ابتعدت عنها.) (راجع المشرق 2: 32 و151 و 309 و395 و547 و731 و830). ولكن لا إلى المانوية.
وقد مر النقل عن السمعاني، أنها مسلمة متزهدة تعتقد الإمامة في يزيد وتتعصب له.
أما التصوف فهو معروف عنهم بالوجه المذكور. وقد ولدت منه عقائد جديدة منشأها غلاة هذه الطريقة، ودخول جماعة في زمرتهم من شواذ الأمم الآخر. وهذه الأمور حدثت متأخرة خصوصاً عقيدة الاحتراز من ذكر الشيطان، وسيأتي تفصيل هذا الإجمال بتطبيقه على عقائد هؤلاء.
الاعتقاد في يزيد:
إنَّ الخلاف السياسي بين الأمويين والعلويين كان قديماً من زمن قتل عثمان (رض) وانتظام الحكومة الاموية، ولا نزال نرى آثار الحزبية فيه بادية إلى هذا الحين، ولكن بعد سقوط
الحكومة الأموية، خضدت شوكتهم وأصبح المناصرون لهم قليلين وان لم يخل عصر منهم، حتى في هذه الأيام، فقد رأينا - قبل بضع سنين - أن قد أوصى بعضهم صديقاً له عازماً على السفر إلى سورية بتبليغ سلامه إلى أثنين: أبي العلاء المعري، ويزيد بن معاوية باعتباره الأول مصحاً دينياً، وبزعمه في الثاني أنه مصلح سياسي ولم يجد أكبر منهما في نظره.!
مهما كانت المغالاة، فالتحزب للأمويين أثناء حكومتهم، وبعد امحائها كان ولا يزال وهذه أمور غير مستبعدة، خصوصاً من رؤساء اليزيدية الذين هم في مواطنهم الحاضرة، ويمتون إليهم نسباً ويوالونهم.
ولم تكن فرقة اليزيدية خاصة بقوم معينين، أو فئة قائمة بنفسها، وإنما تولد الخلاف بعد ذلك ومن جراء هذا صاروا على عكس أنصار العلويين؛ إلا أن رياسة الأمويين وتوليتهم الكرد جعل تكوّن هذه الفرقة قائمة برأسها.
عقيدة اليزيدية:
حكى ابن تيمية عقيدتهم الدينية قال: (وانتم. . . قد من الله عليكم الانتساب إلى الإسلام الذي هو دين الله. . . وعافاكم بانتسابكم إلى السنة من أكثر البدع المضلة. ولهذا كثر فيكم من أهل الصلاح والدين، وأهل القتال المجاهدين ما لا يوجد مثله في طوائف المبتدعين، وما زال في عساكر المسلمين المنصورة، وجنود الله المؤيدة، منكم من يؤيد به الدين، ويعز به المؤمنين وفي أهل الزهادة والعبادة منكم من له الأحوال الزكية، والطريقة المرضية، وله المكاشفات والتصرفات. وفيكم من أولياء الله المتقين، من له لسان صدق في العالمينز فإن قدماء المشايخ فيكم، مثل الملقب بشيخ الإسلام أبي الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري (قد نقل عن السمعاني القول عنه أيضاً) وبعده العارف القدوة عدي بن مسافر الأموي، ومن سلك سبيلهما، فيهم من الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة ما عظم الله به أقدارهم). (راجع المجموعة الكبرى ج1 ص 238).
الغلو في يزيد:
ومن هذا يتبين أن عقيدتهم عقيدة أهل السنة قبل أن يدخلها الغلو. وبعد أن ذكر ابن تيمية
معتقد أهل السنة في الصحابة قال:
(ولم يكن أحد يتكلم في يزيد بن معاوية، ولا كان الكلام فيه من الدين، ثم حدثت بعد ذلك أشياء، فصار قوم يظهرون لعنه. . . فسمع بذلك قوم. . . فاعتقد أن يزيد كان من كبار الصالحين وأئمة الهدى. وصار الغلاة فيه على طرفي نقيض. هؤلاء يقولون أنه كافر زنديق، انه قتل ابن بنت رسول الله (ص) وقتل الأنصار وأبناءهم بالحرة، ليأخذ بثأر أهل بيته مثل جده لامه عتبة بن ربيعة، وخالد الوليد وغيرهما. ويذكرون عنه من الاشتهار بشرب الخمر، وإظهار الفواحش أشياء، وأقوام يعتقدون أنه كان إماماً عادلاً، هادياً، مهدياً، وأنه كان من الصحابة، وأنه كان من أولياء الله تعالى. وربما اعتقد بعضهم أنه كان من الأنبياء، ويقولون: من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم، ويروون عن الشيخ حسن بن عدي أنه كان كذا وكذا ولياً وقفوا على النار لقولهم في يزيد.
(وفي زمن الشيخ حسن، زادوا أشياء باطلة نظماً ونثراً وغلواً في الشيخ عدي، وفي يزيد بأشياء مخالفة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير قدس الله روحه. فان طريقته كانت سليمة ولم يكن فيها من هذه البدع وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسناً، وجرت فتناً لا يحبها الله ولا رسوله. .) أهـ.
عقيدة ابن تيمية فيه:
والحاصل اختلفت العقيدة السياسية فيه. وقد لخص ابن تيمية قوله فيه: (إنه لم يدرك النبي (ص) ولا كان من الصحابة. . . ولا كان من المشهورين بالدين. . . ولا كان كافراً، ولا زنديقاً. وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين، ورضى من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه). أهـ (ص 300)
معتقد أهل السنة فيه:
ونقل معتقد أهل السنة فيه فقال: (إنه لا يسب ولا يحب، ونقل عن صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي أن قوماً يقولون إنهم يحبون يزيد، قال:
يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت يا أبيت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟. . . (إلى أن يقول): ومع هذا فطائفة من أهل السنة يجيزون لعنه، لأنهم يعتقدون أنه فعل
من الظلم ما يجوز لعنة فاعله، وطائفة أخرى ترى محبته، لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة، وبايعه الصحابة، ويقولون لم يصح عنه ما نقل عنه، أو كان مجتهداً فيما فعله.
(والصواب هو ما عليه الأئمة من أنه لم يخص بمحبة ولا بلعن.) ونسب ابن تيمية في آخر بحثه هذا الجهل إلى من يعتقد في يزيد أنه من الصحابة وأنه من أكابر الصالحين، وأئمة العدل وقال:(وهو خطأ بين).
ومن هذا كله يرى معتقد أهل السنة فيه، ويظهر مبدأ الغلو، وأنه لمعاكسة كانت للعلويين، ومشادة بين الحزبين، ونقل أبن تيمية ما كان من الاعتقاد فيه، وهو يوافق النصوص التاريخية المعروفة.
وليس غرضنا الآن بيان تطور الاعتقاد في يزيد في جميع ادواره، وإنما نريد أن نتبين مجمل العقائد فيه، إلى ظهور عدي بن مسافر، ثم نعلم ما طرأ على هذه العقيدة، وإليك أيها القارئ ما يقوله الكرامية فيه:
يزيد والكرامية:
لم يكن اعتقاد إمامة يزيد مقصوراً على من ذكرنا من أهل السنة، واليزيدية وغلاتهم، بل هناك بعض الفرق الإسلامية المعروفة، وهي الكرامية، قالت بأحقية إمامته، فلم تخرج عن أحد الأقوال المارة، قال عبد القاهر البغدادي في كتاب الملل والنحل (راجع خزانه الأوقاف رقم 2746) ما نصه:
(زعموا أن يزيد بن معاوية كان هو الإمام في وقته وأن الحسين (ع) كان خارجاً عليه. ولم يكن في قتاله معذوراً.) أهـ
تخت ليزيد:
ومن هذا وما سبقه يفهم أن اليزيدية كان معهم من يقول بقولهم. ولكن الإمامة صارت أمانة، وجرت إلى غلو يزيد لحد النهاية بحيث نرى (تخت