المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مدن العراق القديمة - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٩

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 86

- ‌سنتنا التاسعة

- ‌تلو أي تل هوارة

- ‌هيكل أدب

- ‌طبع كتاب الإكليل

- ‌قصر ريدة

- ‌رسالة ذم القواد

- ‌آل الشاوي

- ‌فوائد لغويةٌ

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 87

- ‌كيفية إصلاح العربية

- ‌هيكل أدب

- ‌الزقزفة أو لسان العصافير

- ‌آل الشاوي

- ‌معنى تدمر

- ‌مقاله في أسماء أعضاء الإنسان

- ‌قمرية أم القمرية

- ‌السعاة

- ‌اللشمانية الجلدية

- ‌فَوائِد لُغَويَّةٌ

- ‌بابُ المكاتبة والمذاكرةَ

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 88

- ‌الشمسية في التاريخ

- ‌لسان العصافير

- ‌أيتها الطبيعة

- ‌من كلام الجاحظ

- ‌جامع سراج الدين وترجمة الشيخ

- ‌البسذ والمرجان

- ‌العمارة والكوت

- ‌البغيلة

- ‌آل الشاوي

- ‌الساقور

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة المذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 89

- ‌في نشوار المحاضرة

- ‌تمثال ملك أدب

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌أليلى

- ‌نظمي وذووه

- ‌كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 90

- ‌معجم أسماء النبات

- ‌البيات

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة

- ‌كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل

- ‌نظمي وذووه

- ‌الصابئة

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌حب الكتب

- ‌هيكل أدب

- ‌السيرة الحسنة

- ‌زواجنا

- ‌سبيل العز

- ‌الحدائق

- ‌آل الشاوي

- ‌الحياة الصالحة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 91

- ‌أبناء ماجد النجديون

- ‌تحية العلم العراقي

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌في ضرورة معرفة طب البيت

- ‌إرشاد

- ‌الطيارون العراقيون

- ‌الهولة

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌شباب العراق

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌كلمات كردية فارسية الأصل

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة

- ‌العدد 92

- ‌البزغالبندية

- ‌حاجات البلاد

- ‌كتاب السموم

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌من دفائن رسائل الجاحظ

- ‌كره العرب للحياكة

- ‌الأعمال

- ‌صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة

- ‌حديقة النصائح

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌آداب المائدة

- ‌برج عجيب في أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكر

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 93

- ‌الخنساء

- ‌تحية العلم

- ‌الراية واللواء وأمثالها

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌مراث وأشعار قديمة مخطوطة

- ‌الزهور

- ‌الحر حر

- ‌الرضم في شمالي العراق

- ‌نظمي وذووه

- ‌التركمان

- ‌فَوائد لُغَوية

- ‌بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 94

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌بدرة وجسان

- ‌مدن العراق القديمة

- ‌اليقظة

- ‌نصيحة

- ‌حكم

- ‌أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌الراية واللواء وأمثالهما

- ‌لا ضمير بلا دين

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 95

- ‌المشعشعيون ومهديهم

- ‌موقع هوفة

- ‌في المتحفة العراقية

- ‌تعصب الجهلاء

- ‌كنوز هيكل أدب

- ‌أصل اليزيدية وتاريخهم

- ‌عبدة الشمس

- ‌نخل نجد وتمرها

- ‌البحر الأحمر لا بحر القلزم

- ‌ذييل في المشعشعيين

- ‌الدوالي أو العريش

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌مدن العراق القديمة

‌مدن العراق القديمة

(القني القديمة)

تابع:

وتطلع النظرة إلى صحيفة التاريخ على المرار العديدة التي تحولت إمرة سهل شنعار فيها من دويلة إلى أخرى، حتى انه كانت السلطة ترجع إلى بعض الدول على اختلاف العصور وبين سنين كثيرة.

ويمكن تتبع مجرى القني القديمة إلى هذا اليوم لأنها تظهر على شكل صفي رواب. وترى أحياناً ثلاثة صفوف أو أربعة متوازية - وهذا الأمر يشوش الإنسان في بادئ الأمر -. ولكن لما تكسح القناة من الطمي يصبح جنباها مرتفعين جداً فيتطلب تنظيفها عملا أعظم ويرجح عندئذ حفر عقيق جديد بجانب العقيق القديم.

وأهم القني القديمة نهر ملكا (النهر الملكي) وشط النيل وشط الحي. وكانت تجري القناة الأولى من الفرات في ضواحي (سفر) وتمتد شرقاً إلى دجلة. وكان شط النيل ينقل الماء من النهر (نهر الفرات) فوق بغداد بقليل وينعرج جنوباً شرقاَ. وربما حفر شط النيل حين غير الفرات مجراه واتجه نحو الغرب بحيث أصبحت كيش ونفر ومدن أخر واقعة على عقيقه القديم لا يسد الماء احتياج سكانها وحقولهم. وتسمى هذه القناة في جنوبي نفر بشط الكار. وأما شط الحي - ولا يزال يستعمل حتى هذا الحين - فحفره (انتمنا) صاحب لجش ليجلب الماء من دجلة لان (أما) مدينة كانت تتصل دائماً بالقناة الجارية من الفرات.

بغداد ومتحفة الآثار القديمة

إن بغداد آخر قصبة من السلسلة الطويلة المقامة من العواصم القديمة التي اتخذت كل واحدة في حينها مقراً لمملكة ارض الرافدين. وبغداد حديثة العهد بعض الحداثة وان كان لها تاريخ جليل عريق في القدم. ولم يظهر اسم (بغدادو) إلَاّ مؤخراً في تاريخ بابل بالنسبة إلى عهد هذه المملكة. ولا يظهر

ص: 257

في تلك المدينة من آثار الجاهلية سوى بعض كتل بناء مبنية بآجر عليه اسم نبو كدر أصر. وهذه الأخربة كل ما بقي من المسنيات لتي شيدها ذلك

الملك على ضفة النهر. وكانت بغداد في أوائل عصرها بلدة صغيرة واقعة على ضفة دجلة الغربية تعتمد على التجارة المنقولة على النهر، ولا شأن لها في السياسة إلا قليلا.

وأخذت بغداد بالرقي بعد احتلال المسلمين تلك البلاد. لأن المنصور، - وكان رجلاً فعالاً وثاني خلفاء العباسيين -، اخذ هذا الموقع عاصمة جديدة له وعمر فيه الكرخ (المدينة المستديرة) الذائعة الصيت سنة 762م. ونمت هذه المدينة منذ ذلك الحين نمواً سريعاً حتى عظمت في أيام الخلفاء ونافست بمجدها ما سبقها من المدن أمثال نينوى وبابل وسلوقية وطيسفون، وأصبحت بغداد غنية جداً حتى صارت موئل التجار واقبل إليها الناس على اختلاف أجناسهم من أربعة اطرق الأرض؛ وكان لسمعة دار الخلافة الزاهية. دار هارون الرشيد، أعظم خلفاء العباسيين بعد سمعة، جذبت الناس إلها من جميع أنحاء العالم فأضحت كعبة الأدباء ومحط رحال العلماء ومركز الشعراء ومحج رجال الفن.

أن الفضل في أتشاء دار الآثار القديمة في بغداد عائد إلى المرحومة المس جرترودبل العالية الهمة، إذ كانت من أحب الناس للآثار القديمة، كما كانت من مصف العلماء المستشرقين. فصارت مديرة فخرية للآثار القديمة في الحكومة العراقية. فوق ما كانت تقوم به من واجبات الكتوم للشرقيات في ديوان المندوب السامي. وباشرت بنشاط عظيم إقامة متحفة للآثار القديمة ذلك النشاط الذي كانت تعرف به. وهي لا تملك شيئاً لهذه الغاية إلَاّ بعض دريهمات وغرفة واحدة في دار الإمارة (السراي). وتتجاوز المتحفة الآن اتساع الغرفة الواحدة وقد نقلت إلى محل أوسع في بناء مطبعة الحكومة في شارع الجسر، ويعود فضل نموها إلى ما تتبرع به بعثة كيش وبعثة أور في كل سنة، وكانت المس بل أعانت هتين البعثتين أكبر اعانة، ويتوقع أن هذه المتحفة تنقل بعد ذلك إلى بناء خاص بها، فتقر بها عيون الكثيرين لاسيما إذا رأوا في هذه الدار اسم المس بل تذكاراً لها، ولو تسنى لتلك السيدة أن تشاهد هذه الذكرى لاستحسنتها خير استحسان مكافأة لعملها المفيد العجيب.

ص: 258

مواقع بابل القديمة

(وهي منظمة بحسب قربها من القطار العراقي وأهميتها إلى الناظر). من بغداد:

دور كوريجلزو (عقرقوف)

هي على مسافة نحو ساعة من بغداد في السيارة على طريق الكاظمية أو على طريق جسر الخر المؤدية إلى الفلوجة. ويمكن لمن كان وقته ضيقاً زيارة المعظم والكاظمية وعقرقوف في رحلة يوم واحد.

توهم أحد الرحالين وكان شاهد عقرقوف من دجلة في القرن السادس عشر إنه برج بابل، ويسميها عرب تلك الأصقاع إلى هذا اليوم برج نمرود، أما الحقيقة فإن عقرقوف احدث بكثير من قصة نمرود. والكتلة البنائية العظيمة التي تشرف على أميال من تلك الأراضي هي بقايا زقورة الهيكل لمدينة كشية لدور كوريجلزو. وترى حوالي أساسات تلك الزقورة أخربة المسجد والمدينة. ولكن لم يحفر حوالي هذا الموضع حفر منظم، ولا يعرف عنه شيء سوى أنه كان آهلاً إلى زمن النصارى، لأنه عثر على عدد وافر من نقود الرومانيين في الروابي.

ومن الممتع أن يعرف الباحث أن تلك الزقورة بنيت كزقورة كيش وزقورة برس نمرود أي أن فيها منافذ مربعة معرضة لدخول الهواء. وتتخلل اللبن من حين إلى آخر طبقات الحصر. (راجع أيضاً ما يخص كيش وبرسبا).

طيسفون (طاق كسرى)

على مسافة 20 ميلاً من بغداد في السيارة على طريق الهنيدي

ومن أدهش أبنية العراق طاق كسرى العظيم (واصله ديوان كسرى) الواقع في طيسفون (سلمان باك)، ذيالك الطاق البالغ ارتفاعه الشامخ 121 قدماً ونصفاً وعرضه الواسع 82 قدماً. والزائر الذي يشاهد هذه الخربة واقيستها الجسيمة يكاد يصدق الخرافات العديدة السارية عن سابق عظمة هذا البناء وإن لم يبق منه شيء إلَاّ نصف ديوان قصر الساسانيين الأوسط ووجه من أوجه أطراف ذلك كالقصر. ومن المأثور أن هناك جدراناً كانت مكسوة كلها بمعادن ثمينة وعمداً

ص: 259

لا تحصى من الفضة؛ وقيل أيضاً أن قياصرة رومة نفسهم حسدوا ملابس الأكاسرة الفاخرة وحفلاتهم الملكية فقلدوهم.

وأول مرة ظهر في التاريخ اسم طيسفون كانت في الحادثة التي أضحت ميداناً وكان يستحسن الفرثيون حط رحال معسكرهم فيها، وتكاملت شيئاً فشيئاً حتى صارت بلدة كبيرة

تنافس سلوقية الواقعة على ثلاثة أميال منها في الضفة المقابلة من نهر دجلة. وسلب الرومانيون البلدتين واحرقوهما سنة 162م، فقضت هذه الضربة على سلوقية. ولكن الحظ خدم بعد ذلك طيسفون فاشتهرت. وبعد عدة تقلبات أخذت سابور هذه المدينة داراً لمملكته في الشتاء، وكان سابور بن أردشير مؤسس دولة الفرس الساسانية سنة 226 م. ودامت طيسفون أربعة قرون ونيفاً وريثة بابل كما إنها كانت من أعظم بلدان الشرق.

وبلغت طيسفون أوج مجدها في زمن كسرى الثاني، ولكن لما غلب الانبراطور هرقل كسرى المذكور في محاربة نينوى سنة 627م، وقعت تلك المدينة في موقع حرج. وبعد مدة غير مديدة من الزمن نشأت قوة جديدة لم يشعر بها أحد إلى ذلك الحين، هي ديانة الإسلام التي أبادت طيسفون وأزالت ديانة زرادشت عن آخرها بهجومها عليها سنة 641م.

سلوقية (سور)

لما توفي الاسكندر في بابل وسقطت المملكة المكدونية قام سلوقس اعز قواد الاسكندر. واستولى على ارض الفرس وسورية والعراق (سنة 312ق م) فشيد مدينة سلوقية على ضفة دجلة اليمنى، على عشرين ميلا من بغداد الحديثة، وكانت خطته أن يؤسس مستعمرات يونانية في آسية على أسلوب مدن اليونان. وعظم شأن سلوقية وبقيت مدة سيدة بلدان هذه الأرجاء، حتى احتلها الفرثيون سنة 140ق. م. ولكنها لم تزل تتألق بمزايا مستعمرة يونانية، بيد أن أمرها ضعف رويداً رويداً حتى دانت لطيسفون الني أخذت بالرقي وطيسفون قائمة على ضفة النهر المقابلة لسوقية. ولم يقم لسلوقية قائم بعد غزوة الرومانيين الفظيعة سنة 162م حين نهبوها واحرقوها وذبحوا نحو نصف سكانها. ولم يبق من تلك المدينة الغنية العظيمة شيء سوى بعض الروابي الصغيرة

ص: 260

لا تجدي الزائر إلَاّ نفعاً قليلا.

أكد (تل الدير)

على نحو 16 ميلاً من بغداد في السيارة. يمكن مشاهدة (سفر) في الزيارة نفسها.

أثبت الأستاذ (لنغدن) أن أخربة تل الدير الواقعة على ضفة قناة اليوسفية الشمالية وفي جنوب غربي بغداد هي (أكد) المدينة المحصنة التي عمرها سرجون الأول حين أيد مملكة

الساميين لأكد (سنة 2752 ق. م). ويرى (السر ولس بج) الذي حفر في الدير سنة 1891، أن هذا الموضع بقايا مساكن في ضواحي (سفر) لا غيرها، وقد كشفت أخربة (سفر) على أربعة أميال في جنوب غربي هذا الموقع. ولكن هناك أمرين يؤيدان أن هذه البلدة رسمت وشيدت على خطة لتكون عاصمة وحصناً في وقت واحد. لأن جداريها المنيعين بنيا على شكل ضلعي مثلث، وهناك قناة أو لعلها الفرات نفسه، قام مقام الضلع الثالثة، فضلاً عن أن لهذه المدينة باباً واحدة واقعاً في الزاوية الغربية من الجدارين.

وانتشرت روايات كثيرة حول أصل سرجون الملك العسكري المقدام، وكان رجلاً وضيع النسب. ولكن عظم قدره حتى ساد على غربي آسية الممتدة من الخليج الفارسي إلى الجبال الشمالية؛ ومن عيلام إلى بحر الروم البعيد. ويقال إنه كان ابن والدة حقيرة، ومن والد مجهول، فوضع في قفة صغيرة والقي في النهر مثل موسى. ولكنه حظي في عيني المعبودة أشتر فأنقذته ليكون له حظ مجيد. وهناك أسطورة أخرى تبين إنه كان في صباه بستانياً في مدينة كيش، مدينة الشمريين، وكانت حين ذاك سيدة بلدان سهل شنعار. وتكذب حوادث ذلك العصر القصة الخيالية القائلة أن سرجون خدم خدمة ساق في دار (أور البابا) حفيد (كوج باو) الخمارة لتي اغتصبت إمرة شمر من اكشك.

ويظهر أن سرجون ساد قوماً جليلا سامي العنصر في كيش وفي أماكن أخر في سهل شنعار. ولا جرم أنه يبعد علينا أن نعرف سبب عدم اتخاذ كيش قصبة لمملكته، مع أنه لقب نفسه ومن خلفه من أبنائه بلقب (ملك كيش) ويتضح أنهم هجروا بالمرة تلك المدينة وهي موطنهم. وقد اختار سرجون إله كيش

ص: 261

للحرب إلهاً له كما إنه أقام هيكلا عظيماً هو هيكل (إي المش) للمعبودة أشتر واضطر (نرام سن) حفيد هذا الملك إلى أن يحتل كيش مرة ثانية عنوة إذ يجوز أن الضغينة مكنت من صدور الشمريين والساميين لما بينهما من الاختلاف القومي.

وكان (نرأم سن) فاتحاً قهاراً كجده كما كان بناء عظيماً. وقد جدد هيكل (إي ببر) من جملة الهياكل التي جددها، و (إي ببر) هيكل إله الشمس المسمى (ببر)(شمش) في (سفر). ومر ذكر ذلك في تاريخ نيونيد ملك بابل العالم بالآثار القديمة (راجع هنا ما يخص بابل وسفر).

وقلد الأكديون الشمريين في خطهم وتثقيفهم وظهر عدد كثير من الصفائح في روابي الدير.

سفر (أبو حبة)

على نحو عشرين ميلا من بغداد في السيارة

ومن المأثور في زمن الشمريين أن (سفر) أحد البلدان الأربعة التي أنشئت قبل الطوفان، ولا ريب في أن (لسفر) تاريخاً قديماً جداً. كانت هذه المدينة واقعة على ضفة الفرات الشرقية قبل أن يبدل مجراه هذا النهر المتغير. وكانت سفر مدينه ذات شأن في عهد شمر كله وكذلك في زمن بابل ولا سيما في أواخر عصر تلك المملكة، على أنها لم تتخذ مقراً للسلالة المتسيطرة.

ويمكن تقفي أثر جدار المدينة إلى هذا اليوم. وكان قائم الزوايا وفيه عدة أبواب؛ وهو يمتد من الشمال إلى الجنوب، وذكر في هذا الخصوص أن نبو كدر أصر الثاني احكم حصن هذه المدينة وهي من مدن بابل الشمالية خشية من غزوات الماذيين لأنهم كانوا ذوي بأس يخشى (راجع ما يخص بابل).

ويمكن في هذا اليوم تعيين موضع الزقورة المتخربة؛ المسماة النانانرجا أي (دار مدخل السماء). وكذلك دار السكنى الواقعة في شرقي منطقة الهيكل. وجدد (نرأم سن) رابع ملوك أكد هيكل (إي ببر) وهو أهم هياكل سفر المرصد لإله الشمس (ببر)(راجع ما يخص أكد وبابل).

وقد كشف عدد كثير من الصفائح في روابي (أبو حبة)، ومن الذين

ص: 262

عثروا على هذه الصفائح هرمزد رسام الذي حفر هنالك سنة 1878 - 1879 وسنة 1880و1882. والحفارون الأهلون والأب شيل الدمنكي مترجم شرائع حمرب. الذي قام بالحفر للمتحفة العثمانية الملكية سنة 1891. وفي الحقيقة يقدر (السر ولس يج) عدد الصفائح التي استخرجت من ذلك الموضع ب 130. 000 ونقل عن الحفارين الاهلين أن مقداراً عظيماً منها كان في ضمن أحباب (أزيار) كالأحباب المستعملة يومئذ للماء ثم عنونت بلباقة.

والمواقع الباقية التي تمكن زيارتها وأنت تخرج من بغداد هي: الكاظمية والمعظم وقبر زبيدة.

من المسبب:

كوثى (تل إبراهيم) - (هي كوثى المذكورة في التوراة: سفر الملوك الثاني 17: 24و30) على نحو 18 ميلاً في السيارة أما من المسيب وأما من كيش.

إن كوثى على ما نقل، قديمة جداً وكانت جليلة القدر في عصرها كله لأنها كانت مركز تعليم الدين وكذلك كان شأن نفر واريدو، بيد أن كوثى لم تنل مجداً في السياسة. ونقل عبادة إله تلك البلدة الإله (نرجل) رب العالم الأدنى إلى (سامرية) وذلك على يد رجال كوثى الذين نفاهم سرجون ملك الآشوريين إلى هناك. وكان مركز العبادة في كوثى الذين في الهيكل المعروف باسم (إي مسلم) وزقورة إننر أي (دار الهلال) والذي يثبت أن لهذه العبادة شأناً خاصاً في تلك الأصقاع جميعها، ما قام به الملك دنجي من تجديد الهيكل والزقورة، وكان دنجي ثاني ملوك اور ومن سلالتها الثالثة.

من الحلة:

كيش (تل الاحيمر)

على 13 ميلا من الحلة في السيارة:

ترى على مسافة تسعة أميال في شرقي بابل رابية كبيرة مخروطة الشكل، يسميها العرب تل الاحيمر، لأن لونها يكاد يكون احمر. وقد حاول الرحالون

ص: 263

أن يطلعوا على حقيقة هذا التل منذ أزمنة كثيرة، فثبت الآن ثبوتاً جازماً انه بقايا الزقورة (أنر كدرمه) أي (دار العجب، أو المسكن الشهير) وهي الزقورة الراجعة إلى هيكل (إلبابا) اله الحرب وزوجته اشتر في كيش.

باشرت بعثة (اج ولد)(لأكسفورد) ومتحفة الميدان في شيكاغو كشف هذا الموقع الفسيح في آذار (مارس) سنة 1923. فأنعمت النظر بكل دقة في الزقورة والهيكل المسمى (إمت ارسج) القائم على جانبها. وبان تاريخ البناءين سريعاً، ذلك التاريخ الطويل المتغير؛ لان الملوك الأقدمين كانوا إذا جددوا أبنية مقدسة يذكرون من عادتهم أعمال تقواهم على آجر البناء. ولا لوم عليهم بافتخارهم هذا. وعثر المستر (مكي) مدير البعثة (بعثة الميدان) على مثل هذا الرقيم المسماري الذي يبين أن (شمشويلونا)(2024 - 1987ق. م) سابع ملوك بابل ومن سلالتها الأولى، رمم الهيكل والزقورة اللذين شيدهما سلفه (شمولا إلو) (2156

- 2122ق. م) كما نعلم أن (لحمرب) أيضاً. وهو سلف (شمشويلونا) السابق له، يداً في تعظيم الهيكل المذكور، ولكن مسحاة المنقب تدفعه إلى أن يمعن في التاريخ إلى زمن اقدم من هذا الزمن، إذ كشف جدار عظيم بعد عدة أقدام تحت ارض هيكل هؤلاء الملوك البابليين، فيقتضي انه كان قسماً من هيكل شمري سبق عهد بابل بزمن مديد.

ويظهر أن في سائر تاريخ كيش المديد المتلون، كان لعبادات هياكلها خشوع سرى إلى مدن هذه الديار جمعها. وفي التاريخ ما يدل على أن هناك ملوكا من سلالة كيش وسلالة إسن، وكان بعض ملوك آشورية نفسهم يقصدون إلى مدينة كيش وأختها (هرسجكالما) ويذبحون الذبائح في هياكلها. بيد انه نظهر أن الهياكل أضحت في ضيق شديد في أزمنة الحرب وحين غير النهر مجراه. ولما وصلت بابل إلى أوج مجدها في زمن نبو كدر اصر الثاني وأصبحت في أبان عظمتها تجددت هياكل كيش (وهرسجكالما) مرة ثانية، ومن ظريف المصادفة أن الرقيم المسماري المحفور في الآجر يثني على الملك لإعادة (إي سجيلا) هيكل الإله مردوك في بابل مناوئ إله كيش وهو احدث منه ولكن أتى هذا الاستهزاء من غير تعمد.

ص: 264