الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]
(كِتَابُ الشَّرِكَةِ) الشَّرِكَةُ: بِوَزْنِ سَرِقَةٍ وَتَمْرَةٍ وَنِعْمَةٍ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] . وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] الْآيَةَ وَالْخُلَطَاءُ هُمْ الشُّرَكَاءُ، وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ:«أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ، فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُمَا أَنْ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ»
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا» وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنْوَاعِهَا. وَهِيَ (قِسْمَانِ) :
أَحَدُهُمَا (اجْتِمَاعٌ فِي اسْتِحْقَاقٍ كَشَرِكَةِ إرْثٍ) ؛ بِأَنْ مَلَكَ اثْنَانِ أَوْ جَمَاعَةٌ عَبْدًا أَوْ دَارًا أَوْ نَحْوَهُمَا (وَوَصِيَّةٌ) ؛ كَمَا لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ أَوْ جَمَاعَةٌ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ مُوصِي بِنَفْعِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاءُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ. (وَهِبَةٌ فِي عَيْنٍ) ؛ كَمِلْكِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ بِهِبَةٍ أَوْ مَغْنَمٍ، (أَوْ مَنْفَعَةٌ) دُونَ الْعَيْنِ؛ كَمَا لَوْ وُصِّيَ لِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي) : اجْتِمَاعٌ (فِي تَصَرُّفٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ) هُنَا.
(وَتُكْرَهُ)
شَرِكَةُ مُسْلِمٍ (مَعَ كَافِرٍ) كَمَجُوسِيٍّ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَوَثَنِيٍّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا نَأْمَنُ مِنْ مُعَامَلَتِهِ بِالرِّبَا وَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ يَلِي التَّصَرُّفَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَجُوسِيِّ: مَا أُحِبُّ مُخَالَطَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ مَا لَا يَسْتَحِلُّ هَذَا و (لَا) تُكْرَهُ الشَّرِكَةُ مَعَ (كِتَابِيٍّ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ)، بَلْ يَلِيهِ الْمُسْلِمُ؛ لِحَدِيثِ الْخَلَّالِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ بِيَدِ الْمُسْلِمِ» ، وَلِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ بِتَوَلِّي الْمُسْلِمِ التَّصَرُّفَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَكْرَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَلِيَ التَّصَرُّفَ.
وَمَا يَشْتَرِيهِ كَافِرٌ مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ بِمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَفَاسِدٌ، وَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ، وَلَا يَثْبُتُ مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْرٍ؛ أَشْبَهَ شِرَاءَهُ مَيْتَةً وَمُعَامَلَتَهُ بِالرِّبَا، وَمَا خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالْأَصْلُ حِلُّهُ.
(وَ) تُكْرَهُ (مُعَامَلَةُ مَنْ فِي مَالِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ يُجْهَلُ) ، وَكَذَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَأَكْلُ هَدِيَّتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ، وَتُقَوَّى الْكَرَاهَةُ وَتُضَعَّفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.» الْحَدِيثَ.
(وَإِنْ خُلِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (زَيْتٌ حَرَامٌ) كَمَغْصُوبٍ (يُجْهَلُ مَالِكُهُ) بِزَيْتٍ (مُبَاحٍ؛ تَصَدَّقَ بِهِ) وُجُوبًا، وَثَوَابُهُ لِمَالِكِهِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِ الْغَصْبِ إنْ عَرَفَهُ انْتَهَى.
وَإِنْ عَرَفَ مَالِكَهُ، كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ، وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِهِ عَنْهُ بِدُونِ ضَمَانٍ إضَاعَةٌ لَهُ، لَا إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ
(وَ) إنْ خُلِطَ (دِرْهَمٌ) حَرَامٌ (بِدَرَاهِمَ) مُبَاحَةٍ؛ وَجَبَ أَنْ (يَتَصَدَّقَ)
بِدِرْهَمٍ (وَاحِدٍ) لَا غَيْرُ، (فَإِنْ جُهِلَ قَدْرُهُ) - أَيْ: الْمُخْتَلِطِ - بِأَنْ اخْتَلَطَتْ قَبْضَةٌ بِقَبَضَاتٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ (يَتَصَدَّقَ بِمَا يَرَاهُ حَرَامًا) ؛ بِأَنْ يَتَحَرَّى، وَيُخْرِجَ مِقْدَارًا يَزِيدُ عَنْ الْقَبْضَةِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، هَذَا إذَا جَهِلَ مَالِكُهُ الْحَرَامَ، (وَ) أَمَّا إذَا خُلِطَ غَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ (مَعَ عِلْمِ مَالِكِهِ) ؛ فَهُمَا (شَرِيكَانِ) فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ زَيْتًا بِمِثْلِهِ؛ لَزِمَهُ مِثْلُهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى [رَدِّ] بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي، فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى بَدَلِهِ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ دَرَاهِمَ جُهِلَ قَدْرُهَا، وَعُلِمَ مَالِكُهَا؛ فَيَرُدُّ إلَيْهِ مِقْدَارًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْبَرَاءَةُ بِهِ مِنْهُ
(وَهُوَ) - أَيْ: الْقِسْمُ الثَّانِي - (أَضْرُبٌ) خَمْسَةٌ جَمْعُ ضَرْبٍ وَهُوَ الصِّنْفُ.
