الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آل الشاوي
2 -
عبد الله بك الشاوي المتوفى سنة 1183هـ 1769م
فخر هذه الأسرة وباني مجدها الحقيقي ورافع دعائمها هو عبد الله بك وان كان شاوي بك هو المؤسس لهذا البيت الكريم فالأسرة لا تزال تتمتع بأوقافه وتميل إليها عند الضنك والحاجة. . .
تكاثرت الوثائق التاريخية والأدبية في زمنه لقرب عهده منا ولذا نجد له أخباراً جمة. وإن كانت مبتورة غير متصل بعضها ببعض ولقد أطراه الأدباء، وبالغ في وصفه المؤرخون فعد من أكابر رجال (السياسة العشائرية).
والحق يقال أن سياسة العشائر من أعوص الأمور، وقد بذل العلماء الجهود لمعرفة أحواله، وصرف السياسيون مساعي أكثر للوقوف على طريق إدارتهم إدارة حكيمة ولا يزالون في خبط من الأمر وتشوش منه، ولعلهم إلى الآن في دور التجربة. فكل خطل توحيه الأهواء يحسبونه الحكمة في حسن الإدارة ولكنهم يعززونه بالقوة. فهم والعشائر على حد المثل البدوي:(هذه القنا وأنت تعرف) أو كما يقولون: (الحق بالسيف، والعاجز يريد شهود) فالحق عندهم للقوة.
إن هذه الأسرة دبرت أمر العشائر - بالنظر إلى الحكومة وإجابة لرغبتها - ونهجت فيه خير نهج. واحسن تدبير حسب الظروف والأحوال التي اكتنفت الإدارة حين ذاك. ومن المقرر أن خير طريقة للإدارة العشائرية ما وافقت روحية القوم، لا ما تصوره بعضهم من المثل الأعلى. فلا يريدون إلَاّ ما ألفوه ولا يرغبون إلَاّ في ما اعتادوه.
كان عبد الله بك يعد من أكابر الرجال في هذه الإدارة. ولذا وصفه صاحب عنوان المجد بقوله: (كان لشاوي بك ولد يسمى عبد الله بك وهو أحنف زمانه، كانت له الرياسة الكبرى، والصولة العظمى، وله من الخيرات والكرم
ما لا تحصيه الأقلام.) أهـ.
هذا كلام مجمل ينبئ عن مقدرة ويشير إلى مهارة كما هو الغالب في أبناء البادية فإذا انضم إلى ذلك مناصرة من الحكومة، وطاعة من القبائل، وكرم نفس، واعتزاز بقبيلة، وحلم عظيم، فهناك الذكر الجميل، والصيت الذائع، والفخر الكامل. ومن ثم ابنتي (بيت العز)
وشيد المجد الخالد.
فعبد الله بك أمير العرب المسيطر على إدارة الحكومة - في خارج المدن وفي القبائل - وهذا تابع لنفوذ الحكومة وامتداد سلطتها. وآنئذ لم يكن للحكومة جيش مرابط ما هو الأمر في هذه الأيام. وإنما كان لها ما يشبه الإدارة العشائرية العامة الواسعة النطاق. وكان للحكومة بضعة أناس من الينكجرية (الإنكشارية) ومن المماليك والعثمانيين يقومون أودها ومع هذا يستخدمون سياسة الخديعة والحيلة، وسحق البعض بالبعض شأن كل ضعيف، بل شأن كل قوي لا يريد أن يجازف بقوته.
قام المترجم فأحرز منزلة علية، ونال ما نال، واحكم أمر العشائر ولسان حاله ينشد:
نبني كما كانت أوائلنا
…
تبني ونفعل فوق ما فعلوا
أن الوقائع التاريخية والعشائرية في ذلك العصر كانت غامضة جداً. ولذا نرى صاحب (الدوحة) لم يذكر للوزير عمر باشا من الحوادث عن سنين متعددة سوى بعض الوقائع التي تداولتها الألسن، واغفل غيرها، وقال: لم تحدث في زمنه سوى وقعة الخزاعل، ووقعة المنتفق، وأشار إلى باقي السنين أنها مضت بسكون وهدوء. هذا عدا حادثة الطاعون.
لذا لم يبق لنا أمل في العثور على وقائع المترجم: التابعة لوقائع الوزير المشار إليه. ولا لمن من سبقه. . . فاقتضى الرجوع إلى الدواوين والمجاميع. وهذه كثيرة. وتكاد تكون قد قصرت مدوناتها على مدح المترجم ومدح أولاده والثناء عليهم، مما يدل على علو المكانة. وإليك البيان:
ممن أفرد التصنيف لمدحه وإطرائه مع أولاده أبو المحامد الشيخ أحمد ابن أبي البركات الشيخ عبد الله السويدي المتوفى سنة 1210هـ (1807م) في
ديوانه المسمى (فحام المناوي في فضائل آل الشاوي) ويقول في مقدمته ما هذا بحروفه:
(لما من الله سبحانه على الزوراء، وتفضل على من تولاها في عصرنا من الوزراء بمن نصب نفسه النفيسة لمصالح المسلمين، المسلمين أمورهم لرب العالمين، ولقضاء الحوائج، ودفع الجوائح، عن المؤمنين المؤمنين، لدعاء رب العالمين، وألزمها إكرام الملهوف، وإطعام الضيوف، فأفنى بيوت المال، وأقنى ذوي الأقلام، ورفع أعلام العلماء، وأصلح أحوال العلماء، وساء في الناس سيرة يحمدها الموال والمخاصم، ويشكرها المحارب
والمسالم، حتى أنه بلغ من الكمال غايته. ومن الإجلال نهايته، ومن المناقب أعلاها، ومن المناصب والمراتب أرفعها وأعلاها، (إلى أن يقول) كيف وقد سما بظاهر فضله، ونما بظاهر أصله، فلم يترك فضلا لمفاضل ومناوي، مولانا الأكرم عبد الله بك ابن المرحوم شاوي. الخ. . .) انتهى.
وفيها إشارة إلى أن هنالك من ينكر فضله ويندد به، وكنا نود الاطلاع على ذلك لمعرفة حقيقة الرجل وعظمته. وقد بدأ لديوان بقصيدة طويلة يثني بها على المترجم بمناسبة رجوعه من أسفاره العديدة لإصلاح أحول البصرة وفيها يبين التنكيل بسلمان، والظهر أنه شيخ كعب وهو سلمان العثمان، وكان قد ساق عليه جمعاً الوزير علي باشا في أوائل وزارته سنة (1175هـ 1761م) فسالمه وطلب العفو منه فعفا عنه.
ولا نرى في صدرنا حاجة إلى إيراد هذه القصيدة بحذافيرها ولكننا اخترنا منها بعض الأبيات وهي:
ما للزمان يود قرب فنائي
…
فأشن غارة جيشه بفنائي
أو ما دراني أنني متحصن
…
من كل حادثة وكل بلاء
بالشهم عبد الله ذي الفضل الذي
…
ما ناله أحد من الأمراء
ومنها: (يشير إلى وقعة مع سلمان)
ولقد طغى سلمان ثاني عطفه
…
يعثو الفساد بساحة الفيحاء
فأمال رأيته وأهمز خبثه
…
فغدا مثالا أجوف الأحشاء
معتل قلب غير سلمان من
…
الإعلال والتعريف والاسواء
ومنها: (يعدد أوصافه)
هو قطب دائرة لكمال ومركز
…
التقوى وقوس الدولة العلياء
ذو محتد ما الشمس عند ضيائه
…
إلَاّ كحالك ليلة ليلاء
من آل حمير من سلالة تبع
…
من آل عمرو صنو ماء سماء
آل العبيد به سموا وكذلك
…
الأنباء قد تربو على الآباء
يرمي الغيوب بفكرة وقادة
…
فتلوح أوجهها له بصفاء
ومدبر صعب الخطوب كأنما
…
يدري صباحاً حادثات مساء. . .
