الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْقَائِلِ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّامِي لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ أَخْطَأَتْ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ.
(أَوْ) قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ (فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ) ؛ صَحَّ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ مِنْهَا دِرْهَمٌ، أَوْ قَالَ فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصِيبَاتِ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَعْلُومٌ بِتَقْدِيرِهِ بِالْإِصَابَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: اسْتَقِ لِي مِنْ هَذَا الْبِئْرِ، وَلَك بِكُلِّ دَلْوٍ تَمْرَةٌ، أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَلَهُ بِكُلِّ عَبْدٍ دِرْهَمٌ.
(أَوْ قَالَ: ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ وَلَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي فِعْلٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَكُنْ نِضَالًا؛ لِأَنَّ النِّضَالَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ عَلَى أَنْ يَرْمُوا جَمِيعًا، وَيَكُونَ الْجُعْلُ لِبَعْضِهِمْ إذَا كَانَ سَابِقًا
[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]
ِ: بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْبَطَّالِ عَيَّارٌ؛ لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَعَارَهُ وَعَارَهُ كَ أَطَاعَهُ وَطَاعَهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلْجَوْهَرِيِّ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعُرْيِ الَّذِي هُوَ التَّجَرُّدُ؛ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ، كَمَا تُسَمَّى النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ عَرِيَّةً؛ لِتَعَرِّيهَا عَنْهُ، وَقِيلَ التَّعَاوُرُ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِجَعْلِ الْمَالِكِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا. وَهِيَ (الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ) مِنْ مَالِكِهَا - وَلَوْ لِمَنْفَعَتِهَا - أَوْ وَكِيلِهِ (لِلِانْتِفَاعِ بِهَا) مُطْلَقًا، أَوْ زَمَنًا مُقَدَّرًا (بِلَا عِوَضٍ) مِنْ الْآخِذِ لَهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا، وَالْعَارَةُ بِمَعْنَى الْعَارِيَّةِ. قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ:
فَاخْلُفْ وَأَتْلِفْ إنَّمَا الْمَالُ عَارَةٌ
…
وَكُلُّهُ مَعَ الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ آكِلُهُ
(مَعَ الِانْفِرَادِ) - أَيْ: انْفِرَادِ الْمُسْتَعِيرِ - (بِحِفْظٍ) لِلْعَيْنِ الْمُعَارَةِ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُهَا مَعَهَا كَمَا لَوْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ لِإِنْسَانٍ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ فَالْحِفْظُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِعَدَمِ انْفِرَادِهِ بِحِفْظِهَا، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ؛ لِتَلَفِهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا (وَالْإِعَارَةُ: إبَاحَةُ نَفْعِهَا) - أَيْ: الْعَيْنِ - أَيْ: رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ (لَا هِبَتَهُ) ؛ إذْ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِي الشَّيْءِ؛ كَمَا يَسْتَفِيدُهُ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ (بِلَا عِوَضٍ) ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] .
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم قَالَ: الْعَوَارِيُّ، وَفَسَّرَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: الْقِدْرُ وَالْمِيزَانُ وَالْوَلَدُ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» [قَالَ] التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ دِرْعًا يَوْمَ حُنَيْنٌ، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْعَارِيَّة وَاسْتِحْبَابِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ جَمِيعًا.
(وَتُسْتَحَبُّ) الْإِعَارَةُ؛ لِكَوْنِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ وَلَا تَجِبُ؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ وَلِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» .
وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: الزَّكَاةُ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ»
وَالْآيَةُ فَسَّرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بِالزَّكَاةِ،
وَكَذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إذَا جَمَعَ ثُلُثَهَا فَلَهُ الْوَيْلُ إذَا سَهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَرَدَ أَوْ مَنَعَ الْمَاعُونَ.
(وَتَنْعَقِدُ) الْإِعَارَةُ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا) ؛ كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ أَبَحْتُكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، أَوْ يَقُولُ الْمُسْتَعِيرُ أَعِرْنِي هَذَا أَوْ أَعْطِينِيهِ أَرْكَبُهُ، أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِ، فَيُسَلِّمُهُ الْمُعِيرُ إلَيْهِ، وَنَحْوُهُ كَاسْتَرِحْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ، وَكَدَفْعِهِ الدَّابَّةَ لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ، وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ إذَا رَآهُ بَرَدَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ، فَصَحَّتْ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ؛ كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ، وَمَتَى رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ قَبُولًا.
قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ كَمَا لَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: أَرَدْتُ مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا، فَأَعْطَاهُ كَذَا؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ، نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ " التَّرْغِيبِ "، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
(وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ الْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (كَوْنُ عَيْنٍ) مُعَارَةٍ (مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَائِهَا) كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَسًا» وَمِنْ صَفْوَانَ أَدْرُعًا، وَسُئِلَ عَنْ حَقِّ الْإِبِلِ فَقَالَ:«إعَارَةُ دَلْوِهَا وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا» ، فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا.
(فَدَفْعُ مَا لَا يَبْقَى؛ كَطَعَامٍ تَبَرُّعٌ مِنْ دَافِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنَهُ، لَكِنْ إنْ أَعْطَى الْأَطْعِمَةَ وَالْأَشْرِبَةَ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ.
(وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ) الطَّعَامُ أَوْ الشَّرَابُ (بِلَفْظِ عَارِيَّةٍ) ، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِهَا (فَهُوَ قَرْضٌ) يَجِبُ عَلَى آخِذِهِ رَدُّ بَدَلِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا فَثَبَتَ بِذِمَّتِهِ قَرْضًا.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (كَوْنُ مُعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا) ؛ إذْ الْإِعَارَةُ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ كَوْنُ (مُسْتَعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لَهُ) بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ؛ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ قَبُولُهَا، أَشْبَهَ الْإِبَاحَةَ بِالْهِبَةِ، (فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ نَحْوِ مُضَارِبٍ) كَنَاظِرِ وَقْفٍ وَوَلِيِّ يَتِيمٍ؛ لِمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ، (وَ) لَا تَصِحُّ إعَارَةُ (مُكَاتَبٍ) لِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ، (وَلَا) تَصِحُّ إعَارَةٌ (لِنَحْوِ صَغِيرٍ) كَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ (بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلتَّصَرُّفِ.
(وَصَحَّ فِي) إعَارَةُ (مُؤَقَّتَةٍ شَرْطُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتَصِيرُ إجَارَةً) تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى؛ كَالْهِبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهَا ثَوَابٌ مَعْلُومٌ كَانَتْ بَيْعًا، تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ، فَإِذَا أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ، أَوْ جُهِلَ الْعِوَضُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ.
وَفِي " التَّلْخِيصِ ": (لَوْ أَعَارَهُ عَبْدَهُ) أَوْ نَحْوَهُ (عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ) أَوْ نَحْوَهُ، فَفَعَلَا، (فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَا تُضْمَنُ) ؛ لِلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَا عَمَلًا مَعْلُومًا.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ لِتَعْلِفَهَا، أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِتُمَوِّنَّهُ، وَإِنْ عَيَّنَا الْمُدَّةَ وَالْمَنْفَعَةَ؛ صَحَّتْ إجَارَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ سَقَطَتْ مِنْهُ وَرَقَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ وَفَوَائِدُ، فَأَخَذْتُهَا، فَتَرَى أَنْ أَنْسَخَهَا وَأُسْمِعَهَا، قَالَ: لَا، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا.
(وَ) تَصِحُّ (إعَارَةُ نَقْدٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَنَحْوِهِ) كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، فَإِنْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ لِيُنْفِقَهُ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ اسْتَعَارَ الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ لِيَأْكُلَهُ وَأَطْلَقَ، (فَقَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَرْضِ، وَهُوَ مُغَلَّبٌ عَلَى اللَّفْظِ، وَ (لَا) تَكُونُ اسْتِعَارَةُ النَّقْدِ (لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ) قَرْضًا، بَلْ عَارِيَّةٌ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ لِلْوَزْنِ، أَوْ (لِيَرْهَنَهُ أَوْ يُعَايِرَ عَلَيْهِ) ؛ فَإِنَّهَا تَصِحُّ كَالْإِجَارَةِ لِذَلِكَ، وَكَذَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ.
(وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: (كَوْنُ نَفْعِ) عَيْنٍ (مُبَاحًا) لِمُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّ
الْإِعَارَةَ إنَّمَا تُبِيحُ لَهُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَعِيرَ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِيَشْرَبَ فِيهِ، وَلَا حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى رَجُلٍ لِيَلْبَسَهُ، وَلَا أَمَةً لِيَطَأَهَا، حَيْثُ صَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ مِنْ أَجْلِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) - أَيْ: النَّفْعِ الْمُبَاحِ - (كَإِعَارَةِ كَلْبٍ لِصَيْدٍ) أَوْ مَاشِيَةٍ (وَفَحْلٍ لِضِرَابٍ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَلَا مَحْظُورَ فِي إعَارَتِهِمَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ فِي ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَتْ إجَارَتُهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إطْرَاقَ فَحْلِهَا.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَهِيَ) - أَيْ: الْإِعَارَةُ (أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْإِجَارَةِ، فَتَصِحُّ إعَارَةُ الْكَلْبِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي جَعَالَةٍ، (وَبَابُ الْجَعَالَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ تَصِحُّ عَلَى الْعِبَادَةِ كَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ.
(وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ) فِيهِ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.
نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) تَجِبُ إعَارَةُ (كُلِّ) شَيْءٍ (مُضْطَرٍّ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) ؛ إذْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَعْصُومِ وَاجِبٌ، وَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِالْإِعَارَةِ؛ فَالْإِعَارَةُ وَاجِبَةٌ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِلَفْظِ: وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ؛ وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَعَدَمِ حَاجَةِ رَبِّهِ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَنْبَغِي لِمَنْ مَلَكَ كِتَابًا أَنْ لَا يَبْخَلَ بِإِعَارَتِهِ لِمَنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إفَادَةُ الطَّالِبِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأَشْيَاخِ وَتَفْهِيمِ الْمُشْكِلِ.
(وَتَحْرُمُ إعَارَةُ قِنٍّ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِخِدْمَتِهِ) خَاصَّةً؛ كَمَا تَحْرُمُ إجَارَتُهُ لَهَا، فَإِنْ أَعَارَهُ أَوْ آجَرَهُ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ؛ صَحَّتَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ.
وَتَحْرُمُ إعَارَةُ صَيْدٍ لِمُحْرِمٍ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ لَهُ مُحَرَّمٌ؛ كَمَا تَحْرُمُ (إعَارَةُ مَا يَحْرُمُ) اسْتِعْمَالُهُ لِشَخْصٍ (مَمْنُوعًا مِنْهُ) شَرْعًا؛ (كَنَحْوِ طِيبٍ) وَمَخِيطٍ (لِمُحْرِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَإِنْ أَعَارَ الصَّيْدَ لِلْمُحْرِمِ، فَتَلِفَ بِيَدِ الْمُحْرِمِ؛ ضَمِنَهُ لِلَّهِ بِالْجَزَاءِ وَلِلْمَالِكِ بِالْقِيمَةِ.
وَتَحْرُمُ إعَارَةُ آنِيَةٍ لِمَنْ يَتَنَاوَلُ بِهَا مُحَرَّمًا، مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ، وَإِعَارَةِ (إنَاءِ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) إعَارَةُ (سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ) ، وَإِعَارَةُ دَابَّةٍ مِمَّنْ يُؤْذِي عَلَيْهَا مُحْتَرَمًا.
(وَ) إعَارَةُ (أَمَةٍ) أَوْ عَبْدٍ (لِغِنَاءٍ) أَوْ نَوْحٍ أَوْ زَمْرٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) إعَارَةُ (دَارٍ) لِفِعْلِ (مَعْصِيَةٍ) فِيهَا، أَوْ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً، أَوْ يَشْرَبُ فِيهَا مُسْكِرًا؛ كَإِجَارَةِ ذَلِكَ، وَتَحْرُمُ إعَارَةُ بُضْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ، (وَتُكْرَهُ إعَارَةُ أَمَةٍ جَمِيلَةٍ لِمَأْمُونٍ) إذَا كَانَ شَابًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ إعَارَتُهَا لِصَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مُحْرِمٍ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا.
(وَتَحْرُمُ) إعَارَتُهَا (هِيَ) - أَيْ: الْأَمَةُ الْجَمِيلَةُ - (وَإِعَارَةُ) غُلَامٍ (أَمْرَدَ لِغَيْرِهِ) - أَيْ لِغَيْرِ مَأْمُونٍ؛ كَمَا تَحْرُمُ (إجَارَتُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْفَاحِشَةِ، (لَا سِيَّمَا الْعَزَبُ) .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لِلْعُزَّابِ الَّذِينَ لَا نِسَاءَ لَهُمْ مِنْ قَرَابَاتٍ وَلَا زَوْجَاتٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَتَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهَا؛ كَغَيْرِ الْمُعَارَةِ، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ؛ كَمُؤَجَّرَةٍ، وَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ.
فَإِنْ وَطِئَ الْمُسْتَعِيرُ الْأَمَةَ الْمُعَارَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ إذَنْ، وَكَذَا هِيَ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ إنْ طَاوَعَتْهُ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ زِنًا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَ جَاهِلًا بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ، أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ:«ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» .
وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا إنْ جَهِلَتْ أَوْ أُكْرِهَتْ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَيُلْحَقُ بِهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَتَجِبُ
قِيمَتُهُ يَوْمَ وِلَادَتِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي وَطْئِهِ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَلَوْ مُطَاوَعَةً، لِأَنَّ الْمَهْرَ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْمَوْطُوءَةِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ فِي الْوَطْءِ، فَلَا مَهْرَ وَلَا أَرْشَ وَلَا فِدَاءَ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِإِذْنِهِ.
وَأَمَّا إعَارَةُ الْأَمَةِ لِلْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً أَوْ شَوْهَاءَ؛ جَازَ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُعِيرَهَا مُطْلَقًا؛ لِلْأَمْنِ عَلَيْهَا، وَالْجَوَازُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ الْعَارِيَّةِ النَّدْبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَحِينَئِذٍ تَكْمُلُ لِلْعَارِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ.
(وَكُرِهَ اسْتِعَارَةُ أَصْلِهِ) كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوَا (لِخِدْمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْوَلَدِ اسْتِخْدَامُ أَحَدِهِمْ؛ فَكُرِهَتْ اسْتِعَارَتُهُ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يُكْرَهُ لِلْفَرْعِ (إعَارَتُهُ) - أَيْ أَصْلِهِ - لِأَجْنَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، لِتَسَبُّبِهِ فِي امْتِهَانِهِ.
قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى قِيَاسِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ أَنْ يُعِيرَهُ لِذَلِكَ؛ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ انْتَهَى.
وَلِلْمُسْتَعِيرِ رَدُّ الْعَارِيَّة مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً.
(وَصَحَّ رُجُوعُ مُعِيرٍ) فِي عَارِيَّةٍ، (وَلَوْ قَبْلَ أَمَدٍ عَيَّنَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا، فَكُلَّمَا اسْتَوْفَى شَيْئًا فَقَدْ قَبَضَهُ، وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إلَّا) أَنْ يَأْذَنَ الْمُعِيرُ فِي شَغْلِ الْمُعَارِ بِشَيْءٍ (فِي حَالٍ يَسْتَضِرُّ بِهِ) - أَيْ: بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي الْعَارِيَّةِ - (مُسْتَعِيرٌ) ؛ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْمُنَفِّرِ شَرْعًا، (فَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ) أَوْ لَوْحًا لِرَفْعِ سَفِينَةٍ، فَرَفَعَهَا بِهِ وَوَلَجَ فِي الْبَحْرِ، (أَوْ) أَعَارَ (أَرْضًا) لِدَفْنِ مَيِّتٍ أَوْ لِزَرْعٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ مُعِيرٌ فِي الْعَارِيَّةِ، وَلَا يُطَالِبُ بِالسَّفِينَةِ أَوْ اللَّوْحِ مَا دَامَتْ السَّفِينَةُ فِي اللُّجَّةِ، (حَتَّى تُرْسِي) - بِضَمِّ التَّاءِ -
لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِذَا أَرْسَتْ جَازَ الرُّجُوعُ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِهَا الْبَحْرَ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ أَرْضًا لِزَرْعٍ الرُّجُوعُ بِهَا حَتَّى (يُحْصَدَ) الزَّرْعُ (فِي أَوَانِهِ) ، وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ تَمْلِيكُ زَرْعٍ بِقِيمَتِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ مِمَّا يُحْصَدُ فَصْلًا، فَيَحْصُدُهُ الْمُسْتَعِيرُ وَقْتَ أَخْذِهِ عُرْفًا؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ إذَنْ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا لِمُعِيرٍ أَرْضًا لِدَفْنٍ الرُّجُوعُ حَتَّى (يُبْلَى) الْمَيِّتُ.
قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: وَيَصِيرُ رَمِيمًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: بِأَنْ يَصِيرَ رَمِيمًا، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعِظَامِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَلَعَلَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ.
قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالرَّمِيمُ الْبَالِي. (وَصَحَّ رُجُوعُ) مُعِيرٍ فِي أَرْضِهِ (قَبْلَ دَفْنِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَى مُسْتَعِيرٍ (مُنْذُ رَجَعَ) الْمُعِيرُ؛ أَيْ: مِنْ حِينِ رَجَعَ إلَى حِينِ زَوَالِ ضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ كَانَ الرُّجُوعُ يَضُرُّ بِهِ إذَنْ، وَلَا إذَا أَعَارَ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى حِينِ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ، أَوْ بَقَائِهِ إذَا أَبَى الْمُعِيرُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَتَّفِقَا، وَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا إذَا ضَرَّ بِالْمُسْتَعِيرِ إذَنْ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ، وَلِأَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْغَرْسَ أَوْ الْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَقْلَعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ، كَانَ إبْقَاؤُهُ فِي أَرْضِهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْمُسْتَعِيرِ بِالْأُجْرَةِ؛ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ.
(إلَّا فِي الزَّرْعِ) إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ، وَهُوَ لَا يُحْصَدُ قَصِيلًا، فَإِنَّ لَهُ أُجْرَةً مِثْلَ الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ مِنْ حِينِ رَجَعَ إلَى حِينِ الْحَصَادِ؛ لِوُجُوبِ تَبَعِيَّتِهِ فِي أَرْضِ الْمُعِيرِ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ، فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ، وَلَا أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا اخْتَارَ قَلْعَ زَرْعِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى
الْمَالِكِ الِانْتِفَاعَ بِأَرْضِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَبْقَى بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى حَصَادِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ أُجْرَةَ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ تَجِبُ مِنْ حِينِ رُجُوعِ الْمُعِيرُ - (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ - (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا مُعَارَةً فِي الْحُكْمِ (لَوْ رَجَعَ مُعِيرُ دَابَّةٍ) فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ تَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ حِينِ رُجُوعِ الْمَالِكِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ (- وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُسْتَعِيرٌ) بِرُجُوعِهِ - (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمَالِكُ - (لَوْ أَبَاحَهُ) ؛ أَيْ: أَبَاحَ شَخْصًا (أَكْلَ شَيْءٍ) مِنْ الْمَطْعُومَاتِ، ثُمَّ بَدَّلَهُ، (فَرَجَعَ قَبْلَ) أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ (- وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ) رُجُوعَ الْمَالِكِ - (ضَمِنَ) قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ - وَتَصَرُّفَاتُهُ غَيْرُ نَافِدَةٍ مِنْ حِينِ الْعَزْلِ، وَهَذَا مِثْلُهُ.
(وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) - أَيْ: الْمُبِيحِ بِلَا بَيِّنَةٍ - (أَنَّهُ رَجَعَ) عَنْ الْإِبَاحَةِ (قَبْلَ أَكْلِهِ) - أَيْ: الْمَأْذُونِ لَهُ - لِيُغَرِّمَهُ قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُعِيرُ دَابَّةٍ لِعَاجِزٍ) عَنْ الْمَشْيِ (صَارَ) بِبَرِّيَّةٍ (مُنْقَطِعَةٍ) ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ يَضُرُّ بِالْمُسْتَعِيرِ، وَالضَّرَرُ يُزَالُ، كَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً وَصَارَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا قَبْلَ أَنْ تُرْسِي؛ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ إزَالَةً لِضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْمَيِّتَ) الَّذِي دُفِنَ فِي أَرْضٍ مُعَارَةٍ (لَوْ أَخْرَجَهُ نَحْوَ سَبُعٍ)
كَذِئْبٍ وَضَبُعٍ (لَا يُعَادُ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِوَلِيِّهِ إعَادَةُ دَفْنِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ (بِلَا إذْنٍ) صَرِيحٍ مِنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَارِيَّةِ انْقَضَى بِتَفْرِيغِ الْمُعَارَةِ، فَلَا تُشْغَلُ ثَانِيًا بِدُونِ إذْنِ مَالِكِهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ إعَارَةَ ثَوْبٍ لِصَلَاةٍ عُرْيَانَا بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِيهَا (يَمْنَعُ) الْمُعِيرَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ قَبْلَ إتْمَامِهَا وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
(كَإِعَارَةِ حَائِطٍ لِحَمْلِ) أَطْرَافِ (خَشَبٍ) لِمُحْتَاجٍ إلَى (تَسْقِيفٍ) ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّسْقِيفُ إلَّا بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، وَلَا ضَرَرَ، فَوَضَعَ الْخَشَبَ (وَبَنَى عَلَيْهِ، أَوْ) إعَارَةُ حَائِطٍ لِتَعْلِيَةَ (سُتْرَةٍ) عَلَيْهِ، (وَبُنِيَتْ) السُّتْرَةُ، (وَلَمْ يَتَضَرَّرْ) رَبُّ الْحَائِطِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ الْمُعِيرُ مِنْ الرُّجُوعِ مَا دَامَ الْخَشَبُ أَوْ بِنَاءُ السُّتْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ وَقَعَتْ لَازِمَةً ابْتِدَاءً.
وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْكَ مَا يَنْقُصُ بِالْقَلْعِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَعِيرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَلَعَهُ انْقَلَعَ مَا فِي مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِي حَائِطِهِ قَبْلَ وَضْعِ الْخَشَبِ وَبَعْدَ وَضْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ: فَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ؛ لَزِمَ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْحَائِطِ السُّقُوطَ، لَكِنْ اسْتَغْنَى الْمُسْتَعِيرُ عَنْ إبْقَاءِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَعِيرَ إزَالَتُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، (فَإِنْ سَقَطَ) الْخَشَبُ عَنْ الْحَائِطِ الْمُعَارِ لِوَضْعِهِ، (أَوْ سَقَطَتْ) السُّتْرَةُ (لِهَدْمِ) الْحَائِطِ (أَوْ غَيْرِهِ) ؛ كَسُقُوطِ الْخَشَبِ أَوْ
السُّتْرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَائِطِ؛ (لَمْ يُعَدْ) الْخَشَبُ وَلَا السُّتْرَةُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ سُقُوطِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُسْتَعِيرِ بِإِزَالَةِ الْمَأْذُونِ فِي وَضْعِهِ، وَقَدْ زَالَ (إلَّا بِإِذْنِهِ) - أَيْ: الْمُعِيرِ - (أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) ، بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ) سَوَاءٌ أُعِيدَ الْحَائِطُ؛ بِآلَتِهِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ.
(وَيَتَّجِهُ فِي حَجَرٍ) مُعَارٍ مُدَّةً مُؤَقَّتَةً (بَنَى) مُسْتَعِيرٌ (عَلَيْهِ) - أَيْ: الْحَجَرِ - ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ؛ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَوْ (- أَخْذِ قِيمَتِهِ -) أَيْ: الْحَجَرِ - (أَوْ) تَرْكِهِ بَا (لْأُجْرَةِ) ؛ أَيْ: بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَتِمَّةٌ: مُدَّةُ الْعَارِيَّة إمَّا مُطْلَقَةٌ أَوْ مُقَيَّدَةٌ، فَإِنْ أَطْلَقَهَا الْمُعِيرُ فَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِزَمَنٍ؛ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَارِيَّةِ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، وَإِنْ وَقَّتَهَا الْمُعِيرُ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَارِيَّةِ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، أَوْ يَنْقَضِي الْوَقْتُ، فَإِذَا انْقَضَى الْوَقْتُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ؛ لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِعَارَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَارُ أَرْضًا وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِعَارَةِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَغْرِسَ، وَلَا يَبْنِيَ، وَلَا يَزْرَعَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الْإِعَارَةُ، أَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْإِعَارَةِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(فَصْلٌ: وَمَنْ أُعِيرَ أَرْضًا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَشَرَطَ) الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (قَلْعَهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ - (بِوَقْتٍ) عَيَّنَهُ لَهُ، (أَوْ) شَرَطَ الْقَلْعَ حَالَ (رُجُوعٍ)، ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ؛ (لَزِمَ) الْمُسْتَعِيرَ قَلْعُ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ (عِنْدَهُ) - أَيْ: عِنْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ - أَوْ عِنْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ: وَظَاهِرُهُ (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ)، أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُعِيرُ بِالْقَلْعِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» .
قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ دَاخِلٌ فِي الْعَارِيَّةِ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْأَرْضِ نَقْصُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَ (لَا) يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ (تَسْوِيَتُهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ إذَا حَصَلَ فِيهَا حُفَرٌ (بِلَا شَرْطِ) الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ؛ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ، (وَحَيْثُ لَا شَرْطَ) مِنْ الْمُعِيرِ (قَلَعَ) غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ، (وَلَمْ يَقْلَعْ مُسْتَعِيرٌ) ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَلْعُ؛ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ؛ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .
وَالْمُسْتَعِيرُ إنَّمَا حَصَلَ غِرَاسُهُ، أَوْ بِنَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِنَقْصِ قِيمَةِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ، وَإِلْزَامُهُ بِالْقَلْعِ مَجَّانًا يُخْرِجُهُ إلَى حُكْمِ الْعُدْوَانِ وَالضَّرَرِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَمَتَى أَمْكَنَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ؛ أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ. (وَلَوْ قَلَعَ) الْمُسْتَعِيرُ غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ بِاخْتِيَارِهِ (سَوَّاهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ مِنْ الْحُفَرِ وُجُوبًا - لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ، أَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَخَذَ غَرْسَهُ، أَوْ بِنَاءَهُ مِنْ الْمَشْفُوعِ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُ بِلَا نَقْصٍ، وَأَبَاهُ مُسْتَعِيرٌ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُجْبَرُ فِيهَا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ؛ (فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ - (قَهْرًا بِقِيمَتِهِ) ؛ كَالشَّفِيعِ، مَا لَمْ يَخْتَرْ مُسْتَعِيرٌ قَلْعَهُ، وَتَفْرِيغُ الْأَرْضِ فِي الْحَالِ.
وَإِنْ قَالَ مُسْتَعِيرٌ: أَنَا أَدْفَعُ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِتَصِيرَ لِي؛ لَمْ يَلْزَمْ الْمُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ، وَلِذَلِكَ
يَتْبَعُهَا الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَتْبَعُهُمَا فِيهِ، (أَوْ) - أَيْ: وَلِمُعِيرٍ - (قَلْعُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ - (جَبْرًا، وَيَضْمَنُ) الْمُعِيرُ (نَقْصَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ وَضَرَرِ الْمُسْتَعِيرِ، وَجَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَمُؤْنَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ كَالْمُسْتَأْجِرِ.
(وَيَتَّجِهُ لَا) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ (إبْقَاؤُهُ) - أَيْ: الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ - (بِالْأُجْرَةِ) ، مَا لَمْ يَرْضَ الْمُعِيرُ، فَإِذَا رَضِيَ بِإِبْقَائِهِ بِالْأُجْرَةِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ؛ (كَمَا لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ) أَرْضًا، (ثُمَّ فَسَخَ) عَقْدَ (الْبَيْعِ بِنَحْوِ عَيْبٍ) وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ؛ كَأَنْ وَجَدَهَا سَبِخَةً، أَوْ مَأْوَى اللُّصُوصِ، أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ بِتَقَايُلٍ؛ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ قَهْرًا، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ لِلْمُشْتَرِي، (وَكَمَا فِي) إنْسَانٍ (بَائِعٍ) أَرْضًا مِنْ (مُفْلِسٍ) ، فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى، ثُمَّ (رَجَعَ) بَائِعُ الْأَرْضِ؛ فَلِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ، فَإِنْ أَبَوْهُ، وَطَلَبَ الْبَائِعُ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ مَلَكَهُ، وَكَذَا إذَا طَلَبَ الْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ.
قَالَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ "، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى (مُشْتَرٍ) أَرْضًا (بِعَقْدٍ فَاسِدٌ) وَغَرَسَ فِيهَا، أَوْ بَنَى، ثُمَّ رُدَّتْ الْأَرْضُ لِمَالِكِهَا؛ فَلِلْغَارِسِ قَلْعُ غِرَاسِهِ، فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ؛ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْقَلْعُ وَضَمَانُ النَّقْصِ.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّمَلُّكِ أَوْ الْقَلْعِ (مَا لَمْ يَرْضَيَا) - أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِإِبْقَاءِ الْبِنَاءِ، أَوْ الْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ بِالْأُجْرَةِ - لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَإِنْ أَجْرَيَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ؛ صَحَّ مِنْ حِينَئِذٍ، وَلَا أُجْرَةَ لِمَا مَضَى، (وَكَانَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ) مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ كَمَا تَجِبُ فِي الصَّحِيحِ. (طَرَدَهُ) - أَيْ: الْقِيَاسُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ. (فِي الْجَمِيعِ) - أَيْ: فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الِاتِّجَاهِ. (وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ) أَوْجَبْنَا بَقَاءَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَبِيدَ، وَلَمْ نُوجِبْ الْقَلْعَ جَبْرًا أَوْ نَحْوَهُ كَمَا هُوَ (لِرِضَا رَبِّ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ ابْتِدَاءً) - أَيْ: وَقْتَ عَقَدٍ -
(بِالْأُجْرَةِ، فَاسْتُصْحِبَتْ) الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ بِالْأُجْرَةِ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً وَأَمَّا فِي الْعَارِيَّةِ.
وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى بَذْلِ عِوَضٍ، فَاسْتُصْحِبَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَإِنْ أَبَى مُعِيرٌ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْأَخْذَ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ (مُسْتَعِيرٌ) مِنْ دَفْعِ (الْأُجْرَةِ) - أَيْ أُجْرَةِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ - (وَمِنْ الْقَلْعِ) ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، (وَبِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا) مِنْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ عَلَيْهِمَا (إنْ رَضِيَا) - أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ - (أَوْ) رَضِيَ بِهِ (أَحَدُهُمَا، وَيُجْبَرُ الْآخَرُ) بِطَلَبِ مَنْ رَضِيَ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِإِزَالَةِ الْمُضَارَبَةِ، وَتَحْصِيلُ مَالِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِذَا بِيعَا (دُفِعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ) مِنْ الثَّمَنِ (قِيمَتُهَا فَارِغَةً) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ.
(وَ) دُفِعَ (الْبَاقِي) مِنْ الثَّمَنِ (لِلْآخَرِ) ، وَهُوَ رَبُّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ رَبِّ أَرْضٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ (بَيْعُ مَالِهِ مُنْفَرِدًا) مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِهِ، (وَيَكُونُ مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ؛ أَيْ: فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَقَامَ الْبَائِعِ، فَمُشْتَرِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُعِيرِ وَمُشْتَرِي الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ
بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ.
(وَإِنْ أَبَيَا) - أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ - (الْبَيْعَ تُرِكَ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ بِحَالِهِ) وَاقِفًا فِي الْأَرْضِ (حَتَّى يَصْطَلِحَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، (وَالْأُجْرَةُ) عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ حِينِ رُجُوعِ مُعِيرٍ بِهِ نَظِيرَ بَقَاءِ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ فِي مُعَارَةٍ (مَا دَامَ الْأَمْرُ مَوْقُوفًا) ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا فِي سَفِينَةٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مِنْ حِينِ رُجُوعٍ فِي أَرْضٍ أَعَارَهَا لِدَفْنٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ هَذِهِ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ بِلَا أُجْرَةٍ كَالْخَشَبِ عَلَى الْحَائِطِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْتَعِيرِ إذَنْ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا؛ كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ.
(وَكَعَارِيَّةٍ مَا) - أَيْ: شِقْصٍ - (بِيعَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَنَى؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ، فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ قَلْعَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ نَقْصِهِ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا.
قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَهُ تَمَلُّكٌ بِالْقِيمَةِ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ، (لَا مَا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ) - أَيْ: بِعَقْدٍ فَاسِدٍ - (بَلْ) مَا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَأْجُورِ بِعَقْدٍ (صَحِيحٍ) ، مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ.
وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": الْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ الْمَالِكِ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى فَلِلْمَالِكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ؛ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يُقْلِعُ إلَّا مَضْمُونًا؛ لِاسْتِنَادِهِ إلَى الْإِذْنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ انْتَهَى.
قَالَهُ الْبُهُوتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى " بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ " الْمُبْدِعِ " وَحِينَئِذٍ " تَعْلَمُ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْقَلْعِ مَجَّانًا، لَا فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ، مِنْ لُزُومِ الْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا فِي الْغَصْبِ مِنْ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، لَكِنْ فِي الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ. انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَشْبِيهَ الْمَأْجُورِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْمَأْجُورِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْمَقْبُوضِ عَارِيَّةً؛ دَفْعًا لِلْإِيهَامِ.
(وَلِمُعِيرٍ) مَعَ تَبْقِيَةِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَمَنْفَعَتَهَا (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِمَا فِيهَا) مِنْ غَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ وَبِنَائِهِ؛ لِاحْتِرَامِهِمَا بِإِذْنِ الْمُعِيرِ فِي وَضْعِهِمَا. (وَلِمُسْتَعِيرٍ) غَرَسَ الْأَرْضَ (الدُّخُولُ لِسَقْيٍ وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي فِعْلِ شَيْءٍ إذْنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ، وَ (لَا) يَجُوزُ لِمُسْتَعِيرٍ الدُّخُولُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ) كَمَبِيتٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِصَلَاحِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا.
(وَيَتَّجِهُ هَذَا) - أَيْ: الدُّخُولُ لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ - إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ (مَحُوطَةٍ) فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ؛ إذْ غَيْرُ الْمَحُوطَةِ لَا يُمْنَعُ دَاخِلُهَا لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ، إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا، فَإِنْ أَضَرَّ مُنِعَ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَفَرُّجَ النَّاسِ وَنُزَهَهُمْ فِي بَسَاتِينِ الْغَيْرِ) الْمَحُوطَةِ إذَا كَانَتْ مُغْلَقَةً أَبْوَابُهَا أَوْ مَنْطُورَةً (بِلَا إذْنٍ حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّ التَّحْوِيطَ عَلَامَةٌ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ غَرَسَ) مُسْتَعِيرٌ (أَوْ بَنَى) فِيمَا اسْتَعَارَهُ كَذَلِكَ (بَعْدَ رُجُوعِ) مُعِيرٍ؛ فَغَاصِبٌ، (أَوْ) غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ (أَمَدِهَا) أَيْ: بَعْدَ أَمَدٍ ذُكِرَ - (فِي) عَارِيَّةٍ (مُؤَقَّتَةٍ) - وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ - فَغَاصِبٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ إذَا وُقِّتَ بِزَمَنٍ تَقَيَّدَ بِهِ، (أَوْ جَاوَزَ) مُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ (مَسَافَةً قُدِّرَتْ؛ فَغَاصِبٌ) ؛ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَهَرَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِزَوَالِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ، وَبِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا إذَا قُيِّدَتْ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُدَّةٍ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعَرْتُكَهَا سَنَةً،
فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ بَلْ سَنَتَيْنِ؛ فَقَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعَارَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ. (وَيَلْزَمُ) الْمُسْتَعِيرَ (أُجْرَةُ مِثْلٍ) لِقَدْرٍ (زَائِدٍ) عَلَى مُدَّةٍ أَوْ مَسَافَةٍ (فَقَطْ) ؛ لِحُصُولِ التَّعَدِّي فِي الزَّائِدِ، دُونَ مَا قَبْلَهُ.
(وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ) ، فَنَبَتَ فِيهَا؛ فَالزَّرْعُ (لِرَبِّهِ) - أَيْ لِرَبِّ الْبَذْرِ - وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ (مُبْقًى لِحَصَادٍ) ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِ رَبِّهِ، وَإِنْ كَانَ يُحْصَدُ قَصِيلًا حُصِدَ.
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ: (بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ رَبِّ الْأَرْضِ تَبْقِيَةُ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ، فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الزَّرْعِ عَلَى قَلْعِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهُ قَلْعَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ، وَمَا نَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ مِلْكِهِ. (وَحَمْلُهُ) - أَيْ: السَّيْلِ (لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ) كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ (إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ مَالِكِ ذَلِكَ - (فَيَنْبُتُ) فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَمَلَهُ السَّيْلُ إلَيْهَا فِي الْحُكْمِ؛ (كَعَارِيَّةٍ) . لِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ وَلَا يَقْلَعُهُ مَجَّانًا، لِعَدَمِ عُدْوَانِ رَبِّهِ؛ وَمِثْلُهُ لَوْ غَرَسَ مُشْتَرٍ شِقْصًا مَشْفُوعًا فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ؛ فَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ (إلَّا أَنَّهُ) - أَيْ: رَبُّ الْغَرْسِ - إنْ اخْتَارَ قَلْعَهُ؛ (فَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُسَوِّيَ حُفَرًا) حَصَلَتْ بِسَبَبِ غَرْسِهِ، (وَلَا) عَلَيْهِ أَنْ (يَضْمَنَ نَقْصًا) حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِسَبَبِ قَلْعٍ؛ لِحُصُولِ الْغَرْسِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ وَلَا عُدْوَانٍ.
(وَإِنْ حَمَلَ) السَّيْلُ (أَرْضًا بِغَرْسِهَا إلَى) أَرْضٍ (أُخْرَى فَنَبَتَ كَمَا كَانَ) قَبْلَ نَقْلِهِ؛ فَهُوَ لِمَالِكِهِ لِعَدَمِ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِيهِ، (وَلَا يُجْبَرُ) رَبُّ أَرْضٍ مَحْمُولَةٍ بِشَجَرِهَا (عَلَى إزَالَتِهِ) - أَيْ: الشَّجَرِ - لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَمَا تُرِكَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ -