الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنْ مَكَانٍ أُلْزِمَ النَّاسُ بِهِمَا) ؛ أَيْ: بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، لَا الشِّرَاءِ مِمَّنْ الْتَزَمَ بِالْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ.
[بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ]
ِ أَيْ: مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ (وَ) فِي (شَبَهِهِ) ؛ كَنِكَاحٍ وَشَرِكَةٍ وَإِجَارَةٍ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا (إلْزَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامُ (مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٌ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُلْزِمِ (فِيهِ مَنْفَعَةٌ) ؛ أَيْ: غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ، (وَتُعْتَبَرُ هُنَا) ؛ أَيْ: فِي الْبَيْعِ (مُقَارَنَةُ شَرْطِ الْعَقْدِ) ؛ أَيْ: بِأَنْ يَقَعَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِهِ.
(وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ كَنِكَاحٍ) فَيَكْفِي اتِّفَاقُهُمَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الِاتِّفَاقِ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
(وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَعَقْدٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) ؛ أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ؛ فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ فِيهِمَا؛ كَمَا يَصِحُّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ زَمَنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ حَالِ الْعَقْدِ وَيَأْتِي. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَصَحِيحُهُ) أَيْ: الشَّرْطُ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ (أَنْوَاعٍ) .
أَحَدُهَا (مَا يَقْتَضِيهِ بَيْعٌ) ؛ أَيْ: بِطَلَبِهِ الْبَيْعَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ (كَ) شَرْطِ (تَقَابُضٍ، وَحُلُولِ ثَمَنٍ، وَتَصَرُّفِ كُلٍّ) مِنْ مُتَبَايِعَيْنِ (فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ) مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ (وَ) اشْتِرَاطِ (رَدِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِعَيْبٍ قَدِيمٍ) يَجِدُهُ بِهِ (وَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِيهِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.
النَّوْعُ (الثَّانِي) : مَا كَانَ (مِنْ مَصْلَحَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرَطِ لَهُ (كَتَأْجِيلِ) كُلِّ (ثَمَنٍ أَوْ بَعْضِهِ) إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ نَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبَلَدِ وَبُعْدِهِ، (أَوْ) اشْتِرَاطِ (رَهْنٍ وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (الْمَبِيعَ) ؛ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، (أَوْ) اشْتِرَاطِ (ضَمِينٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ (مُعَيَّنَيْنِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنَ وَالضَّمِينَ، وَكَذَا شَرْطُ كَفِيلٍ بِبَدَنِ مُشْتَرٍ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ مِنْ مُشْتَرٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْمُشْتَرِي بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ.
(أَوْ) يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي (صِفَةً فِي مَبِيعٍ، كَ) كَوْنِ (الْعَبْدِ) الْمَبِيعِ (كَاتِبًا أَوْ فَحْلًا) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ أَوْ فَحْلًا كَمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ؛ إذْ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَبَانَ خَصِيًّا؛ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ (أَوْ خَصِيًّا أَوْ صَانِعًا) ؛ أَيْ: خَيَّاطًا وَنَحْوَهُ (أَوْ مُسْلِمًا وَ) كَوْنِ (الْأَمَةِ بِكْرًا أَوْ تَحِيضُ، وَ) كَوْنِ (الدَّابَّةِ هملاجة) بِكَسْرِ الْهَاءِ؛ أَيْ: تَمْشِي الْهَمْلَجَةَ، وَهِيَ مِشْيَةٌ سَهْلَةٌ فِي سُرْعَةٍ، (أَوْ) كَوْنِ الدَّابَّةِ (لَبُونًا أَيْ: كَثِيرَةُ لَبَنٍ أَوْ) كَوْنِهَا (حَامِلًا وَ) كَوْنِ (الْفَهْدِ أَوْ الْبَازِي صَيُودًا) ؛ أَيْ: مُعَلَّمَ الصَّيْدِ، (وَ) كَوْنِ (الْأَرْضِ) الْمَبِيعَةِ خَرَاجُهَا كَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، (وَ) كَوْنِ (الطَّائِرِ) الْمَبِيعِ (مَصُوتًا، أَوْ يَبِيضُ، أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ يَصِيحُ عِنْدَ صَبَاحٍ أَوْ مَسَاءٍ، فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَازِمَةٌ) ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِهَا قَصْدًا صَحِيحًا، وَتَخْتَلِفُ الرَّغَبَاتُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَلَوْلَا
صِحَّةُ اشْتِرَاطِهَا وَلُزُومِهَا لَفَاتَتْ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَ الْبَيْعُ.
(فَإِنْ وُجِدَتْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ؛ أَيْ: حَصَلَ لِمُشْتَرِطٍ شَرْطُهُ؛ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَلَا فَسْخَ لَهُ (وَإِلَّا) يُوجَدْ الشَّرْطُ (ثَبَتَ) لَهُ (الْفَسْخُ) ؛ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَلِحَدِيثِ:«الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
(أَوْ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ) الْمَشْرُوطَةِ، إنْ لَمْ يُفْسَخْ؛ كَأَرْشِ عَيْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ لَا) لِنَحْوِ تَلَفِ مَبِيعٍ (تَعَيَّنَ أَرْشُ) فَقْدِ الصِّفَةِ؛ كَمَعِيبٍ تَعَذَّرَ رَدُّهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (فِي الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ) ، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْتُ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَجْرِ شَرْطٌ؛ (فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ) ؛ أَيْ: الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَ) اخْتَلَفَا (فِي بَكَارَةِ) أَمَةٍ مَبِيعَةٍ وَعَدَمِهَا، (وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (بَعْدَ وَطْءِ) الْمُشْتَرِي؛ (فَقَوْلُ مُشْتَرٍ) بِيَمِينِهِ، وَحَذْفُ كَلِمَةِ لَوْ أَظْهَرُ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْبَكَارَةِ وَعَدَمِهَا (قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَطْءِ (تُرَى لِلنِّسَاءِ) ، فَمَا شَهِدَ بِهِ النِّسَاءُ قُبِلَ، (وَيَكْفِي) فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (ثِقَةٍ) ؛ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ.
(وَإِنْ شَرَطَ) الْمُشْتَرِي (أَنْ الطَّائِرَ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ) أَنَّهُ (يَصِيحُ عِنْدَ دُخُولِهَا) ؛ أَيْ: أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ.
(أَوْ) شَرَطَ أَنْ الدَّابَّةَ تَحْلُبُ كُلَّ يَوْمٍ (كَذَا) ؛ أَيْ: قَدْرًا مُعَيَّنًا، (أَوْ) شَرَطَ (الْكَبْشَ مُنَاطِحًا، أَوْ الدِّيكَ مُنَاقِرًا، أَوْ الْأَمَةَ مُغَنِّيَةً أَوْ) زَانِيَةً، أَوْ مُسَاحَقَةٍ، أَوْ (لَا تَحْمِلُ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، أَوْ مُحَرَّمٌ، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ شَرْعًا.
(وَيَتَّجِهُ: وَلِمَنْ فَاتَهُ غَرَضُهُ الْمُبَاحُ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا اشْتَرَطَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ أَخْبَرَ بَائِعٌ) مُشْتَرِيًا (بِصِفَةٍ) فِي مَبِيعٍ يُرْغَبُ فِيهِ لَهَا،
(فَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ بِلَا شَرْطٍ) ، فَبَانَ فَقْدُهَا؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْصِيرٌ بِعَدَمِ الشَّرْطِ.
(أَوْ شَرَطَ صِفَةً أَوْلَى؛ كَ) مَا لَوْ شَرَطَ (الْأَمَةَ ثَيِّبًا) ، فَبَانَتْ أَعْلَى؛ فَلَا خِيَارَ.
وَلَعَلَّ هَذَا حَيْثُ لَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ؛ كَالشَّيْخِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفُضَّ الْبَكَارَةَ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ غَرَضًا صَحِيحًا مُوَافِقًا لِقَصْدِهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُنَجَّى وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَغَيْرِهِ.
(أَوْ) شَرَطَهَا (كَافِرَةً، أَوْ هُمَا) ؛ أَيْ: ثَيِّبًا كَافِرَةً (أَوْ) شَرَطَهَا (سَبْطَةَ) الشَّعْرِ، (أَوْ حَامِلًا، أَوْ لَا تَحِيضُ، فَبَانَتْ أَعْلَى) ، بِأَنْ وَجَدَ الْقَادِرُ عَلَى الْوَطْءِ الْمَشْرُوطَةَ ثَيِّبًا بِكْرًا، أَوْ الْمَشْرُوطَةَ كَافِرَةً مُسْلِمَةً، أَوْ الْمَشْرُوطَةَ سَبْطَةً (جَعْدَةً، أَوْ) الْمَشْرُوطَةَ حَامِلًا (حَائِلًا، أَوْ تَحِيضُ؛ فَلَا خِيَارَ) لِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا لَا تَحِيضُ فَبَانَتْ تَحِيضُ، أَوْ حَمْقَاءَ فَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، أَوْ شَرَطَ الْعَبْدَ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا.
(وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ؛ أَيْ: لَا خِيَارَ لِمُشْتَرٍ أَمَةً (شَرَطَهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً) ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَأَرَقُّ طَبْعًا، وَأَكْثَرُ نَفْعًا.
(لَا عَكْسُهُ) ، بِأَنْ شَرَطَهَا نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ يَهُودِيَّةً؛ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ (لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ سَبْتٍ) عَلَيْهَا بِاعْتِقَادِهَا، فَلَا يَتَمَكَّنُ السَّيِّدُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا خِيَارَ بِحَمْلِ بَهِيمَةٍ) مَبِيعَةٍ (شُرِطَتْ) ؛ أَيْ: شَرَطَ مُشْتَرِيهَا عَلَى
الْبَائِعِ كَوْنَهَا (حَائِلًا) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةُ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، بِخِلَافِهِ فِي الْآدَمِيَّاتِ.
(قَالَ بَعْضُهُمْ) : مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " وَالْحَاوِي " وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " فِي الصَّدَاقِ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) الْحَمْلُ (بِاللَّحْمِ) ؛ أَيْ: لَحْمِ الْبَهِيمَةِ الْمَبِيعَةِ؛ فَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ.
(الثَّالِثُ شَرَطَ بَائِعٌ) عَلَى مُشْتَرٍ (نَفْعًا غَيْرَ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ) ؛ كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ وَقُبْلَةٍ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ عَيْنٍ، أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ.
(مَعْلُومًا) ؛ أَيْ: النَّفْعَ (فِي مَبِيعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنَفْعًا؛ (كَ) اشْتِرَاطِ (سُكْنَى الدَّارِ) الْمَبِيعَةِ (شَهْرًا) مَثَلًا، (وَحِمْلَانِ الْبَعِيرِ) الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ (لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَ) كَاشْتِرَاطِ (خِدْمَةِ الْقِنِّ) الْمَبِيعِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ فَيَصِحُّ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَلًا، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِي لَفْظٍ قَالَ: فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهُ مُدَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَالْعَيْنِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا لَا كَالْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُعَارَةِ.
(وَلِبَائِعٍ إجَارَةُ) مَا اسْتَثْنَى، (وَ) لَهُ (إعَارَةُ مَا اسْتَثْنَى) مِنْ النَّفْعِ لِمِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ؛ كَالْمُسْتَأْجِرِ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ (عَلَى مُشْتَرٍ إنْ تَعَذَّرَ انْتِفَاعُهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ بِالنَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَتْلَفَ الْعَيْنَ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهَا، أَوْ أَعْطَاهَا لِمَنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ (وَلَوْ بِتَفْرِيطِهِ، أُجْرَةُ مِثْلِهِ) ؛ أَيْ: النَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ مُشْتَرٍ، بِأَنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَا تَفْرِيطِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا نَصًّا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ نَخْلَةٌ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهَا.
(وَلَوْ بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَى النَّفْعِ؛ كَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ
(فَالِانْتِفَاعُ) أَيْ: انْتِفَاعُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِمَا اسْتَثْنَاهُ (بِحَالِهِ) لَمْ يَتَغَيَّرْ بِبَيْعِ الْمَبِيعِ ثَانِيًا (وَلِمُشْتَرٍ) ثَانٍ (لَمْ يَعْلَمْ) بِالْحَالِ (الْخِيَارَ) ؛ كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ (وَلَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ إعْطَاءَ بَائِعٍ عِوَضًا عَنْ نَفْعِ مَا اسْتَثْنَى؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ) ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ النَّفْعِ مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَصًّا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ؛ كَالْمُؤَجَّرَةِ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ بَائِعٌ الْعِوَضَ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ.
(وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَشَرْطِ بَائِعٍ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي مَبِيعٍ (شَرَطَ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ) نَفْسِهِ (فِي مَبِيعٍ؛ كَ) شَرْطِ (حَمْلِ حَطَبٍ) مَبِيعٍ؛ (أَوْ تَكْسِيرِهِ، وَ) كَشَرْطِهِ (خِيَاطَةَ ثَوْبٍ) مَبِيعٍ، (أَوْ تَفْصِيلَهُ، أَوْ) شَرْطِ (جَزِّ رَطْبَةٍ) مَبِيعَةٍ.
قَالَ فِي " الْمُطْلِعِ ": الرَّطْبَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ - نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، يُقِيمُ فِي الْأَرْضِ سِنِينَ، كُلَّمَا جُزَّ نَبَتَ، وَهُوَ الْقَضْبُ أَيْضًا، وَهِيَ الْفِصْفِصَةُ - بِفَائَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ، وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ - وَتُسَمَّى فِي الشَّامِ فِي زَمَنِنَا الْفِصَّةَ.
(أَوْ) شَرْطِ (حَصَادِ زَرْعٍ) ، أَوْ جُذَاذِ ثَمَرَةٍ، أَوْ ضَرْبِ حَدِيدٍ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا، (بِشَرْطِ عِلْمِهِ) ؛ أَيْ: النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ، بِأَنْ يُعْلَمَ مَثَلًا الْمَحَلُّ الْمَشْرُوطُ حَمْلُ الْحَطَبِ إلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جُرْذَةَ حَطَبٍ، وَشَارَطَهُ عَلَى حَمْلِهَا.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْحَطَبَ، وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِحَمْلِهِ، أَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ، وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِخِيَاطَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْإِجَارَةِ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ؛ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ كَالْعَيْنَيْنِ
وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ «نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ؛ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ النَّفْعُ، بِأَنْ شَرَطَ حَمْلَ الْحَطَبِ عَلَى بَائِعِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ لَا يُعْلَمُ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً؛ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ بَائِعٌ نَفْعَ غَيْرِ مَبِيعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ فِي غَيْرِ مَبِيعٍ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ.
(وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْبَائِعُ الْمَشْرُوطُ نَفْعُهُ فِي الْمَبِيعِ (كَأَجِيرٍ
فَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ) قَبْلَ حَمْلِ الْحَطَبِ أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَنَحْوٍ مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِ، (أَوْ تَلِفَ مَبِيعٌ) قَبْلَ عَمَلِ بَائِعٍ فِيهِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، (أَوْ اُسْتُحِقَّ نَفْعُ بَائِعٍ) ، بِأَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ إجَارَةً خَاصَّةً؛ (فَلِمُشْتَرٍ عِوَضُ ذَلِكَ) النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ؛ لِفَوَاتِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ، فَانْفَسَخَتْ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا خَاصًّا فَمَاتَ.
وَإِنْ مَرِضَ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ؛ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، كَالْإِجَارَةِ وَإِنْ أَرَادَ بَائِعٌ دَفْعَ عِوَضِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، وَأَبَى مُشْتَرٍ، أَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ أَخْذَهُ بِلَا رِضَا بَائِعٍ؛ لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ.
(وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخَذَهُ) ؛ أَيْ: الْعِوَضِ، وَلَوْ (بِلَا عُذْرٍ؛ جَازَ) ؛ لِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَكَذَا مَعَهُ، وَكَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ نَفْعُ بَائِعٍ بِنَحْوِ مَرَضٍ؛ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْبَائِعِ كَالْإِجَارَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُبْطِلُهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعَ (جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ وَلَوْ صَحِيحَيْنِ) مُنْفَرِدَيْنِ؛ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَتَفْصِيلِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (مَا لَمْ يَكُونَا) ؛ أَيْ: الشَّرْطَانِ (مِنْ مُقْتَضَاهُ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِهِ حُلُولَ الثَّمَنِ، وَتَصَرُّفَ كُلٍّ فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ.
(أَوْ) يَكُونَا مِنْ (مَصْلَحَتِهِ) ؛ كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَضَمِينٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ؛ فَيَصِحُّ.
(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ بِأَمْرٍ يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَشْبَهَ شَرْطَ الْخِيَارِ.
(غَيْرَ خُلْعٍ) ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ، (بِشَرْطٍ) مُتَعَلِّقٍ بِتَعْلِيقِهِ؛ (كَ) قَوْلِهِ:(بِعْتُكَ) كَذَا بِكَذَا، (عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى كَذَا) ؛ أَيْ: وَقْتٍ مُعَيَّنٍ،