الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصرت فرداً بلا ثان أقوم به
…
واصبح الكل والأكوان تفخر بي
وكل معناي معناها وصورتها
…
كصورتي وهي تدعى ابنتي وأبي
وفيها ما يدل على الروح الصوفية وطريقة وحدة الوجود. وذكر له صاحب الفوات أبياتاً أخرى. . .
ولما كان الغلو بدأ في زمن المترجم فسندقق النظر في هذا الغلو وتطوره. ونأتي على بقية الذرية قدر ما وصل إلينا اجتهادنا.
المحامي عباس العزاوي
آداب المائدة
-
في المجتمع عادات، يتحتم علينا مراعاتها، وكثيراً ما تكون هذه العادات مخالفة لجماحنا، ونود أن نتلخص منها، إلا أنه لابد لنا من أن نذعن لها، شئنا أم أبينا، إذا أردنا أن نكون من أبناء الأدب، ولو لم يكن ثم قواعد لآداب الاجتماع، لنتج من ذلك تراخ لا يبطئ من أن يجر وراءه انحطاطاً في التفوق وتسفلا في حسن السلوك، وتدن في التهيب، وإذا كان هناك ما يزعج أذواقنا في بعض الأحيان، فالترفع عن خسائس الأمور، يمون العوض الذي لا يقدر ولا يقابل بشىء؛ ومن بعد أن مهدنا الموضوع بهذه الكلمة، نحصر كلامنا في آداب الطعام، وكيفية السلوك بموجبها.
يحسن بالإنسان، أن يجري في أكله، كما لن كان مع رفاق، وان كان يأكل في بيته، وفي دخيلته؛ لأن العادة الرديئة إذا تأصلت في النفس، يصعب على صاحبها أن يتخلص منها. ومن منا لم يشاهد حيرة رجل من أهل البادية، إذا دعي إلى وليمة؟ فأنه يشعر باضطراب في نفسه، وكأنه قد قيد بقيد؛ إذ يعلم كل العلم أن هناك عيوناً تراقبه وتترصد؛ ولا يود إلا شيئاً واحداً، هو أن ينتهي عذابه، مع أن أمر الأكل هين؛ لكن آدابه تتطلب أصولا يجب مراعاتها إذ من الضروري أن يتصرف الآكل احسن التصرف في الملعقة، والشوكة،
والسكين. ويجب عليه أن يقبض بيده اليمنى على كل من الملعقة والشوكة؛ والسكين؛ اللهم إلا إذا كأن بيد الآكل لحم يقطعه، فيجب عليه حينئذ أن يدير الشوكة في اليد اليسرى، والسكين في اليد اليمنى، ثم يترك السكين، ويعود إلى اخذ الشوكة باليد اليمنى، ليضع اللقمة في الفم. وإذا كان الآكل لا يريد أن يلقي الشوكة من يده، فليدفع الأكل بالسكين، ليضعه على الشوكة التي بيده اليسرى، ويدخل اللقمة في فمه، وهذه العادة كانت جارية في شمالي أوربة فقط، أما الآن فإنها أخذت تسري وتنتشر في فرنسة، وفي غيرها من الديار المتمدنة، والإنكليز إذا احتاجوا مسح سكينهم، مسحوه بخبزهم، ولا ينكر على الغير مجاراتهم في عملهم هذا. وربات البيوت لا يشكين من هذا الأمر. وتمش الأصابع بالمشوش الذي بيد كل آكل، ولا تمش أبداً بالسفرة، ويتخذ المشوش أيضاً لمش الشفتين، ويبسط بطوله على الركبتين. وبعد نهاية الطعام يلقى إلقاءً على المائدة من غير أن يطوى أبداً، ولا يحسن
بالرجال أن يعلقوه بعروة الثوب. وبعض النساء، ولا سيما أولئك اللواتي يقطعن اللحم، يثبتنه بدبوس على أحد جانبي صدرهن.
حضرت جدة ذات يوم طعاماً، كان دعي إليه كثيرون، مختلفو الأعمار والطبقات، فتبسمت الجدة في اليوم الثاني، وتشكت من أن الناس لا يأكلون كما كانوا يأكلون (في زمانها) وقالت:(إن نفراً) فقط من المدعون احترموا العادات المقبولة، لدى الأدباء الفضلاء. - فقال لها حفيداها: (يا جدة، أننا لم نطلع على شيء يؤاخذ عليه، فعلمينا بالعجل أي شئ خالف كل مدعو آداب اللياقة، لكي نستفيد من نصائحك، ونعدك وعداً صادقاً، بأننا نحافظ على السر محافظة مطلقة - فأخذت الجدة بقول:
(مد الفاضل ع. مراراً عديدة زجاجة جارته ليطلب أن يصب لها ما تشربه، وذلك منه إفراط في اللطف، والظرف، وطلب إليها أن تقاسمه فاكهة، فهذه مباسطات سيئة الذوق؛ ويجب اجتنابها، غير انه قد يتفق أن لا تكون فاكهة صحيحة كافية لجميع المدعوين، فيجوز حينئذ لامرأة أن تقطع الثمرة قطعتين، وتقدم الأكبر منهما إلى امرأة أخرى.
(ولا جرم أن الفاضل أ. ظن في نفسه أنه في خان فمسح بكل عناية زجاجته وصحنه قبل أن يستعملهما، فهذا عمل يدل على انه يتحذر من نظافة البيت وهو الذي طلب أيضاً (لحم بقر) وسماه (مسلوقاً) و (لحم دجاج) وسماه (طيراً) و (خمر شنبانية، وخمر بردو) وسماهما (شنبانية وبدرو). يا لله! ما اشد ما كان تحسري على جارات هذا المدعو المنشرح الصدر! فقد كان كثير الحركات بيديه. ويتكلم بصوت عال، وكان يدفع بمرفقيه هذا وذاك، يميناً ويساراً، وكان يدعو الخادم فيقول له:(يا صبي) وهذه كلمة لا تستعمل إلا في مطعم.)
وكانت السيدة ق. قدمت إلى الدعوى قبل الوقت بنصف ساعة، فهذا قدوم قبل الأوان بكثير والسيدة ز. جاءت متأخرة عن الوقت بعشرين دقيقة فهذا إفراط في التعوق، إذ من الحسن أن يأتي الإنسان بعشر دقائق، بل بخمس دقائق، قبل الوقت المعين في رقعة الدعوة. - ولما نهضت السيدة ب. من المائدة كان قد بقي في زجاجتها شئ من الخمر، وبجانب صحنها شيء من الخبز: فطلب المرء مأكولا، أو مشروباً، فوق ما يحتاج إليه، يعد إسرافاً وتبذيراً؛ فلا يحسن أن تكون العينان أوسع من (المعدة!).
والآنسة ف. كانت منحرفة المزاح، وكان يحسن بها أن تقرع البيضة البرشت، قرعات
صغيرة بالملعقة الصغيرة، أو بشوكتها لا بالسكين. وكان عليها أيضاً أن تسحق القيض بدل أن تبقيه على حاله. وقبل أن تنهض من المائدة غلطت في أنها طوت مشوشها، والمشوش لا يطويه إلا صاحب البيت في بيته، أو في بيت الغير، إذا كان المدعو يعود إلى البيت مراراً كثيرة، الكرة بعد الكرة.)
وكان لطالب العلم هـ. مشتهى هيجه المشي. فكان يأكل بجشع عظيم؛ ويتكلم في حين كان فنه مملوءاً طعاماً، وكان يسمع صوتاً بشفتيه. وكان على ملبوس جارته آثار قله نباهته، وقلة نظافته. وظهر لي أيضاً انه كان يتخير بدقة احسن اللقم التي كانت في الصحن الذي كان يطاف به على المدعويين. وادخل
إصبعه مراراً عديدة في المملحة ليقبض منها ملحاً. وكان يحسن به أن يأخذ الملح برأس شفرة سكينه، بعد أن يكون مسحه مسحاً نعماً، إذا لم يكن وقتئذ ملعقة صغيرة.)
وكان للآنسة اللطيفة ر. هيئة بدل على تغاض، فكانت تترجح، أو تعتمد على متكأ كرسيها، وتأكل بأطراف شفتيها، كأن هذا العمل يقرب كل القرب من المادة؛ بل رأيتها مرة أو مرتين، تظهر حركات تدل على احتقار، حينما كان يقرب إليها بعض الألوان. والآداب تمنع الناس من أن يقولوا، أو يظهروا ما يجول في خاطرهم، بخصوص طعام سيئ أو لا يوافق الذوق، وقد عجبت كل العجب من أني رأيتها (تجمع) مرق صحنها بقطعة خبز، ولو كانت امتنعت من هذا الفعل، لكان ذلك أعلى قدراً لها. وما كان يجدر بها أيضاً أن تقطع خبزها بالسكين، بل بانامالها، أو أن تجذبه قطعاً ببنانها، إما إذا كان الخبز بائتاً وكان الأكل في البيت، فيجوز قطعة بالسكين.
(وكان يجمل بصديقتكما الآنسة لورة. أن يبرد حساؤها قبل أن تأكله ولا تنفخ عليه، وكذلك ما كان يحسن بها أن تمد حلوى على خبزها، إذ لا يمد على هذا النحو إلا الزبد عند شرب الشاي.)
(وكان المزارع الفاضل م. س. حائراً في أمر العظام التي كانت تتراكم في صحنه، ولا احلف بأنه كثيراً ما أراد التخلص منها بان دسها مراراً عديدة تحت المائدة. كما كان يفعل في بيته. وقد اخذ من الصحن الطعام بشوكته الخاصة به. عوض أن يأخذ منه بواسطة شوكة الصحون. وقد اخذ حساء بالملعقة والشوكة، والشوكة هنا زائدة، ووضع على المائدة
بدل زنديه طلباً لراحته، وصب من فنجانه قهوة في الصحفة بحجة تبريدها؛ وهذه عادة شائنة. وفي الآخر، قبل أن يغادر المائدة ملا جيوبه (مصقولا) و (معجنات) ولا جرم انه يعطبها ابنته الصغيرة، فهذا عمل يدل على حسن قلبه، لكنه يدل أيضاً على سوء أدب في نهاية القبح.)
وقد أنست الآنسة ج. بكسر نوى الأثمار إظهاراً لحسن أسنانها. وهذا عيب، لأنه لا يجوز كسر نواة، كما لا يجوز اخذ الخبز بالأسنان، ولا