الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوائد لُغَوية
نقد تاريخ الأدب العربي
- 6 -
والذي حمل عمراً على الارتداد جبروته لا ضعف إيمانه. ألا ترى أن سليمان أبن ربيعه الباهلي لما عرض جنده بأرمينية - وكان لا يقبل من الخيل إلَاّ عتيقاً - رأى عمرو بن معد يكرب على فرص غليظ، فرده وقال له: هذا هجين، فقال عمرو: إنه ليس بهجين ولكنه غليظ، قال سليمان: بل هو هجين، فقال عمرو: إن الهجين ليعرف الهجين، فكتب سليمان بكلمته التي قالها إلى عمر بن الخطاب - رض - فكتب إليه عمر:(أما بعد يا أبن معد يكرب أنك القائل لأميرك ما قلت، فأنه بلغني أن عندك سيفاً تسميه الصمصامة وأن عندي سيفاً أسميه مصمماً، وأقسم بالله لئن وضعته بين أذنيك لا يقلع حتى يبلغ قحفك) وكتب إلى سليمان بن ربيعه يلومه على حلمه عن عمرو، فلما قرأ عمرو الكتاب قال لأصحابه:(من ترونه يعني؟) قالوا: (أنت أعلم) قال: (هددني بعلي والله) وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان قال: (كتب عمر إلى سليمان بن ربيعة الباهلي أو إلى النعمان بن مقرن: إن في جندك رجلين من العرب عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد فأحضرهما لناس وأدبهما وشاورهما في الحرب وابعثهما في الطلائع ولا تولهما عملاً من أعمال المسلمين وإذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما. قال: وكان عمرو أرتد (كما تقدم) وطليحة تنبأ) فيستبين مما قدمنا أن جبروت عمرو غلب على عقله وأن نفسه كانت طموحاً وثوباً ولولا تهديد عمر بن الخطاب - رض - له بعلي - ع - لأحدث ثغرة في صفوف المسلمين. وحسبك من شدته أن عمر الصارم
كان يتخوفه ويتأثر حركاته بعزم شديد وحزم مديد.
(هلع) على وزن طرب
وضبط في ص 22 قول عمرو بن معد يكرب (ما أن جزعت ولا هلعت) بفتح اللام من (هلع) والصواب: الكسر ففي المختار (الهلع أفحش الجزع وبابه طرب) وفي المصباح:
(هلع هلعاً من باب تعب: جزع) وأصل الفعل ربما كان على وزن (ولي يلي) لكن حرف الحلق في المضارع فتح العين. قال المبرد في (1: 60) من الكامل (تقول: ولغ يلغ فهذا فعل يفعل، والأصل يفعل (بالكسر) ولكن فتحته الغين لأن حروف الحلق تفتح ما كان على يفعل (بالكسر) ويفعل (بالضم) ولولا ذلك لم تقع فعل يفعل (بالفتح) وحروف الحلق ستة: الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء. وهن يفتحن إذا كن في موضع العين واللام، فأما العين فنحو سأل يسأل وذهب يذهب، وأما اللام فمثل قرأ يقرأ وصنع يصنع وسائر هذا الباب على ما وصفت لك) ويمكن أن يرد هذا الرأي الذي أحتمل بأن فعل يفعل (بالكسر والفتح) أصل في التغيرات برأسه وبابه أوسع من باب (ولي يلي) كثيراً.
أول من بكى على الديار
وقال في ص 26 بالحاشية: (ومما يدل على أن الشعر قديم العهد، قول امرئ القيس:
عوجا على الطلل القديم لعلنا
…
نبكي الديار كما بكى ابن حزام
ثم نقل في ص 46 بترجمة امرئ القيس: (فقالوا أنه أول من وقف على الأطلال وبكى على الديار). فكيف لم يتنبه على أنه يستحيل التوفيق بين هذين القولين. لأن امرأ القيس يصرح في بيته المتقدم ذكره: إنه رغب في بكاء الأطلال اقتداءً بابن خذام الذي هو أقدم منه. ووقع في هذا الوهم مؤلفاً (الوسيط في الأدب العربي وتاريخ) الشيخ أحمد الإسكندري والشيخ مصطفى عناني فقالا في (ص 48) من الطبعة الأولى: (حتى ليظن أنه المبتكر لذلك) وكأنا قد ذكرا هذا البيت المبطل للدعوى (في ص 37) وأوله: (عوجا على الطلل المحيل لأننا)
على رواية أخرى، وهذا مما يدل على أن التقليد في تاريخ الأدب العربي ما زال شاباً، فأن أبا عبد الله محمد بن سلام الجمحي البصري المتوفى سنة (232) هـ صاحب الطبقات ذكر البيت السابق كما في ص 21 من طبعة مطبعة السعادة بمصر، ثم نقل في ص 27 أنه سبق العرب إلى أشياء أبتدعها، منها: استيقاف الصحب البكاء على الديار فقلدوه، ثم أن بكاء الديار شيء طبيعي قد كان مذ عرف البكاء ونشأت الأحزان.