(أَحَدُهَا شَرِكَةُ عِنَانٍ) ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، بَلْ فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ، كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي السَّيْرِ، فَإِنَّ عِنَانَيْ فَرَسَيْهِمَا يَكُونَانِ سَوَاءً، أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، كَمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي عِنَانِ فَرَسِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إذَا أَعْرَضَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَنَّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ صَاحِبَهُ، أَوْ مِنْ الْمُعَانَتَةِ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ، يُقَالُ عَانَنْتُ فُلَانًا إذَا عَارَضْتُهُ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَارِضٌ لِصَاحِبِهِ بِمَالِهِ وَعَمَلِهِ.
(وَهِيَ) - أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (أَنْ يُحْضِرَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) ، فَلَا تُعْقَدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَا مَعَ صَغِيرٍ وَلَا سَفِيهٍ (مِنْ مَالِهِ) ، أَوْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَمُوَكِّلِهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ. وَلَا تَنْعَقِدُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ (نَقْدًا) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (مَضْرُوبًا) - أَيْ مَسْكُوكًا وَلَوْ بِسِكَّةِ كُفَّارٍ (مَعْلُومًا) قَدْرًا أَوْ صِفَةً وَيَصِحُّ - (وَلَوْ) كَانَ (مَغْشُوشًا قَلِيلًا) - لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (أَوْ) كَانَ النَّقْدُ (مِنْ جِنْسَيْنِ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ كَانَ مُتَفَاوِتًا) ؛ بِأَنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ، (أَوْ) كَانَ مُخْتَلِطًا (شَائِعًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إنْ عَلِمَ كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْرَ مَالِهِ) ؛ كَمَا وَرِثُوهُ، لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ، وَلِآخَرَ الثُّلُثُ، وَلِآخَرَ السُّدُسُ، وَاشْتَرَكُوا فِيهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى عَرَضٍ نَصًّا؛ لِوُقُوعِهَا عَلَى عَيْنِ الْعِوَضِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، أَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَجُوزُ وُقُوعُهَا عَلَيْهَا؛ لِاقْتِضَاءِ الشَّرِكَةِ الرُّجُوعَ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِثْلِهِ، وَالْعَيْنُ لَا مِثْلَ لَهَا، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، وَقَدْ تَزِيدُ قِيمَةُ جِنْسِ عُرُوضِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. فَيَسْتَوْعِبُ بِذَلِكَ جَمِيعَ الرِّبْحِ أَوْ جَمِيعَ الْمَالِ، وَقَدْ تُنْقَضُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُشَارِكَهُ الْآخَرُ فِي ثَمَنِ مِلْكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبْحٍ. وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا تَجُوزُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ بَيْعِهِ، فَيُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ؛ وَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ، فَقَدْ صَارَ لِبَائِعِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ الَّذِي تُبَاعُ بِهِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَصِيرُ مُعَلَّقَةً عَلَى شَرْطٍ، وَهُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ النَّقْدِ مَضْرُوبًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؛ فَلِأَنَّهَا قِيمَةُ الْمُتْلَفَاتِ وَأَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَشْتَرِكُونَ عَلَيْهَا مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى زَمَنِنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَغَيْرُ الْمَضْرُوبِ كَالْعُرُوضِ. وَأَمَّا اعْتِبَارُ إحْضَارِ مَالِ الشَّرِكَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلِتَقْرِيرِ الْعَمَلِ وَتَحْقِيقِ الشَّرِكَةِ كَالْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مَعْلُومًا فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ بِرَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ، وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مَعَ جَهْلِهِ، وَكَوْنُهَا تَصِحُّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ فِي النُّصُوصِ؛ لِإِمْكَانِ كُلِّ
وَاحِدٍ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ الرُّجُوعُ بِجِنْسِ مَالِهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا. وَيَأْتِي. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَرْجِعُ هَذَا بِدَنَانِيرِهِ وَهَذَا بِدَرَاهِمِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ مِنْهُمَا؛ فَلِأَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ. وَأَمَّا كَوْنُهَا تَصِحُّ عَلَى النَّقْدِ الْمَضْرُوبِ الشَّائِعِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ فَلِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الشَّائِعِ كَمَا يَجْرِي عَلَى غَيْرِهِ (لِيَعْمَلَ) مُتَعَلِّقٌ ب يُحْضِرَ (فِيهِ) - أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ - (كُلٌّ) مِمَّنْ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ (عَلَى أَنَّ لَهُ) - أَيْ كُلِّ مَنْ لَهُ فِي الْمَالِ شَيْءٌ - (مِنْ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ بِالْعَمَلِ (بِنِسْبَةِ مَالِهِ) مِنْ الْمَالِ، فَمَنْ لَهُ فِيهِ النِّصْفُ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ، وَمَنْ لَهُ فِيهِ الثُّلُثُ لَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَمَنْ لَهُ فِيهِ السُّدُسُ لَهُ سُدُسُ الرِّبْحِ، (أَوْ) عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا) مِنْ الرِّبْحِ، (وَلَوْ) كَانَ (مُتَفَاضِلًا) ؛ كَأَنْ شُرِطَ لِوَاحِدٍ (أَقَلُّ مِنْ مَالِهِ) مِنْ الرِّبْحِ؛ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ، فَيُجْعَلُ لَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ؛ لِقُصُورِهِ عَنْ الْعَمَلِ، (أَوْ) شُرِطَ (أَكْثَرُ) مِنْ مَالِهِ؛ كَأَنْ يُجْعَلَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مَثَلًا نِصْفُ الرِّبْحِ؛ لِقُوَّةِ حِذْقِهِ، فَجَازَ أَخْذُهُ أَكْثَرَ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ، (أَوْ يُقَالُ) عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ (بَيْنَنَا فَيَسْتَوُونَ فِيهِ) ؛ لِإِضَافَتِهِمْ إلَيْهِ إضَافَةً وَاحِدَةً بِلَا تَرْجِيحٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ و (تَفَاوَتَا فِي رَأْسِ الْمَالِ) ؛ بِأَنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَا الرِّبْحُ بَيْنَنَا؛ فَيَتَنَاصَفَاهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِمَا إضَافَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَاقْتَضَتْ التَّسْوِيَةَ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ (أَوْ لِيَعْمَلَ) فِيهِ (الْبَعْضُ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَقَطْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ) - أَيْ الْعَامِلِ مِنْهُمْ - (أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ) ؛ كَأَنْ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ السُّدُسِ، وَلَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ أَوْ نِصْفُهُ وَنَحْوُهُ؛ (وَتَكُونُ) الشَّرِكَةُ فِيمَا إذَا تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ (عِنَانًا) مِنْ حَيْثُ إحْضَارِ كُلٍّ مِنْهُمْ لَهُ (وَمُضَارَبَةً) ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ زَائِدٌ عَلَى رِبْحِ مَالِهِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ فِي مَالِ
غَيْرِهِ.
(وَلَا تَصِحُّ) الشَّرِكَةُ إنْ أَحْضَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ (بِقَدْرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إبْضَاعٌ) لَا شَرِكَةٌ وَهُوَ (أَيْ) : الْإِبْضَاعُ (تَوْكِيلُ) إنْسَانٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا (بِلَا جُعْلٍ) .
(وَلَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إنْ عَقَدُوهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمْ (بِدُونِهِ) ؛ أَيْ: دُونَ قَدْرِ مَا يُقَابِلُ مَالَهُ مِنْ الرِّبْحِ (بِطَرِيقِ الْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقُّ رِبْحَ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا بَعْضَهُ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ شُرِطَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ وَبَعْضُ رِبْحِ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ
(وَلَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِمَالٍ (غَائِبٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (أَوْ) - أَيْ - وَلَا عَلَى مَالٍ (بِذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ، لَكِنْ إذَا أَحْضَرَاهُ وَتَفَرَّقَا، وَوُجِدَ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ فِيهِ، انْعَقَدَتْ حِينَئِذٍ، (أَوْ) - أَيْ - وَلَا تَصِحُّ (عَلَى مَجْهُولٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعِنَانِ وَلَا الْمُضَارَبَةُ (بِعَرْضٍ وَلَوْ) كَانَ الْعَرْضُ (مِثْلِيًّا) كَبُرٍّ وَحَرِيرٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ رُبَّمَا زَادَتْ قَبْلَ بَيْعِهِ، فَشَارَكَهُ الْآخَرُ فِي نَمَاءِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مِلْكُهُ (وَلَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَلَا الْمُضَارَبَةُ (بِقِيمَتِهِ) - أَيْ الْعَرْضِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَزِيدُ بِحَيْثُ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَقَدْ تَنْقُصُ بِحَيْثُ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي ثَمَنِ مِلْكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبْحٍ، مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةِ الْمِقْدَارِ، فَيُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَلَا الْمُضَارَبَةُ (بِثَمَنِهِ) - أَيْ ثَمَنِ الْعَرْضِ (الَّذِي اشْتَرَى بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ، وَأَيْضًا قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لِلْبَائِعِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعِنَانِ وَلَا الْمُضَارَبَةُ بِثَمَنِ الْعَرْضِ الَّذِي (يُبَاعُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ.
(وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَمُضَارَبَةٍ (بِمَغْشُوشٍ) مِنْ النَّقْدَيْنِ غِشًّا (كَثِيرًا)
عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غِشُّهُ، فَلَا يَتَأَتَّى رَدُّ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّ قِيمَتَهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ فَهِيَ كَالْعُرُوضِ.
(وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَمُضَارَبَةٌ (بِفُلُوسٍ وَلَوْ نَافِقَةً) - لِأَنَّهَا عُرُوضٌ.
(وَلَا) تَصِحُّ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَمُضَارَبَةٌ (بِنُقْرَةٍ) - وَهِيَ (الَّتِي لَمْ تُضْرَبْ) - لِأَنَّ قِيمَتَهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ، فَأَشْبَهَتْ الْعُرُوضَ
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إذَا (لَمْ يَذْكُرَا الرِّبْحَ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرِكَةِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ، (أَوْ شُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (لِبَعْضِهِمْ) فِي الشَّرِكَةِ (جُزْءٌ مَجْهُولٌ) ؛ كَحَظٍّ أَوْ جُزْءٍ أَوْ نَصِيبٍ؛ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْوَاجِبِ، (أَوْ) شُرِطَ فِيهَا لِبَعْضِهِمْ (دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ) ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرَهَا، فَيَأْخُذُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَقَدْ لَا يَرْبَحُ، فَيَأْخُذُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ، وَقَدْ يَرْبَحُ كَثِيرًا، فَيَتَضَرَّرُ مَنْ شُرِطَتْ لَهُ، (أَوْ) شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا (رِبْحُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ) ؛ كَرِبْحِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، (أَوْ) شُرِطَ رِبْحُ عَيْنٍ (مَجْهُولَةٍ) كَرِبْحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا رِبْحُ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ، أَوْ رِبْحُ تِجَارَتِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَيَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِالرِّبْحِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ.
وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ جُزْءٌ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ جُزْءٌ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا؛ لَمْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ مِثْلُ مَا شُرِطَ لِزَيْدٍ فِي شَرِكَةٍ أُخْرَى - وَالْمِثْلُ غَيْرُ مَعْلُومٍ - لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، أَوْ دَفَعَ لِبَعْضِهِمْ أَلْفًا مُضَارَبَةً، وَقَالَ الدَّافِعُ: لَك نِصْفُ رِبْحِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَكَذَا مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ) قِيَاسًا عَلَى الشَّرِكَةِ؛ فَلَا يَصِحَّانِ إنْ شُرِطَ لِعَامِلٍ جُزْءٌ مَجْهُولٌ، أَوْ آصُعَ مَعْلُومَةٌ، أَوْ ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٌ أَوْ مَجْهُولَةٌ، أَوْ زَرْعُ نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي بَابِهِ مُفَصَّلًا.
(وَتَنْعَقِدُ) الشَّرِكَةُ (بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ، (وَيُغْنِي لَفْظُ الشَّرِكَةِ) عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ؛ لِتَضَمُّنِهَا لِلْوَكَالَةِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُغْنِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا - أَيْ: الشَّرِكَةِ - كَأَنْ يَتَكَلَّمَا فِي الشَّرِكَةِ، ثُمَّ بَعْدَ بُرْهَةٍ يُحْضِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا، وَيَتَصَرَّفَانِ فِيهِ؛ فَتَنْعَقِدُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيُغْنِي فِعْلُهُمْ ذَلِكَ (عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ فِي التَّصَرُّفِ) ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، (وَيَنْفُذُ) التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ (مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ (بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ، وَ) بِحُكْمِ (الْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ
(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلشَّرِكَةِ (خَلْطُ) أَمْوَالِهَا، وَلَا أَنْ تَكُونَ بِأَيْدِي الشُّرَكَاءِ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ عَلَى جِنْسَيْنِ، (وَلِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ) وَبِإِعْلَامِ الرِّبْحِ يُعْلَمُ الْعَمَلُ (وَالرِّبْحُ نَتِيجَةٌ) - أَيْ الْعَمَلِ - لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، (وَالْمَالُ تَبَعٌ) لِلْعَمَلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ، (فَمَا تَلِفَ) مِنْ أَمْوَالِ الشُّرَكَاءِ (قَبْلَ خَلْطٍ؛ فَهُوَ مِنْ) ضَمَانِ (الْجَمِيعِ) - أَيْ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ - كَمَا لَوْ زَادَ قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجِبِ الشَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ وَالزِّيَادَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، خُلِطَ الْمَالُ أَوْ لَا؛ (لِصِحَّةِ قَسْمٍ) لِلْمَالِ بِمُجَرَّدِ (لَفْظٍ؛ كَخَرْصِ ثَمَرٍ) عَلَى شَجَرٍ مُشْتَرَكٍ، فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَا يَشْتَرِيهِ الْبَعْضُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (بَعْدَ عَقْدِهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - مِنْ مَالِهَا؛ فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ (لِلْجَمِيعِ) - أَيْ: جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ - لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ وَكِيلُ الْبَاقِينَ
وَأَمِينُهُمْ، وَأَمَّا مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِنَفْسِهِ؛ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ.
(وَمَا أَبْرَأَ) الْبَعْضُ (مِنْ مَالِهَا) - أَيْ: الشَّرِكَةِ - فَمِنْ نَصِيبِهِ، (أَوْ أَقَرَّ بِهِ) - أَيْ: الْبَعْضُ - (قَبْلَ فَسْخِ) الشَّرِكَةِ (مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ) لِلشَّرِكَةِ؛ (فَهُوَ مِنْ نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ شُرَكَاءَهُ أَذِنُوا لَهُ بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ دَاخِلًا فِيهَا.
(وَإِنْ أَقَرَّ) الْبَعْضُ بِمُتَعَلِّقٍ بِهَا - أَيْ: الشَّرِكَةِ (كَأُجْرَةِ) دَلَّالٍ و (حَمَّالٍ) ، وَأُجْرَةِ مُخَزِّنٍ وَنَحْوِهِ كَحَافِظٍ؛ فَهُوَ مِنْ مَالِ (الْجَمِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ.
(وَالْوَضِيعَةُ) - أَيْ: الْخُسْرَانُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ) مِنْ الشُّرَكَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ لِتَلَفٍ أَوْ نُقْصَانِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمَالِ.
(وَمَنْ قَالَ) مِنْ شَرِيكَيْنِ: (عَزَلْت شَرِيكِي وَلَوْ لَمْ يَنِضَّ) جَمِيعُ (الْمَالِ) - بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُ عُرُوضًا؛ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَرْضًا لَمْ يَنْعَزِلْ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ بِسُلْفَةٍ أُخْرَى وَدُونَ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ مَا يُنِضُّ بِهِ الْمَالَ؛ (انْعَزَلَ) - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ - كَالْوَكِيلِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَكَالَةٌ، وَالرِّبْحُ يَدْخُلُ ضِمْنًا، وَحَقُّ الْمُضَارِبِ أَصْلِيٌّ.
(وَ) يَصِحُّ أَنْ (يَتَصَرَّفَ الْمَعْزُولُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْمَالِ فَقَطْ. فَإِنْ تَصَرَّفَ بِأَكْثَرَ؛ ضَمِنَ الزَّائِدَ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَازِلِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ لِعَدَمِ رُجُوعِ الْمَعْزُولِ عَنْ إذْنِهِ.
(وَلَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا: (فَسَخْت الشَّرِكَةَ؛ انْعَزَلَا، فَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَعَزْلَ صَاحِبِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا