الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظمي وذووه
جواب ووثائق جديدة
إن القضايا التاريخية يطلب فيها صحة النقل: وقدم المصدر عند تعدد النقول وخوف الزيادة والنقص، أو عند تضارب الوقائق واضطراب سندها، أو إزالة أوهام علقت بالأذهان. وفي كل هذا لا يعارض النقل إلَاّ بما يقارب الزمن المطلوب الكلام عليه، أو بما هو أقرب إليه مع التحوطات الأخرى بالوجه الذي عينه العلماء في الطريقة التاريخية.
وبعد أن تقرر هذا الأساس، وبعد أن طلبنا من القراء أن يأتوا بما لديهم عن هذه الأسرة نرجع إلى أصل النقد الذي أورده الفاضل يعقوب أفندي سركيس في الجزء الرابع والخامس من هذه السنة عما كتبته في العام الماضي. وكل ما علم من مقاله، التشكيك في النصوص التي بينتها، دون أن يبت في حكم. وهذا مما لا يعول عليه في نظر الباحثين.
ذلك ما دعاني إلى أن أناقش الفاضل ولكن بلا مجاذبة ولا مشادة؛ مجيباً عن أقواله، ومورداً الوثائق الجديدة التي عثرت عليها، إذا لم أجد مبرراً لالتزامه هذه الطريقة في الرد. ولعل التأثر من بياناتي عما جاء في مقاله، ساقه إلى هذا فصار لا يفكر في قوة الوثائق التي قدمتها.
1 -
الصلة النسبية:
من المعلوم أن الصلة العلمية تثبت بالتلقي والأخذ عن أستاذ. فإذا كانت مقرونة بلحمة نسبية قويت وصارت ارثية. وقد قلت أن نظمي هو أبن بنت عهدي (8: 275) كما أني قلت أن هذا الكتاب (كلش شعراء) أزال الإبهام عن مرتضى أفندي بالتعريف في نظمي أفندي واتصاله بهذا المؤلف (عهدي البغدادي)(8: 119) والآن أقول ألم يكن كذلك؟ وإلَاّ ليس قولي بتطور الأسرة بحيث أستقل الحفدة بأسماء جديدة.
نعم قد يختلف الحفدة في القوة وحق الإرث، فيقدم من هو أقوى قرابة،
وأقرب درجة. ولكن العلم ينتقل غير مراع هذين الشرطين في القرابة. لذا نرى الإوزيين في تحقيق تراجم الأشخاص وتدوينها، يلاحظون أدنى صلة نسبية لانتقال الإرث العلمي. ومع هذا قد
أوضحت المجمل وفصلت المبهم فبينت أن نظمي أبن بنت عهدي، وهذا صار رأس بيت قائم بنفسه. قلت:(وبعد ذلك يسدل الستار عن أولاد شمسي وأحفاده وسائر أقاربه، ويظهر للوجود نظمي وهو أبن بنت عهدي والوارث لآداب أجداده لأمه)(8: 187).
وأما اتصال مرتضى أفندي بنظمي، فيؤيده كلشن خلفاء، وكل مؤلفات مرتضى، كما أن ارتباط عبد الله أفندي بمرتضى أفندي ثابت بتاريخ (نزهة المشتاق) وبما قصه كل من الأستاذين نعمان أفندي الآلوسي ومحمود شكري أفندي الآلوسي، فانهما أوضحا الصلة التي بينهما. وقد بسطت الأدلة اللازمة عن العلاقات بقدر ما وصل إليه تحقيقي حتى أني نوهت بالختم الموقع في كلشن شعراء وذكرت أنه لمرتضى أفندي.
فللتشكيك حد والناس حرصاء على الاحتفاظ بأنسابهم، إلَاّ في مواطن لا تخلو من شائبة. أفهذا من نوعها؟
وعلى كل حال يقبل أن يأتي بما لديه من الوثائق أن كان عنده شيء من ذلك. فالنصوص التي أوردتها لا تبعد عن مرتضى، كما أن صاحب النزهة معاصر أو قريب العهد بعبد الله أفندي. والقاعدة المرعية في هذا هي:(إن كنت ناقلاً فالصحة) فلم يتعرض الناقد لهدم دليل مع أن الحق يقضي بمقارعة الحجة بالحجة، فكان الواجب عليه أن ينسب مرتضى لنظمي آخر ويحقق وجود ذلك، أو يلحق عبد الله أفندي بغير مرتضى المبحوث عنه، ويبرهن على صحة ما عول عليه.
أما قوله: (هذا ما وصلنا) فلا يبرر أن نسكت عن النقد والتمحيص وترجيح النصوص. فما وصله من الوثائق متأخر وخال عن السند. ومصدري قديم وثابت في زمن لم يزاحمه فيه نص ولم يعارضه دليل، ولذا وجهت النقد.
2 -
مرتضى أفندي أكبر مؤرخ عراقي:
أني أوضحت أعمال هذا الرجل التاريخية، وطبعاً يقدر المرء بقيمة مؤلفاته
وقد أنعمت النظر في نفس المؤلفات ولم أراجع في الأغلب ما قيل عنها بلا بينة ولا فكرت بدماغ غيري، بحيث إذا وجدت نقلاً نطقت، وأن لم أجد سكت فعندي مؤلفات
الرجل خير ترجمة له. وهذه تصلح لأن تكون مخصصاً لمكانته ودرجة علمه. وهي من اثمن النصوص التاريخية.
وهنا اسأل حضرة الفاضل: قد مضى ما يزيد على مائتي سنة على تاريخه وسائر مؤلفاته؛ فهل رأى مثله في عظمته خلال هذه المدة، وهل وجد أكبر منه أو هل وجد مؤرخاً عراقياً بلغ درجته منذ ستمائة سنة إلى اليوم؟
أن هذا المؤرخ لم يكتف بوقائع العثمانيين في عصره كما يقول الفاضل، وإنما أرخ بغداد من حين بنائها إلى زمنه وذكر أولياءها ووقائع القطر التاريخية الاخرى، واكمل سيرة الرسول (ص) وقد بينت جميع مؤلفاته، وهي تثبت ما نفاه. وأن أكثر من كتب في التاريخ عالة عليه، فلقد قدم لهم ثروة تاريخية لا يزالون يتقلبون في نعيمها. ومن راجع ما ذكرته من مؤلفاته يظهر له صحة ما قلته. وأن غمط حق هذا المؤرخ لا ينقص من قيمته وفضله.
بلغ المؤرخ جهده وبذل وسعه ولم يتصد أحد للآن من هدم أقواله في حين أنه من الميسور هدم أقوال غيره لأول حملة. فهو أكبر مؤرخ عراقي بحق وصدق ولم ينازعه من أيامه إلى اليوم منازع.
3 -
ما كتب وما كتبت:
من طالع ما كتبه الفاضل قبل هذا عن كلشن خلفاء وجده مقصوراً على وصف الكتاب المعروف والمطبوع قبل أكثر من مائتي سنة، وعلى ما يمكن استنتاجه منه أو ما قيل عنه بطريق الاستدلال، ولم يبد بياناته عن أسرة المؤلف ومبدأها، ومكانتها العلمية والأدبية، بل لم يستقص مؤلفات الرجل، ولا عرف بشيء عنها وليس له وقوف عليها جميعها، فكانت المحاولات - كما قلت - لم تتعد الحدس والتخمين. وقد أشير إلى مقالة أيضاً لتسهل المقابلة.
قصدت التعريف بالأسرة، وتاريخها، وعلاقتها ببيوت أخرى علمية، وأدبية وعرفت بمعاصريهم بقدر ما رأيته لازماً، ولم يقتصر البحث على تصحيح
التسمية، بل الغرض بيان جهات أغلفتها غيري، فالمقايسة بين القولين تعين صحة ما قلته.
4 -
مغمز كلشن شعراء:
كنت قلت أن في كلشن شعراء مغمزاً أي أنه ذكرت فيه ترجمة نظمي وينبغي أن لا تذكر فيه، ولكنني بينت أنه - نظراً لقدم خطة - يظهر أنه كتب في زمن مرتضى أفندي،
وحسين أفندي آل نظمي. وذكرت أنها أدخلت مؤخراً في صلب المتن، وأن ختم مرتضى فيها، فرجحت أن تكون لأحد أولاد نظمي ثم قلت وصلت هذه النسخة إلى مرتضى.
فهل يمحو هذا المغمز قيمة هذه الترجمة، وهل تقابل وتعارض بنص متخلف عنها بنحو مائتي سنة. وأن مترجمه في كلشن شعراء لم يقف عند إيضاح المترجم واتصاله بآل شمسي، وإنما بين تفصيلاً عنه، وأستدل بأشعاره، وما عاناه في غربته وما رثاه به المعاصرون حين وفاته. وقد أوردت أبياتاً منها، فأين المغمز في هذه، وهل يصح نبذ هذه الترجمة المؤيدة بأشعاره وأشعار غيره المعاصرين له.
فنقد النسخة يوجه من جهة إضافة الترجمة إلى كلشن شعراء لا غير، والملحوظ أنه قصد منها حفظها في هذه المجموعة الموضحة لتراجم الكثيرين من أفراد هذه الأسرة ومن لهم علاقة نسبية بهم. وليس في نفس الترجمة طعن.
وكنت آمل أن يجري النقد توصلاً للحقيقة، لا أن يكون لمجرد النقد توسلاً باحتمالات بعيدة عن الواقع بمراحل.
5 -
نزهة المشتاق:
إن نزهة المشتاق توضح الصلة. لا من طريق تسمية الأب وحده، بل الغرض منها بيانها عن المترجم عبد الله أفندي مرتضى، أنه من أسرة عريقة في الفضل والعلم. ومن عرف كلا من شمسي، وعهدي، ونظمي، وحسين، ومرتضى وغيرهم ممن ذكرناهم يقطع بأنها عريقة في الفضل، ولكنني لم أنشر ما قيل عنه هناك اكتفاء بما ذكره الأستاذ المرحوم شكري أفندي الآلوسي في المسك الاذفر، وبما قرره نعمان أفندي قبله في مجموعته.
وهذا لا يهدمه قول: (أو لا يمكن أن يكون مرتضى هذا غير ذاك، وليس
لنا ترجمة بأولاد مرتضى نظمي زاده، ولا نص يفصح عن أن عبد الله هو أبن مرتضى بن نظمي ليرتفع كل ريب وتزول كل شبهة.) أهـ
وأقول لا عبرة بالتوهم البين خطأه. وأن هذا الاحتمال لا يهدم الثابت المؤيد بالقرائن، ونفس الترجمة، والزمان، والمكان، والصفة. ومن طالع ما كتبته تظهر له حقيقة المترجمين بوضوح. كما أن المسألة ليست ارثية لتحصر فيها الأولاد كافة، بل يذكر في مواطن كهذه، من ينال مكانة ويحصل على ميزة.
هذا وأن الوثائق والنصوص التي أوردها الفاضل، جاءت مؤيدة لما ذكرته وكذا الوثائق التي سأوردها مما قوى التأكد وولد عقيدة.
ولعل حضرة الفاضل يرى ضرورة لوجود اعلامات لكل طبقة في حصرهم واتصالهم. وهذا لم يسبق له نظير في كثير من البيوت المعروفة.
6 -
تاريخ الحيدري:
إن الحيدري لم يبين الصلة بين البيوت. واشتقاق بعضها من بعض. أما أنا فبينت العلاقة ووجهت اللوم عليه من هذه الناحية أي عدم العلم، وإلَاّ فإنه ذكر الاثنين، أما الشهرة التي نوه بها الفاضل؛ فإنها كانت في حياة حسين أفندي، ومرتضى أفندي نظمي زاده؛ فهل من مانع أن تغطي شهرة مرتضى غيرها، ويستقل أولاده ببيت آل مرتضى، وهو هو، فتؤسس الأسرة من جديد ويكون هو مبدأ نسبه بأن علت شهرته على شهرة سابقيه. وخير الأسر من تسابق تاليها من تقدمه في الفضائل، خصوصاً نرى أن أولاد نظمي تكاثروا بحيث وقف بعضهم عند النسبة الأولى، ولهذا نظائر، فإن الفخذ الواحد قد يتفرع ويبقى قسماً منه محافظاً على اسمه الأول، وتشتهر الفروع الأخرى بأسمائها. وأمثلة هذا أكثر من أن تحصى، فغلب على أولئك آل نظمي وعلى هؤلاء آل مرتضى.
7 -
وثائق جديدة عن أسرة نظمي:
ليس أسرة غير هذه الأسرة مسماة بهذا الاسم. ولو كانت لبانت ولحصل التفريق بينهما. وعندي مجموعة خطية ظفرت بها مؤخراً، وهي تحتوي على مختارات عربية، وتركية، وفارسية، من منظوم، ومنثور، وفيها بعض المنتخبات من شرح وصاف لحسين أفندي نظمي زاده، وأبيات تركية وعربية أخرى.
وفيها بعض التواريخ، منها ما هو في تعمير ضريح الإمام علي (رض). وقد دون فيها بعض المبرات والخيرات إلى (الحاجة مريم بنت الحاج محمود نظمي البغدادي) و (رقية بنت الحاج مرتضى نظمي زاده البغدادي) وفي مكان آخر منها يذكرها بلفظ (الحاجة مريم بنت محمود النظمي المرحومة).
والظاهر من هذه المجموعة أنها تعود إلى أحد أولاد الحاجة مريم، أو رقية. ويقول في موطن منها:(والده مرحومة دار فنادن دار عقبليه انتقال ايلدى في 21 صفر سنة 1128)
ولكننا لم نتمكن أن نعرف أيهما أراد.
ومن الأسماء المدرجة بقرب الأسماء المارة: الحاج إسماعيل مالك أبن الحاج خليفة البغدادي، والحاج علي البغدادي، ولعل الأول منهما مالك المجموعة. وفيها اسم (محمود أفندي نظمي). وهذا يوافق ما جاء في وثيقة الفاضل يعقوب أفندي، وهذه المجموعة تذكر من آل نظمي (أحمد جلبي نظمي زاده) وأنه استعار كتاباً من صاحب هذه المجموعة يسمى (كنعانية) وقال عنه (كنعانية بزم نظمي زاده أحمد جلبي مزده في 25 جا سنة 1125.
وممن استعار كتباً مختلفة من قراء ذلك الزمن.
1 -
محمد جلبي 2 - عمر أفندي 3 - الحاج حسن قليجي 4 - طه أفندي 5 - محمد صالح أفندي 6 - سليمان أفندي 7 - شيخ سلطان 8 - محمد جلبي جادرجي زاده 9 - مصطفى آغا 10 - يس أفندي 11 - عثمان آغا قرنداشمر 12 - كاتب حسن جلبي 13 - خواجه (لم يسمه) 14 - جادرجي زاده ملا محمد 15 - ملا أويس خواجه سراي 16 - عبد الله آغا أبن يوسف آغا 17 - عبد الله ولد خليل جلوش 18 - عبد الرحمن آغا أبن يوسف آغا 19 - عثمان زاده نعمة الله 20 - صاجلي زاده إبراهيم جلبي 21 - ملا سليمان مشقر 22 - ملا محمد جادرجي 23 - عبد الرحمن آغا قرنداشمر 24 - ملا صالح بصري 25 - ملا عبد القادر 26 - علاقبند زاده ملا محمد.
وأعتقد أن هذه الموافقة القطعية لا تبقي شكاً للفاضل في أن من ذكرهم من آل نظمي كلهم من أسرة واحدة، وأن آل مرتضى استقلوا بشهرة والدهم، وبوسع حضرته أن يشاهد المجموعة متى شاء.
ولما كان الفاضل يقطع في أن الأبيات التي أوردها هي لنظمي، فلا مانع من أن تضاف إلى منظوماته، خصوصاً لأنها توافق زمن حياته، وكذا الوقائع التي نوه بها. وقد وجد في الوثيقة التي ذكرها بعض من ينتسب لمترجمنا. فهذه كلها مؤيدات جديدة لما جاء في مقالاتي السابقة.
وأن عدم مشاهدة أوليا جلبي له لا ينفي وجوده، وإنما هو في هذه الآونة أو ما يقاربها، اعتزل الأمور، وزهد، وأنقطع كما ذكر في ترجمة حاله. وعدم ذكر مرتضى وقائع السنتين، يفسر التزامه الاختصار، وعدم الأهمية لذكرها والضرورة الداعية. وقد فات
مرتضى أفق تفصيلات كثيرة لمراعاته الإيجاز. وهذه لا تدل على أنها لغير نظمي.
وهنا يذكر الفاضل بمراجعة كلشن خلفاء ويقابل بين القصيدة التي قدمها نظمي إلى حافظ أحمد باشا، والقصيدة التي أوردها كلشن شعراء، فيجد المطابقة الحرفية وأنهما قصيدة واحدة، ولكن لغة العرب لم تدرج المطلع، واكتفت بالتنويه والإشارة ولم تورد البيت لعجز المرتبين عن قراءة اللغة التركية. فهل يصح الاشتباه في أن نظمي غير والد مرتضى المذكور في كلشن خلفاء.
8 -
الذهاب إلى الرها أو الروم:
أن الترجمة المنقولة أثر وفاته، تصرح بأنه ذهب إلى الرها. وأن صاحب كلشن خلفاء أيد هذه الجهة. والروم هنا يقصد منها البلاد التي تحت حكم الروم أي الترك، وهذا لا يحدد بمنطقة دون أخرى، حتى أن العرف اللغوي يقطع بأن المراد بالروم الترك. وأن صاحب كلشن كرر لفظ روم في صحائف متعددة ويقصد منها الترك (راجع ص 1 الورقة 73 وص 2 الورقة 74 وص 2 الورقة 72) وفي هذه الأخيرة قال:
(إن أكثر أصحاب الغيرة وأرباب الديانة - نظراً للأحوال التي سردها - اختاروا الهجرة إلى الروم، وأنهم رتعوا في النعم السلطانية. وكثير منهم نال المناصب الشريفة. . .) أهـ
ثم ذكر عن أبيه أنه اختفى بضعة أيام، ثم ترك سبده ولبده، وعاف أصحابه ودياره، وأبدل زيه، فاكتسى بكسوة درويش، مكشوف الرأس، وحافي القدم،
ونال أنواع المشاق وبقي مكسور الجناح، ومعه أمه المشفقة، فأقام في كربلا والحلة بضعة أيام، ثم امتطى الغربة وجول في البراري والقفار، متحيراً لا يدري أين يتوجه (وقصده هنا تصوير غربته) ولم يتعرض لذهابه إلى الروم.
وفي هذه الأثناء ورد حافظ أحمد باشا للمرة الأخرى، وتوجه إليه لسابق معرفة. وهذا مما يدل على أنه لم يخرج من العراق. والحاصل توجع لوالده بما اوتيه من بيان وصور ما أصابه ليدلي بتعلقه بحكومته.
أما كلشن شعراء فأنه أعطى الإيضاحات اللازمة عن هذه، فأزال الإبهام المستفاد من الاختصار الوارد في كلشن خلفاء. والظن بأن سابق المعرفة تدل على أنه كان معه في بلاد الروم لم يدعمه دليل، مع أن حافظ أحمد باشا كان قد جاء قبل هذه المرة في أيام بكر
صوباشي. والمعرفة من هنا حصلت فلم يكن ذهب إلى الروم (الأناضول) حتى مجيء حافظ أحمد باشا. وذهابه كان في أواخر سنة 1035 أو أوائل سنة 1036. وقد هدم الفاضل نقده في كلامه الأخير خشية أن يسد عليه الطرق، فأورد احتماله قال: (إنه يمكن أنه بعد أن ذهب إلى هناك عاد إلى الرها. هذا وأن كان يجوز - من باب الاحتمال - أن يقال لعل صاحب كلشن خلفاء أراد بالروم توسعاً الرها. . .) أهـ. ولكنه لم يلتفت إلى مدلول لفظ الروم مع أنه نقل عن كلشن خلفاء: (بدر مرحوم تك وتنها ترك يار وديار محروسه، رهاده قرار أيتمش أيكن، بو أيام خير انجامده الحمد لله الملك الجواد أولاد وأحفاد وفي الجملة برك وبار ونظام معتاد أيله كيرو عودت بغداد أيدوب شاكر أو لمشدر) أهـ. والمعنى أن الوالد هاجر وحيداً، وأقام في الرها، وفي هذه الأيام - ولله الحمد - شكر الله على الأولاد والأحفاد والعودة بنعيم ونظام معتاد أي أن الله تعالى من عليه بالعودة، وعوضه بالأموال والبنين.
ويفهم من مجمل اللفظ أنه بعد أن ناله ما ناله، رجع وعوضه الله تعالى. وهذا لا يقتضي الملازمة. وحرف العطف المضمر في الصيغة العطفية (أيدوب) لا يدل على المقارنة ولا الترتيب، حتى أن (أيله) تدل على وجود جملة فعلية سابقة لها. ولو قيل أنه ذهب مجرداً وعاد بأموال وبنين لكان المعنى أنه صار له.
وإلَاّ فكيف يعقل أن يعود بأولاد وأحفاد، وتاريخ ذهابه وعودته معروفان
وأن كلشن خلفاء لم يطعن به، ولكن النص مجمل، فلا مخالفة وأن التأويل صرف كلشن عن المعنى الصحيح. وأما ما ورد في كلشن شعراء فسوف أعربه عند سنوح الفرصة. وغاية ما أقول هنا لا يهمنا أن يأتي بأمه، أو يأتي بجماعة من أهل وعيال، إنما الغرض بيان ترجمته، وأن هذا مما لا يعلق عليه أهمية كبيرة.
9 -
بين البك والباشا:
إن الفاضل لم ينظر إلى التاريخ، ولا إلى النقل، فأتخذ الغلط المطبعي، أو سهو القلم وسيلة لنقد ما هو معلوم، فأورد الترديد فالتصحيح ليبدي مهارة وهذا ما جعلني أن أعتقد أنه يحاول اتخاذ الوسائل لتأمين الغالبية، ولو من طريق واه، وإلَاّ فبعد توضح التاريخ وقائله، وذكر الاسم هل يبقى ارتياب؟ وبهذه المناسبة أراد أن يخرج عن الصدد ليتكلم عن جامع
الخاصكي، وأن كان هذا الخروج لا وجه له. وكذا يقال عن كل استطراداته. وقد لا يعود بعدها إلى المطلوب.
10 -
جامع الأنوار:
قال: (ذكرته ثم ذكره العزاوي). ويريد بذلك أني أخذت ذلك عنه، ولم أنبه عليه. والحال أني كتبت مسودة سجل الأوقاف بيدي، ومن نسختي نقلت أساس الكتب إلى دفتر الأساس، وأنا وصفت المؤلفات، ونبهت عليها، قبل أن يطلع عليها هو وغيره. ومن قوله هذا تعرف درجة حرصه، وهب أنه نبه عليه، فلقد دققت النظر فيه وبينت رأيي عليه، فهل هذا من الحقوق الأدبية التي يجب الاحتفاظ بها؟ أو ممنوع أن يدقق مرة أخرى. ومن راجع ما قاله وما قلته يتبين له الفرق.
فالفاضل لم يدر أن العلم مشاع ومبذول لكل طالب، وأن ذكره لأسم الكتاب لا يمنع أن يصفه آخر حسبما يتراءى، فالتفاخر لا يأتلف هو وصفة العلم.
وهنا لا يفوتني أن أنوه بفضل الأوربيين في بث العلم. وتمكين كل طالب منه بحيث جعلوه مشاعاً. وقد طلبت مراراً تصوير نسخ خطية من المتحفة البريطانية فوردت إلي بكل سرعة، مع أن النسخ التي طلبت لا نظير لها سواها، أو لا يتيسر الحصول عليها من موطنها المعروف وجودها فيه.