الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَفْسُدُ الْعَقْدُ، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ)، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْرَأُ مَكْفُولٌ بِهَذِهِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إنَّمَا أَبْرَأَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صِدْقِ السَّائِلِ، (وَكَذَا كَفَلْتُ أَوْ ضَمِنْتُ فُلَانًا عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ) الْآخَرِ (أَوْ) مِنْ (ضَمَانِهِ، أَوْ) قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ (هَذَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ) ضَمَانِ الدَّيْنِ (الْآخَرِ)، أَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ هَذَا الْمَدِينَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْكَفَالَةِ بِفُلَانٍ؛ فَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ فَسْخٍ فِي عَقْدٍ؛ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ فَسْخِ بَيْعٍ آخَرَ، (وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي كَفَالَةٍ وَضَمَانٍ أَنْ يَتَكَفَّلَ الْمَكْفُولَ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولَ بِهِ آخَرُ) ؛ بِأَنْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِي بِفُلَانٍ أَوْ يَضْمَنَهُ لِي، أَوْ أَنَا ضَامِنٌ مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِي بِفُلَانٍ أَوْ يَضْمَنَهُ لِي (أَوْ) كَفَلَ؛ أَوْ ضَمِنَ عَلَى أَنْ (يَضْمَنَ) الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ (دَيْنًا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى الْكَفِيلِ أَوْ الضَّامِنِ، (أَوْ) ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ عَلَيَّ (بِبَيْعِهِ) الْمَكْفُولَ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونَ عَنْهُ شَيْئًا عَيَّنَهُ الْكَفِيلُ أَوْ الضَّامِنُ، (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُؤَجِّرَهُ كَذَا) ؛ أَيْ: دَارِهِ مَثَلًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ كَذَا؛ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَا الْكَفَالَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
[فَصْلٌ سَلَّمَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ لِمَكْفُولٍ لَهُ]
(فَصْلٌ: وَمَتَى سَلَّمَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا) بِهِ لِمَكْفُولٍ لَهُ، (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) : بَرِئْتُ إلَيَّ مِنْهُ أَوْ قَدْ (أَسْلَمْتُ) أَوْ قَدْ أَخْرَجْتُ نَفْسِي مِنْ كَفَالَتِهِ (بِمَحَلِّ عَقْدٍ)
إنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْعَقْدِ، أَوْ وَقَعَتْ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً؛ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ (لَا بِغَيْرِهِ) ، فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْدِ وَمَوْضِعِ شَرْطِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُجَّةِ فِيهِ لِغَيْبَةِ نَحْوِ شُهُودِهِ، (إلَّا إنْ عَيَّنَ) غَيْرَ مَحَلِّ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ - (وَقَدْ حَلَّ أَجَلُ كَفَالَةٍ إنْ كَانَ) عَقْدُهَا مُؤَجَّلًا - بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فَبَرِئَ مِنْهُ بِعَمَلِهِ؛ كَالْإِجَارَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا؛ كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ، (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُ الْكَفَالَةِ؛ بِأَنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً إلَى رَمَضَانَ مَثَلًا، فَسَلَّمَهُ فِي رَجَبٍ - (وَلَا ضَرَرَ) عَلَى مَكْفُولٍ لَهُ (فِي قَبْضِ مَكْفُولٍ) - بَرِئَ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ خَيْرًا بِتَعْجِيلِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ (مِنْ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ تَأْجِيلِ دَيْنٍ) لَا يُمْكِنُ اقْتِضَاؤُهُ مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لَمْ يَبْرَأْ كَفِيلٌ، (وَلَيْسَ ثَمَّ) - بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ - (يَدٌ حَائِلَةٌ) بَيْنَ رَبِّ الْحَقِّ وَالْمَكْفُولِ (ظَالِمَةً) ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ كَلَا تَسْلِيمٍ، (أَوْ سَلَّمَ مَكْفُولٌ نَفْسَهُ) لِرَبِّ الْحَقِّ (بِمَحَلِّ عَقْدٍ) ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَضَى مَضْمُونٌ عَنْهُ الدَّيْنَ، (أَوْ مَاتَ) الْمَكْفُولُ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ، سَوَاءٌ تَوَانَى الْكَفِيلُ فِي تَسْلِيمِهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ لَا؛ لِسُقُوطِ الْحُضُورِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ، (أَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْأَمَانَةُ) الَّتِي تَكَفَّلَ بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ (بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى) .
وَيَتَّجِهُ (أَوْ ضَاعَتْ) الْأَمَانَةُ (بِلَا تَقْصِيرٍ) فِي حِفْظِهَا. .
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(قَبْلَ طَلَبٍ؛ بَرِئَ كَفِيلٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَلَفِهَا بَعْدَ طَلَبِهِ بِهَا، وَلَا بِتَلَفِهَا بِفِعْلِ آدَمِيٍّ، وَلَا بِغَصْبِهَا، (وَيَسْتَرِدُّ الْكَفِيلُ مَا دَفَعَهُ إنْ ثَبَتَ مَوْتُ مَكْفُولٍ قَبْلَ غُرْمِهِ) ؛ أَيْ: الْكَفِيلِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ؛ لِظُهُورِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَكْفُولٍ بَعْدَ أَدَائِهِ عَنْهُ
مَا لَزِمَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ كَضَامِنٍ، وَأَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ، بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ؛ لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ.
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ " (وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ) ؛ كَعَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (تَكَفَّلَ بِإِحْضَارِهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ "(لَا إنْ مَاتَ كَفِيلٌ) ؛ أَيْ: لَا يَبْرَأُ بِمَوْتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا كَفَلَ بِهِ حَيْثُ تَعَذَّرَ إحْضَارُ مَكْفُولٍ بِهِ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ الضَّامِنُ، (وَ) لَا يَبْرَأُ كَفِيلٌ بِمَوْتِ (مَكْفُولٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَحَدُ نَوْعَيْ الضَّمَانِ، فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مَكْفُولٍ لَهُ كَالضَّمَانِ، (وَوَارِثُ كَفِيلٍ كَهُوَ فِي إحْضَارِ مَكْفُولٍ) ، فَيَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ أَوْ دَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ الْكَفِيلِ، مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَيُوَثَّقُ مَكْفُولٌ لَهُ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ.
أَوْ كَفِيلٍ مَالِيٍّ، (وَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى كَفِيلٍ (إحْضَارُهُ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (مَعَ حَيَاتِهِ) بِأَنْ تَوَارَى، (أَوْ غَابَ) عَنْ الْبَلَدِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا (غَيْبَةً تُعْلَمُ) أَخْبَارُهُ، (وَلَوْ) كَانَتْ غَيْبَتُهُ (مُنْقَطِعَةً) ؛ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا.
هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: غَيْبَةً تُعْلَمُ غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ (وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ) كَفِيلًا (رَدُّهُ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (فِيهِ، أَوْ مَضَى زَمَنٌ عَيَّنَهُ) كَفِيلٌ (لِإِحْضَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: الزَّمَنِ؛ (كَقَوْلِ) كَفِيلٍ (كَفَلْتُهُ عَلَى أَنْ أُحْضِرَهُ) لَكَ (غَدًا، فَمَضَى) الْغَدُ (وَلَمْ يُحْضِرْهُ؛ ضَمِنَ) الْكَفِيلُ (مَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ نَصًّا، (وَلَوْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَالُ بِإِحْضَارِهِ؛ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُسَمَّى، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ؛ (كَمَا لَوْ غَابَ) الْمَكْفُولُ (غَيْبَتَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ خَبَرٌ؛ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ) ؛ أَيْ: يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ (بِمَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولِ (بِلَا مُهْلَةٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (إلَّا إذَا شَرَطَ) الْكَفِيلُ (الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِمَّا عَلَى الْمَكْفُولِ (إنْ عَجَزَ) عَنْ إحْضَارِهِ، (أَوْ) شَرَطَ الْكَفِيلُ (أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهِ بِتَلَفِ عَيْنٍ
مَكْفُولٍ بِهَا) بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ هَرَبِهِ وَنَحْوِهِ، (وَأَفْتَى ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ بِعَدَمِ بَرَاءَةِ كَفِيلٍ بِمَوْتِ مَكْفُولٍ مَعَ شَرْطِ الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ) .
قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَوْ قَالَ فِي الْكَفَالَةِ: إنْ عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ مَتَى عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ كَانَ عَلَيَّ الْقِيَامُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَمْ يَبْرَأْ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ، وَلَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِلُزُومِ الْمَالِ.
(وَالسَّجَّانُ كَالْكَفِيلِ) عَلَيْهِ إحْضَارُ الْخَصْمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ؛ ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ، (أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ "(وَقَيَّدَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ)، فَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ يُجْعَلُ فِي حِفْظِ الْغَرِيمِ (إنْ هَرَبَ مَنْ فِي السِّجْنِ؛ بِتَفْرِيطِهِ) ؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ (وَكَذَا رَسُولُ الشَّرْعِ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ هُوَ وَكِيلٌ عَلَى بَدَنِ الْغَرِيمِ بِمَنْزِلَةِ كَفِيلِ الْبَدَنِ، فَإِنْ هَرَبَ غَرِيمٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ إحْضَارُهُ، أَوْ يَغْرَمُ مَا عَلَيْهِ عَلَى الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَإِذَا طَالَبَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ) لِيُسَلِّمَهُ لِغَرِيمِهِ وَيَبْرَأَ مِنْهُ؛ لَزِمَهُ الْحُضُورُ، (أَوْ) طَالَبَ (ضَامِنٌ مَضْمُونًا بِتَخْلِيصِهِ مِنْ ضَمَانِهِ بِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ) إلَى رَبِّهِ؛ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولُ أَوْ الْمَضْمُونُ، (وَطُولِبَ) كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجَلِهِ بِإِذْنِهِ، فَلَزِمَهُ تَخْلِيصُهَا؛ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ، فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ طَالَبَهُ سَيِّدُهُ بِفَكِّهِ، (وَيَكْفِي فِي) الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ (الْكَفَالَةِ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْإِذْنُ أَوْ مُطَالَبَةُ رَبِّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ، أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَعَ الْمُطَالَبَةِ؛ فَلِأَنَّ حُضُورَ الْمَكْفُولِ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ - وَقَدْ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي ذَلِكَ بِمُطَالَبَتِهِ بِهِ - أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ.
(وَمَنْ كَفَلَهُ اثْنَانِ) مَعًا أَوْ لَا، (فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَمْ يُبْرِئْ الْآخَرَ) ، لِإِحْلَالِ إحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، فَلَا تَنْحَلُّ الْأُخْرَى؛ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا أَوْ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ، (وَإِنْ أَسْلَمَ) مَكْفُولٌ (نَفْسَهُ بَرِئَ) ؛ أَيْ: الْكَفِيلَانِ
لِأَدَاءِ الْأَصْلِ مَا عَلَيْهِمَا، (وَإِنْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَكْفُولَيْنِ) الْأَوْلَى كَفِيلَيْنِ.
فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ ارْتَكَبَ مَجَازَ الْأَوَّلِ، لِشَخْصٍ (آخَرَ فَأَحْضَرَ) هَذَا الْآخَرُ (الْمَكْفُولَ) بِهِ؛ أَيْ: مَكْفُولَ مَكْفُولِهِ (بَرِئَ) مَنْ أَحْضَرَهُ (هُوَ وَمَنْ تَكَفَّلَ بِهِ) مِنْ الْكَفِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمَا؛ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْكَفِيلِ الثَّانِي وَكَفِيلِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ تَكَفَّلَ ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمْ بِصَاحِبِهِ؛ صَحَّ، وَمَتَى سَلَّمَهُ أَحَدُهُمْ؛ بَرِئَ هُوَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ كَفَالَتِهِمَا بِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لَهُمَا وَهُمَا فَرْعَانِ لَهُ، وَيَبْقَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكَفَالَةُ بِالْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فِيهَا.
(وَمَنْ كَفَلَ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ الْكَفَالَةِ، أَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ لِأَحَدِهِمَا؛ (لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْآخَرِ) ؛ لِبَقَاءِ حَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا لِاثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا.
(وَإِنْ كَفَلَ الْكَفِيلَ) شَخْصٌ (آخَرُ وَ) كَفَلَ (الْآخَرُ آخَرَ) وَهَكَذَا؛ (أُبْرِئَ كُلٌّ) مِنْ الْكُفَلَاءِ (بِبَرَاءَةِ مَنْ قَبْلَهُ) ، فَيَبْرَأُ الثَّانِي بِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ بِبَرَاءَةِ الثَّانِي، وَهَكَذَا؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ، (وَلَا عَكْسَ) ، فَلَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ بِبَرَاءَةِ مَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ؛ (كَضَمَانٍ، لَكِنْ لَوْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَكْفُولَ (أَحَدُهُمْ فِي الْكَفَالَةِ؛ بَرِئَ الْجَمِيعُ) لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمْ؛ (كَمَا لَوْ سَلَّمَ) مَكْفُولٌ (نَفْسَهُ) .
(وَلَوْ ضَمِنَ اثْنَانِ وَاحِدًا) فِي مَالٍ، (وَقَالَ كُلٌّ) لِرَبِّ الْحَقِّ:(ضَمِنْت لَك الدَّيْنَ) ، فَهُوَ (ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ) ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ (فِي الِالْتِزَامِ) بِالدَّيْنِ (فِي انْفِرَادٍ بِالطَّلَبِ)، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِ؛ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الدَّيْنِ (طَلَبُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (بِالدَّيْنِ كُلِّهِ) ؛ لِالْتِزَامِهِ (بِهِ، وَإِنْ قَالَا) ؛ أَيْ: الِاثْنَانِ (ضَمِنَّا لَكَ الدَّيْنَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَعَلَى كُلٍّ ثُلُثُهُ، (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمْ:(أَنَا وَهَذَانِ ضَامِنُونَ لَكَ الْأَلْفَ) مَثَلًا