المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من دفائن رسائل الجاحظ - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌من دفائن رسائل الجاحظ

‌من دفائن رسائل الجاحظ

وصل إلينا قبل نحو شهرين مغلف ناقص الأجرة من إيران. ومن عادتنا أن نرفض كل ما سرد إلينا ناقص الإيراد. ويتفق أن يقع لنا مثل هذا الأمر مراراً عديدة في الشهر الواحد؛ إلا أننا هذه المرة خافنا عادتنا، فقبلنا المغلف وأدينا ما وجب أداؤه من إتمام الأجرة لظننا أنه من صديق عزيز لنا في فارس. وأما فضضناه، اسقط في يدنا، لأننا رأينا فيه رسالة دقيقة الحروف وليس بين كلمة وكلمة مغرز نقطة واحدة. وليس في الرسالة (رأس سطر) فأنها من أولها إلى آخرها متراصة الحروف والسطور لا تقرأ إلا بالمنظار. فألقيناها بين المهملات وندمنا على أننا أدينا عنها إتمام الابراد.

ومن بعد مضي شهر عليها أو اكثر، عدنا إلى مطالعتها لنرى موضوعها فرأينا أنها تحوي رسالتين للجاحظ: أولهما (في تفضيل بني هاشم على من سواهم) وآخرتهما (في إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ونطلب إلى القراء أن يفيدونا عما يعرفون من نسخهما.

وقد وهم الناسخ في رسم كثير من الكلم حتى أنه افسد بذلك بعض المعاني. ففي بعض المواطن أمكننا أن نرجع إلى مورد نعرفه فوردناه، فأصلحنا الخطأ، وأما المواطن التي صعبت علينا معرفتها، فأبقيناها على علاتها، تاركين التبعة على الناقل، وهو الشيخ فضل الله الزنجاني، الذي يلقي التبعة على ناقل النسخة التي ظفر بها.

وحضرة الكاتب الأديب لم يقل لنا أين وجد هاتين الرسالتين ولم يصف النسخة التي نقل عنها. ولا سنة كتابتها. والظاهر أن حضرته غير واقف على أصول النقل ولا على أحكام النسخ وطبع المخطوطات، والإفادة التي أفادنا إياها حضرته هي أنه:

(نقل هاتين الرسالتين علي بن عيسى الاربلي، من أفاضل علماء القرن السابع في كتابه. ولولا نقله لهما، لضاعتا كما ضاع أمثالهما. فللموصليين: المتقدم

ص: 413

(علي بن عيسى) والمتأخر (الدكتور داود بك الجلبي). الفضل الكبير في حفظ آثار الجاحظ الخالد).

انتهى كلام الشيخ الأديب.

رسالة للجاحظ في تفصيل بني هاشم على من سواهم

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم حفظك الله، أن أصول الخصومات معروفة بينة وأبوابها مشهورة، كالخصومة بين الشعوبية والعرب، والكوفي والبصري، والعدناني والقحطاني، فهذه الأبواب الثلاثة انقض للعقول السليمة وافسد للأخلاق الحسنة، من المنازعة في القدر والتشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي الأسماء والأحكام، وفي الآثار وتصحيح الأخبار. وانقض من هذه للعقول تمييز الرجال، وترتيب الطبقات. وذكر تقديم علي وأبي بكر رضوان الله عليهما.

فأولى الأشياء بك القصد، وترك الهوى، فان اليهود نازعت النصارى في المسيح، فلج بهما القول حتى قالت اليهود أنه ابن يوسف النجار، وأنه لغير رشدة، وأنه صاحب نيرنج، وخدع، ومخاريق، ناصب شرك، وصياد سمك، وصاحب شص وشبك، فما يبلغ من عقل صياد، وربيب نجار؟

وزعمت النصارى أنه رب العالمين، وخالق السموات والأرضين، واله الأولين والآخرين. فلو وجدت اليهود أسوأ من ذلك القول لقالته فيه. ولو وجدت النصارى ارفع من ذلك القول لقالته فيه. وعلى هذا قال علي عليه السلام يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط. والرأي كل الرأي، أن لا يدعوك حب الصحابة إلى بخس عترة الرسول. صلى الله عليه وسلم، حقوقهم وحظوظهم فان عمر، لما كتبوا الدواوين، وقدموا ذكره، أنكر ذلك وقال: ابدءوا بطرفي رسول الله صلى الله عليه وآله، وضعوا آل الخطاب، حيث وضعهم الله. قالوا: فأنت أمير المؤمنين؟ فأبى إلا تقديم بني هاشم، وتأخير نفسه فلم يشكر عليه منكر، وصوبوا رأيه وعدوا ذلك من مناقبه

