الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هيكل أدب
(تابع لما بله)
لقد انحدرنا من دكة دنجي إلى أساس هيكل الآجر المسنم 3 أمتار و85 سنتيمتراً فقط؛ بيد أننا رجعنا متقهقرين إلى الوراء بنحو ألف سنة فيجب علينا والحالة هذه أن ننزل إلى عمق 9 أمتار و40 سنتيمتراً من أساس الهيكل المشيد بالآجر المسنم أو ما ينيف على الثلاثين قدماً في قلب اثنتي عشرة طبقة قبل بلوغنا قعر الحفرة. فهنا تعترضنا مسألة وهي: كم من الزمن استغرقت أنقاض هذه الثلاثين قدماً؟ ذلك سؤال حير علماء تاريخ العراق القديم، ولم يستطيعوا أن يجيبوا عنه جواباً صحيحاً، لان عصر كل طبقة من الأطلال لا تقاس بعمقها ليخمن الزمن الذي وقعت فيه. بيد أنه من المحتمل أن يقال: إنه مضى على زمن تأسيس مباني ذلك الردم عشرة آلاف سنة، حينما كان الخليج الفارسي يكاد يتاخم بسمى وكانت في تلك البقعة قائمة مدينة وكان شعبها متحضراً، ومدنيتهم شبيهة بالمدنية الحديثة في صحاري العراق في هذا العهد.
وبعد أن يصل الباحث الدرك الأسفل من قلب الصحراء ويحاول تسلق أعلى الحفرة صعداً لدرس الأطلال المتراكمة بعضها فوق بعض قرناً بعد قرن عليه أن يلقي نظرة سريعة إلى المدن السفلى تحت مخابئ التراب، فهذه الصفائح الرقيقة وبقايا جدران اللبن (أي الطابوق المجفف بالشمس) وطبقات الرماد وآثار المباني المشيدة بالآجر والخشب، تدل على أن عوامل الطبيعة أثرت فيها تأثيراً عظيماً فجردتها من عظمتها وأزالت رونقها وبهاءها، وشقف الخزف لا تنبئ أبن آدم بعمران تلك البقعة في سالف العهد إلا قليلاً جداً، لان المنقبين لم يقفوا على كتابة في الشقف. فمن هنا يستدل الباحث المدقق على أن الكتابة لم تكن معروفة في ديار بابل، قبل عصر الآجر المسنم، فقد مرت ألوف من السنين، وأمم، وشعوب، وقبائل، لا يعرف عنها شيء، حطت رحالها في هذه البلاد
وشيدت لها المنازل والدور ثم طوت أيام عزها وانضمت إلى الأمم البائدة، غير أن مدنها وعماراتها أصبحت على توالي الأجيال ركاماً من التلول الدوارس.
الشمريون في العراق
حل في القطر العراقي قبل المسيح بأربعة آلاف سنة، شعب غريب قدم من ديار مجهول، وكان أكثر حضارة من العراقيين الأولين، ولم يمض زمن على قدومه حتى أنتشر في بابل كلها، وقد عرف أبناء ذلك الشعب باسم الشمريين وقد صحفها بعضهم بصورة (الشنعاريين) ومعنى الأخير سكان بين النهرين، وبصور أخر لا تحصى نبهت عليها لغة العرب في مجلداتها السابقة.
كان الشمريون قصيري القامة، مجتمعي الأعضاء، سمر الألوان، مسترسلي الشعر، مستديري الرؤوس والوجوه، عيونهم منحرفة قليلاً أي مائلة تشبه عيون المغول، وظهر للأثريين والمنقبين أن هذا الشعب عريق في القدم، وقد تدرج في سلم المدنية، وكان له لغة وآداب خاصة به منتشرة في الربوع التي نزح منها، وكان يعرف النحت، فقد نحت التماثيل من الحجر، وزخرف الأواني بنقوش ورسوم بديعة، وحفر الحروف واستنبط الكتابة، ورصع الأوعية بالعاج، وركب في الختوم الأحجار الكريمة الشفافة ذات الألوان البهية.
وكان الشعب الشمري ورعاً، متعبداً، فالآثار التي خلفها في العراق تدل على شدة تدينه وتعلقه بآلهته، فانه لما أحتل مدينة (أدب) شيد لعبادته فيها هيكلاً من الآجر المسنم، ويذهب فريق من الأثريين إلى أن هذا الآجر أتخذ للبناء في ديار بابل لأول مرة، وإلى أن هيكلهم هذا يعد من أعظم وأنفس هياكل (أدب) القديمة، لان جميع الهياكل الحديثة التي أقيمت بعده، كانت ترميمات وإعادة بناء الهيكل الأول.
اختار الشمريون موقعاً لهيكلهم العظيم الرابية القديمة، وبعد أن مهدوا سطحها، شيدوا فوقه مصطبة من اللبن بلغت مساحتها المربعة 65 متراً وارتفاعها مترين ونصفاً وزواياها متجهة إلى الجهات الأربع وفي وسط المصطبة يرى الهيكل والبرج. وقد ذهب بعضهم إلى أن برج الهيكل لم يكن موجوداً في عصر الشمريين، أو قبل عهد أور أنجور، ولكن في ذلك الزمن نفسه كانت منزلة البرج في الهيكل