الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آل الشاوي
سليمان بك الشاوي
(تتمة)
وقائعه السياسية
1 -
من مقتل أبيه إلى وزارة سليمان باشا:
إنَّ خبر مقتل والده دعاه إلى أن ينهض على الحكومة بتاريخ 1183 هـ كما تقدم. وهذه أول معاناته للسياسة العدائية، وقيامه على الحكومة العثمانية، فاشترك أخوته معه، وبقيت نتائج هذا الحادث مجهوله، والظاهر أن المناوأة بقيت إلى أيام الطاعون عام 1186 هـ وما يليها، حتى تدهور هذا الوزير واختل أمره في كل صوب وكان الشاويون عليه أكبر من الطاعون، ودامت أيام الطاعون من أوائل شعبان سنة 1186 إلى أواخر المحرم من سنة 1187 هـ. (راجع دوحة الوزراء).
ثم وقعت حروب وفتن داخلية وغير داخلية أي مع العجم، زمن حكومة عبد الكريم خان الزند، أنست مصاب والده، ودعت إلى تقربه من الحكومة بعد أن زال الوالي وشفي غليلهم بقتله. وأخذت الحكومة نفسها تستعين به في الأخطار التي انتابتها من كل صوب، فقام في هذه الأحيان لمصلحة الحكومة بما كان يمدح عليه. فهو قوة على الناهضين للإفساد والشغب، مراعياً سياسة الإدارة وإرضاءها بما استطاع من حول، ورأى المصلحة الحقيقية تدعو إلى ذلك واخوته معه قوة لا يستهان بها.
ونظراً إلى ما كان له من نفوذ ومكانة، أستصرخه الببتوشي في وقعة العجم، واستيلائهم على البصرة، وحرضه على استعادتها، وقد أورد صاحب مطالع السعود ما مؤداه:
(إن البصرة كان قد حاصرها العجم بعد سنة 1188 هـ لمدة نحو سنتين، ثم استولوا عليها وأسروا متسلمها سليمان أغا. وفي أثناء بقائها بيد العجم،
كتب الأديب الفاضل، عبد الله البيتوشي إلى سليمان بك الشاوي، كتاباً جمع إلى انسجام الألفاظ، جوامع المعاني، وكان سليمان بك إذ ذاك صدراً في العراق يستصرخه لنصرة البصرة وتخليصها مما فيها، ذاكراً
فيه ما للبصرة من الفضائل التي منها: إنها ربت جماعة من الفضلاء والكرماء فكيف تترك تحت أضراس العسف؟ إلى أن يقول:
ما كان من شيم الأكابر أنهم
…
يدعون ما يحمون بالأسياف
والبصرة الفيحاء أولى ما حمى
…
ملك وصانتها يد الأنصاف
أفتاركوها تحت أنياب السيو
…
ف ذليلة الأشراف والأطراف
أم مطلقوها من أداهم ذلها
…
فلكم دعت للفك من أشراف
نادت (هزبراً) حين أعيا أمرها
…
فأجابها بشراك بالألطاف
ولم يذكر ابن سند كتابه بنصه وإنما لخصه تلخيصاً. وقال:
(ولما وصلت المألكة إلى سليمان بك، وقعت منه موقع السلسال من الغيمان، ورام النصرة فلم يكن له بها يدان. . .) ولذلك لما اضطرب من أحوال بغداد وما بلغ من سوء الحالة والنزاع على الوزارة والحزبية الداعية للفتن. وفي هذه الأثناء أيضاً تأهب الفرس لغزو المنتفق، وغاية ما يلاحظ هنا أن البيتوشي لم ير من يستفزعه لهذا الأمر الجلل سوى سليمان بك. ولذا خاطبه بكتابه الذي نوه به عثمان بن سند، وفي هذا الحين كان سليمان أغا متسلم البصرة في أسر العجم.
2 -
من وزارة سليمان باشا إلى أواخر أيام المترجم:
ثم أنَّ سليمان أغا أطلق من أسر العجم، فولي متسلمية البصرة، وبعدها نال وزارة بغداد أيضاً فصار يدعي (سليمان باشا) وذلك سنة 1194 هـ، فصار إلى الزوراء وحينئذ استقبله إسماعيل كهية في طريقه، وكان وصل (العرجة) فقتله هناك ونفى من كان معه إلى البصرة، فذهب الوزير إلى كربلاء وعاد منها كما في دوحة الوزراء.
