الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَنَوْعٌ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا؛ كَالصَّلَاةِ وَالظِّهَارِ، وَنَوْعٌ تَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ كَحَجِّ فَرْضٍ وَعُمْرَتِهِ.
[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُوَكِّلِ]
(فَصْلٌ: وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي بَيْعِ مَالِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ (كُلِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَلَا غَرَرَ (أَوْ) بَيْعِ (مَا شَاءَ) الْوَكِيلُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي الْجَمِيعِ فَفِي بَعْضِهِ أَوْلَى.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي طَلَاقِ) جَمِيعِ (نِسَائِهِ) أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ، (أَوْ عِتْقِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُمْ) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ (فِي) كِتَابِ (" الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) ؛ أَيْ: الْأَصْحَابِ فِي بِعْ مِنْ مَالِي مَا شِئْت، (لَهُ بَيْعُ كُلِّ مَالِهِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ لَا) فِي بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت؛ (لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ) فَلَا يَبِيعُهُمْ إلَّا وَاحِدًا وَلَا الْكُلَّ؛ لِاسْتِعْمَالِ هَذَا فِي الْأَقَلِّ غَالِبًا، وَقَالَ؛ أَيْ: الْأَزَجِيُّ: وَهَذَا يُبْنَى عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ.
كَذَا قَالَ.
انْتَهَى كَلَامُ " الْفُرُوعِ ".
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ "(وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا (وَ) فِي (الْإِبْرَاءِ مِنْهَا كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
و (لَا) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ) كَبِلَا وَلِيٍّ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ بِلَا رُؤْيَةٍ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ، بَلْ حَرَّمَهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، (وَلَا يَمْلِكُ) الْعَقْدَ (الصَّحِيحَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّا وَكَّلَهُ بِهِ؛ كَإِجْرَائِهِ عَقْدَ التَّزْوِيجِ بِوَلِيٍّ، وَشِرَائِهِ الشَّيْءِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ؛ لِمُخَالَفَتِهِ اشْتِرَاطَ الْمُوَكِّلِ.
[قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، فَبَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا؛ لَمْ يَصِحَّ، قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ] .
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ
التَّوْكِيلُ فِي (كُلٍّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) . ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ وَطَلَاقِ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقِ أَرِقَّائِهِ وَتَزْوِيجِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَيَلْزَمُهُ الْمُهُورُ الْكَثِيرَةُ، فَيَعْظُمُ الْغُرُورُ وَالضَّرَرُ، وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (إلَّا إنْ قَالَ) الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ: وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ (مِنْ مَالِي) ؛ كَقَوْلِهِ: بِعْ مَالِي كُلَّهُ وَاقْبِضْ دُيُونِي كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَالَهُ وَدُيُونَهُ، فَيَقِلُّ الْغَرَرَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ إنْ قَالَ: (اشْتَرِ مَا شِئْت أَوْ) اشْتَرِ (عَبْدًا بِمَا شِئْت) ؛ لِأَنَّ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ (حَتَّى يُبَيَّنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - لِلْوَكِيلِ (نَوْعٌ) . وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ نَوْعًا فَقَدْ أَذِنَ فِي أَغْلَاهُ ثَمَنًا، فَيَقِلُّ الْغَرَرُ فِيهِ (وَقَدْرُ ثَمَنٍ) يُشْتَرَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِذَكَرِ الشَّيْئَيْنِ.
(وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يُمْكِنْ مِقْدَارُ ثَمَنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (مَعْلُومًا بَيْنَ النَّاسِ كَمَكِيلٍ) وَمَوْزُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ، (وَإِنْ) قَالَ لِوَكِيلِهِ (اشْتَرِ كَذَا وَكَذَا) [لَا يَصِحُّ] التَّوْكِيلُ؛ لِلْجَهَالَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِثْلُهُ) ؛ أَيْ:
مِثْلُ قَوْلِهِ: وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: (اشْتَرِ) لِي (مَا شِئْت كَمَا فِي " الْمُبْدِعِ " مِنْ الْمَتَاعِ الْفُلَانِيِّ) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهِ.
(وَالْإِطْلَاقُ) فِي قَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ عَبْدًا (يَقْتَضِي) أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ إلَّا (شِرَاءَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِجَعْلِهِ) ؛ أَيْ: ابْنِ عَقِيلٍ (الْكُفْرَ) فِي الرَّقِيقِ (عَيْبًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَقِيلَ تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) مِنْ بَيْعِ مَالِهِ وَقَبْضِ دُيُونِهِ وَإِبْرَاءِ غُرَمَائِهِ، (وَيُؤَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: الْقَوْلَ بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاج بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرُّوذِيِّ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ - نِسْبَةً إلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ مَرْوَ الرُّوذِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ أَبُوهُ خُوَارَزْمِيٌّ، وَأُمُّهُ مَرُّوذِيَّةٌ، مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ عِنْدَ رِجْلَيْ قَبْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنهما. انْتَهَى (بَعَثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي حَاجَةٍ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ تَقُولُهُ عَلَى لِسَانِي فَأَنَا قُلْتُهُ) ؛ لَمَّا عَلِمَ الْإِمَامُ مِنْ أَمَانَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَعَدَالَتِهِ وَوَرَعِهِ وَفَضْلِهِ وَزُهْدِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْنِسُ بِهِ وَيَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى إغْمَاضَهُ لَمَّا مَاتَ وَغَسَّلَهُ، فَلِذَلِكَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ إلَى الْغَزْوِ فَشَيَّعَهُ النَّاسُ إلَى سَامِرَّاءَ، فَجَعَلَ يَرُدُّهُمْ، فَلَا يَرْجِعُونَ - حَزَرُوا فَإِذَا هُمْ بِسَامِرَّاءُ سِوَى مَنْ رَجَعَ خَمْسُونَ أَلْفِ إنْسَانٍ - فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ: احْمَدْ اللَّهَ فَهَذَا عِلْمٌ نُشِرَ لَك فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْعِلْمُ إلَيَّ، إنَّمَا هَذَا عِلْمُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. أَقُولُ: مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَفْوِيضِ الْمُوَكَّلِ إلَيْهِ سَائِرَ الْأَعْمَالِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ
بِمَا هُنَالِكَ، بَلْ يَقِفُ عِنْدَ بَيَانِ النَّوْعِ وَالتَّقْدِيرِ، كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى النَّاقِدِ الْبَصِيرِ، وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ (فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْقَوَاعِدِ) الْفِقْهِيَّةِ:(الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَوَكَالَةٍ) إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً فَإِنَّ (فَسَادَهَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ) ؛ أَيْ: تَصَرُّفِ الْمُتَعَاطِي (فِيهَا بِالْإِذْنِ) . وَعِبَارَتُهُ: الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ إذَا تَعَدَّى فِيهِمَا فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؛ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ، وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَوْ حَلَفَ عَلَى الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَصْلِهَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَنِثَ. قَالَ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا. وَالْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْقَوْلِ بِنُفُوذِهِ وَبَقَاءِ الْإِذْنِ مُشْكِلٌ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَ أَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى.
(وَوَكِيلٌ فِي شِرَاءِ طَعَامٍ يَمْلِكُ شِرَاءَ الْبُرِّ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْبُرُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي لِسَانِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَالَ فِي " الْمُنْتَخَبِ ": يَشْتَرِي خُبْزَ بُرٍّ مَعَ وُجُودِ الْبُرِّ لِلْعَادَةِ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ".
(وَ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ (فِي " الْفُنُونِ ": لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ مُوَكِّلُهُ فِي الْخُصُومَةِ) .
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ.
(وَكَذَا) ؛ أَيْ: لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (لَوْ ظَنَّ الْوَكِيلُ ظُلْمَهُ) ؛ أَيْ: ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ إجْرَاءً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْعِلْمِ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، (وَبَالَغَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (فَمَنَعَ) ذَلِكَ، وَقَالَ قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالَمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ) .
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُنْكَرِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلَمَ صِدْقُ الْمُدَّعِي، فَلَا يَحِلُّ دَعْوَى مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ.
(وَيَتَّجِهُ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالصِّدْقِ) وَالْأَمَانَةِ وَعَدَمِ التَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ؛ (اعْتَمَدَ قَوْلَهُ) ؛ وَصَحَّتْ الْوَكَالَةُ عَنْهُ، (وَ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ
(بِالْكَذِبِ) وَالِاسْتِشْرَافِ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ؛ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ عَنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ الْوَكِيلُ فِي الْمَحْظُورِ مِنْ أَجْلِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ وَكَّلَ فِي قَبْضِ) دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَانَ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ) سَوَاءٌ عَلِمَ الْغَرِيمُ بِبَذْلِ مَا عَلَيْهِ أَوْ جَحَدَهُ أَوْ مَطَلَهُ؛ لِأَنَّهُ [لَا] يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا بِالْإِثْبَاتِ، فَالْإِذْنُ فِيهِ إذْنٌ فِيهِ عُرْفًا، وَمِثْلُهُ مَنْ وُكِّلَ فِي قَسْمِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَبِ شُفْعَةٍ، فَيَمْلِكُ بِذَلِكَ تَثْبِيتَ مَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ، (لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى لِلْخُصُومَةِ مَنْ لَا يَرْضَاهُ لِلْقَبْضِ، وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي خُصُومَةِ إقْرَارٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَوَدٍ وَلَا قَذْفٍ، وَكَالْوَلِيِّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى مَوْلَاهُ.
[و] قَوْلُ إنْسَانٍ لِآخَرَ: (أَجِبْ خَصْمِي عَنِّي؛ وَكَالَةً فِي خُصُومَةٍ، وَ) قَوْلُهُ (اقْبِضْ حَقِّي الْيَوْمَ) أَوْ اللَّيْلَةَ أَوْ بِعْ ثَوْبِي الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَةَ؛ (لَمْ يَمْلِكْهُ) ؛ أَيْ؛ فَعَلَ مَا وَكَّلَ فِيهِ الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَةَ (غَدًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ نُطْقُهُ إذْنًا وَلَا عُرْفًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ، دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا عَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَقْتًا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ فِعْلُهَا [قَضَاءً] ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَا اُشْتُغِلَتْ كَانَ الْفِعْلُ مَطْلُوبَ الْقَضَاءِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: اقْبِضْ حَقِّي (مِنْ فُلَانٍ مَلَكَهُ) أَيْ: قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ فُلَانٍ و (مِنْ وَكِيلِهِ) ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ، فَيَجْرِي مَجْرَى إقْبَاضِهِ، و (لَا) يَمْلِكُ الْقَبْضَ (مِنْ وَارِثِهِ) ؛ أَيْ: فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ وَاسْتَحَقَّ الطَّلَبَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ.
(وَإِنْ قَالَ لَهُ) : اقْبِضْ حَقِّي (الَّذِي قَبِلَهُ) ؛ أَيْ:
فُلَانٌ (أَوْ) حَقِّي الَّذِي (عَلَيْهِ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: قَبَضَ حَقَّهُ مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ (حَتَّى مِنْ وَارِثِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتْ قَبْضَ حَقِّهِ مُطْلَقًا، فَشَمِلَ الْقَبْضَ مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ.
(وَوَكِيلُهُ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ؛ (كَهُوَ) أَيْ: كَالزَّوْجِ، يَلْغُو إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّةٍ، (فَلَوْ خَالَعَ) وَكِيلٌ فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ (بِمُبَاحٍ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِهَا؛ صَحَّ) الْخُلْعُ (بِقِيمَتِهِ) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مُبَاحٍ؛ صَحَّ الْخَلْعُ، وَفَسَدَ الْعِوَضُ، وَلَهُ قِيمَةُ الْعِوَضِ، لَا هُوَ. انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُخَالَعُ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا؛ (فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ قَبُولُهُ) ؛ أَيْ: الْمُخَالَعِ (عِوَضًا) إذْ لَوْ لَزِمَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ؛ لَلَزِمَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ.
(وَلِوَكِيلٍ تَوْكِيلٌ فِيمَا يُعَجِّزُهُ) فِعْلُهُ (لِكَثْرَتِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، (وَلَوْ فِي جَمِيعِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ "" وَالرِّعَايَةِ " وَ " شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ، وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْوَكَالَةُ جَوَازَ التَّوْكِيلِ؛ جَازَ فِي جَمِيعِهِ؛ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ لَفْظًا، خِلَافًا لِلْقَاضِي حَيْثُ مَنَعَ الْوَكِيلَ مِنْ التَّوْكِيلِ، إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ خَاصَّةً.
(وَ) لَهُ التَّوْكِيلُ (فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا يَرْتَفِعُ الْوَكِيلُ عَنْ مِثْلِهِ؛ كَالْأَعْمَالِ الدَّنِيئَةِ فِي حَقِّ أَشْرَافِ النَّاسِ الْمُرْتَفِعِينَ عَنْ فِعْلِهَا عَادَةً، فَإِنَّ الْإِذْنَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ يَسْتَنِيبُ نَائِبًا فِي الْحَجِّ لِمَرَضٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رضي الله عنهما.
و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلٌ (فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْجِزْهُ) ؛ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي التَّوْكِيلِ، وَلَا تَضَمُّنُهُ الْآذِنُ لَهُ؛ فَلَمْ يَجُزْ؛
كَمَا لَوْ نَهَاهُ، وَلِأَنَّهُ اُسْتُؤْمِنَ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ، فَلَا يُوَلِّيه غَيْرَهُ كَالْوَدِيعَةِ، (إلَّا بِإِذْنِ) مُوَكِّلِهِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ؛ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعُقُودِ.
(وَيَتَعَيَّنُ) عَلَى وَكِيلٍ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ (أَمِينٌ) ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِمُوَكِّلِهِ بِالْحَظِّ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي إقَامَةِ غَيْرِهِ.
(وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى حَيْثُ صَلَحَ لِمَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَوْكِيلَ خَائِنٍ يَصِحُّ مَعَ تَحْرِيمٍ) ؛ لِعَدَمِ اسْتِئْذَانِهِ، (وَ) مَعَ (ضَمَانٍ) ؛ لِتَعَدِّيهِ بِتَوْكِيلِ خَائِنٍ، وإعْرَاضِهِ عَنْ تَوْكِيلِ مَنْ اتَّصَفَ بِالْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي وَكِيلِ الْوَكِيلِ، قِيَاسًا عَلَى نَاظِرِ وَقْفٍ أَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةٍ؛ فَيَصِحُّ، وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا مَعَ تَعْيِينِ مُوَكِّلٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: وَكِّلْ زَيْدًا مَثَلًا؛ فَلَهُ تَوْكِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ لِتَعْيِينِهِ لَهُ.
(وَلَوْ وَكَّلَهُ) الْوَكِيلُ حَيْثُ جَازَ (أَمِينًا فَخَانَ؛)(فَعَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ (عَزْلُهُ) ؛ أَيْ: عَزْلُ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يَتَصَرَّفُ [تَضْيِيعٌ وَتَفْرِيطٌ (وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْوَكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَصِيٌّ يُوَكِّلُ) فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ؛] فَلَيْسَ لَهُ، أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ؛ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ، وإنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَصِيَّةُ؛ كَالْوَكِيلِ يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَلْحَقُ بِهَذَا مُضَارِبٌ، (وَ) كَذَا (حَاكِمٌ) يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فِي نَاحِيَةٍ، (فَيَسْتَنِيبُ) غَيْرَهُ؛ أَيْ: حُكْمُهُ الْوَكِيلَ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؛ وَحَيْثُ جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ. قَالَ فِي
الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": وَيَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ مَنْ يُقَلِّدُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي قَضَائِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ مَنْ اعْتَزَى إلَى مَذْهَبِهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَذَا فِي وِلَايَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، أَمَّا الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ الْإِمَامُ لِيَحْكُمُوا بِمَذْهَبٍ، فَوِلَايَتُهُمْ خَاصَّةٌ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا مَنْ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِمْ ذَلِكَ، أَمَّا أَوْ فُوِّضَ إلَيْهِمْ فَلَا تَرَدُّدَ فِي جَوَازِهِ؛ كَمَا كَانَ أَوَّلًا يُوَلِّي الْإِمَامُ الْقَضَاءَ قَاضِيًا وَاحِدًا يُوَلِّي فِي جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ، فَهَذَا وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ؛ كَالْإِمَامِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لِإِمَامٍ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ يُقَلِّدُ غَيْرَ أَمَامِهِ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ لِلْإِمَامِ، بَلْ هُوَ نَاظِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا عَنْ وِلَايَةٍ: ولِهَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ؛ أَيْ: الْإِمَامِ وَلَا بِعَزْلِهِ، فَيَكُونُ بِحُكْمِهِ فِي وِلَايَتِهِ حُكْمُ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَضِيقُ عَلَيْهِ تَوَلِّي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِنَفْسِهِ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ، فَأَشْبَهَ مَنْ وُكِّلَ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَتُهُ لِكَثْرَتِهِ انْتَهَى. وَأُلْحِقَ بِالْحَاكِمِ أَمِينُهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِيَيْنِ ".
(وَ) إنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: (وَكِّلْ عَنْك) ، فَبَاشَرَ مَا وُكِّلَ بِهِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرْ، (أَوْ احْتَاجَ) لِمُعِينٍ؛ صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ الثَّانِي. (وَكِيلٌ، فَلَهُ عَزْلُهُ) فَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.
(وَتَبْطُلُ) الْوَكَالَةُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ.
(وَ) إنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: وَكِّلْ عَنِّي، أَوْ قَالَ: وَكِّلْ، و (يُطْلِقُ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَنْك وَلَا عَنِّي؛ صَحَّ، وَكَانَ الثَّانِي (وَكِيلَ مُوَكِّلِهِ) لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ لَهُ وَلَا بِمَوْتِهِ؛
وَلَوْ قَالَ الشَّخْصُ: وَكِّلْ فُلَانًا عَنِّي فِي بَيْعِ كَذَا، فَقَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: بِعْ هَذَا وَلَمْ يُشْعِرْهُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِينٍ؛ لِأَنَّهُ
وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ فُلَانٍ.
ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " وَحَيْثُ قُلْنَا أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْمُوَكَّلِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ وَحَجَرٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ، وَكَقَوْلِ الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ (أَوْصِي إلَى مَنْ يَكُونُ وَصِيًّا لِي) ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ وَصِيًّا لِلْمُوصِي الْأَوَّلِ.
(وَلَا يُوصِي وَكِيلٌ - وَإِنْ أَذِنَ لَهُ) مُوَكِّلُهُ - لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، و (لِبُطْلَانِهَا) ؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَكِيلِ.
(وَلَا يَعْقِدُ الْوَكِيلُ) عَقْدًا وَكَّلَ فِيهِ؛ كَعَقْدِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (مَعَ فَقِيرٍ) بِأَنْ عَقَدَ مَعَهُ (بِذِمَّتِهِ) ؛ لِتَعَسُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ.
(أَوْ) ؛ أَيْ، وَلَا يَعْقِدُ الْوَكِيلُ مَعَ (قَاطِعِ طَرِيقٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُوَكِّلِ، (أَوْ) ؛
أَيْ: وَلَا (يَنْفَرِدُ) وَكِيلٌ (مِنْ عَدَدٍ) ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَعْزِلْ الْأَوَّلَ؛ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ [مُنْفَرِدًا بِدَلِيلِ إضَافَةِ الْغَيْرِ إلَيْهِ، فَلَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِي حِفْظِ مَالِهِ حَفِظَاهُ مَعًا] فِي حِرْزٍ لَهُمَا، فَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ ضَمُّ أَمِينٍ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَا مَعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ: افْعَلَا يَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى فِعْلِهِ، بِخِلَافِ بِعْتُكُمَا حَيْثُ كَانَ مُنْقَسِمًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ لَهُمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا (يَبِيعُ) وَكِيلٌ (نَسَاءً) إلَّا بِإِذْنٍ، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحُلُولِ، (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَبِيعُ بِغَيْرِ نَقْدٍ (كَمَنْفَعَةٍ أَوْ عَرَضٍ كَثَوْبٍ) ، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ (وَفُلُوسٍ) وَالْعُرْفُ كَوْنُ الثَّمَنِ مِنْ النَّقْدَيْنِ، (إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلٍ) أَوْ قَرِينَةٍ؛ كَبَيْعِ حُزَمِ بَقْلٍ بِفُلُوسٍ، (أَوْ بِقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ
لِوَكِيلِهِ: (اصْنَعْ مَا شِئْت أَوْ تَصَرَّفْ كَيْفَ مَا شِئْت) ؛ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ حَالًا وَنَسَاءً وَبِمَنْفَعَةٍ وَعَرَضٍ، (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) ؛ بِأَنْ بَاعَ نَسَاءً أَوْ بِعَرَضٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الْإِذْنِ؛ فَتَصَرُّفُهُ (بَاطِلٌ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ حَيْثُ يَبِيعُ نَسَاءً وَبِعَرَضٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ وَهُوَ [فِي] النِّسَاءِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ، فَيَفُوتُ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ وَتَنْصِيفَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَيَعُودُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ شَيْئًا تَعَيَّنَ، وَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِإِذْنِهِ.
(وَكَذَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ (أَوْ) بَاعَ بِنَقْدٍ غَيْرِ (غَالِبِهِ رَوَاجًا) إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، أَوْ بَاعَ بِغَيْرِ (الْأَصْلَحِ إنْ تَسَاوَتْ) النُّقُودُ رَوَاجًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْإِطْلَاقُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوَكِّلُ نَقْدًا، و (إلَّا بِأَنْ عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ) ؛ بِأَنْ قَالَ: بِعْ بِنَقْدِ كَذَا، (فَيَتَعَيَّنُ مَا) ؛ أَيْ: النَّقْدُ الَّذِي (عَيَّنَهُ) الْمُوَكِّلُ.
(وَإِذَا) وَكَّلَ شَخْصًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ (فَبَاعَهُ نَسَاءً)، فَقَالَ: مَا أَذِنْتُ لَك فِي بَيْعِهِ إلَّا نَقْدًا، و (أَنْكَرَ مُوَكِّلٌ الْإِذْنَ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي النِّسَاءِ، (فَإِنْ صَدَّقَهُ وَكِيلُهُ، وَ) صَدَّقَ (الْمُشْتَرِي) الْمُوَكِّلَ؛ (فَسَدَ الْبَيْعُ) ؛ لِتَصْدِيقِهَا لَهُ، (وَيُطَالِبُ الْمُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: مِنْ الْوَكِيلِ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبِقِيمَتِهِ إنْ تَلِفَ، فَإِنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْوَكِيلِ؛ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَا، (وَ) أَخَذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ (الْقَرَارَ) ؛ أَيْ: قَرَارَ الضَّمَانِ (عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، (وَبِتَصْدِيقِ الْوَكِيلِ) وَحْدَهُ؛ (يَضْمَنُ) الْوَكِيلُ دُونَ الْمُشْتَرِي، (أَوْ) صَدَّقَ (الْمُشْتَرِي) وَحْدَهُ؛ (يَرُدُّ) الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَلِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُصَدِّقِ مِنْهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقَالَ: وَيَحْلِفُ عَلَى الْمُكَذِّبِ، وَيَرْجِعُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ. هَذَا إنْ اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ،