الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْحَجْرِ]
(كِتَابُ الْحَجْرِ) الْحَجْرُ: هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَالتَّضْيِيقُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَامُ حَجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] ؛ أَيْ: حَرَامًا مُحَرَّمًا، وَسُمِّيَ الْعَقْدُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا يَقْبُحُ، وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ. وَشَرْعًا (مَنْعُ مَالِكٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ غَالِبًا) ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، أَوْ الْحَاكِمِ كَمَنْعِهِ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ الْحَالَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ: أَمْوَالَهُمْ، لَكِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ عَلَيْهَا مُدَبِّرُونَ لَهَا وقَوْله تَعَالَى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ.
(وَ) الْحَجْرُ (لِفَلَسٍ مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ) . (وَيَتَّجِهُ وَالْمَعْدُومُ) كَالْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْحَجْرِ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (فَلَا) يَجُوزُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنْ (يُبْرِئَ) مَدِينَهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا أَنْ (يُحِيلَ) عَلَيْهِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ الْبَاقِي (مُدَّةَ الْحَجْرِ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْجَمِيعِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْمُفْلِسُ لُغَةً مَنْ لَا مَالَ) ؛ أَيْ: نَقْدَ (لَهُ) ، وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ. (وَ) الْمُفْلِسُ (شَرْعًا مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ) ، سُمِّيَ مُفْلِسًا - وَإِنْ كَانَ
ذَا مَالٍ - لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ، فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ كَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا.
(وَالْحَجْرُ) الَّذِي يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهٍ (ضَرْبَانِ) : أَحَدُهُمَا: (لِحَقِّ الْغَيْرِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ كَالْحَجْرِ (عَلَى مُفْلِسٍ) لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، (وَعَلَى رَاهِنٍ) لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ لُزُومِهِ، (وَ) عَلَى (مَرِيضِ) مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، (وَ) عَلَى (قِنٍّ وَمُكَاتَبٍ) لِحَقِّ سَيِّدِهِ، (وَ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَرِكَتَهُ فَيْءٌ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ، (وَ) عَلَى (مُشْتَرٍ) فِي شِقْصٍ مَشْفُوعٍ اشْتَرَاهُ (بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ) لَهُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ، (أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ) ؛ أَيْ: تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ (الْمَبِيعَ) بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنَ، (وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ) أَوْ بِمَكَانٍ (قَرِيبٍ مِنْهُ) ، فَيُحْجَرُ عَلَى مُشْتَرٍ فِي كُلِّ مَالِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ. وَتَقَدَّمَ.
الضَّرْبُ (الثَّانِي) الْحَجْرُ عَلَى الشِّقْصِ (لِحَظِّ نَفْسِهِ) ؛ كَالْحَجْرِ (عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ) ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ عَائِدَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ، (وَلَا يُطَالَبُ) مَدِينٌ بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ، (وَلَا يُحْجَرُ) عَلَيْهِ (بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ - (وَلَوْ الْتَزَمَ تَعْجِيلَهُ) - لِأَنَّ الْتِزَامَهُ تَعْجِيلَ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ.
(وَلِغَرِيمٍ مِنْ) أَيْ: مَدِينٍ وَظَاهِرُهُ - وَلَوْ ضَامِنًا - (أَرَادَ سَفَرًا طَوِيلًا) فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَابْنِ أَخِيهِ وَجَمَاعَةٍ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَلَعَلَّهُ أَوْلَى؛ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ "" وَالْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِمَا، فَمُقْتَضَاهُ الْعُمُومُ - (وَلَوْ) كَانَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ (حَجًّا وَاجِبًا) - لَتَقَدَّمَ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، (سِوَى سَفَرِ جِهَادٍ مُتَعَيِّنٍ) ؛ لِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ لَهُ.
وَالْفَرْقُ
بَيْنَ الْجِهَادِ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ الْجِهَادَ نَفْعُهُ عَامٌّ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، (أَوْ) كَانَ السَّفَرُ (غَيْرَ مَخُوفٍ، أَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (لَا يَحِلُّ فِي مُدَّتِهِ) ؛ أَيْ: السَّفَرِ، (وَلَيْسَ بِدَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الْغَرِيمِ الَّذِي يُرِيدُ مَدِينُهُ السَّفَرَ (رَهْنٌ يُحْرَزُ) الدَّيْنُ؛ أَيْ: يَفِي بِهِ، (أَوْ) لَيْسَ بِهِ (كَفِيلٌ مَلِيءٌ) قَادِرٌ بِالدَّيْنِ؛ (مَنْعُهُ)، مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ وَلِغَرِيمِ الْمُتَقَدِّمُ؛ أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعُ مَدِينَهُ مِنْ السَّفَرِ، (وَمَنْعُ ضَامِنَهُ حَقٌّ يُوَثِّقُهُ بِأَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ بِسَفَرِهِ، وَقُدُومُهُ عِنْدَ مَحَلِّهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا ظَاهِرٌ.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ لَا يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٌ غَيْرُ مَلِيءٍ؛ لَهُ مَنَعَهُ أَيْضًا حَتَّى يُوَثِّقَ بِالْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَرِيمُ مَدِينٍ وَضَامِنُهُ السَّفَرَ مَعًا، فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَمَنْعُ أَيِّهِمَا شَاءَ حَتَّى يُوَثِّقَ كَمَا سَبَقَ.
وَ (لَا) يَمْلِكُ رَبُّ دَيْنٍ (تَحْلِيلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ (إنْ أَحْرَمَ) - وَلَوْ بِنَفْلٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ - قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: لَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ مَيْسَرَةٌ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ بَلَدِهِ، فَيَطْلُبُهُ مِنْ الْكَفِيلِ (وَيَجُوزُ سَفَرُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ (قَبْلَ الْمَنْعِ) ؛ أَيْ: قَبْلَ مَنْعِ غَرِيمِهِ إيَّاهُ مِنْ السَّفَرِ (أَوْ) قَبْلَ (الطَّلَبِ) . (وَيَجِبُ فَوْرًا وَفَاءُ) دَيْنٍ (حَالٍّ) بِطَلَبِ رَبِّهِ لَهُ (أَوْ مُؤَجَّلٍ) ابْتِدَاءً، ثُمَّ (حَلَّ) أَجَلُهُ (عَلَى) مَدِينٍ (قَادِرٍ بِطَلَبِ رَبِّهِ) لَهُ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ، (فَلَا يَجِبُ) الْوَفَاءُ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: الطَّلَبِ - (وَلَوْ عُيِّنَ وَقْتُ وَفَاءٍ - خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِيمَا يُفْهَمُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِبُ عَلَى قَادِرٍ وَفَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ بِطَلَبِ رَبِّهِ أَوْ عِنْدَ أَجَلِهِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا. فَأَوْجَبَ الْوَفَاءَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالطَّلَبِ؛ (فَلَا يَتَرَخَّصُ مَنْ سَافَرَ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْوَفَاءُ بَعْدَ الطَّلَبِ (بِفِطْرٍ وَلَا قَصْرِ) رُبَاعِيَّةٍ؛ (وَ) لَا (مَسْحٍ) عَلَى خُفٍّ (ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ.
(وَيُمْهَلُ) مَدِينٌ (بِقَدْرِ مَا) ؛ أَيْ: مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ (يُحْضِرَ الْمَالَ) ؛ كَمَا لَوْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ، وَمَالُهُ بِدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ، فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْبَسُ؛ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، (وَيَحْتَاطُ) رَبُّ دَيْنٍ (إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ (بِمُلَازَمَتِهِ) إلَى وَفَائِهِ، (أَوْ) يَحْتَاطُ (بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ) عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مَحْبُوسٌ أَوْ وَكِيلُهُ تَمْكِينَهُ مِنْ وَفَاءِ) بَيْعِ سِلْعَةٍ أَوْ احْتِيَالٍ عَلَى اقْتِرَاضٍ، فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَيَحْتَاطُ إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَفِي " الْمُغْنِي " لِغُرْمِ) مَدِينٍ (مُوسِرٍ مُمْتَنِعٍ مِنْ قَضَاءِ) مَا عَلَيْهِ (مُلَازَمَتُهُ، وَ) لَهُ (الْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ؛ كَيَا ظَالِمُ يَا مُتَعَدِّي) يَا مُمَاطِلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ وَيَأْتِي.
(وَإِنْ مَطَلَهُ) ؛ أَيْ: مَطَلَ الْمَدِينُ رَبَّ الدَّيْنِ (حَتَّى شَكَاهُ) رَبُّ الدَّيْنِ؛ (وَجَبَ عَلَى حَاكِمٍ) ثَبَتَ لَدَيْهِ (أَمْرُهُ بِوَفَائِهِ بِطَلَبِ غَرِيمِهِ) وُجُوبًا إنْ عَلِمَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ، أَوْ جَهِلَ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ، (وَلَمْ يَحْجُرْ) ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَقْضِي دَيْنَهُ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا تُتَّقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ. (وَمَا غُرِّمَ) رَبُّ دَيْنٍ (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: بِسَبَبِ مَطْلِ مَدِينٍ أَحْوَجَ رَبَّ الدَّيْنِ إلَى شَكَوَاهُ؛ (فَعَلَى مُمَاطِلٍ) لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ، أَشْبَهُ مَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ لِحَمْلِهِ أُجْرَةً، وَحَمَلَهُ لِبَلَدٍ آخَرَ، وَغَابَ؛ ثُمَّ غَرِمَ مَالِكُهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ تَعَدَّى بِنَقْلِهِ.
(وَإِنْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ) عَنْهُ - (أَطْلَقَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فِي مَوْضِعٍ وَقَيَّدَهُ فِي) مَوْضِعٍ (آخَرَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، فَغَرِمَ ضَامِنٌ بِسَبَبِهِ) ؛ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ، (أَوْ غَرِمَ شَخْصٌ لِكَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ؛ رَجَعَ غَارِمٌ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى كَاذِبٍ وَمَضْمُونٍ) عَنْهُ؛ (وَإِنْ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ) ، وَإِنْ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ، وَلَا تَسَبُّبَ
(وَإِنْ أَهْمَلَ شَرِيكٌ بِنَاءَ حَائِطِ بُسْتَانٍ)
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ (وَقَدْ اتَّفَقَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَانِ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْبِنَاءِ وَبَنَى شَرِيكُهُ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ طَلَبَ) شَرِيكٌ (مِنْهُ) أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ، (فَأَهْمَلَ) ذَلِكَ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَمَا تَلِفَ مِنْ ثَمَرَتِهِ)، أَيْ: الْبُسْتَانِ، (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أ (وَ) تَلِفَ (مِنْ شَجَرِهِ) بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا - وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِهْمَالِ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ: ضَمِنَ التَّالِفَ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ؛ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ
(وَلَوْ أَحْضَرَ مُدَّعَى) عَلَيْهِ مُدَّعَى (بِهِ) لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً تَقَعُ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ (وَلَمْ يَثْبُتْ لِمُدَّعٍ - لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (مُؤْنَةَ إحْضَارِهِ وَرَدِّهِ) إلَى مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الرُّجُوعُ بِالْغُرْمِ عَلَى مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ ظُلْمًا، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ أَثْبَتَهُ؛ (لَزِمَتْ) مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ (الْمُنْكِرَ) ؛ لِحَدِيثِ:«عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .
(فَإِنْ أَبَى) مَدِينٌ وَفَاءَ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ بِطَلَبِ رَبِّهِ؛ (حَبَسَهُ) ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ وَكِيعٌ -: عِرْضُهُ شَكَوَاهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَبْسُهُ - (وَلَوْ) كَانَ (أَجِيرًا) خَاصًّا (فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً مُزَوَّجَةً) - لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْحَبْسِ قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ وَلَا يَجِبُ حَبْسُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ؛ فَيُحْبَسُ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ.
(فَإِنْ أَبَى) مَحْبُوسٌ مُوسِرٌ دَفْعَ مَا عَلَيْهِ؛ (عَزَّرَهُ) حَاكِمٌ، (وَيُكَرِّرُ) حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ؛ كَالْقَوْلِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ،