الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَخْفَى، وَتَقَدَّمَ.
[تَنْبِيهٌ إذَا اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ]
ُ؛ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ؛ رَجَعَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعِوَضِ الَّذِي بَذَلَهُ، وَعِوَضُ الْعَقْدِ هُوَ الدَّرَاهِمُ، وَالْمُؤَجِّرُ أَخَذَ الدَّنَانِيرَ بِعَقْدٍ آخَرَ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ؛ أَشْبَهَ مَا إذَا قَبَضَ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْمُسَابَقَةِ]
(بَابُ الْمُسَابَقَةِ) مِنْ السَّبْقِ، وَهُوَ بُلُوغُ الْغَايَةِ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَهِيَ (الْمُجَارَاةُ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَرِمَاحٍ وَمَنَاجِيقَ، وَكَذَا السِّبَاقُ وَالْمُنَاضَلَةُ مِنْ النَّضْلِ يُقَالُ: نَاضَلَهُ مُنَاضَلَةً وَنِضَالًا وَنِيضَالًا، وَهِيَ (الْمُسَابَقَةُ بِالرَّمْيِ) بِالسِّهَامِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا، فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، (وَالسَّبَقُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ -) وَالسُّبْقَةُ (الْجُعْلُ، وَ) السَّبْقُ - بِسُكُونِهَا - أَيْ الْبَاءِ مَصْدَرُ سَبَقَ (الْمُجَارَاةُ) .
(وَتَجُوزُ) الْمُسَابَقَةُ (فِي سُفُنٍ وَمَزَارِيقَ) ، وَهِيَ الرِّمَاحُ الْقِصَارُ، (وَطُيُورٍ) حَتَّى الْحَمَامِ، خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ (وَرِمَاحٍ وَأَحْجَارٍ) وَمَقَالِيعَ (وَعَلَى الْأَقْدَامِ) ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَفِيَلَةٍ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ: «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَابَقَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ
الْخَيْلِ الْمُضْمَرَةِ مِنْ الْخَيْفِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تَضْمُرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ» قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: مِنْ الْحَيْفَا إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَالْخَيْلُ الْمُضْمَرَةُ هِيَ الْمَعْلُوفَةُ الْقُوتَ بَعْدَ السِّمَنِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ:«سَابَقَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا أَخَذَنِي اللَّحْمُ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. .
(وَكُرِهَ رَقْصٌ وَمَجَالِسُ شِعْرٍ وَكُلُّ مَا يُسَمَّى لَعِبًا) ، ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ وَيَأْتِي، (إلَّا مَا كَانَ مُعِينًا عَلَى) قِتَالِ (عَدُوٍّ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. .
(فَيُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ) وَنَحْوِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا مُرَامَاةُ الْأَحْجَارِ وَنَحْوُهُ، وَهِيَ (أَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ) .
قَالَهُ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: مَنْ وَثَبَ وَثْبَةً مَرَحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ، فَانْقَلَبَ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ؛ عَصَى وَقَضَى الصَّلَاةَ.
(وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَالنَّقِيلَةِ) .
قَالَ: وَيَجُوزُ اللَّعِبُ بِمَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ، وَقَالَ: كُلُّ [فِعْلٍ] أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ، (وَقَالَ أَيْضًا: مَا أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ جِنْسُهُ؛ كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ) وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ أَوْ مُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ» وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ؛ أَيْ: لَا يَنْفَعُ، فَإِنَّ الْبَاطِلَ ضِدُّ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ يُرَادُ بِهِ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ وَاعْتِقَادُهُ وَالْخَبَرُ عَنْهُ، وَيُرَادُ بِهِ الْحَقُّ الْمَقْصُودُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقْصَدَ، وَهُوَ الْأَمْرُ النَّافِعُ، فَمَا لَيْسَ مِنْ هَذَا؛ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ أَيْ: لَيْسَ بِنَافِعٍ، وَمَا رُوِيَ:«أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَجِوَارِي مَعَهَا كُنَّ يَلْعَبْنَ بِاللُّعَبِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَاهُنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
وَكَانَتْ لَهَا أُرْجُوحَةٌ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، فَيُرَخَّصُ فِيهِ لِلصِّغَارِ مَا لَا يُرَخَّصُ لِلْكِبَارِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي زَمَّارَةِ الرَّاعِي انْتَهَى.