مصطفى جواد
المجمل في تاريخ الأدب العربي
14 -
الخاتمة
وقال في ص 282: (وبعضها راويه كذاب أشر لا يوثق بحديثه كابن الكلبي) قلنا: ليس للتعصب محل في التاريخ فأن أبن الكلبي مصدر كثير من تاريخ العرب والإسلام وكتبه التي جاوزت المائتين تشهد بإقبال الناس أنفسهم مؤلفاته خاصة ولما ندر الغلط الذي غلطه؟ حتى ينصب به الأثري هذا النصب؟ وأن كان في حديثه كذب فلا يبلغ ما أختلقه (عروة بن الزبير) الذي قال عنه الأثري في ص 303 من كتابه (وروي أن عروة بن الزبير بن العوام (23 - 94) وهو من كبار محدثي المدينة وفقهائها كان أقدم من ألف في سيرة رسول الله ص) فنحن نروي أقوال بعض المؤرخين في عروة وإفساده تاريخ الإسلام. قال أبن أبي الحديد في (1: 358) من شرحه: (وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله. . . أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير!!! روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله إذ أقبل - العباس وعلي - فقال: يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال: ديني!!! وروى عبد الرزاق بن
معمر قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة! عن عائشة في علي عليه السلام فسألته عنهما يوماً فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما، الله أعلم بهما لأني أتهمهما في بني هاشم، قال: أما الحديث الأول - (أي حديث تكفير العباس وعلي) - فقد ذكرناه، وأما الحديث الثاني فهو أن عروة!! زعم أن عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي - ص - إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة أن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار!! فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي أبن أبي طالب!!) فلعل الأثري آثر عروة بن الزبير على غيره من أجل الأحاديث العظيمة!! وقال أبن أبي الحديد في ص 360 (قال: وقد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنه كان يأخذه الرمع عند ذكر علي عليه السلام فيسبه!! ويضرب بإحدى يديه على الأخرى ويقول: وما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه وقد أراق من دماء المسلمين ما أراق!!) ونحن كلما
رأينا ما خطه الأثري زادت ثقتنا بقولنا: إن مرجع الدين هو الروح لا العقل. أما كون النفس أمارة بالسوء فأمر مجرب، وقل من محص دينه بعقله لأن النفس لا تدع لذلك مجالاً، وخرف وخلط من قال: إن العقلاء المهذبين براء من التعصب وهو لا يعرف مصدر الدين، أجل أن العقلاء يتفننون في كتم تعصبهم لا غير، فلو كان الدين بالعقل لا جمع العقلاء على دين واحد من متباين الشعوب. ههنا البلية العظمى والطامة الكبرى. فأنا لله وأنا إليه لراجعون ومنه نتطلب المعون.
مصطفى جواد
البخص
يظن بعض الشعوبية أن العربية قاصرة عن تأدية بعض المعاني العصرية. قال لي أحدهم: (عند الإفرنج لفظة يريدون بها تبييت اللحم الذي يراد أكله بحيث يأخذ بشيء من الانحلال. وكثيراً ما يفعلون ذلك بالتدرج. وإذا فات عليه الانحلال فقد يسم منه آكله ولا سيما في البلاد الحارة، ولم نر للعرب لفظة تؤدي هذا المعنى أي قلنا: هو البخص (بالتحريك ويجمع على أبخاص) ومنه قول المؤرخين: (مات الخليفة المهدي من أكله أبخاصاً)(راجع النجوم الزاهرة 2: 58).