الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّبْرَةِ -] بِدِرْهَمٍ (وَسَائِرُهَا بِحِسَابِ ذَلِكَ) ؛ صَحَّ.
(أَوْ) قَالَ: (وَمَا زَادَ؛ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يُرِيدَانِ بَاقِيَهَا كُلَّهُ لِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ) لِلَّفْظِ إلَيْهِ؛ صَحَّ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ، (أَوْ فَهِمَا) - أَيْ: الْعَاقِدَانِ - (ذَلِكَ) مِنْ اللَّفْظِ؛ لِدَلَالَتِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْبَاقِي؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ احْمِلْ لِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَى مِصْرَ، وَأُعْطِيك عَشَرَةٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَحْمُولَ وَالْمَحْمُولَ إلَيْهِ.
(وَ) لَوْ قَالَ: (احْمِلْ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، وَهِيَ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِدِينَارٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالزَّائِدُ بِحِسَابِ ذَلِكَ، صَحَّ فِي الْعَشَرَةِ فَقَطْ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، دُونَ مَا زَادَ، (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُرِدْ حَمْلَهَا كُلَّهَا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَنْقُلَ لِي مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ]
ٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَكُلَّ لِلْعَدَدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِتَحْمِلَ مِنْهَا عَدَدًا؛ فَلَمْ يَصِحَّ؛ لِلْجَهَالَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْقَطَ مِنْ.
[الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) ] لِلْإِجَارَةِ (كَوْنُ نَفْعٍ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ تُبَاحَ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْكَلْبِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِعَدَمِ غَيْرِهِ (مَقْصُودًا) عُرْفًا بِخِلَافِ آنِيَةٍ لِتُجَمَّلَ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا؛ بِخِلَافِ نَحْوِ تُفَّاحٍ لِشَمٍّ، (يُسْتَوْفَى) مِنْ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ (دُونَ) اسْتِهْلَاكِ (الْأَجْزَاءِ) بِخِلَافِ شَمْعٍ لِشَعْلٍ، وَصَابُونٍ لِغَسْلٍ، (مَقْدُورًا عَلَيْهِ) ، بِخِلَافِ دِيكٍ لِيُوقِظَهُ لِصَلَاةٍ؛ فَلَا يَصِحَّ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ
بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِمُسْتَأْجِرٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مُؤَجَّرٍ.
وَيَأْتِي: (كَكِتَابِ) حَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ نَحْوِهِ (لِنَظَرٍ وَقِرَاءَةٍ وَنَقْلٍ وَتَجْوِيدِ خَطٍّ) ؛ بِأَنْ كَانَ بِهِ خَطٌّ حَسَنٌ يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَيَتَمَثَّلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِذَلِكَ؛ فَجَازَتْ إجَارَتُهُ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ مُصْحَفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
(وَ) تَجُوزُ إجَارَةُ (دَارٍ تُجْعَلُ مَسْجِدًا) يُصَلَّى فِيهِ، (أَوْ تُسْكَنُ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا، (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (حَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ مَعْلُومٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعًا مُبَاحًا، (وَبِئْرٍ لِسَقْيٍ لِلِانْتِفَاعِ بِمُرُورِ الدَّلْوِ فِي هَوَائِهِ وَعُمْقٍ) وَأَمَّا الْمَاءُ فَيُؤْخَذُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.
(وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (عَنْ إجَارَةِ بَيْتِ الرَّحَى الْمُدَارَةِ بِالْمَاءِ) لَا غَيْرِهِ، (فَقَالَ الْإِجَارَةُ) تَقَعُ (عَلَى الْبَيْتِ وَالْأَحْجَارِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ) جَمِيعًا، وَأَمَّا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَنْضُبُ؛ أَيْ: يَغُورُ وَيَذْهَبُ؛ فَلَا تَقَعُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ.
وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (حَيَوَانٍ) لِصَيْدٍ (وَطَيْرٍ) وَفَهْدٍ وَهِرٍّ وَصَقْرٍ وَبَازٍ (لِصَيْدٍ، وَ) قِرْدٍ لِ (حِرَاسَةٍ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعًا مُبَاحًا، (سِوَى) سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَسِوَى (كَلْبٍ) - وَلَوْ لِصَيْدٍ - (و) سِوَى (خِنْزِيرٍ) ؛ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ (فَخٍّ وَشَبَكَةٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً (لِصَيْدٍ، و) إجَارَةِ (بَرْكَةٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً) يُدْخِلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهَا، أَوْ يَدْخُلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَصِيدُهُ مِنْهَا، وَكَاسْتِئْجَارِ (شَجَرٍ لِنَشْرِ ثِيَابٍ) عَلَيْهِ (أَوْ جُلُوسٍ بِظِلِّهِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ، كَالْحِبَالِ وَالْخَشَبِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (بَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا؛ أَشْبَهَ رُكُوبَ الْبَعِيرِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ يَحْمِلُونَ عَلَى الْبَقَرِ، وَيَرْكَبُونَهَا، وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ يَحْرُثُونَ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمَعْنَى خَلْقِهَا لِلْحَرْثِ: إنْ
شَاءَ اللَّهُ أَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ، وَلَا يُمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ خُلِقَتْ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَيُبَاحُ أَكْلُهَا وَاللُّؤْلُؤُ خُلِقَ لِلْحِلْيَةِ، وَيُبَاحُ التَّدَاوِي بِهِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (غَنَمٍ وَغَيْرِهَا لِدِيَاسِ زَرْعٍ) مَعْلُومٍ، أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْمُدَّةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَدُوسُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ احْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ.
مِنْهُ مَا رَوْثُهُ طَاهِرٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ نَجِسٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (بَيْتٍ) مُعَيَّنٍ (فِي دَارٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، (وَ) لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (لَوْ أَهْمَلَ) ؛ أَيْ: لَمْ يَذْكُرْ (اسْتِطْرَاقَهُ) ؛ إذْ لَا يُتَمَكَّنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِالِاسْتِطْرَاقِ، فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (آدَمِيٍّ لِقَوْدِ) مَرْكُوبٍ أَعْمَى؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ وَالْمُرَادُ مُدَّةٌ.
وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِاسْتِيفَاءِ (قَوَدٍ) - بِفَتْحِ الْوَاوِ - لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُحْسِنُهُ، وَلِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَهُوَ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - لِيَدُلَّهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ» ، وَأَنْ يُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ نَصًّا.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (نَحْوِ عَنْبَرٍ) ؛ كَمِسْكٍ وَصَنْدَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَبْقَى (لِشَمٍّ) مُدَّةً مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ، كَالثَّوْبِ لِلُّبْسِ.
و (لَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ) مِنْ الطِّيبِ (كَرَيَاحِينَ) ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ عَنْ قَرِيبٍ، فَأَشْبَهَتْ الْمَطْعُومَاتِ.
وَكَذَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (نَقْدٍ) - أَيْ: دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ - (لِتَحِلَّ وَوَزْنٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ يُسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَكَالْحُلِيِّ، (وَ) كَذَا (مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَأَنْفٍ) مِنْ ذَهَبٍ، (وَرَبْطِ سِنٍّ)
مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَتَصِحُّ إجَارَةٌ لِذَلِكَ؛ لِمَا مَرَّ، (وَكَذَا مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ وَفُلُوسٌ لِيُعَايَرَ عَلَيْهِ) ، فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَا ذُكِرَ؛ كَنَقْدٍ لِلْوَزْنِ.
(فَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (فِي نَقْدٍ وَمَا بَعْدَهُ إنْ أُطْلِقَتْ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ وَزْنًا، وَلَا تَحَلِّيًا وَنَحْوَهُ، (وَيَكُونُ قَرْضًا فِي ذِمَّةِ قَابِضٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ، وَالِانْتِفَاعُ الْمُعْتَادُ بِالنَّقْدِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَعْيَانِهَا، فَإِذَا أَطْلَقَ الِانْتِفَاعَ حُمِلَ عَلَى الْمُعْتَادِ.
(وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (عَلَى زِنًا أَوْ زَمْرٍ أَوْ نَوْحٍ) ؛ لِعَدَمِ إبَاحَتِهِ، (أَوْ تَعْلِيمِ سِحْرٍ وَغِنَاءٍ) وَلَا إجَارَةَ كَاتِبٍ يَكْتُبُ ذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ) وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ سِحْرٍ وَغِنَاءٍ إنْ كَانَا (مُحَرَّمَيْنِ) ، أَمَّا إذَا كَانَا مُبَاحَيْنِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِمَا؛ كَالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ الْعَارِي عَنْ التَّغَزُّلِ فِي مُعَيَّنٍ، وَكَتَعْلِيمِ رُقًى عَرَبِيَّةٍ؛ لِيَحِلَّ بِهَا السِّحْرَ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ بِشَيْءٍ مِنْ السِّحْرِ، وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (لِقَلْعِ سِنٍّ سَلِيمَةٍ) ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ سَلِيمٍ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، (أَوْ انْتِسَاخِ كُتُبِ بِدَعٍ) ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ خَلَلِ الْعَقِيدَةِ، (وَنَحْوِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ) ؛ كَالتَّغَزُّلِ بِمُحَرَّمٍ وَالْهِجَاءِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بِمُجَرَّدِ إيذَاءِ الْمَقُولِ فِيهِ وَتَنْقِيصِهِ، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ رِوَايَةِ الْمَرْوِيِّ، أَوْ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ تَنْقِيصًا لِلْقَائِلِ، وَتَحْذِيرًا مِنْهَا؛ فَغَيْرُ مَحْذُورٍ، فَإِنَّ أَهْلَ السِّيَرِ يَنْقُلُونَ الْأَشْعَارَ الَّتِي فِيهَا هِجَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ.
و (لَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (لِرَعْيِ خِنْزِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الِاقْتِنَاءِ. .
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ (تَمْوِيهُ نَحْوِ حَائِطٍ) كَإِنَاءٍ (بِنَقْدٍ) ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً، (وَعَمَلُ) - أَيْ: صُنْعُ - (أَوَانِي مُحَرَّمَةٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) عَمَلُ (ثِيَابِ حَرِيرٍ لِذَكَرٍ) ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (لَا أُجْرَةَ لَهُ) ، لِصَرْفِهِ عَمَلَهُ فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ [وَهُوَ مُتَّجِهٌ] .
(لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (فَلَا يُقْضَى عَلَى مُسْتَأْجَرٍ بِدَفْعِهَا) - أَيْ: الْأُجْرَةِ - (فَإِنْ دُفِعَتْ لَمْ يُقْضَ - عَلَى أَجِيرٍ بِرَدِّهَا؛ كَتَفْصِيلِ عُقُودِ كُفَّارٍ مُحَرَّمَةٍ، وَأَسْلَمُوا قَبْلَ قَبْضٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَقَدَّمَ) تَفْصِيلُ عُقُودِ الْكُفَّارِ (فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ يَتَصَدَّق بِهِ وَنَحْوِهِ)، وَقَالَ: إنَّ الْأَجِيرَ إنْ طَلَبَ الْأُجْرَةَ قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ فَرَّطْت حَيْثُ صَرَفْت قُوَّتَك فِي عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، فَلَا يُقْضَى لَك بِأُجْرَةٍ، فَإِذَا قَبَضَهَا، وَقَالَ الدَّافِعُ: اقْضُوا إلَيَّ بِرَدِّهَا قُلْنَا لَهُ دَفَعْتهَا بِمُعَاوَضَةٍ رَضِيت بِهَا، وَقَدْ فَوَّتَتْ عَلَى الْأَجِيرِ عَمَلَهُ وَزَمَنَهُ، وَهُوَ وَجِيهٌ.
(وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ) فِي حَالَةٍ لَا تَأْمَنَانِ فِيهَا تَلْوِيثَهُ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَكَذَا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (كَافِرٍ لِعَمَلٍ) كَعِمَارَةٍ وَتَبْلِيطٍ وَنَحْوِهِ (فِي الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ، وَلَا الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفُحْشِ وَالْخِنَاءِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ - وَعَلَى تَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ، وَالْكُتُبِ الْمَنْسُوخَةِ، أَوْ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، كَالْفَلْسَفَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى (تَعْلِيمِهِ) - أَيْ: الْكَافِرِ - (قُرْآنًا) وَنَحْوَهُ؛ كَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى آيَاتٍ أَوْ أَحَادِيثَ. .
(وَلَا) يَجُوزُ اسْتِئْجَارٌ (لِنَزْوِ فَحْلٍ) لِلضِّرَابِ؛ «لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْعَسْبُ إعْطَاءُ الْكِرَاءِ عَلَى الضِّرَابِ عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا الَّذِي يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَهُوَ عَيْنٌ، فَيُشْبِهُ إجَارَةَ الْحَيَوَانِ لِأَخْذِ لَبَنِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمَيْتَةِ.
(وَ) إنْ احْتَاجَ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ دَابَّتَهُ مَجَّانًا؛ (جَازَ) لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَذْلٌ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ (لِحَاجَةٍ) ؛ فَجَازَ (بَذْلُ عِوَضٍ) ؛ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، (وَحَرُمَ) عَلَى رَبِّ الْفَحْلِ (أَخْذُهُ) الْعِوَضَ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ أَنْزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ، فَنَقَصَ؛ ضَمِنَ نَقْصَهُ.
(كَشِرَاءِ أَسِيرٍ) ؛ فَيَجُوزُ شِرَاءُ الْأَسِيرِ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، (وَ) كَدَفْعِ (رِشْوَةٍ لِظَالِمٍ) لِيَدْفَعَ بِهَا ظُلْمَهُ.
(فَإِنْ) أَطْرَقَ إنْسَانٌ فَحْلَهُ لِدَابَّةِ آخَرَ بِغَيْرِ إجَارَةٍ، (فَأَهْدَى لَهُ) رَبُّ الدَّابَّةِ هَدِيَّةً، أَوْ أَكْرَمَهُ تَكْرِمَةً - (وَلَا شَرْطَ - جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْرُوفًا؛ فَجَازَتْ مُجَازَاتُهُ عَلَيْهِ.
(وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (دَارٍ لِتُجْعَلَ كَنِيسَةً) أَوْ بَيْعَةً أَوْ صَوْمَعَةً، (أَوْ بَيْتَ نَارٍ) لِتَعَبُّدِ الْمَجُوسِ، (أَوْ لِبَيْعِ خَمْرٍ وَقِمَارٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .
(وَيَتَّجِهُ أَوْ) اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ (لِنَحْوِ زَمْرٍ وَغِنَاءٍ) ، وَكُلِّ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَسَوَاءٌ (شُرِطَ ذَلِكَ) الْمُحَرَّمُ؛ بِأَنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ جَعْلَهَا لَهُ (بِعَقْدٍ،
أَوْ) لَا؛ بِأَنْ (عُلِمَ بِقَرَائِنَ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ؛ كَإِجَارَةِ عَبْدِهِ لِلْفُجُورِ بِهِ.
(وَلِمُكْرٍ) دَارًا (مَنْعُ مُكْتَرٍ ذِمِّيٍّ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ ب) دَارٍ (مُؤَجَّرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ.
(وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِحَمْلِ نَحْوِ مَيْتَةٍ) كَدَمٍ (لِأَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ لِمُضْطَرٍّ؛ صَحَّتْ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ (خَمْرٍ لِشُرْبِهَا) ؛ «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَعَنَ حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» . (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) - أَيْ لِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ مِمَّا تَقَدَّمَ -.
(وَتَصِحُّ) إجَارَةٌ لِحَمْلِ مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ (لِإِلْقَاءٍ وَإِرَاقَةٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إبَاحَةِ الْإِجَارَةِ؛ كَكَسْحِ الْكُنُفِ، وَحَمْلِ النَّجَاسَاتِ لِتُلْقَى خَارِجَ الْبَلَدِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَةِ الْكَسْحِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ.
وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِإِلْقَاءِ مَيْتَةٍ، (وَلَوْ بِمَا عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ مِنْ نَحْوِ شَعْرٍ) ؛ كَصُوفٍ وَوَبَرٍ (طَاهِرٍ) ؛ لِجَوَازِ جَزِّهِ وَاسْتِعْمَالِهِ، وَمَنْ أَعْطَى صَيَّادًا أُجْرَةً لِيَصِيدَ لَهُ سَمَكًا لِيَخْتَبِرَ بَخْتَهُ؛ فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ بِشَبَكَتِهِ، قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ.
(وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (عَلَى طَيْرٍ لِسَمَاعِهِ) ، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَةِ حَجَّامٍ؛ لِقَوْلَةِ عليه الصلاة والسلام «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَطْعِمْهُ نَاضِحَك وَرَقِيقَك.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ أُجْرَةِ الْإِلْقَاءِ وَالْإِرَاقَةِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ؛ إذْ إلْقَاءُ الْمَيْتَةِ وَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ لَا مُبَاشَرَةَ فِيهِ لِلنَّجَاسَةِ غَالِبًا، بِخِلَافِ كَسْحِ الْكَنِيفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِطَحْنِ قَمْحٍ بِنُخَالَتِهِ، وَعَمَلُ سِمْسِمٍ شَيْرَجًا بِكُسْبِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَحَلْجُ قُطْنٍ بِحَبِّهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِلْجَهَالَةِ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. .
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ (نَحْوِ تُفَّاحٍ) كَنِرْجِسٍ (لِشَمٍّ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ؛ لِأَنَّ مَنْ غَصَبَ تُفَّاحًا، وَشْمَهُ، وَرَدَّهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ شَمِّهِ، (أَوْ) إجَارَةُ (شَمْعٍ لِتَجَمُّلٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) إجَارَةُ شَمْعٍ (لِشَعْلٍ) أَوْ طَعَامٍ، أَوْ لِيَتَجَمَّلَ بِهِ عَلَى مَائِدَتِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَمَا لَا يُقْصَدُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، (أَوْ ثَوْبٍ لِتَغْطِيَةِ نَعْشٍ) فِيهِ الْمَيِّتُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، (أَوْ طَعَامٍ لِأَكْلٍ) ، أَوْ شَرَابٍ لِشُرْبٍ، أَوْ صَابُونٍ لِغَسْلٍ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَمْعًا لِيُشْعِلَ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَيَرُدَّ بَقِيَّتَهُ، وَثَمَنَ الذَّاهِبِ وَأُجْرَةَ الْبَاقِي؛ لَمْ يَصِحَّ لِشُمُولِهِ بَيْعًا وَإِجَارَةً - وَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ - فَيَلْزَمُ الْجَهْلُ بِالْمُسْتَأْجَرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدَانِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ (حَيَوَانٍ) كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (لِأَخْذِ لَبَنِهِ) أَوْ صُوفِهِ أَوْ شَعْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ النَّفْعُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْعَيْنُ.
وَهِيَ لَا تُمْلَكُ وَلَا تُسْتَحَقُّ بِإِجَارَةٍ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ إجَارَةِ مَاءِ قَنَاةٍ مُدَّةً، وَمَاءِ فَائِضِ بِرْكَةٍ رَأَيَاهُ، وَإِجَارَةِ حَيَوَانٍ؛ لِأَجْلِ لَبَنِهِ قَامَ بِهِ هُوَ أَوْ رَبُّهُ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهَا لِمُسْتَأْجِرٍ، وَعَلَفَهَا؛ فَكَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ وَإِنْ عَلَفَهَا رَبُّهَا، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي لَبَنًا مُقَدَّرًا؛ فَبَيْعٌ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ اللَّبَنَ مُطْلَقًا؛ فَبَيْعٌ أَيْضًا، وَلَيْسَ هَذَا بِغَرَرٍ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا؛ فَهُوَ بِالْمَنَافِعِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنْ أَعْيَانٍ، وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا، مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلْفِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالْآفَاتُ، وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَوَازُ، وَالصِّحَّةُ قَالَ: وَكَظِئْرٍ انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
(غَيْرِ ظِئْرٍ) - أَيْ آدَمِيَّةِ مُرْضِعَةٍ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهَا عَمَلٌ مِنْ وَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الْمُرْتَضِعِ وَنَحْوِهِ. .
(وَيَدْخُلُ نَفْعُ بِئْرٍ) فِي إجَارَةِ بِئْرٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (حِبْرُ نَاسِخٍ) تَبَعًا.
(وَ) يَدْخُلُ (خُيُوطُ خَيَّاطٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (كُحْلُ كَحَّالٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِكَحْلٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (مَرْهَمُ طَبِيبٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَاوَاةٍ تَبَعًا؛ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، (وَ) يَدْخُلُ (صَبْغُ صَبَّاغٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِصَبْغِ نَحْوِ ثِيَابٍ (وَنَحْوُهُ) ؛ كَدِبَاغِ دَبَّاغٍ (تَبَعًا) لِعَمَلِ الصَّانِعِ، لَا أَصَالَةً.
هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (لُزُومًا) ؛ أَيْ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِلَافِهِ.
(فَلَا فَسْخَ) لِمُسْتَأْجِرٍ (بِغَوْرِ مَاءٍ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ) ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ، نَقَلَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " عَنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فِي بِئْرِ الدَّارِ، وَتَغَيَّرَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ الشُّرْبُ وَالْوَصْفُ؛ ثَبَتَ لِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَيَتَّجِهُ الْبُطْلَانُ) - أَيْ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ - (وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ) - أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ - (عَلَى التَّابِعِ) ، وَهُوَ نَفْعُ الْبِئْرِ وَالْحِبْرِ وَالْخُيُوطِ وَالْكُحْلِ وَالْمَرْهَمِ وَالصَّبْغِ (وَالْمَتْبُوعِ)، وَهُوَ الْمَأْجُورُ؛ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْت هَذَا الْبِئْرَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، وَهَذَا النَّاسِخُ وَمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحِبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ هَذَا كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ؛ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ اشْتِرَاطَ تَابِعٍ عَلَى مَتْبُوعٍ جَائِزٌ) ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ (وَمُؤَكَّدٌ)
لِمَا شُرِطَ، وَمَتَى لَمْ يَفِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ؛ ثَبَتَ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) تَصِحُّ (إجَارَةُ) عَبْدٍ (آبِقٍ وَ) ، لَا جَمَلٍ (شَارِدٍ) ، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهَا، (وَ) لَا إجَارَةُ (مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَيْهِ) - أَيْ عَلَى أَخَذَهُ مِنْ غَاصِبِهِ - لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَبَيْعِهِ، وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا إجَارَةُ (طَيْرٍ لِحَمْلِ كُتُبٍ) ؛ لِتَعْذِيبِهِ.
قَالَ فِي " الْمُوجَزِ "(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ دِيكٍ (لِيُوقِظَهُ لِلصَّلَاةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ.
و (لَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (مُشَاعٍ) مِنْ عَيْنٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا أَوْ لَا (مُفْرَدٍ) عَنْ بَاقِي الْعَيْنِ (لِغَيْرِ شَرِيكٍ) بِالْبَاقِي.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ (لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَصِحُّ كَالْمَغْصُوبِ.
و (لَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (عَيْنٍ وَاحِدَةٍ) مَمْلُوكَةٍ لِوَاحِدٍ (لِعَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ بِأَنْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ إجَارَةَ الْمُشَاعِ، (خِلَافًا ل) اخْتِيَارِ (جَمْعٍ فِيهِمَا) - أَيْ: إجَارَةِ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَفِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَدٍ - مِنْهُمْ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي حَوَاشِيهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " قَالَ الْمُنَقَّحُ وَهُوَ - أَيْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ - رِوَايَةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ - أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ إلَى زَمَنِنَا - وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الشَّرِيكِ مِمَّنْ يُشْرِكُهُ مَا عَدَا مَالَهُ فِيهِ، وَالْوَاحِدُ مِنْ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ جَمِيعُهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمَجْدِ: فَإِنْ أَجَّرَ اثْنَانِ دَارَهُمَا مِنْ رَجُلٍ فِي صَفْقَةٍ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَشْرَةٍ، وَالْآخَرَ بِعِشْرِينَ؛ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَجَازَا الْمُسَاقَاةَ مِنْ الْمُثَنَّى
مَعَ الْوَاحِدِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْجَزَاءِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ الْمُشَاعِ وَالْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَدٍ؛ لَا تَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمُخْتَارَةِ لِلْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ؛ تَصِحُّ، وَصَوَّبَ ذَلِكَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " خُصُوصًا وَقَدْ عَضَدَهُ عَمَلُ حُكَّامِ الْحَنَابِلَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ فِي صُورَةِ (مَا لَوْ أَجَّرَ عَيْنًا) مَعْلُومَةً بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْوَصْفِ (لِعَدَدِ) اثْنَيْنِ، فَأَكْثَرَ (يُمْكِنُ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْعَدَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ (بِهَا) - أَيْ الْعَيْنِ - (فِي آنٍ) - أَيْ زَمَنٍ - (وَاحِدٍ؛ كَسَفِينَةٍ وَإِنَاءٍ يَرْكَبُونَهَا) - أَيْ السَّفِينَةَ - (وَيَأْكُلُونَ فِيهِ) - أَيْ الْإِنَاءِ - (جَمِيعًا) حَيْثُ رَضُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ، (بِخِلَافِ نَحْوِ سَيْفٍ) وَرُمْحٍ وَنُشَّابٍ (وَكِتَابٍ) ؛ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ انْتِفَاعِ الْعَدَدِ بِذَلِكَ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. .
(وَلَوْ أَجَّرَا) - أَيْ اثْنَانِ - (دَارَهُمَا) الْمُشْتَرَكَةَ (لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَقَالَهُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ - (صَحَّ) فِي نَصِيبِهِ، (وَبَقِيَ الْعَقْدُ) - أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ - (فِي نَصِيبِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى.
(وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ بِلَا إذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتًا لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ - (وَلَوْ) كَانَتْ (أَمَةً - زَمَنَ حَقِّ زَوْجٍ) .
(وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا) بَعْدَ أَنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ ادَّعَتْ (عَلَى مُكْتَرٍ أَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ) ؛ لِتُسْقِطَ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْإِجَارَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ ادَّعَتْ (عَلَى زَوْجٍ أَنَّهَا مُؤَجَّرَةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ) فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا تَدْعِيهِ؛