وَلَعِبُ الْجَوَارِي بِاللُّعَبِ غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلتَّمَرُّنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُنَّ عَادَةً، قَالَ الْفَتُوحِيُّ: وَيُتَوَجَّهُ كَذَا فِي الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ؛ «لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى يُدَفِّفَانِ وَيَضْرِبَانِ وَيُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُمَا فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.»
(وَيُسْتَحَبُّ لَعِبٌ بِآلَةِ حَرْبٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَثِقَافٍ) ، وَهُوَ مَا تُسَوَّى بِهِ الرِّمَاحُ وَتَثْقِيفُهَا تَسْوِيَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ، (وَيُتَعَلَّمُ بِسَيْفٍ خَشَبٍ، لَا حَدِيدٍ نَصًّا) نَقَلَ أَبُو دَاوُد: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُتَعَلَّمَ بِسَيْفٍ حَدِيدٍ بَلْ بِسَيْفٍ خَشَبٍ.
(وَلَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ) الْمُحَرَّمِ وَلَا (الْمَكْرُوهِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ)[؛ لِحَدِيثِ: عُقْبَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ، ثُمَّ اسْتَثْنَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْمُرَادُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمُ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَالْحِرَاسَةَ، وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ] ، وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ لَعِبِ الْحَبَشَةِ بِدَرَقِهِمْ وَحِرَابِهِمْ، وَتَوَثُّبِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَةِ الرَّقْصِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَتَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ، وَهِيَ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَدَخَلَ عُمَرُ، فَأَهْوَى إلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» .
(وَكُرِهَ شَدِيدًا لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ أَنْ يَتْرُكَهُ) ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وَمَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ نَسِيَهُ؛ فَلَيْسَ مِنَّا» وَكَانَ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ يَسْبِقُونَ بَيْنَ الْخَيْلِ، «وَقَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] ،
ثُمَّ قَالَ: أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ؛ فَهِيَ نِعْمَةٌ كَفَرَهَا» قَالَ الْعَلْقَمِيُّ: وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ حَصَلَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الدِّفَاعِ عَنْ دِينِهِ وَنِكَايَةُ الْعَدُوِّ وَتَأَهَّلَ لِوَظِيفَةِ الْجِهَادِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدْ فَرَّطَ فِي الْقِيَامِ بِمَا قَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ.
(وَتَجُوزُ مُصَارَعَةٌ) ، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «صَارَعَ رُكَانَةَ فَصَرَعَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَ) يَجُوزُ (رَفْعُ أَحْجَارٍ لِمَعْرِفَةِ الْأَشَدِّ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصَارَعَةِ.
(وَأَمَّا)(اللَّعِبُ بِنَرْدٍ وَشِطْرَنْجٍ) - بِكَسْرِ أَوَّلِهِ - (وَنِطَاحُ كِبَاشٍ وَنِقَارِ دُيُوكٍ)(فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ) - أَيْ: لَا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِهِ - وَهِيَ بِالْعِوَضِ أَشَدُّ حُرْمَةً فَإِذَا اشْتَمَلَ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى عِوَضٍ؛ أَوْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ مِثْلَ تَأَخُّرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ تَضْيِيعِ وَاجِبَاتِهَا، أَوْ تَرْكِ مَا يَجِبُ مِنْ مَصَالِحِ الْعِيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا تَضَمَّنَ كَذِبًا أَوْ ظُلْمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّهُ حَرَامٌ أَيْضًا، وَإِذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ؛ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَمْ يَقْطَعْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ حَلَالٌ، بَلْ تَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ الشِّطْرَنْجَ، فَقَالَ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ لَأَنْ يَمَسَّ أَحَدُكُمْ جَمْرًا حَتَّى يُطْفِئَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: صَاحِبُ الشِّطْرَنْجِ أَكْذَبُ النَّاسِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَتَلْتُ وَمَا قَتَلَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ، وَقَالُوا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُدْمِنِ الْمُوَاظِبِ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ، وَقَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهَا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] .
وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ، فَوَجَدَهَا
فِيهِ فَأَحْرَقَهَا.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: هُوَ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ، فَإِنَّ مَا فِي النَّرْدِ مِنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَعَنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ بِلَا رَيْبٍ، وَهِيَ تَفْعَلُ بِالنُّفُوسِ فِعْلَ حِمْيَا الْكُؤُوسِ؛ فَتَصُدُّ عُقُولَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَمْرِ وَالْحَشِيشَةِ، وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا، فَإِنَّ اللَّاعِبَ بِهَا يَسْتَغْرِقُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَفِكْرَهُ فِيمَا يَعْمَلُهُ خَصْمُهُ، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ، وَفِي لَوَازِمِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِ لَوَازِمِهِ حَتَّى لَا يَحُسُّ بِجُوعِهِ وَلَا عَطَشِهِ، وَلَا بِمَنْ يَحْضُرُ عِنْدَهُ، وَلَا بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا بِحَالِ أَهْلِهِ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَالصَّلَاةَ، وَهَذَا كَمَا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الشَّرَابِ يَكُونُ عَقْلُهُ أَصْحَى مِنْ عَقْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ، وَاللَّاعِبُ بِهَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَتُهُ مِنْهَا إلَّا بِدَسْتٍ بَعْد دَسْتُ كَمَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ إلَّا بِقَدَحٍ بَعْدَ قَدَحٍ، وَتَبْقَى آثَارُهَا فِي النَّفْسِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَكْثَرُ مِنْ آثَارِ شَارِبِ الْخَمْرِ، حَتَّى تَعْرِضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَرَضِ وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ، بَلْ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا ذِكْرُهُ لِرَبِّهِ وَتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ، يَعْرِضُ لَهُ تَمَاثِيلُهَا وَذِكْرُ الشَّاةِ وَالرُّخِّ وَالْفِرْزَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَصَدُّهَا الْقُلُوبَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ صَدِّ الْخَمْرِ، وَإِفْسَادُهَا لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ إفْسَادِ النَّرْدِ، وَلَكِنَّ النَّرْدَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالشِّطْرَنْجُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ أَنْ فَتَحُوا الْبِلَادَ، فَإِنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْهِنْدِ، وَانْتَقَلَ مِنْهُمْ إلَى الْفُرْسِ، وَلِهَذَا جَاءَ ذِكْرُ النَّرْدِ، وَإِلَّا فَالشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْعِوَضِ أَوْ عَدَمِهِ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى دِرَايَةٍ.
(وَلَا تَجُوزُ مُسَابَقَةٌ بِعِوَضٍ) - أَيْ: مَالٍ لِمَنْ سَبَقَ - (مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ لَا (إلَّا) فِي مُسَابَقَةِ (خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَسِهَامٍ) - أَيْ: نُشَّابٍ وَنَبْلٍ لِلرِّجَالِ - هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا سَبْقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ.»
وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي أَخْذِ الْعِوَضِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعْلِيمِهَا وَإِحْكَامِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمَ الرِّهَانِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ مَأْمُورَاتٍ بِالْجِهَادِ، (بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجُوزُ.
(أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ) فِي الْمُسَابَقَةِ بِرُؤْيَةٍ، سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ وَتُسَاوِيهِمَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَدَدِ وَانْتِهَائِهِ، وَتَعْيِينُ (الرُّمَاةِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ (بِرُؤْيَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ، (سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ) كَانَا (جَمَاعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُسَابِقَاتِ مَعْرِفَةُ سُرْعَةِ عَدْوِ الْمَرْكُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُسَابَقُ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْمُنَاضَلَةِ مَعْرِفَةُ حِذْقُ الرُّمَاةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ مَرْكُوبٍ بِعَيْنِهِ، وَمَعْرِفَةُ حَذْقِ رَامٍ بِعَيْنِهِ، لَا مَعْرِفَةُ عَدْوِ مَرْكُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ حَذْقِ رَامٍ فِي الْجُمْلَةِ.
فَلَوْ عَقَدَ اثْنَانِ مُسَابَقَةً عَلَى خَيْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُنَاضَلَةً، وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَرٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسُهُ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ظَنَّ خِلَافِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ.
وَ (لَا) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (الرَّاكِبِينَ وَلَا الْقَوْسَيْنِ وَلَا السِّهَامِ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ وَحِذْقِ الرَّامِي دُونَ الرَّاكِبِ وَالْقَوْسِ وَالسِّهَامِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْمَقْصُودِ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهَا كَالسَّرْجِ (وَلَوْ عَيَّنَهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَكُلُّ مَا يَتَعَيَّنُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ؛ كَالْمُتَعَيَّنِ فِي الْبَيْعِ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرْمِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْسِ أَوْ بِغَيْرِ هَذَا السَّهْمِ، وَلَا يَرْكَبَ غَيْرَ هَذَا الرَّاكِبِ؛ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: اتِّحَادُ الْمَرْكُوبَيْنِ) بِالنَّوْعِ فِي الْمُسَابَقَةِ، (أَوْ) اتِّحَادُ (الْقَوْسَيْنِ بِالنَّوْعِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ أَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ؛ (فَلَا يَصِحُّ) السِّبَاقُ بَيْنَ (فَرَسٍ عَرَبِيٍّ وَ) فَرَسٍ (هَجِينٍ) ، وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ، (وَلَا) الْمُنَاضَلَةُ بَيْنَ (قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ) - أَيْ قَوْسِ النَّبْلِ - (وَ) قَوْسٍ (فَارِسِيَّةٍ) - أَيْ قَوْسِ النُّشَّابِ - قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، (وَلَا يُكْرَهُ رَمْيٌ
بِهَا) - أَيْ: الْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ نَصًّا - فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَنْوَاعُ الْقَوْسِ الَّتِي يَرْمِيَانِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى مَعَ رَجُلٍ قَوْسًا فَارِسِيَّةً، فَقَالَ: أَلْقِهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّةِ وَبِرِمَاحِ الْقَنَا، فَبِهَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، وَبِهَا يُمَكِّنُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ.» وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ
، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَعَنَهَا لِحَمْلِ الْعَجَمِ لَهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، وَمَنَعَ الْعَرَبَ مِنْ حَمْلِهَا؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ مَبْدَأً وَغَايَةً) بِأَنْ يَكُونَ لِابْتِدَاءِ عَدْوِهِمَا وَآخِرِهِ غَايَةٌ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَقِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يَقْصُرُ فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ، وَيُسْرِعُ فِي آخِرِهِ، وَبِالْعَكْسِ، فَيَحْتَاجُ إلَى غَايَةٍ تَجْمَعُ حَالَيْهِ، فَإِنْ اسْتَبَقَا بِلَا غَايَةٍ لِيَنْظُرَ أَيَّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَقِفَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَ فَرَسُهُ، وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّبَقِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ فَلِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ؛ فَاعْتُبِرَ تَحْدِيدُ (مَدَى رَمْيٍ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) ، وَلَا يُعْرَفُ مَدَى الرَّمْيِ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، نَحْوُ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا، أَوْ بِالذِّرَاعِ كَمِائَةِ ذِرَاعٍ، (أَوْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ) ، وَمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، (فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِتَعَذُّرِ الْإِصَابَةِ فِيهِ غَالِبًا، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بِالرَّمْيِ، قِيلَ إنَّهُ مَا رَمَى أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ؛ كَمَا لَا يَصِحُّ (تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا) ؛ لِعَدَمِ تَحْدِيدِ الْغَايَةِ.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: عِلْمُ عِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فِي عَقْدٍ، فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ أَوْ الْقَدْرِ إذَا كَانَ بِالْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ أَغْلَبُ، وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ ذِكْرُ الْقَدْرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ.
(وَإِبَاحَتُهُ) - أَيْ: الْعِوَضِ - لِمَا تَقَدَّمَ، (وَهُوَ) - أَيْ بَذْلُ الْعِوَضِ الْمَذْكُورِ - (تَمْلِيكٌ) لِلسَّابِقِ (بِشَرْطِ سَبْقِهِ)، فَلِهَذَا قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ: لَا يَصِحُّ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ جَعَالَةٌ، فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ، (وَيَجُوزُ حُلُولُهُ) - أَيْ: الْعِوَضِ - (وَتَأْجِيلُهُ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ؛ كَالثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ.
الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: الْخُرُوجُ) بِالْعِوَضِ (عَنْ شَبَهِ قِمَارٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ - مَصْدَرُ قَامَرَهُ فَقَمَرَهُ إذَا رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ؛ (بِأَنْ لَا يُخْرِجَ جَمِيعُهُمْ) الْعِوَضَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ؛ فَهُوَ قِمَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَمَنْ لَمْ يُخْرِجْ بَقِيَ سَالِمًا مِنْ الْغُرْمِ.
(فَإِنْ كَانَ) الْجُعْلُ (مِنْ الْإِمَامِ) مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى أَنْ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ لَهُ؛ جَازَ؛
لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً
وَحَثًّا عَلَى تَعْلِيمِ الْجِهَادِ وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ؛ لِتَوَلِّيهِ الْوِلَايَةَ؛ (أَوْ) كَانَ الْجُعْلُ مِنْ (غَيْرِهِ) - أَيْ: الْإِمَامِ - عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ، فَهُوَ لَهُ؛ جَازَ؛ لِمَا
فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ
وَالْقُرْبَةِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ سِلَاحًا أَوْ خَيْلًا، (أَوْ) كَانَ الْجُعْلُ (مِنْ أَحَدِهِمَا) - أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ: - أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهُمْ إذَا كَثُرُوا، وَثَمَّ مَنْ لَمْ يُخْرِجْ (عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخَذَهُ؛ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَدَلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ بَعْضِهِمْ، (فَإِنْ جَاءَا) - أَيْ: الْمُتَسَابِقَانِ - مُنْتَهَى الْغَايَةِ (مَعًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) مِنْ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ.
(وَإِنْ سَبَقَ مُخْرِجُ) الْعِوَضِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ (أَحْرَزَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا، كَانَ قِمَارًا.
(وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ) الَّذِي لَمْ يُخْرِجْ؛ (أَحْرَزَ سَبَقَ) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - (صَاحِبِهِ) ، فَمَلَكَهُ، وَكَانَ كَسَائِرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الْجَعَالَةِ، فَمُلِّكَ فِيهَا كَالْعِوَضِ الْمَجْعُولِ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ؛ فَهُوَ دَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ أَفْلَسَ ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، (وَإِنْ أَخْرَجَا) - أَيْ: الْمُتَسَابِقَانِ - (مَعًا؛ لَمْ يَجُزْ)، تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ؛ إذْ لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ (إلَّا بِمُحَلِّلٍ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ
أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ، فَلَيْسَ قِمَارًا، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يَسْبِقَ؛ فَهُوَ قِمَارٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
فَجَعَلَهُ قِمَارًا إذَا أَمِنَ السَّبَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُوَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ؛ لَمْ يَكُنْ قِمَارًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ ذَلِكَ.
(وَلَا يَجُوزُ) كَوْنُ مُحَلِّلٍ (أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) ؛ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ قَالَهُ الْآمِدِيُّ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُحَلِّلِ أَنْ يَكُونَ (يُكَافِئُ مَرْكُوبُهُ مَرْكُوبَيْهِمَا) فِي الْمُسَابَقَةِ، (أَوْ) يُكَافِئُ (رَمْيُهُ رَمْيَهُمَا) فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ.
وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (تَسَاوِي مَا) - أَيْ: الْعِوَضِ - الَّذِي (أَخْرَجَاهُ، فَإِنْ سَبَقَاهُ) - أَيْ: الْمُخْرِجَانِ - الْمُحَلِّلَ؛ (أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا) ؛ أَيْ: أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ مِنْهُمَا، وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، (وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ) - أَيْ: الْمُحَلِّلِ - (شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَنْ سَبَقَهُ.
(وَإِنْ سَبَقَ) الْمُحَلِّلُ الْمُخْرِجَيْنِ أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جُعْلَانِ لِمَنْ سَبَقَ، (أَوْ) سَبَقَ (أَحَدُهُمَا) - أَيْ الْمُخْرِجَيْنِ - (أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ) ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، (وَإِنْ سَبَقَا) - أَيْ: الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُخْرِجَيْنِ - (مَعًا) ؛ بِأَنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا وَالْمُحَلِّلُ مَعًا؛ فَقَدْ أَحْرَزَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَالَ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ (سَبَقُ مَسْبُوقٍ بَيْنَهُمَا) - أَيْ بَيْنَ السَّابِقِ وَالْمُحَلِّلِ - (نِصْفَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اشْتَرَكَا فِي السَّبَقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِوَضِهِ، وَإِنْ جَاءَ الْمُخْرِجَانِ وَالْمُحَلِّلُ الْغَايَةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ أَحْرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَقَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ.
(وَإِنْ قَالَ غَيْرُهُمَا) - أَيْ: غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ - وَهُوَ الْمُخْرِجُ لِلْعِوَضِ (مَنْ سَبَقَ) مِنْكُمَا (أَوْ صَلَّى فَلَهُ عَشَرَةٌ؛ لَمْ يَصِحَّ مَعَ اثْنَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِ السَّبَقِ إذَنْ، فَلَا يُحْرَصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا.
(وَإِنْ زَادَ) عَلَى اثْنَيْنِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُصَلِّيًا، (أَوْ قَالَ) الْمُخْرِجُ غَيْرُهُمَا: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، (وَمَنْ صَلَّى) ؛ أَيْ: جَاءَ ثَانِيًا (فَلَهُ خَمْسَةٌ) صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا؛ لِيُحْرِزَ أَكْثَرَ الْعِوَضَيْنِ، وَسُمِّيَ الثَّانِي مُصَلِّيًا؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ
يَكُونُ عِنْدَ صَلَوَيْ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَوَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ، وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَصَلَّى عُمَرُ وَخَطَبَتْنَا فِتْنَةٌ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إنْ تُبْتَدَرْ غَايَةٌ يَوْمًا لِمَكْرُمَةٍ
…
تَلْقَى السَّوَابِقَ فِينَا وَالْمُصَلِّينَا
(وَكَذَا) يَصِحُّ إذَا فَاوَتَ الْعِوَضَ (عَلَى التَّرْتِيبِ لِلْأَقْرَبِ) فَالْأَقْرَبِ (لِسَابِقٍ) ؛ بِأَنْ قَالَ: لِلْمُجِلِّي مِائَةٌ، وَلِلْمُصَلِّي سَبْعُونَ، وَلِلتَّالِي ثَمَانُونَ، وَلِلْبَارِعِ سَبْعُونَ، وَلِلْمُرْتَاحِ سِتُّونَ، وَلِلْخَطِّيِّ خَمْسُونَ، وَلِلْعَاطِفِ أَرْبَعُونَ، وَلِلْمُؤَمِّلِ ثَلَاثُونَ، وَلِلَّطِيمِ عِشْرُونَ، وَلِلسُّكَيْتِ عَشَرَةٌ، وَلِلْفِسْكِلِ خَمْسَةٌ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَطْلُبُ السَّبَقَ، فَيَجُوزُ الْأَكْثَرُ، فَإِذَا فَاتَهُ طَلَبَ مَا يَلِي السَّابِقَ.
(وَخَيْلُ الْحَلْبَةِ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ - (مُرَتَّبَةٌ) ، وَهِيَ خَيْلٌ تُجْمَعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ لَا تَخْرُجُ مِنْ إصْطَبْلٍ وَاحِدٍ؛ كَمَا يُقَالُ لِلْفَوْجِ إذَا جَاءُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ لِلنُّصْرَةِ قَدْ أَحْلَبُوا. قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ؛ أَوَّلُهَا.
(مُجَلٌّ) بِالْمِيمِ - وَهُوَ السَّابِقُ لِجَمِيعِ خَيْلِ الْحَلْبَةِ (فَمُصَلٍّ) ؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ يَكُونُ عِنْدَ صَلَا الْمُجِلِّي، (فَتَالٍ) الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ يَتْلُو الْمُصَلِّي، (فَبَارِعٌ) الرَّابِعُ، (فَمُرْتَاحٌ) الْخَامِسُ، (فَخَطِّيٌّ) السَّادِسُ وَهُوَ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - (فَعَاطِفٌ) السَّابِعُ، (فَمُؤَمَّلٌ) بِوَزْنِ مُعَظَّمٍ الثَّامِنُ، (فَلَطِيمٌ) التَّاسِعُ، (فَسُكَيْتٌ) بِوَزْنِ كُمَيْتٍ، وَقَدْ تُشَدَّدُ يَاؤُهُ، الْعَاشِرُ آخِرُ خَيْلِ الْحَلْبَةِ، (فَفُسْكُلٌ) كَقُنْفُذٍ وَزِبْرِجٍ وَزُنْبُورٍ الَّذِي يَجِيءُ آخِرَ الْخَيْلِ، وَسُمِّيَ الْقَاشُورَ وَالْقَاشِرَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ "" وَالْمُنْتَهَى " وَفِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ، (فَفِي " الْكَافِي " وَ) تَبِعَهُ فِي (" الْمُطْلِعِ " مُجَلٌّ فَمُصَلٍّ فَتَالٍ فَمُرْتَاحٌ إلَى آخِرِهِ) ، وَقَالَ أَبُو الْغَوْثِ أَوَّلُهَا الْمُجِلِّي وَهُوَ السَّابِقُ، ثُمَّ الْمُصَلِّي، ثُمَّ الْمُسَلِّي، ثُمَّ التَّالِي، ثُمَّ الْعَاطِفُ، ثُمَّ الْمُرْتَاحُ، ثُمَّ الْمُؤَمَّلُ، ثُمَّ الْخَطِّيُّ، ثُمَّ اللَّطِيمُ، ثُمَّ السُّكَيْتُ،
وَهُوَ الْفِسْكِلُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَالْفِسْكِلُ اسْمٌ لِلْآخِرِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُسَابَقَةِ بِالْخَيْلِ تَجَوُّزًا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللَّهِ وَمُحَمَّدًا أَوْ عَوْنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ ثَلَاثَةً أَنْتَ آخِرُهُمْ لَأَخْيَارٌ، فَقَالَ لِوَلَدِهَا: فَثَكِلَتْنِي أُمُّكُمْ.
(فَإِنْ جَعَلَ) مَنْ أَخْرَجَ الْعِوَضَ (لِمُصَلٍّ أَكْثَرَ مِنْ سَابِقٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَأَنْ جَعَلَ لِلتَّالِي أَكْثَرَ مِنْ الْمُصَلِّي، (أَوْ لَمْ يَجْعَلْ لِمُصَلٍّ شَيْئًا) ، وَجَعَلَ لِلتَّالِي عِوَضًا؛ (لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَلَّا يُقْصَدَ السَّبَقُ، بَلْ يُقْصَدَ التَّالِي؛ فَيَفُوتَ الْمَقْصُودُ.
(وَإِنْ قَالَ) مُخْرِجُ الْعِوَضِ (لِعَشَرَةٍ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ فَلَهُ عَشَرَةٌ) ؛ صَحَّ، (فَإِنْ جَاءُوا مَعًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الْجُعْلُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
(وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ) فَلَهُ الْعَشَرَةُ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ، أَوْ سَبَقَ اثْنَانِ (فَأَكْثَرُ إلَى تِسْعَةٍ مَعًا) ، وَتَأَخَّرَ أَمَا عَدَا سَبَقٍ فَالْعَشَرَةُ (لَهُمْ) أَيْ لِلِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِيهِمْ، فَكَانَ الْجُعْلُ بَيْنَهُمْ؛ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّتْ تِسْعَةٌ، فَلَهُمْ الْعَشَرَةُ؛ لِحُصُولِ رَدِّهِ مِنْ الْكُلِّ، وَيَصِيرُ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَإِنْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدًا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ سَلَبُ قَتِيلِهِ كَامِلًا، وَإِنْ قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا فَلِجَمِيعِهِمْ سَلَبٌ وَاحِدٌ، وَهَا هُنَا كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ سَبَقٌ مُفْرَدٌ، فَكَانَ الْجُعْلُ لَهُ كَامِلًا.
فَلَوْ قَالَ: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ، فَسَبَقَ خَمْسَةٌ، وَصَلَّى خَمْسَةٌ؛ فَلِلسَّابِقِينَ عَشَرَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمَانِ وَلِلْمُصَلِّينَ خَمْسَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ.
(وَيَصِحُّ عَقْدٌ لَا شَرْطٌ)، فَيَلْغُو (فِي) قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِلْآخَرِ:(إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ كَذَا، وَلَا أَرْمِي أَبَدًا، أَوْ) لَا أَرْمِي (شَهْرًا) وَنَحْوَهُ؛ كَأَنْ شَرَطَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخَ مَتَى شَاءَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَأَشْبَاهُ