المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الراية واللواء وأمثالها - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌الراية واللواء وأمثالها

‌الراية واللواء وأمثالها

الراية هي العلم ويقال فيها (الغاية) كما في قول عنترة العبسي بمعلقته:

ربذ يداه بالقداح إذا شتا

هتاك (غايات) التجار ملوم

قال أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي الراوي لهذا البيت: (ربذ: أي خفيف والغايات: الرايات، والتجار: أهل الخمر، ملوم: الذي يكثر لوامه على أنفاق ماله) وقيل: (الغاية: الراية المنصوبة). ونحن نعتقد أن اصلها خرقه تجعل على قصبة، وتنصب في آخر المدى الذي تنتهي إليه المسابقة؛ ومن ذلك ما في قول الإمام علي - ع - يصف الإسلام:(رفيع الغاية، جامع الحلبة) ويقال للراية أيضاً: (الحقيقة). كما في قول عنترة:

ومشك سابغة هتكت فروجها

بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

قال أبو زيد القرشي: (المشك: المسمار، والحقيقة: الراية) وكذلك ما في مختار الصحاح. ويقال أن الراية في الأصل مهموزة، لكن العرب آثرت ترك الهمز تخفيفاً ومنهم من ينكر هذا القول ويقول: لم يسمع الهمز ومن ينعم النظر في بيت عنترة الأول يعلم أن الخمارين في الجاهلية كانوا يضعون لتجارتهم رايات، وكان للبغي الرقحاء في الجاهلية راية أيضاً، قال معاوية بن أبي سفيان لأبي يزيد عقيل بن أبي طالب - رح - (يا أبا يزيد فما تقول في؟). قال (دعني من هذا) قال معاوية (لتقولن) قال:(أتعرف حمامة؟) قال (ومن حمامة يا أبا يزيد؟) قال: (قد أخبرتك) ثم قام فمضى، فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه، فقال له:(من حمامة؟) قال النسابة (ولي الأمان) قال: (نعم) قال (حمامة: جدتك أم أبي سفيان كانت بغياً في الجاهلية صاحبة راية). فقال: معاوية لجلسائة: (قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا)، وكان عقيل قد ثلب أنسابهم واحداً واحداً لبادرة سيئة بدرت منهم إليه وكان نسابة علماً.

قال الطرحي في مجمع البحرين: (الراية: هي التي يتولاها صاحب الحرب

ص: 573

ويقاتل عليها واليها تميل المقاتلة، واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار) قلنا: ويجوز إطلاق اسم أحدهما على الآخر، وإذا أريد التخصيص قيل (اللواء الأعظم) ويطلق على الراية أيضاً (البند) وهو العلم الكبير في الأصل ولفظه فارسي معرب، فهو وان كان مقيداً بالكبر فيجوز تسمية الراية به.

رايات الدول الإسلامية

راية الجيش ملاذ له عند التفريق والاضطراب ومجمعة لقلوبه وعلامة لتمييزه عن غيره ومفخرة له حيث التقدم واحمرار البأس بالموت الأحمر ومهيجة للنفس ومشجعة للقلوب، فكأين من جيش أنهزم لسقوط رايته وكم خميس تشتت بقتل صاحب لوائه، لذلك كان القائد والأمير والملك والخليفة لا يسلم رايته إلَاّ إلى رجل وثيق أيد شجاع يتقدم بها إلى عدوه بقلب صبور وعزم غيور ويرى الموت سلماً إلى الفخر وشامخ الذكر، على أن منهم من كان يحمل الراية ابتغاء وجه الله وطمعاً في الآجر. قال الحصين بن المنذر:(أعطاني علي - ع - ذلك اليوم (يوم صفين) راية ربيعة وقال: باسم الله سر يا حصين وأعلم أنه لا تخفق على رأسك راية مثلها أبداً، هذه راية رسول الله - ص -) قال:(فجاء أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي إلى الحصين وقال: (هل لك أن تعطيني الراية أحملها لك فيكون لك ذكرها ويكون لي أجرها؟) فقال الحصين: (وما غناي يا عم عن أجرها مع ذكرها) قال أبو عرفاء: (إنه لا غنى بك عن ذلك، ولكن أعرها عمك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك) قال الحصين: فقلت أنه قد أستقتل وأنه يريد أن يموت مجاهداً. فقلت له خذها. . . فشد وشدوا معه فقاتلوا قتالاً شديداً فقتل أبو عرفاء - رح - وشدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها.

وقال الإمام علي - ع - في صفين لأصحابه: (ورايتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلَاّ بأيدي شجعانكم المانعي الذمار والصبر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفزون برايتكم ويكشفونها. يضربون خلفها وأمامها ولا يضيعونها).

ص: 574

والرايات في زمن النبي محمد - ص - لم تكن ذات لون واحد فمنها (العقاب) وهي راية سوداء لها حظ من أسمها، ففي يوم فتح مكة أقبل رسول الله - ص - معتجراً ببرد حبرة وعليه عمامة سوداء ورايته سوداء ولواؤه أسود حتى وقف بذي طوى وأمر بركز اللواء عند الركن وفي زاوية عند الحجون والعقاب هي الراية التي دفعها علي - ع - إلى أبنه محمد بن الحنفية يوم الجمل، وقال لحسن وحسين - ع - إنما دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله - ص - وكان النبي - ص - في الرايات إلى السواد أميل. ففي صفر من سنة (37) بحرب صفين رفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء

في رأس رمح فقال ناس: هذا لواء عقده له رسول الله - ص - فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى علي - ع - فقال: أتدرون ما أمر هذا اللواء؟ إن عدو الله عمراً أخرج له رسول الله - ص - هذه الشقة فقال: من يأخذها بما فيها؟ فقال عمرو: وما فيها يا رسول الله؟ قال: أن لا تقاتل بها مسلماً ولا تقربها من كافر، فأخذها، فقد والله قربها من المشركين وقاتل بها اليوم المسلمين.

وفي حرب صفين كانت راية الإمام علي - ع - سوداء أيضاً. ولما دفعها إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال وأخذ مالك الأشتر النخعي يحرضه على الحرب وهاشم يتقدم قال عمرو بن العاص (إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فلعل هذه الراية هي العقاب أيضاً، ويؤيد احتمالي هذا قول الأشتر إذ ذاك لأصحاب علي - ع - (وأعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل، إنما تقاتلون معاوية وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري سوى من حولكم من أصحاب محمد، أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله (تقدم خبر راية ربيعة) ومعاوية مع رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله. . .).

على أن رسول الله - ص - لما جهز جيش مؤتة جعل الراية بيضاء وفيها

ص: 575

يقول كعب بن مالك الأنصاري:

ساروا أمام المسلمين كأنهم

طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر ولواؤه

قدام أولهم ونهم الأول

وكانت راية ربيعه المذكورة (حمراء) قال نصر بن مزاجم (وحدثنا عمرو أبن شمر قال: أقبل الحصين بن المنذر (تقدم ذكره) يومئذ وهو غلام يزحف براية ربيعه - وكانت حمراء - فأعجب علياً - ع - زحفه وثباته فقال:

لمن راية حمراء يخفق ظلها

إذا قيل: قدمها (حصين) تقدماً؟

ويدنو بها في الصف حتى يديرها

حمام المنايا تقطر الموت والدما

وقرأت في شهر حزيران سنة (1931) في كتاب مذكرات المستشرقين بصفحة 343 ما صورته: (وبراية بني أمية البيضاء وأعلام بني العباس السود) فعلمت أني مخطئ في قولي ب (9: 421) من لغة العرب:

فذا الاحمرار علامة لأمية

تلك التي هلكت بشر حسام

وسبب اعتقادي أن الحمرة شعار الأمويين قول المبرد (ويروى أن معاوية أبن أبي سفيان لما نصب يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء فجعل الناس يسلمون على معاوية ثم يميلون إلى يزيد. . .) وبهذا وهمت إلى ذلك، على أني كنت قرأت في ص 100 من صناعة الإنشاء لعز الدين علم الدين الشامي سنة (1927 - 1345) قوله (إن العلم العربي المربع الألوان هو رمز للتاريخ العربي والحضارة ذلك لأن اللون الأبيض يذكرنا بالدولة والحضارة العربية الأموية والأسود بالدولة والحضارة العباسية والأخضر بالدولتين والحضارتين الأندلسية والفاطمية والأحمر بالدول المغربية والهاشمية) فلم ألتفت إلى قوله لخلو كتابه من المسند التاريخي، ولخطأ في قوله، فالصواب أن أقول:(فذا الابيضاض علامة لأمية) والحكمة في مخالفة الألوان هي الدلالة على مخالفة القلوب والتباين في الحروب،

ص: 576

وإذ كانت الدولة الراشدية العلوية شعارها السواد أتخذ معاوية البياض وكان معاوية في صفين يجلس في قبة بيضاء وإياها يعني الإمام علي - ع - بقوله كما في نهج البلاغة: (وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فأضربوا ثبجه فأن الشيطان كامن في كسره وقد قدم للوثبة يداً وأخر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق (وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) الأخير من القرآن.

وكان حريث بن جابر في صفين نازلاً بين الصفين في قبة له حمراء يسقي أهل العراق اللبن والماء والسويق ويطعمهم اللحم والثريد فمن شاء أكل ومن شاء شرب.

وكانت علامات جند العراق (الصوف الأبيض) وعلامات جند الشام (الخرق الصفر) وعلامات بعض الخيالة في عسكر معاوية الخضرة.

أما سبب اتخاذ العباسيين السواد شعاراً فما جاء في الحديث النبوي من طرق مختلفة وبصور متعددة من طلوع الرايات السود من قبل المشرق وبها لمهدي صاحب الزمان الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ولما أشرف عبد الله بن علي العباسي يوم الزاب في المسودة وفي أوائلهم البنود السود تحملها الرجال على الجمال البخت وقد جعل لها خشب الصفصاف والغرب بدلاً من القنا، قال مروان الحمار لمن حوله:(أما ترون رماحهم كأنها النخل غلظاً أما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود؟) وكان

العباسيون يظهرون للناس أن تمكنهم من الدولة الجديدة يكون باباً لحكم المهدي صاحب الأمر وذلك مسايرة لاعتقادات سواد الناس واحتيالاً للبحبحة، ولا أرى للمنصور سبباً حمله على تلقيبه أبنه محمداً ب (المهدي) سوى قطع ذلك الاعتقاد واثبات أن أبنه هذا هو المهدي الموعود وما أسرع ما قتل الشريف محمد بن عبد الله المحض النفس الزكية الملقب المهدي وإبراهيم أخاه لاحتكار المهدوية لأبنه ولتصفية الخلافة من هذا العكر المشفي بها على الفساد (على اعتقاده).

ص: 577

ويروي أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني قول أحد الأئمة الاثني عشر عن عبد الله المذكور (هذا مهدينا أهل البيت).

وتعصب الخلفاء العبابسة للسواد تعصباً شديداً فقد روى الأصمعي أن أبا أسحق إبراهيم بن محمد الفزاري دخل على هارون الرشيد. وأبو يوسف القاضي جالس إلى يساره فقال (السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته) فقال الرشيد: (لا سلم الله عليك ولا قرب دارك ولا حيا مزارك) قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنت الذي تحرم السواد. قال: يا أمير المؤمنين. . . ووالله ما حرمت السواد. فقال الرشيد: فسلم الله عليك وقرب دارك وحيا مزارك أجلس أبا أسحق، يا مسرور ثلاثة آلاف دينار لأبي أسحق، فأتى بها فوضعت في يده فأنصرف وكان السواد واجباً في ألبسة رجال الدولة حتى الكتاب.

ولم يكن استشعار العبابسة للسواد مانعاً لبعضهم من اتخاذ الحمرة في الرايات فقد رئيت أعلام حمر في جيش المعتمد على الله المحارب للناجم علي بن محمد صاحب الزنج الدعي المفسد في أرض الله، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:(حدثني محمد بن سمعان قال: كنت في تلك الحال (حال إجراء الزنج لسفن الغنائم وغرق بعضها وسلامة بعض) واقفاً مع يحيى (بن محمد البحراني) على القنطرة، وقد أقبل متعجباً من شدة جرية الماء وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن (كذا لعلها تقليبه للسفن). فقال أرأيت لو هجم علينا عدو في هذه الحال؟ من كان يكون أسوأ حالاً منا؟ فوا الله ما انقضى كلامه حتى وافاهم (كاشهم) التركي في جيش قد أنفذه معه أبو أحمد (طلحة الموفق بن المتوكل) عند رجوعه من الأبله إلى نهر أبي الأسد يتلقى به يحيى فوقعت الصيحة واضطربت الزنج فنهضت متشوفاً للنظر فإذا (الأعلام الحمر) قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس ويحيى به

فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم جملة في الماء فعبروا إلى الجانب الشرقي.

ص: 578

وأتخذ الأمويون بالأندلس البياض مخالفة للعباسيين، وكان في كل أمورهم حتى في الحزن على الميت وقد أستسن الأندلسيون ذلك من عهد الأمويين وفي ذلك يقول أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري الحصري المعروف بالقيرواني المتوفى سنة (484) بطنجة.

إذا كان البياض لباس حزن

بأندلس وذاك من الصواب

ألم ترني لبست بياض شيبي

لأني قد حزنت على شبابي

ولمخالفة السواد والبياض أتخذ المأمون الخضرة شعاراً عند مبايعته الإمام علي أبن موسى الرضا - ع - بولاية عهده وقيل: بل لأنه لباس أهل الجنة فلم تطل أيامه حتى سمه العباسيون بائتمارهم أو بأمر المأمون نفسه وقد اتفقت في الشعار هذا مخالفته غيره ومشابهته للباس أهل الجنة، ولعلهم استدلوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الإنسان (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً. . . عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا) وبقوله - جل من قائل - في سورة الرحمن (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) وقوله تعالى في سورة الكهف (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك. . .) وفي الحديث النبوي (إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمار الجنة) وفي رواية (من ثمر) فالخضرة عمت من في الجنة حتى ما فيها من الطيور - على ما ذكروه -.

أما خضرة العلائم لأكثر العلويين الفاطميين فليست من الكتاب ولا من السنة ولا معروفة لهم من القديم وإنما حدثت في مصر سنة (773) أحدثها الملك الأشرف شعبان من دولة الأتراك. وخضرة العمائم أحدثها السيد محمد الشريف المتولي، باشا مصر، سنة (1004) وذلك لما دار بكسوة الكعبة والمقام وأمر الأشراف أن يمشوا أمامه وكل واحد منهم على رأسه عمامة خضراء وإنما

ص: 579

اختيرت العلامة الخضراء للأشراف لأن الأسود شعار بني العباس والأصفر شعار اليهود والأزرق شعار النصارى والأحمر مختلف فيه فقال في ذلك جابر بن عبد الله الأندلسي الأعمى صاحب شرح الألفية:

جعلوا لأبناء الرسول علامة

إن العلامة شأن من لم يشهر

نور النبوة في وسيم وجوههم

يغني الشريف عن الطراز الأخضر

وقال الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقي:

أطراف تيجان أتت من سندس

خضر بأعلام على الأشراف؟

والأشرف السلطان خصهم بها

شرفاً ليعرفهم من الأطراف

ولما أستحوذ العباسيون على الخلافة واستبدوا بها دون العلويين وأخذوا يقتلون بعضهم ويسجنون بعضاً، ثأر أهل الحفاظ منهم وذوو العزة والشمم الباذخ فاتخذوا البياض شعارهم في كل قطر ومصر وبلد تمكنوا منه ولذلك سموا (المبيضة) وفي القاموس:(والمبيضة كمحدثة فرقة من الثنوية لتبييضهم ثيابهم مخالفة للمسودة من العباسيين) وهذا غلط محض فأن كانت السياسة الشوهاء ارتكبته فلا يجوز للعلم أن يتحمل خطأها معها وإلَاّ فمتى كان أبناء رسول الله - ص - حملة السنة ومعدن الإسلام (ثنوية)؟ قال المبرد (وقال عبد الله (بن أبي عيينة) لعلي (الخارصي) بن محمد (الديباج لحسنه ويلقب المأمون) بن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين (الشهيد) بن علي (المرتضى) بن أبي طالب (شيخ الأبطح) وكان دعاه إلى نصرته حين ظهرت المبيضة فلم يجبه فتوعده، فقال عبد الله:

أعلي إنك جاهل مغرور

لا ظلمة لك لا ولا لك نور

ص: 580

أكتبت توعدني إن استبطأتني

إني بحربك ما حييت جدير

فدع الوعيد فما وعيدك ضائر

أطنين أجنحة البعوض يضير؟

وإذا ارتحلت فأن نصري للالى

أبواهم المهدي والمنصور

نبتت عليه لحومنا ودماؤنا

وعليه قدر سعينا المشكور

ولعمري أن لهذا الشاعر الكاذب لمندوحة عن هذه التهمة الباطلة السافلة ولكن بماذا كان يتقرب إلى العبابسة؟ فبفساد الملك تفسد الرعية وبسوق الباطل تعرض البواطل ولعن الله السياسة وحب الرياسة.

وللأديب المؤرخ أحمد بن عبيد الله الثقفي المتوفى سنة (314) كتاب (المبيضة) وهو مقاتل الطالبيين، ذكر أبن زنجي أنه كان يجيئه ويقيم عنده وسمع منه أخبار المبيضة وغيرها ولما استولى جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله الفاطمي على مصر وطرد

الأخاشدة حضر رسوله ومعه (بند أبيض) وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب. فهدأ البلد وفتحت الأسواق وسكن الناس كأن لم تكن فتنة. فدخل جوهر بعد العصر وطبوله وبنوده بين يديه وشق مصر ونزل في مناخة (موضع القاهرة اليوم) وأختط موضع القاهرة وقطع خطبة بني العباس عن منابر الديار المصرية وكذلك اسمهم من السكة وعوض عن ذلك باسم مولاه المعز وأزال الشعار الأسود وألبس الخطباء (الثياب البيض) وجعل يجلس بنفسه كل يوم سبت للمظالم وأذن المؤذنون ب (حي على خير العمل) وكان عمر بن الخطاب - رض - قد أسقطها من الأذان لاجتهاد رأى فيه صلاحاً للمسلمين.

وكان من شعار سلاطين الشراكسة بمصر عمامة ملفوفة بصنائع مكلفة (كذا في الأعلام، ولعلها: بصبائغ مكففة) يجعلون في مقدمها ويمينها ويسارها شكل ستة قرون بارزة من نفس العمامة ملفوفة من نفس الشاش يلبسها السلطان في مواكبه وديوانه ويلبس قفطاناً من فاخر الثياب على كتفه اليمنى طراز مزركش بالذهب وكذلك على كتفه اليسرى ويحمل على رأسه قبة لطيفة وفي

ص: 581

وسطها طير صغير يظلل السلطان بتلك القبة وهذه النبذة وأن لم تكن من موضوع مقالنا فهي إليه أقرب وبه أمس.

ومذ نشأت حكاية واقعة الطف وقتل الإمام الحسين بن علي - ع - أخذ عوام الفرس في إيران وعوام الشيعة بالعراق يحملون في مناحاتهم السيارة أعلاماً سوداً للدلالة على الحزن وقد تكون حمراً وخضراً ويطرزون فيها جملاً دينية أو عاطفية مثل (أشهد أن لا آله إلَاّ الله. . .) و (يا شهيد كربلاء) و (يا أيها الحسين الشهيد المظلوم) و (يا قمر بني هاشم أبا الفضل العباس) و (يا الله، يا محمد، يا علي، يا فاطمة، يا حسن، يا حسين) ومن الأعلام ما نقش عليه (كف مقطوعة) أو تكون الكف من الشبه في رأس القناة إشارة إلى قطع جيش يزيد لكفي العباس بن علي حتى حمل القربة بفمه، ويجعلون ذلك أقوى مشبة للأحزان، وفي يوم عاشوراء حين ينقسم (الحاكون) قسمين: جيش يزيد وجماعة الحسين، يحمل جيش يزيد الأعلام الحمر ويلبس لباساً أحمر خيالته ورجالته، وجماعة الحسين تلبس لباساً أخضر وتحمل رايات سوداً لكي تمتاز الفرقتان إحداهما عن الأخرى، وفي مقارىء مقتل الحسين للرجال تنصب أعلام سود رمزاً للكآبة من فقده - كما قدمنا)، ولا زال المداحون (وهم ثلة عاطلة تتكسب بمدح الأئمة الاثني عشر وذكر مصائبهم) يحملون في القرى أعلاماً وعلى

رؤوس عصيها أو قباها كف العباس من الشبه أيضاً.

وللأحباش في البصرة أيام معلومة عندهم يحتفلون فيها بعادة اعتادوها ثم يخرجون في الجواد والطرقات يضربون بآلات الطرب الهمجية وينشدون أناشيدهم باللغة الحبشية ومعهم الأعلام المختلفة الألوان، ونحن نعرف أن للحبشة رقصة اسمها (الدركلة) وهي لبني أرفدة منهم وقد قال لهم رسول الله - ص - حينما رآهم يرقصونها (جدوا يا بني أرفدة لكي تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة) ولكن هذه غير تلك وأحسبها باقية عندهم من زمن خروج الناجم علي بن محمد المذكور) بالبصرة واتخاذه أكثر جيشه من الزنج حتى سميت الواقعة (حرب الزنج) وهي أول مطالبة للسود بحقوقهم البشرية والله المستعان.

ص: 582