الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكمثراة ولا التفاحة، وكان يجب عليها أن تستعجل قليلا في أكلها، لان صاحبة البيت انتظرت أن تفرغ من أكلها، لكي ينهض الجميع، وتعطي إشارة ترك المائدة.)
والسيدة ت. جلست إلى المائدة في محل لم يعين لها. وذهبت بعد الطعام بعشر دقائق، وهكذا أخلت بالأدب مرتين، لان صاحبة البيت هي التي تعين موطن الجلوس لكل واحد. ومن اللائق أن يبقى الإنسان لا اقل من ساعة مع المدعون قبل أن يغادر البيت).
تعريب ماركريت بشارة في مدرسة الراهبات المركزية في بغداد
برج عجيب في أدب
بينما كان المنقبون جادين في تنقيباتهم وقفوا على برج مساحته ثمانية أمتار قائم على أطلال حديثة ولا يزال شاخصاً من طبقته السفلى قدر متر ونصف؛ ولما حفروا منفذاً تحت الأرض من أحد أطرافه، وجدوا جداراً سمكه نحو متر وهو مبني معترضاً بالكلس والآجر المسنم. أما داخل، فكان مشيداً باللبن، وفي الزاوية الشرقية من دكة البرج السفلى، كان عرض الفسحة هناك مترين، وطولها ثمانية أمتار، ولم يتيسر للمنقبين أن يمعنوا في التنقيب ويدرسوا الغرض من تلك الفسحة، وكان سطحها الأعلى مغشى بطبقة من الخمر، وعندما أزالوا تلك الطبقة وجدوا تحتها شقفة صغيرة محفوراً عليها اسم بركي - ملك كيش، وأصابوا في زوايا البرج وبين أطرافه نخاريب صغاراً عماقاً متخذة من الآجر. ثم أزالوا ما فيها من الرمل المتراكم طمعاً في أن يجدوا فيها اسطوانات مكتوبة؛ فخاب أملهم، إذ لم يقفوا إلا على شقفة من إناء حجري بسيط كان في أحدها. بيد أنهم عثروا في إنقاص هذا الهيكل على آثار آخر نفيسة جداً، وكان عددها عظيماً، بحيث يقع وصفها في فصل قائم
برأسه. وهذه اللقى الثمينة عرضت عن الاسطوانات المنشودة. ومما يجدر ذكره أن تمثال الملك دا أودو (داود) المعدود من اقدم التماثيل في العالم، وجد هناك فضلا عن شظايا تماثيل أخر وكانت خزانة ذلك الهيكل القديم مملوءة كنوزا تعد من انفس الآثار من تلك الآثار التي كشفت النقاب عن تاريخ هذه البلاد، وأهلت المنقب للاطلاع على صنائع سكانها الأقدمين وآدابهم وفنونهم وصنائعهم.
لم يكن البرج قائماً وحده على مصطبة الهيكل، بل وجد على جانبه كثير من المباني مشيدة بالآجر، لم تزل جدرانها منتصبة إلى علو بضع اقدام؛ ولما أزال المنقبون النفايات من الغرف، لم يجدوا أثراً ينبئهم عن الغرض من بنائها وقد ساد على ظنهم أنها بنيت في عصور متأخرة لغايات دينية.
أصاب الباحثون غرفتين في طرف مصطبة الهيكل القائم إلى جنوبي الزاوية، وكانتا من شكل وحجم واحد، وكلتاهما اتخذتا لغرض واحد في أزمنة مختلفة. ويهب معظم الأثريين إلى أن إحراق جثث الموتى لم يكن عادة شائعة عند البابليين القدماء، بيد أني اذهب إلى أن
هاتين الغرفتين اتخذتا لهذه الغاية، ولم تتخذ أبداً لإحراق جثث الحيوانات وتقديمها إلى الآلهة قرباناً وضحية على ما يزعم بعضهم.
كانت أول الغرف الخارجية قائمة الزوايا، وقيس طولها فكان ستة أمتار و 30 سنتيمتراً في عرض أربعة أمتار و20 سنتيمتراً. وكان عمقها تحت سطح دكة الهيكل متراً و9 سنتيمترات، وفي داخل هذه الغرفة غرفة أخرى بيضية الشكل، وكان سمك جدارها 60 سنتيمتراً، وهي مشيدة بالآجر المسنم وإلى الطرف الجنوبي الشرقي من هذه الغرفة البيضية كانت دكة اهليليجية طولها متران و 3 سنتيمترات في عرض متر و 7 سنتيمترات مفروشة بالآجر، وفي هذه الغرفة حفر مقيرة.
وكان متصلا بالطرف الجنوبي الشرقي غرفة مربعة وأرضها أوطأ من مستوى الدكة الاهليليجية بقليل وفيها أتون ومدخنة يؤديان إلى الدكة المذكورة. وقد دل آجرها على أن الحرارة بلغت اشدها وكانت الجثة المهيأة للإحراق تنقل إلى
مسلك ضيق فتوضع على الدكة البيضية فيجتاز لهب الأتون المدخنة فتحرق الجثة وتصيرها رماداً، وكان الدخان يخرج متصاعداً من منفذ في أعلى السطح المعقود بالأجر. ورماد الجثة بعيد عن رماد الحطب، فلا يختلطان، فيرفع الأول ويوضع في قوارير كبيرة بمنزلة مدفن لها، كما ذكر في أمر الخابئتين، فإن لم يدفن الرماد بهذه الصورة يلقى حينئذ في الحفرة السفلى، فيحفظ فيها بمنزلة رفات. وقد أزال النقابون من إحدى تلك المحارق الرماد المتكدس منذ قرون.
الريازة عند الشمريين
ذهب فريق من الأثريين منذ زمن طويل إلى أن العقد والقبة مأخوذان من الرومان. ولكن عثور المنقبين على عقود كاملة البناء من الآجر المسنم في فارة. وتلو، ونفر يقضي على ذلك المذهب قضاءاً مبرماً، إذ أن الغرفة البيضية الشكل المعدة لإحراق الجثث وجدت معقودة بالآجر، ولم تزل آثارها ظاهرة للعيان حتى اليوم في هيكل بسمى. والمكشوفات التي توصل إليها علماء الآثار في بابل وقفتهم على فن هندسة البابليين القدماء، وأنبأتهم بأنهم كانوا مشغوفين ببناء العقود والقباب منذ ستة آلاف سنة كما هو العادة اليوم في بناء الدور والسردايب في العراق وفي سائر ديار الشرق.
لما نقل الحفارة، ما في حفرة المحرقة الأولى ظهر بضع قطع من التماثيل الحجرية
البيض. أما نفس ما وجد في حفرة المحرقة الثانية فرأس تمثال مصنوع من المستماز الأسود، طوله من العنق المقطوعة إلى أعلى الرأس 15 سنتمتراً وقد محي وجهه وملامحه بضربة أصابته من آلة قاطعة حادة ذهبت بمحاسنه، بيد أن رأسه المستدير الأصلع كان كاملا، وهذا الرأس يماثل في المادة والشكل والصناعة تماثيل جودياء في تلو (تل هوارة).
خصائص ملوك عصر الآجر المسنم
خلف ملوك عصر الهيكل المشيد بالآجر المنسم، خمسة عشر ملكاً أو اكثر وهم الملوك الذين اتخذوا في عمارتهم الآجر الرقيق المخدد المستطيل. وكان اسم أحدهم بركي، ملك كيش المار ذكره، واغلب أولئك الملوك كانوا يعيدون بناء الهيكل القديم أو يرممونه. وقد شيدوا بعض الغرف على طول الجهة الشمالية
الشرقية من الدكة، وفرشوا أرضها بالآجر المخدد، وأقاموا على سطحها القني والمجاري، ورمموا ظاهر المحرقة.
واشهر الملوك الذين اهتموا بتجديد الهيكل، وعنوا بتشييد مباني أخر كان الملك علم الآجر بثلاثة أخاديد متآزية. ولم يزل اسم ذلك البناء العظيم مجهولا. إذ لم يتيسر لأحد النقابين العثور على عادية تميط اللثام عن وجه هذه المسالة.
ووجد الحفارون بالقرب من الطرف الجنوبي الشرقي من الدكة. مدخل باب غرفة قديم، وبقي منه قطعتان منحوتتان من حجر، لونهما وردي خفيف وفوقهما قائم ثغرة باب. وفي نقرة مدار الباب عضادة من خشب تدار فتتحرك وقد صنع مفصل هذا الباب (نرماذجته) بغاية الإتقان، وصقل وركب في الثغرة ولا اثر للكتابة فيه ويحتمل أنها اندرست لطول عهدها.
شرع سرجون ونرام سن في بناء الهيكل بعد البنائين الأولين، وقاما بترميمه وتوسيعه. يثبت ذلك ثبوتاً بيناً، آجر سرجون الكبير المربع، وذهب نرام سن إلى أن الترميمات التي قام بها هو وسرجون كانت طفيفة جداً، ويكاد يكون لا اثر لتجديد المباني في عصريهما، لأن الملك أور ننجور، استأصل كل ما قاما به من ترميم وتجديد، لما تبوأ عرش الملكة، ويعد آنجور ودنجي من اعظم الملوك همة في تشييد المباني والهياكل، والمعابد في ديار بابل؛ فان الآجر المنسوب إليهما يكاد يرى في معظم أنقاض المباني القديمة. كما أن آجر نبو كدر اصر مبثوث بين بقايا المدن والقصور والعمارات التي قام بتشييدها في عصره.
إن هذين الملكين لما أعادا المباني في أدب لم يتعرضا لتغيير الدكة الواسعة الأطراف بل صانها وأبقياها على حالها الأول على حد ما شيدها البناؤون القدماء غير انهما وسعا ساحة البرج المبنية بالآجر المسنم، توسيعاً كبيراً. فانهما جعلا عرض كل من جوانبها 20 متراً، بعد إن كان 8 أمتار؛ وقد حافظا على هيئة بناء البرج القديم، فكان جداره الظاهر مشيداً بالآجر؛ أما باطنه فكان باللبن، وسقط بعض الآجر من طبقة البرج العليا في الزاوية الجنوبية، وهذه الآجرات وقفت الأثريين على عدد طبقات البرج ومبلغ ارتفاعه، والآجر
المكتوب المشيد في وجه الجدار، كشف الغطاء عن أسماء البنائين، وفرق بين عمل الواحد وعمل الأخر وميزها بفروق ظاهرة.
ووجدت قساطل مربعة مصنوعة من الآجر بقرب الزاويتين الواقعتين في الشمال والجنوب، ولا اثر فيها للكتابة وهي مغشاة بالجمر، وقد اتخذت قنيات لجر ماء المطر من أرض طبقة البرج الأولى. ويرى في الزاوية الغربية غرفة صغيرة مكتظة بالقساطل، فعثر فيها النقابون على شقف عديدة من إناء بهيئة زورق.
ولقد محت الطوارئ الطبيعية كالمطر والشمس والرياح آثار مجددي بناء الهيكل ومرمميه في القرون الأخيرة. ولم تترك أثراً شاخصاً يستدل به على أولئك الملوك البنائين. فقد ورد في الرقم المسمارية التي كشفت مع شريعة حمرب، هذا أن الملك بنى الهيكل والمدينة، ولعل المراد بذلك ترميمها أو إعادة بعض المباني فيهما. لان النقابين لم يعثروا في هيكل أدب على صحيفة آجر تؤيد ما ادعاه الملك حمرب، ولعل التنقيبات المقبلة في أنقاض (بسمى) تكشف النقاب وتزيل الاتهام عن هذه المسألة المهمة في نظر الباحثين المحققين.
أما الآجر المنسوب إلى الملك كوريجلزو الذي كشف في أنقاض أخربة أخر فيشير إلى انه أحد بنائي الهيكل. ويظهر أن مدينة أدب فقدت بعدئذ مركزها الديني والأدبي الأول، فأهملها الملوك، ولم يعودوا إلى الاهتمام بأمرها فأصبحت نسياً منسيا، إذ أن الملكين العظيمين: آشور بنيبل ونبو كدراصر كانا من المولعين بإعادة بناء الهياكل القديمة في الجنوب، وذلك لم يكترثا مدينة أدب ولم يلتفتا إلى هيكلها، ولا إلى مقام المعبودة نن هرسج (سيدة رأس الجبل).
لقد أصبحت هذه المدينة بعد أن تخلى عنها الملوك الأشداء، مأوى لبنات آوى، ومسرحاً
للذئاب. ومربضاً لسائر الأوابد بل هجرها أعراب البادية، لأنها أمست قفراً اجر، ولا اثر للماء والحياة فيها.
رزوق عيسى