واعلم أن الله أراد أن يسوي بين بني هاشم وبين الناس، لما أبانهم بسهم ذوي القربى، ولما قال: وانذر عشيرتك الأقربين؛ وقال تعالى: وانه لذكر لك ولقومك، وإذا كان لقومه في ذلك ما ليس لغيرهم، فكل من كان اقرب كان ارفع ولو سواهم بالناس لما حرم عليهم الصدقة؛ وما هذا التحريم إلا لإكرامهم

ص: 414

على الله. ولذلك قال للعباس حيث طلب ولاية الصدقات قال لا أوليك غسالات خطايا الناس وأوزارهم، بل أوليك سقاية الحاج والإنفاق على زوار الله. ولذا كان رباه أول ربا وضع. ودم ربيعة بن حارث أول دم أهدر، لأنهما القدوة في النفس والمال. ولهذا قال علي عليه السلام على منبر الجماعة:(نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد)

وصدق صلوات الله عليه كيف يقاس بقوم منهم رسول الله، والأطيبان علي وفاطمة، والسبطان الحسن والحسين، والشهيدان أسد الله حمزة وذو الجناحين، جعفر وسيد الوادي عبد المطلب، وساقي الحجيج العباس وحليم البطحاء والنجدة والخير فيهم والأنصار أنصارهم والمهاجر من هاجر إليهم ومعهم. والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق بين الحق والباطل فيهم، والحواري حواريهم وذو الشهادتين لأنه شهد لهم ولا خير إلا فيهم، ولهم، ومنهم، ومعهم، وقال عليه السلام، فيما أبان به أهل بيته: إني تارك فيكم الخليفتين: أحدهما اكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض. وعترتي أهل بيتي نبأني اللطيف الخبير، انهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، ولو كانوا كغيرهم، لما قال عمر حين طلب مصاهرة علي: أن سمعت رسول الله (ص) يقول كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي.

واعلم أن الرجل قد يتنازع في تفضيل ماء دجلة على ماء الفرات، فان لم يحتفظ، وجد في قلبه على شارب ماء دجلة رقة لم يكن يجدها، ووجد في قلبه غلظة على شارب ماء الفرات، لم يكن يجدها فالحمد لله الذي جعلنا لا نفرق بين أبناء نبينا ورسلنا نحكم لجميع المرسلين بالتصديق، ولجميع السلف بالولاية. ونخص بني هاشم بالمحبة ونعطي كل امرئ قسطه من المنزلة.

فأما علي ين أبي طالب عليه السلام، فلو أفردنا لأيامه الشريفة ومقاماته الكريمة، ومناقبه السنية، كلاماً، لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال. العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعلم جسيم كثير، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحيب، فأخلاقه وفق أعراقه، وحديثه يشهد لقديمه، وليس في وصف مثله، إلا ذكر جمل قدره دون استقصاء جميع حقه.

ص: 415

فإذا كان كتابنا لا يحتمل تفسير جميع أمره، ففي هذه الجملة بلاغ لمن أراد معرفة فضله. وأما الحسن والحسين عليهما السلام، فمثلهما مثل الشمس والقمر، فمن أعطى ما في الشمس والقمر من المنافع العامة، والنعم الشاملة التامة؟ ولو لم يكونا لبني علي من فاطمة عليها السلام، ورفعت من وهمك كل رواية وكل سبب توجيه القرابة، لكنت لا تقرن بهما أحداً من جلة أولاد المهاجرين والصحابة، إلا أراك فيهما الإنصاف من تصديق قول النبي (ص)

انهما سيدا شباب أهل الجنة، وجميع من هما ساوته سادة. والجنة لا تدخل إلا بالصدق والصبر، وإلا بالحلم والعلم، وإلا بالطهارة والزهد، وإلا بالعبادة، والطاعة الكثيرة، والأعمال الشريفة، والاجتهاد، والأثرة، والإخلاص في النية.

فدل على أن حظهما في الأعمال المرضية، والمذاهب الزكية فوق كل حظ.

وأما محمد بن الحنيفة، فقد اقر الصادر والوارد، والحاضر والبادي انه كان واحد دهره ورجل عصره، وكان أتم الناس تماماً وكمالا.

وأما علي بن الحسين عليه السلام. فالناس على اختلاف مذاهبهم، مجمعون عليه لا يمتري أحد في تدبيره، ولا يشك أحد في تقديمه. وكان أهل الحجاز يقولون: لم نر ثلثة في دهر، يرجعون إلى أب قريب كلهم يسمى علياً، وكلهم يصلح للخلافة، لتكامل خصال الخير فيهم، يعنون علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، وعلي بن عبد الله بن جعفر، وعلي بن عبد الله بن العباس رضي اله عنهم، ولو عزونا بكتابنا هذا ترتيبهم، لذكرنا رجال أولاد علي لصلبه، وولد الحسين وعلي بن الحسين، ومحمد بن عبد الله بن جعفر، ومحمد بن علي عبد الله بن العباس. إلا أنا ذكرنا جملة من القول فيهم، فاقتصرنا من الكثير على القليل.

فأما النجدة، فقد علم أصحاب الأخبار، وحمال الآثار، انهم لم يسمعوا بمثل نجدة علي بن أبي طالب عليه السلام وحمزة رضي الله عنه؛ ولا بصبر جعفر الطيار، رضوان الله عليه. وليس في الأرض قوم، اثبت جناناً، ولا اكثر مقتولا تحت ظلال السيوف، ولا اجدر أن يقاتلوا، وقد فرت الأخيار، وذهبت الصنائع، وحام ذوو البصيرة؛ وجاد أهل النجدة من رجالات بني هاشم وهم كما قيل:

ص: 416

(شعر)

وخام الكمي وطاح اللواء

ولا تأكل الحرب إلا سمينا

وكذلك قال دغفل، حين وصفهم: أنجاد، ذوو السنة حداد. وكذلك قال علي، عليه السلام، حين سئل عن بني هاشم وبني أمية: نحن انجد، وامجد، وأجود، وهم أنكر، وامكر، وأغدر. وقال أيضاً: نحن أطعم للطعام، واضرب للهام، وقد عرفت جفاء المكيين، وطيش المدنيين، وأعراق بني هاشم مكية، ومناسبهم مدنية.

ثم ليس في الأرض احسن أخلاقاً، ولا اطهر بشراً، ولا أدوم دمائه، ولا ألين عريكة، ولا

أطيب عشيرة، ولا ابعد من كبر منهم، والحدة لا يكاد يعدمها الحجازي، والتهامي، إلا أن حليمهم لا يشق غباره، وذلك في الخاص والجمهور، على خلاف ذلك، حتى تصير إلى بني هاشم، فالحلم في جمهورهم، وذلك يوجد في الناس كافة، ولكنا نضمن انهم أتم الناس فضلا، واقلهم نقصاً، وحسن الخلق في البخيل اسرع، وفي الذليل أوجد، وفيهم مع فرط جودهم، وظهور عزهم، من البشر الحسن، والاحتمال، وكرم التفاضل، ما لا يوجد مع البخيل الموسر، والذليل المكثر، اللذين يجعلان البشر وقاية دون المال. وليس في الأرض خصلة تدعو إلى الطغيان، والتهاون بالأمور، وتفسد العقول، وتورث السكر، إلا وهي تعتريهم، وتعرض لهم، دون غيرهم. إذ قد جمعوا من الشرف العالي، والمغرس الكريم العز والمنعة، مع إبقاء الناس عليهم، والهيبة لهم. وهم في كل أوقاتهم، وجميع اعصارهم، فوق من هم، على مثل ميلادهم في الهيئة الحسنة، والمروة الظاهرة، والأخلاق المرضية.

وقد عرف الحدث الغرير من فتيانهم، وذوو العرامة من شبانهم، انه أن افتري، لم يفتر عليه، وان ضرب، لم يضرب. ثم لا تجده إلا قوي الشهوة بعيد الهمة، كثير المعرفة، مع خفة ذات اليد، وتعذر الأمور. ثم لا تجد عند أفسدهم شيئاً من المنكر، إلا رأيت في غيره من الناس اكثر منه، من مشايخ القبائل، وجمهور العشائر. وإذا كان فاضلهم فوق كل فاضل. وناقصهم انقص من كل ناقص، فأي دليل أدل، وأي برهان أوضح مما قلته. وقد علمت أن الرجل منهم ينعت بالتعظيم، والرواية في دخول الجنة بغير حساب. ويتأول

ص: 417

القرآن له: ويزداد في طمعه بكل حيله، وينقص من خوفه، ويحتج له بان النار لا تمسه؛ وانه ليشفع في مثل ربيعه ومضر. وأنت تجد لهم مع ذلك العدد الكثير من الصوام، والمصلين، والمتألهين، الذين لا يجاريهم أحد، ولا يقاربهم.

كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، يصلي في كل ليله ألف ركعة وكذا علي بن الحسين بن علي، وعلي بن عبد الله بن جعفر، وعلي بن عبد الله بن العباس عليهم السلام، مع الحلم والعلم. وكظم الغيظ، والصفح الجميل، والاجتهاد المبرز. فلو أن خصلة من هذه الخصال، أو داعيه من هذه الدواعي عرضت لغيرهم لهلك وأهلك.

واعلم انهم لم يمتحنوا بهذه المحن. ولم يتحملوا هذه البلوى، إلَاّ لما قدموا من العزائم التامة، والأدوات الممكنة، ولم يكن الله ليزيدهم في المحنة إلَاّ وهم يزدادون على شدة المحن خبراً،

وعلى التكشف تهذيباً.

وجملة أخرى مما لعلي بن أبي طالب عليه السلام، خاصة الأب أبو طالب والجد عبد المطلب بن هاشم، والأم فاطمة بنت أسد بن هاشم، والزوجة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة، والولد الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة، والأخ جعفر الطيار في الجنة، والعم العباس؛ وحمزة سيدا شهداء في الجنة؛ والعمة صفية بنت عبد المطلب، وابن العم رسول الله صلى الله عليه وآله؛ وأول هاشمي بين هاشميين كان في الأرض، ولد أبي طالب. والأعمال التي يستحق بها الخير أربعة: التقدم في الإسلام، والذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الدين، والفقه في الحلال والحرام، والزهد في الدنيا. وهي مجتمعة في علي بن أبي طالب متفرقة في الصحابة. وفي قول أسد بن رقيم يحرض عليه قريشاً، وانه قد باغ منهم على حداثة سنه، ما لم يبلغه ذوو الأسنان:

في كل مجمع غاية أخزاكم

جذع ابر على المذاكي القرح

لله دركم ألما تنكروا

قد ينكر الضيم الكريم ويستحي

هذا ابن فاطمة الذي أفناكم

ذبحاً ويمشي آمنا لم يجرح

ص: 418

أين الكهول وأين كل دعامة

للمعضلات وأين زين الأبطح

أفناهم ضرباً بكل مهند

صلب وحد غرارة لم يصفح

وأما الجود فليس على ظهر الأرض جواد جاهلي، ولا إسلامي، ولا عربي ولا عجمي، إلا وجوده يكاد يصير بخلا إذا ذكر جود علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، والمذكورون بالجودة منهم كثير، لكنا اقنصرنا، ثم ليس في الأرض قوم انطق خطيباً ولا اكثر بليغاً من غير تكلف ولا تكسب من بني هاشم. وقال أبو سفيان بن الحرث:(شعر)

لقد علمت قريش غير فخر

بانا نحن أجودهم حصاناً

وأكثرهم دروعاً سابغات

وأمضاهم إذا طعنوا سنانا

وادفعهم عن الضرآء فيهم

وأثبتهم إذا نطقوا لساناً

ومما يضم إلى جملة القول في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، انه أطاع الله قبلهم، ومعهم، وبعدهم؛ وامتحن بما لم يمتحن به ذو عزم؛ وابتلي بما لم يبتل به ذو صبر. وأما

جملة القول في ولد علي عليهم السلام؛ فان الناس لا يعظمون أحداً من الناس إلا بعد أن يصيبوا منهم؛ وينالوا من فضلهم وإلا بعد أن تظهر قدرتهم؛ وهم معظمون قبل الاختيار؛ وهم بذلك واثقون، وبه موقنون؛ فلولا أن هناك سراً كريماً؛ وخيماً عجيباً؛ وفضلاًمبيناً، وعرقاً نامياً، لاكتفوا بذلك التعظيم؛ ولم يعانوا تلك التكاليف الشداد؛ والمحن الغلاظ.

وأما المنطق والخطب فقد علم الناس كيف كان علي بن أبي طالب عند التفكير والتحبير؛ وعند الارتجال والبديهة، وعند الإطناب والإيجاز في وقتيهما؛ وكيف كان كلامه قاعداً وقائماً، وفي الجماعات، ومنفرداً مع الخبرة بالأحكام، والعلم بالحلال والحرام، وكيف كان عبد الله بن العباس رضوان الله عليه، الذي كان يقال له (الحبر والبحر). ومثل عمر بن الخطاب يقول له: غص يا غواص وشنشنة أعرافها من اخزم، قلب عقول ولسان قؤول. ولو لم يكن لجماعتهم إلا لسان زيد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن معاوية بن جعفر؛ لقرعوا بهما جميع البلغاء؛ وعلوا بهما على جميع الخطباء. ولذلك قالوا أجواد، أمجاد،

ص: 419