ومختار هذه القصيدة يذكر له أوصافاً تعبر عن مقدرة وذكاء وشجاعة وكرم، وقد تركنا الكثير منها، وفيها جمع ناظمها مصطلحات العلوم ن صرف ونحو وكلام وفقه وحكمة بطريق المدح. ثم أثنى على أولاده وعددهم
وله قصيدة أخرى في هذا الديوان يهنئه فيها بعيد النحر قال:
شهم كأن السحاب الجون راحته
…
لكنها هطلت بالبيض والصفر
إلى أن يقول:
تبارك الله ما هذا الفتى بشراً
…
لكنه ملك في صورة البشر
لقد سمعنا ندى معن بن زائدة
…
لكنه قيل ليس العين كالخبر
تورث الفضل من آبائه فغدا
…
يسير في نهج التقوى على اثر
يدبر الخطب والأفكار قاصرة
…
فيرجع الخطب خيراً غير ذي خطر
هذا والديوان كله من نظمه.
وللشيخ عبد الرحمن أفندي السويدي المتوفى سنة 1200هـ (1786م) مطلعها:
الله أكبر زاد فيك يقيني
…
بك اسأل المولى الكريم يقيني
ويقول في آخرها:
لازلت محروس الجناب موفقاً
…
في حفظ دنيانا وحفظ الدين
وللسيد محمد (ولم أتمكن ن معرفة هذا الرجل) قصيدة في مدحه يقول فيها:
سلكت من العلى نهجاً سوياً
…
فما لسواك من نهج سوي. . .
ومنها:
نشرت لواء فضل دان كل
…
لديه من دني أو قصي
أحاديث الندى طويت لطي
…
وأنت نشرتها من بعد طي
إلى أن يقول:
تغشانا من الأهوال ليل
…
فكنت عليه كالصبح السني
فدم واهناً بطيب العيش ما قد
…
حباك الله (بالصدر العلي)
وعش بهجاً على رغم الأعادي
…
تتيه بثوب مفخرك البهي
ومن أحسن ما مدح به قصيدة لحسين أفندي العشاري المتوفى في حدود سنة 1200
محتوية على أوصاف له لم تتضح في شعر غيره، قال:
عليك أبا الغر الكرام سلام
…
فأنت لكل الخائفين سلام
ألم ترهم عن مدح غيرك أمسكوا
…
كما أنهم عن زاد غيرك صاموا
فأنت لهم غيث إذا شح غيثهم
…
وأنت إذا زال الغمام غمام
وأنت لهم هاد إذا ضلت النهى
…
ولولاك في وادي الضلال لهاموا
بك انتظم الملك الرفيع وحكمه
…
ولولاك لم يظهر عليه نظام
تنور من آرائك البيض خطبه
…
كأنك نور والخطوب ظلام
وان جمح الأمر الخطير رددته
…
لأنك للأمر الخطير لجام
فكل إمام أنت عيبة سره
…
وأنت له في الحادثات ترام
سبقت الأولى فازوا بكل كريمة
…
فأنت لكل السابقين إمام
عليك الورى أثنت وعن غيرك انثنت
…
فان شذ فرد ما عليه ملام
تزاحم أقوام لإدراك شأوكم
…
فقصر عنه غارب وسنام. . .
أبوك الذي قد زين البيت حمير
…
وعمك كهلان وجدك سام. . .
وأولادك البيض البهاليل فتية
…
كرام فمنهم سادة وكرام
فهم تحفة المحتاج لله درهم
…
ومنهاجهم لا يعتريه ظلام. . .
فلا البصرة الفيحاء لولاك بصرة
…
ولولاك ما دار السلام سلام
قدمت فيا فخر الورى خير مقدم
…
بك الحيف يجلى والكتاب يقام
إلى أن يقول:
فلا خلت الزوراء منك مدى
…
فكأنها في بحر جودك عاموا
ولا برحت أقمار مجدك ترتقي
…
إلى فلك الأفلاك وهي تمام
وفيها إشارة إلى ذهابه إلى البصرة في سنة 1181، كما يستفاد من قصيدة للسيد درويش الرفاعي البصري كان مدحه بها بمناسبة قدومه مرحباً به وتاريخها في السنة المذكورة، وهو أحد نقباء البصرة على ما يظهر.
ومدحه شعراء آخرون مثل خليل بكتاش والشيخ أحمد النحوي، وقد جمع حسين أفندي العشاري مجموعة في فضائل آل الشاوي واختار ما قيل فيهم من شعر شعراء كثيرين
وأكثر من مدحه الشيخ عبد الرحمن أفندي السويدي والشيخ أحمد السويدي ولكن فحل الشعراء الشيخ كاظم الأزري فأنه حاز قصب السبق على غيره ومدحه بقصائد رنانة أبدع فيها وأجاد الوصف، وبين شمائل المترجم، فهو في الحقيقة متنبي هذا البيت وقد قصر عنه معاصروه من الشعراء بمراحل شاسعة.
ولم نتمكن من بيان وقائع المترجم اليومية. وحوادثه العظمى التي سببت انقياد الرأي العام له وتهافت الشعراء عليه لقلة المصادر إلَاّ إن نظرة سريعة إلى هذه الأشعار المقولة فيه تنبئ عن كفاية أحدثت دوياً.
ولا ينكر على المترجم أن كان له مواهب سليمة فخبر البادية، وعرف الحضارة، فسيطر على الوجهتين وتمكن من إدارة شؤون الاثنتين، فحصل على شهرة فائقة بما أبداه من مزايا فطرية مقرونة بالعلم والشجاعة والقوة. ولا يضيره سكوت الترك عن حوادثه، إذ لم يرووا عنه شيئاً مفصلا ولا بينوا عن أعماله ولا عن أعمال أبيه ما يذكر في حين أننا نراهم قصروا في تاريخ وزرائهم وتاريخ إدارتهم في العراق.
ولولا شدة الوقائع وتوترها بين الحكومة وبينه وبين ابنه سليمان بك، لما عرفنا ما يستحق الذكر؛ ولكن هذه الأشعار تشير إلى منزلة وتدل على ما وراءها فكأن الشعراء قصروا نظيمهم على مدح هذا البيت.
وأني أكتفي - خوف الإطالة - بإيراد مطالع القصائد التي نظمها الأزري في عبد الله بك مع بعض الأبيات مما بعد من قبيل بيت القصيد وأذكر موطنها من الديوان المطبوع في بومبي سنة 1320هـ قال من قصيدة ذكرت في الص 29 من ديوانه ومطلعها:
هي الهجائن والقب السراحيب
…
فاطلب بها المجد إن المجد مطلوب. . .
واعلم الناس بالعلياء مطلبه
…
من حنكته بها منه التجاريب
وإن تكن جاهلا في نهج مطلبها
…
فذاك نهج بعبد الله ملحوب. . .
فقل لمن بالعلى أمسى يطاوله
…
لا تستوي الأكم والشم الأخاشيب
فليهنه من سماء المجد منزلة
…
لها على النسر تأييد وتطييب
فساق من ماردين الماردين وقد
…
ولى رجوماً عليها ساقها الحوب
وحلها بعد ما عاد الخلاف بها
…
واليوم يسرح فيها الشاة والذيب
يشير إلى وقعة حدثت في ماردين. وكنت أظن لأول وهلة إنها وقعة ماردين المشهورة مع سليمان بك وان الناظم ذكرها في حقه إلَاّ أني رأيت اسمه مذكوراً فيها. والظاهر أنها عشائرية أو أنها تتعلق بالحكومة ولكن صاحب الدوحة أغفلها فلم يعلم عنها شيئاً. ولهذا لا نعرف عن هذه الوقعة تفصيلات مهمة. ولعلها حدثت قبل زمن عمر باشا الوزير وعلى كل لم نر إشارة إليها.
وله قصيدة أخرى ذكرت في الصحيفة 146 من ديوانه وفيها يشير إلى مقارعة وقد انطوت على حكم وآداب جمة، ومطلعها:
حي المدام مدام بيض الانصل
…
فلكم سكرت بريقهن السلسل. . .
نعم المطية للفتى ظهر العلى
…
وإذا امتطته اسافل فترجل. . .
بالمرهفات أنال إدراك المنى
…
وعلى أبي الهيحاء كل معولي
ثم أطنب في مدحه وانتصاراته على أعدائه وذكر أولاده وكرامة نسبه الخ وشعره في هذه الأسرة من أطيب الشعر.
وصفوة القول انه عمر طويلا وهذا ما يظهر من الإشارة التي ذكرها صاحب الحديقة في سنة 1152هـ ومن الوقفية المؤرخة في 15 جمادى الأولى سنة 1172 مع تعديلاتها المؤرخات في 2 شعبان 1173 و 15 منه و24 ربيع الثاني سنة 1177 الصادرة في زمن القاضي محمد أمين أفندي ابن إبراهيم ونائبه مصطفى أفندي، ومن تاريخ وفاته التي وقعت في سنة 1183هـ وبقي في إمارة العشائر وإدارتهم من زمن الوالي احمد باشا ومن تلاه من الوزراء إلى أواسط أيام عمر باشا.
وقد رثاه الشعراء بقصائد عديدة ومن جملتهم الأزري فإنه رثاه بقصيدتين
ذكرتا في ديوانه في الص 78 و93 ومطلع إحداهما:
لعمري خلت تلك الديار ولم تزل
…
مطالع سعد أو مطارح جود
وأرخ وفاته بقوله:
ولما نزلت الخلد قلتُ مؤرخاً
…
مقامك عبد الله دار خلود 1188
والصحيح إن المترجم ذهب إلى البصرة سنة 1181 ثم عاد وفي أثرها أي في سنة 1182 حدثت وقعة المنتفق فقتله الوزير عمر باشا سنة 1183 وذلك موافق لما جاء في الدوحة
التي تذكر إنها وقعت سنة 1182 والظاهر إن التأهبات للسفر جرت في هذا التاريخ، وموافق لما جاء في مجموعة الشاعر الأديب عمر فندي رمضان الذي ذكر انه توفي سنة 1183
وفي هذه القصيدة للازري غرر الأبيات إذ يصف فيها حالة القبيلة - قبيلة المترجم - ويستنهضها بتحريض. . . وهكذا.
وأما القصيدة الأخرى فإنها لا تقل أهمية عن سابقتها. أما القصيدة المذكورة في الص 186 من الديوان فإنها لا تخص المترجم وإن كان الناشر ذكرها سهواً بعنوان رثاء المرحوم عبد الله بك الشاوي.
أسباب قتل المترجم
وقبل إنهاء الكلام أود بيان أسباب قتله فأقول:
إن الوزير عمر باشا كان قد وزر في أواسط عام 1177هـ. وفي السنة التالية، قام بحرب الخزاعل ورئيسهم آنئذ الشيخ حمد المحمود، فأنتصر عليه وبذلك أمن غوائل آخر، وهذه طريقة يتوسل بها الوزراء حينما يتسنمون كراسي الحكم بقصد التأثير على العشائر الأخر. وفي تلك الإثناء وقعت نفرة بين متسلم البصرة وهو سليمان آغا وبين الشيخ عبد الله بن محمد المانع زعيم المنتفق فأرسل الوزير عمر باشا عبد الله بك الشاوي لينصحه فيعدل عن خطته، وقد مرت الإشارة إلى ذلك - فوصل البصرة سنة 1181 هـ وجمع الخصمين في قصبة الزبير (رض) فأبدى الشيخ انتصاحه وبهذه الصورة وفق بينهما فرجع وقد مرت
القصائد المقولة عند رجوعه، إلاّ إن متسلم البصرة - كما وصفه صاحب الدوحة - كان سريع الغضب ونعت الشيخ عبد الله بأنه كان معانداً، (واعتقد أن هذا مبالغة لأنه تقرب للصلح) ولذا لم تدم الألفة بينهما. وهذا ما دعا الوزير إلى إن يقوم بحرب المنتفق.
فجهز جيشاً وذهب بنفسه حتى وصل إلى محل يسمى: (أُم الحنطة) من أراضي العرجاء. وحينئذ رأى الشيخ عبد الله المنتفقي أن لا قدرة له في المقاومة فضرب في البادية.
أما الوزير فإنه كان يخشى نفوذ عبد الله بك واتساع شهرته إذ رأى الشعراء يلهجون به، وتحقق تزايد نفوذه وقوة أمره حتى ظهرت الحالة جلية. .، ولكنه لم يجد طريقاً إلى الوقيعة به حذراً من حدوث ما لا تحمد عقباه، وأولاده عصبة قوية فكتم ذلك. ثم أتخذ الموافقة على
الصلح ونكث حبله من قبل شيخ المنتفق، وما أبلغه أعداء عبد الله بك الشاوي عنه - وهم كثيرون والوزير أكبرهم خطراً وأشدهم نكاية - وسيلة إلى تحقيق أُمنية. فأبدى أن قد تم أمر بين الشاوي وبين الشيخ عبد الله فدبراه ليلاً على الحكومة للقيام عليها، وإن عبد الله بك هو الذي أوعز إلى الشيخ عبد الله المنتفقي بالفرار من وجه الوزير.
وجد الوزير كل ذلك من المبررات واظهر القسم الأخير من مدعاة كل الإظهار واعتبر إن هناك خيانة ولا بد من معاقبة الخائن فاعتمد على جيشه ليحافظ على مكانته، ونفوذ حكومته. ولما رأى أن شيخ المنتفق لم يستطع مقارعته قبض على عبد الله بك الشاوي فقتله في (أُم الحنطة). . وقد ذكر صاحب الدوحة هذه الوقعة في حوادث سنة 1182 وهي - على ما يظهر لنا سنة التعبئة أو أن الخبر يرد لم إلَاّ في سنة 1183.
ولا ينكر من صاحب الدوحة أن ينسب الخيانة إلى عبد الله بك الشاوي تبريراً لعمل الوزير، ومراعاة لسياسة الحكومة، وجرياً على خطتها، وهو أمر معهود في مؤرخي الحكومة آنئذ، إذ لم يروا إدارة حازمة سوى إدارتها
وهذا مما يجب أن لا يغفل التنبيه عليه.
وفي هذه الأثناء ورد إلى بغداد خبر قتل الموما إليه، فنهض من أولاده الحاج سليمان بك، وسلطان بك، وجميع أبناء عشيرة العبيد وقاموا في وجه الحكومة أخذاً بالثار واحتشدوا في دجيل ورتبوا وسائل الاضطراب والاختلال. قال صاحب الدوحة: أنهم قطعوا السوابل، وسلكوا طريق النهب، وأزعجوا راحة العباد.
وحينئذ سارع الوزير إلى العودة إلى بغداد فقطع مسافة عشرين مرحلة في سبع أو ثمان للخطر الذي داهمه من جراء هذه الحادثة، فوصل بغداد على حين غرة ونزل (المنطقة) في جانب الكرخ، وفاجأ المتجمهرين ففرقهم وأحمد عائلتهم، ولكن سليمان بك تمكن من الهرب والنجاة. أما سلطان بك فقبض عليه وجيء به إلى الوزير فهجم عليه وسل خنجره فضربه به، ومن ثم قتل.
هذا ولا يعول على ما قصه صاحب غاية المرام عن حوادث هذه السنة أي سنة 1183 فقد ذهب إلى أن عرب كعب الخزاعل عصوا على الحكومة فحاربهما عمر باشا، ولما عاد منصوراً ظهرت له خيانة من عبد الله بك الشاوي فقتله وقتل ولده سلطان بك، وأقام مكان
عبد الله بك ولده الحاج سليمان بك الخ. . فهذا غير صحيح وان كانت السنة صحيحة فالواقعة مغلوط فيها لبعد الكاتب عن بغداد، وأما إقامة ابنه سليمان بك مقامه فهذا غير مستبعد ولك الظاهر أن ذلك تم بعد هذه الواقعة بسنين، وبعد انتهاء أمدها والعفو عمن غضب عليهم.
قلنا. ومن معاصري عبد الله بك: الشعراء الذين أشرت إلى أسمائهم في صدر هذا المقال وهؤلاء الآتية أسماؤهم ممن كانوا شهود الوقفية:
1 -
الحاج محمد ابن الحاج عمر الراوي - 2 - والملا علي بن حسين الشواف - 3 - والسيد يونس الآلوسي - 4 - وعبوس العبد القادر الشاوي - 5 - والملا أحمد بن تمر الجبوري - 6 - وحمد سعيد أفندي السويدي - 7 - وعبد الرحمن أفندي السويدي - 8 - وعبد الله أفندي السويدي - 9 - ومصطفى ابن الحاج محمد خليل. وغيرهم كثيرون، وقد ترك المترجم أولاداً نرجئ الكلام عليهم إلى مقال آخر. والله الموفق.
المحامي: عباس العزاوي