قال صاحب مطالع السعود في ص 68: (وعندما شارف الحلة، لقيه أحد الأكابر الجلة، أمير حمير سليمان بك لما بينهما من الخلة، فأكرمه وبجله، وأجله وعامله من اللطف بكل خلة. . .) وورد عن سليمان فائق بك، وصاحب الدوحة في بيان السبب: (لما أبداه من الصدق والإخلاص للحكومة من أول الأمر
إلى آخره.) ومن ثم وصل الوزير المسعودي ولم يشأ أن يدخل بغداد حتى يقضي على بعض المناوئين، فعبر من ناحية (المنطقة) ومضى في عمله (دوحة الوزراء).
3 -
وصف الحالة السياسية وآل الشاوي:
قبل هذا كان النفوذ محصوراً في أيدي المماليك، (أي الكولات، ولا تزال محلة الكولات في بغداد معروفة باسمهم) لزيادة الحرص والطمع في السلطة، وفي جباية الأموال. ولم يقربوا من الآهلين إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة والضرورة وذلك في المدينة طبعاً لا في الخارج ولا في العشائر ولم يقدموهم للمناصب في آخر الأمر إلا لعجز بدا منهم وسوء تدبير، مما دعا إلى التدخل والاستعانة، ولذا نرى حالات الاضطراب والفتن الأخيرة أهابت إلى أن يقوى نفوذ آل الشاوي في الإدارة الداخلية عدا العشائرية التي كانت في أيديهم دون سواهم بحيث صار يخشى بطشهم ويرتاب في توسع سطوتهم أكابر الأمراء وأرباب السلطة، والشعر لسان حال الوضع وهو جريدة ذلك الزمن.
وفي كل هذا الحين، أي إلى زمن حكومة سليمان باشا، لم ير من آل الشاوي ما يعاكس سياسة الحكومة وسلوكها، وإنما يشاهد منهم النصح الصادق، وحسن التدبير، والمقدرة على الإدارة، ولكن الأجنبي يتخوف من ظله ويحترز من الوطنيين احترازاً يحسب له حساب، فحدثت الرقابة وصار يخشى من توسع أمر الشاويين، فكان سليمان بك يعد من أماثل القطر وأكابر رجاله، وكان ممن لا يقعقع له بالشنان.
أما سليمان باشا الوزير فإنه أراد أن يعيد إلى المماليك سطوتهم الأولى، ونفوذهم السابق، وحاول أن يقضي على كل نفوذ لغيره من عشائر أو من أشخاص ويحصر السلطة بأيدي المماليك ولكنه حاذر أن يبطش بسليمان بك الشاوي رأساً وبلا تمهيد مقدمات لما حاق به من الأخطار الآخر فأبدى له حباً جماً، وأظهر مودة زائدة، وأستخدمه في أهم الأعمال، كل هذا ليمحو به نفوذ الآهلين من جهة، ويقلل تدخلات الحكومة المركزية من جهة أخرى بسبب ما يظهر في المماليك من الضعف بين آونة وأخرى، ثم يرجع إليه بعد ذلك ويفرغ له.
وقد خبر هذا الوزير الحالتين: نفوذ المماليك الأول، وضعفهم الأخير. وشاهد بعينه مقدرة عبد الله بك الشاوي. ولعله هو الذي أسر الوزير عمر باشا بقتله فقتله. ولذا قرب الوزير سليمان باشا صاحب خاتمه (مهرداره) أحمد آغا الخربنده ولم يثق بغيره لمكاشفة سره، والاطلاع على طويته في هذا الامر، وذلك لأنه رباه من صغره، وعرف إخلاصه له،
واستقتاله في خدمته، فأعطاه من النفوذ والسلطة ما حسده عليهما أهل حاشيته، فمكنه لهذه الغاية ولم يخش منه قوة قبيلة أو نفوذاً يصح أن يستعمله عليه، بعد هذه المنحة من حول وطول.
أما سليمان بك، فإنه قام بخدمات جليلة لهذا الوزير، وأنقذه من ورطات عظيمة في جميع ما وقع من الأسفار والحروب. فأعماله نحو الوزير مبرورة خالصة وظاهرة للعيان، فنال وجاهة عند الوزير ولم يساو به أحداً في الظاهر؛ وان كان الوزير حسب خطته يضمر له نيات، على حد ما قيل (لا يجتمع سيفان في غمد، ولا فحلان في شول) خصوصاً أنه حصل على حب الآهلين ومدحه الشعراء، زد على ذلك أن في أصله نجابة وكرامة تدعوان إلى تساميه وفخاره على غيره.
وما قيل: إن الوزير كان قد ربى أبن الخربنده، وهو أحمد آغا المهردار من صغره، ورعاه رعاية كبيرة لما فيه من اعتدال قوام، وجمال خلق، وأدب جم، وموسيقى جذابة، وحسن تدبير، ومهارة في القيام بالأمور المودعة إليه، قول صدق قوى نفوذه لديه بحيث صار يد الوزير وسمعه وبصره، ومن هنا تولدت النفرة بينه وبين سليمان بك ووقعت المزاحمة، ولما كان الوزير يحب الاثنين أراد أن يوفق بينهما، فلم يتمكن مع عزة المهردار عند الوزير واستحقاقه التصدير لنباهته. كل هذا لم يكن السبب الحقيقي، وسليمان فائق بك المؤرخ الشهير لم يشأ أن يبدي السبب الحقيقي؛ لأنه من المماليك ويحب أن يستر نياتهم. وان كان أشار إلى تألم الوزير لمقتل ابن الخربنده وبيانه فان ذلك هدم لمشروعه وتشويش لما قرره، وكذا يقال عن صاحب المطالع فإنه أبدى أن حساده توصلوا إلى الوزير، وغرضهم أبعاده فأبلغوا عنه ما أرادوا إذ لو لم يبعدوه لما
سادوا حتى قال: وإن من هذه الأسباب مخاصمته المهردار ومصارحته له بالعداوة مع عزة المهردار عند الوزير.
إنَّ هذا الأمر بيت ليلاً، وكان كلما أشتد النزاع والنضال بين الاثنين، أبدى الوزير أنه سعى للتوفيق بينهما توصلا للغرض فكتم الأمر غاية الكتمان، ولما رأى أن الوقت قد حان لتحقيق منهاجه اضطر - ظاهراً - إلى أن يرجح جانب المهردار، وأشاع عن سليمان بك تصلبه وخشونته فأمر أن لا يبقى في بغداد، وأن يذهب إلى حيث يشاء.
وقد يكون أبن الخربنده هو الذي أوغر صدر الوزير، وبلغه تبليغات عنه، لينال المكانة،
ولكن الوضع كان بخلاف ذلك، والإشارات والقرائن تؤيد الرأي الأول، وقد وجه سليمان فائق بك اللائمة إلى الشاوي من جهة عدم مماشاته للوزير، وفسحه المجال لابن الخربنده والظاهر ما ذكرت أن سليمان فائق بك يريد أن يكون ذليلاً، فنسب إليه الخشونة، على أن الحكومة ليست معبودة لهذا الحد، والأخلاق السليمة تأبى الخضوع لكل امرئ، وإنما يخضع الإنسان للحق ولا يخشى إلا الله، وتعست الحكومة التي هذا شأنها ولم تقف عند حدها، وقد كلفت الوزير هذه الخط كلفة كان في غنى عنها، وحركت عليه ساكناً آخر، لان تقدم أبن الخربنده أسخط أهل القدم والخدمات للحكومة، فأوجد مزاحمين آخرين غير أبن الشاوي، وما ذلك إلا لان الوزير لم يرغب في أن يطلع على دخيلة سره غيره، فكان في الحقيقة هو الذي قتل أبن الخربنده.
4 -
خروج سليمان بك الشاوي من بغداد ووقائعه:
اضطر سليمان بك إلى أن يخرج من بغداد بأتباعه وحاشيته سنة 1200 هـ فأقام في الجهة القصوى من هور عقرقوف، وتابعته قبيلة العبيد، والقبائل الأخر المقيمة في تلك الأنحاء، فالتفت حوله. وبالحقيقة أنَّ العشائر لا تعرف غيره، وحينئذ أراد المهردار أن يقضي عليه أو يقصيه، فحرك عليه الوزير، فاستعد المهردار للهجوم عليه بجيش مع بعض أمراء الكرد، فأطلع سليمان بك بواسطة عيونه على كثرة جيوش عدوه، فترك أثقاله وظعن إلى جهة الخابور، ولم يظهر