الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَيْنٍ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ - (كَفَسْخٍ) لِلْمُضَارَبَةِ، (وَالْمَالِكُ حَيٌّ) ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
(وَإِنْ أَرَادَ) الْوَارِثُ الْجَائِزُ التَّصَرُّفَ، أَوْ وَلِيُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، إتْمَامَ الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ نَاضٌّ جَازَ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمُوَرِّثُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ رَأْسَ الْمَالِ، وَحِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ شَرِكَةٌ لَهُ مُشَاعٌ، وَهَذِهِ الْإِشَاعَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ هُوَ الْعَامِلُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ.
وَإِنْ أَرَادَ وَارِثُ رَبِّ الْمَالِ (الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ عَرْضٌ) ؛ فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ؛ (لَمْ تَصِحَّ) عَلَى الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ؛ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْقِرَاضِ، ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ.
[فَصْلٌ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]
فَصْلٌ (وَالْعَامِلُ أَمِينٌ) فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، فَكَانَ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ، وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرَ، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ
(يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ) ، إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَيُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ (رِبْحٍ وَعَدَمِهِ) - أَيْ: الرِّبْحِ - (وَ) فِي (هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ) ، إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ كُلِّفَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ، ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ. (وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ (فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهَا) - أَيْ: الْمُضَارَبَةِ - (وَلَوْ فِي) شَرِكَةِ (عَنَانٍ، وَ) شَرِكَةِ (وُجُوهٍ) ، وَكَذَا فِي مُفَاوَضَةٍ، وَفِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ، إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ دُونَ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالِاخْتِلَافُ هُنَا فِي نِيَّةِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ وَوَلِيَّ الْيَتِيمِ وَنَحْوَهُ.
(وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ (مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ)
أَوْ جِنَايَةٍ (أَوْ تَفْرِيطٍ) ، أَوْ مُخَالَفَتِهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ طَلَبَ رَأْسَ مَالِهِ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ: كُلُّ مَا دَفَعْت إلَيْكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ أَكُنْ أَرْبَحُ شَيْئًا؛ فَقَوْلُ الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا.
وَإِذَا شَرَطَ الْعَامِلُ النَّفَقَةَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ، كَالْوَصِيِّ ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ.
وَيُقْبَلُ قَوْلُ عَامِلٍ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسَاءً أَوْ عَنْ الشِّرَاءِ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ شَيْئًا، وَقَالَ الْمَالِكُ: كُنْتُ نَهَيْتُكَ عَنْهُ، فَأَنْكَرَ الْعَامِلُ النَّهْيَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ - (طَلَبُ نَحْوِ غَاصِبٍ) ، كَمُنْتَهِبٍ وَمُخْتَلِسٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، (وَمُخَاصَمَةٌ) - أَيْ: الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ - (فَإِنْ تَرَكَهُ) ؛ أَيْ: تَرَكَ الْعَامِلُ الطَّلَبَ بِهِ وَالْخُصُومَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ (ضَمِنَ) مَا فَاتَ بِتَرْكِهِ مِنْ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهُ وَفَرَّطَ فِيهِ. هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّهُ) - أَيْ الْمَالِ - (حَاضِرًا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ") . وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَاضِرًا، وَعَلِمَ الْحَالَ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ طَلَبُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ وَكِيلِهِ. انْتَهَى كَلَامُ " الْمُغْنِي ".
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) ؛ أَيْ: كَالْمُضَارِبِ فِي الطَّلَبِ وَتَرْكِهِ، (كُلُّ أَمِينٍ) ، كَوَكِيلٍ وَوَدِيعٍ وَوَصِيٍّ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْمُخَاصَمَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ؛ يَضْمَنُ مَا فَاتَ بِتَرْكِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَوْ أَقَرَّ) عَامِلٌ (بِرِبْحٍ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا أَوْ) ادَّعَى (خَسَارَةً)، بِأَنْ قَالَ: تَلِفَ الرِّبْحُ، أَوْ قَالَ: حَصَلَتْ خَسَارَةٌ بَعْدَ الرِّبْحِ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ. لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ الْمُتَبَرِّعِ.
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى (غَلَطًا أَوْ كَذِبًا أَوْ
نِسْيَانًا، أَوْ) ادَّعَى (اقْتِرَاضًا تَمَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ، بَعْدَ إقْرَارِهِ) - أَيْ الْعَامِلِ بِهِ -؛ أَيْ: بِرَأْسِ الْمَالِ؛ كَمَا لَوْ أَعْطَى إنْسَانٌ إنْسَانًا أَلْفًا مُضَارَبَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (لِرَبِّهِ) : رَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ بِيَدِي وَهَا هُوَ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: قَدْ فَسَخْت الْمُضَارَبَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ، فَقَالَ الْعَامِلُ: إنَّ الْمَالَ كَانَ قَدْ خَسِرَ مِائَةً، وَخَشِيتُ أَنَّكَ إنْ وَجَدْتَهُ نَاقِصًا أَخَذْتُهُ مِنِّي، فَاقْتَرَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةً تَمَّمْت بِهَا رَأْسَ الْمَالِ لِأَعْرِضَهُ عَلَيْك؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْعَامِلِ لَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ بِحَقٍّ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي ": (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقْرِضِ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ. وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَامِلِ لَا غَيْرُ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ ": تَحْرِيرُ الْجَوَابِ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ نَقْصًا؛ يَضْمَنُهُ الْمُضَارِبُ؛ بِأَنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ، فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ بِحَالٍ، لَا لِلْمُقْرِضِ وَلَا لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اقْتَرَضَ شَيْئًا فَمَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ قَضَى بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّقْصُ غَيْرَ مَضْمُونٍ فِي الْبَاطِنِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا سَبَقَ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ إنْ عَلِمَ بَاطِنَ الْأَمْرِ بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ. انْتَهَى.
(وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي عَدَمِ) رَدِّهِ؛ أَيْ: مَالَ الْمُضَارَبَةِ؛ إنْ ادَّعَى عَامِلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ؛ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعٍ لَهُ فِيهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ، كَالْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُنْكِرٌ، فَقُدِّمَ قَوْلُهُ.
(وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي (صِفَةِ خُرُوجِهِ) - أَيْ الْمَالِ - (عَنْ يَدِهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قِرَاضٍ)، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعْطَيْتُكَ أَلْفًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ رِبْحِهِ، وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ قَرْضًا لَيْسَ لَك شَيْءٌ مِنْ رِبْحِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. فَإِذَا حَلَفَا؛ قُسِّمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ خَسِرَ الْمَالَ أَوْ تَلِفَ،
فَقَالَ رَبُّهُ: كَانَ قَرْضًا، وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً؛ فَقَوْلُ رَبِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ. (فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ) لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ. وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ بِضَاعَةً، وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قَرْضًا، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، (وَلَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِلْإِقْنَاعِ - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، تَعَارَضَا وَقُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ (فِي قَدْرِ مَا شَرَطَ لِعَامِلٍ)، فَإِذَا قَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْت لِي النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ الثُّلُثَ مَثَلًا، فَقَوْلُ مَالِكٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَسِنْدِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ، وَاشْتِرَاطَهُ لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
(وَيَتَّجِهُ) فِي رِوَايَةٍ (وَتُقَدَّمُ حُجَّةُ) - أَيْ دَعْوَى - (عَامِلٍ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى: إذَا ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا وَافَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ. انْتَهَى.
(وَإِنْ قَالَ رَبُّ مَالٍ: كَانَ بِضَاعَةً) فَرِبْحُهُ لِي، (وَقَالَ عَامِلٌ) : كَانَ
(نَقْدًا) فَرِبْحُهُ لَنَا، وَلَا بَيِّنَةَ؛ (فَقَوْلُهُ) - أَيْ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ تَكُونَ فِي النَّقْدِ.
(وَ) إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ: (أَخَذْته بِضَاعَةً مُضَارَبَةً) فَرِبْحُهُ لِي، (فَقَالَ عَامِلٌ) : بَلْ أَخَذْته (قَرْضًا) فَرِبْحُهُ لِي؛ (حَلَفَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، (وَ) كَانَ (لِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ) فَقَطْ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَمَاءَ مَالِهِ تَابِعٌ لَهُ.
(وَإِنْ دَفَعَ) شَخْصٌ (لِرَجُلَيْنِ) أَوْ غَيْرِهِمَا (مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ) لَهُ وَالنِّصْفُ لَهُمَا، فَنَضَّ الْمَالُ وَ (صَارَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، فَقَالَ رَبُّهُ) - أَيْ الْمَالِ - (رَأْسُهُ أَلْفَانِ، وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) - أَيْ الْعَامِلَيْنِ - (وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ) هُوَ (أَلْفٌ، فَقَوْلُهُ) - أَيْ الْمُنْكِرِ - (بِيَمِينِهِ) ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ (وَالرِّبْحُ أَلْفَانِ؛ فَلَهُ) - أَيْ الْمُنْكِرِ الْحَالِفِ - مِنْ الْأَلْفَيْنِ (خَمْسُمِائَةٍ، يَبْقَى أَلْفَانِ) وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا، (لِرَبِّ الْمَالِ) أَلْفَانِ يَأْخُذُهَا لِأَنَّ الْآخَرَ يُصَدِّقُهُ، (وَ) يَبْقَى (خَمْسُمِائَةٍ) هِيَ (رِبْحٌ، لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَاهُ، وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهُ) - أَيْ الرِّبْحِ - لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ نِصْفُهُ، وَنَصِيبَ هَذَا الْعَامِلِ رُبْعُهُ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بَاقِي الرِّبْحِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا، وَالتَّالِفُ يُحْسَبُ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ الرِّبْحِ.
(فُرُوعٌ: يَصِحُّ تَشْبِيهًا) بِشَرِكَةِ (الْمُضَارَبَةِ دَفْعُ عَبْدٍ أَوْ) دَفْعُ (دَابَّةٍ) ، أَوْ آنِيَةٍ كَقِرْبَةٍ وَقِدْرٍ، وَآلَةٍ لِحِرَاثٍ، أَوْ نَوْرَجٍ، أَوْ مِنْجَلٍ (لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ) - أَيْ بِالْمَدْفُوعِ - (بِجُزْءٍ مِنْ أُجْرَتِهِ) .
نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَكْسِبَ عَلَيْهِ، وَيَكُونَ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ أَوْ رُبْعُهُ؛ فَجَائِزٌ؛ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ يُعْطِي فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا كَانَ عَلَى النِّصْفِ وَالرُّبْعِ فَهُوَ جَائِزٌ (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَحَصَادِ زَرْعٍ، وَنَفْضِ زَيْتُونٍ، وَطَحْنِ حَبٍّ، وَرَضَاعِ
قِنٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَاسْتِيفَاءِ مَالٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَنَجْرِ خَشَبٍ، بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا؛ فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا؛ كَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ لِيُفَصِّلَهُ قُمْصَانًا لَيَبِيعَهَا، وَلَهُ نِصْفُ رِبْحِهَا بِحَقِّ عَمَلِهِ جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ.
وَإِنْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ رُبْعِهِ؛ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ، (فَإِنَّ جَعَلَ لَهُ مَعَهُ) - أَيْ الْجُزْءِ (دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ) كَدِينَارٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ) نَصًّا، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُعْطِي الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ وَدِرْهَمَيْنِ، قَالَ: أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ، وَالثُّلُثُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ نَرَاهُ جَائِزًا.
(وَلَا بَأْسَ بِحَصْدِ زَرْعٍ، وَصَرْمِ نَخْلٍ بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ) أَوْ نِصْفِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ» (قَالَ)(الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْهُ فِي الْحَصَادِ (هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ) . وَلَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» ؛ لِحَمْلِهِ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الْمَطْحُونِ، فَلَا يُدْرَى الْبَاقِي بَعْدَهُ كَمْ هُوَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً. أَشَارَ إلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي ".
(وَيَصِحُّ بَيْعُ وَإِيجَارُ مَتَاعٍ، وَغَزْوٌ بِدَابَّةٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) - أَيْ الْمَتَاعِ - (أَوْ سَهْمِهَا) - أَيْ الدَّابَّةِ - كَالْهَجِينِ أَوْ سَهْمَيْهَا كَالْعَرَبِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَمَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ مَالِكٌ: (أَجِّرْ عَبْدِي) ، أَوْ بِعْهُ، (أَوْ) أَجِّرْ (دَابَّتِي) ؛ أَوْ بِعْهَا، (وَالْأُجْرَةُ) أَوْ الثَّمَنُ (بَيْنَنَا) ؛ لَا يَصِحُّ، وَالثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ، وَأَمَّا الْعَاقِدُ (فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) .
(وَ) لَوْ قَالَ لِصَيَّادٍ: (صِدْ بِشَبَكَتِي وَالصَّيْدُ بَيْنَنَا) ، فَفَعَلَ؛ (فَالصَّيْدُ)