الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كُلُّهُ (لِصَائِدٍ، وَلِرَبِّهَا) - أَيْ الشَّبَكَةِ - (أَجْرُ مِثْلِهَا) عَلَى الصَّائِدِ
(وَيَصِحُّ دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ) أَوْ دَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ، قَالَهُ فِي " الْفَائِقِ "(أَوْ قِنٍّ) أَوْ أَمَةٍ (لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً) ، كَسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ؛ أَيْ: مِنْ الْمَدْفُوعِ، (وَالنَّمَاءُ) الْحَاصِلُ مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا (مِلْكٌ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ.
وَ (لَا) يَجُوزُ دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً، وَلَوْ مَعْلُومَةً، (بِجُزْءٍ مِنْ نَمَاءٍ كَدَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَعَسَلٍ وَزَبَادٍ) وَمِسْكٍ؛ لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ، (وَلِعَامِلٍ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَعَنْهُ) - أَيْ الْإِمَامِ - (بَلَى) ؛ أَيْ: لَهُ دَفْعُ دَابَّتِهِ أَوْ نَحْلِهِ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
[فَصْلٌ الثَّالِث شَرِكَة الْوُجُوه]
فَصْلٌ وَالضَّرْبُ (الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَهِيَ) : أَنْ (يَشْتَرِكَا) بِلَا مَالٍ، (فِي رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ فِي ذِمَمِهِمَا بِجَاهِهِمَا) ؛ أَيْ: وُجُوهِهِمَا، وَثِقَةِ التُّجَّارِ بِهِمَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَامَلَانِ فِيهَا بِوَجْهِهِمَا، وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَجِيهٌ، إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ. وَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى مَصْلَحَةٍ غَيْرِ مُضِرَّةٍ، وَلِأَنَّ مَعْنَاهَا وَكَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْكَفَالَةِ بِالثَّمَنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ (عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ) ؛ كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ رِبْحُ مَا يَشْتَرِيَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَاعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّتِهَا (ذِكْرُ جِنْسِ) مَا يَشْتَرِيَانِهِ، (وَلَا) ذِكْرُ (قَدْرٍ، وَلَا) ذِكْرُ (وَقْتٍ) ؛ أَيْ: مُدَّةِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ أَمَّا الْوَكَالَةُ الدَّاخِلَةُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ، بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَشَرِكَةِ الْعَنَانِ، فَإِنَّ فِي ضِمْنِهَا تَوْكِيلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا. (فَلَوْ قَالَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِصَاحِبِهِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا) ، وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: كَذَلِكَ؛
(صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، عَلَى مَا شَرَطَا كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ وَغَيْرِهَا. (وَكُلٌّ) مِنْهُمَا (وَكِيلُ الْآخَرِ) فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، (وَكَفِيلُهُ بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ.
(وَرَأْسُ مَالٍ) كَمَا شَرَطَا، وَكَذَا مِلْكٌ فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ بِجَاهِهِمَا بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا عِنْدَ الْعَقْدِ، لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ، فَتَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَعَ الْإِذْنُ وَالْقَبُولُ فِيهِ.
(وَرِبْحٌ كَمَا شَرَطَا) مِنْ تَسَاوٍ وَتَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْآخَرِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةٍ أَوْ ثِقَةٍ، وَزِيَادَةِ إبْصَارِهِ بِالتِّجَارَةِ، وَلِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَمَلٍ وَغَيْرِهِ، فَكَانَ رِبْحُهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ.
(وَالْوَضِيعَةُ) ؛ أَيْ: الْخُسْرَانُ بِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ، (عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ) فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ، فَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الْوَضِيعَةِ، وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ عَلَيْهِ ثُلُثُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ نَقْصُ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمُلَّاكِهِ، فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ. (وَتَصَرُّفُهُمَا) ؛ أَيْ: شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ وَيَجِبُ، وَشُرُوطٌ وَإِقْرَارٌ وَخُصُومَةٌ، كَتَصَرُّفِ (شَرِيكَيْ عَنَانٍ) ، عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.
وَالضَّرْبُ (الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ) ؛ أَيْ: شَرِكَةٌ بِالْأَبْدَانِ، فَحُذِفَتْ الْبَاءُ ثُمَّ أُضِيفَتْ؛ لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَبْدَانَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْمَكَاسِبِ. (وَهِيَ) ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا (أَنْ يَشْتَرِكَا) ؛ أَيْ: اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (فِيمَا يَتَمَلَّكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مُبَاحٍ، كَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَتَلَصُّصٍ عَلَى دَارِ حَرْبٍ وَسَلَبِ) مَنْ يَقْتُلَانِهِ بِدَارِ حَرْبٍ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ
يَشْتَرِكَ الْقَوْمُ بِأَبْدَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مَالٌ؛ مِثْلُ الصَّيَّادِينَ وَالْبَقَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ.
«وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ» وَفَسَّرَ أَحْمَدُ صِفَةَ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يُصِيبَانِ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْغَانِمِينَ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَغَانِمُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْف يَصِحُّ اخْتِصَاصُ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِالشَّرِكَةِ فِيهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَغَنَائِمُهَا كَانَتْ لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ كَالْمَالِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (فَسْخُهَا) ؛ أَيْ: شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، مَتَى شَاءَ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَظْهَرْ فَضْلُهُ) - أَيْ كَسْبُهُ - زِيَادَةً (عَلَى صَاحِبِهِ) . فَإِنْ ظَهَرَ فَضْلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ فَلَا فَسْخَ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِمَنْ لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِكَا (فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ كَنَسْجٍ) وَحِدَادَةٍ (وَقِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ) وَنَحْوِهَا. (وَصَحَّ) قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ: (أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ) ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا، لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ. وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُضَارِبِ. (وَيُطَالَبَانِ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ عَمَلٍ، وَيَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا.
(وَيَتَّجِهُ بَعْدَ تَقَبُّلِ أَحَدِهِمَا) عَمَلًا مُبَاحًا، أَوْ اسْتِئْجَارًا عَلَيْهِ، [ (لَا فَسْخَ) لِلشَّرِيكِ (الْآخَرِ) ؛ لِإِذْنِهِ فِيهِ؛ كَشِرَاءِ شَرِيكِ الْعَنَانِ مَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ] . (وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الضَّمَانِ، فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ. (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (طَلَبُ أُجْرَةٍ) لِعَمَلٍ تَقَبَّلَهُ هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَبْرَأُ مِنْهَا الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْوَكِيلِ عَنْ الْآخَرِ. (وَتَلَفُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا) مِنْ ضَمَانِهِمَا تَضْيِيعٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ، وَمَا يَتْلَفُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأُجْرَةِ بِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا أَوْ تَفْرِيطِهِ أَوْ تَحْتَ يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ؛ كَمَنْعٍ أَوْ جُحُودٍ؛ فَالتَّلَفُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِانْفِرَادِهِ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ.
(وَإِقْرَارُهُ) ؛ أَيْ: إقْرَارُ أَحَدِهِمَا (بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْأَعْيَانِ يُقْبَلُ (عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ وَلَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ) لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ إنْ كَانَ (غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالشَّرِكَةِ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِدَانَةِ لِلشَّرِكَةِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَدَانَ لَهَا؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ أَصَالَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَوَكَالَةٌ عَنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ تَضَمَّنَ الْإِقْرَارَ بِمُتَعَلِّقَاتِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ،
(وَالْحَاصِلُ) مِنْ مُبَاحٍ تَمَلَّكَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلٍ تَقَبَّلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ (كَمَا شُرِطَ) عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، وَيَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْعَمَلِ؛ فَجَازَ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِهِ. (وَمُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي شَرِكَةٍ) بِأَنْوَاعِهَا، (وَفِي جِعَالَةٍ وَفِي إجَارَةٍ؛ التَّسَاوِي فِي عَمَلٍ وَأَجْرٍ) ؛ إذْ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَضْلَ عَلَى الْآخَرِ، (وَلِزَائِدِ عَمَلٍ) حَيْثُ (لَمْ يَتَبَرَّعْ بِزِيَادَةِ عَمَلِهِ طَلَبُهُ) - أَيْ شَرِيكِهِ - بِالزِّيَادَةِ؛ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّتِهَا (اتِّفَاقُ صَنْعَةِ) الشَّرِيكَيْنِ، فَلَوْ اشْتَرَكَ حَدَّادٌ وَنَجَّارٌ، أَوْ خَيَّاطٌ وَقَصَّارٌ، فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ؛ صَحَّ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ، وَلِأَنَّ الصَّنَائِعَ الْمُتَّفِقَةَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَحْذَقَ فِيهَا مِنْ الْآخَرِ، فَرُبَّمَا يَتَقَبَّلُ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ الْآخَرَ عَمَلُهُ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّنَاعَاتُ.
(وَلَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الشَّرِكَةِ (مَعْرِفَتُهَا) - أَيْ الصِّفَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَوْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ لَا يُحْسِنَانِ الْخِيَاطَةَ فِي تَقَبُّلِهَا، وَأَنْ يَدْفَعَا مَا تَقَبَّلَاهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ يُحْسِنُهَا، بِمَا يُوَافِقَانِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَمَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا؛ صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ (فَيَلْزَمُ غَيْرَ عَارِفٍ إقَامَةُ عَارِفٍ) لِلصَّنْعَةِ (مَقَامَهُ) فِي الْعَمَلِ، لِيَعْمَلَ مَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
(وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا) - أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ - فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا (أَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ) مَعَ شَرِيكِهِ (لِعُذْرٍ أَوْ لَا) لِعُذْرٍ؛ بِأَنْ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا، (فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَاهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي عَمَلِ الْأَبْدَانِ، فَيَأْتِي أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ وَلَا يَأْتِي الْآخَرُ بِشَيْءٍ قَالَ: نَعَمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يَعْنِي حَيْثُ اشْتَرَكُوا، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَأَخْفَقَ الْآخَرَانِ، وَلِأَنَّ
الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا، وَبِضَمَانِهِمَا لَهُ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ، فَتَكُونُ لَهُمَا، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا عَوْنًا لِصَاحِبِهِ فِي حِصَّتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُقَصِّرَ ثَوْبًا فَاسْتَعَانَ بِآخَرَ.
(وَيَلْزَمُ مِنْ عُذْرٍ) بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ مَعَ شَرِيكِهِ (بِطَلَبِ شَرِيكِهِ) الصَّحِيحِ، (أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ) مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، فَإِنْ طَلَبَ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ؛ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، تَوْفِيَةً لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ.
(وَيَصِحُّ) أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ (يُحَمِّلَا دَابَّةً لَهُمَا مَا يَتَقَبَّلَانِهِ) ، مِنْ حَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ (فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَالْأُجْرَةُ) بَيْنَهُمَا (كَمَا شَرَطَا) ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَاهُ عَلَى أَيِّ ظَهْرٍ كَانَ، وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ، كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يَشْتَرِكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، أَوْ فِي أُجْرَةِ أَنْفُسِهِمَا إجَارَةٌ خَاصَّةً) ؛ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْجِرُ: اسْتَأْجَرْتُ هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، أَوْ اسْتَأْجَرْتُكُمَا لِحَمْلِ هَذَا الْمَتَاعِ إلَى مَحِلِّ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَمْلِ فِي ذِمَّتَيْهِمَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ مَنْفَعَةَ الْمُؤَجَّرَ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَأْجُورِ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ إنْسَانٍ، فَلَمْ يَتَأَتَّ ضَمَانٌ؛ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ، (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أُجْرَةُ دَابَّتِهِ فِيمَا) إذَا أَجَّرَ عَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ، (وَ) أُجْرَةُ (نَفْسِهِ) فِيمَا إذَا أَجَّرَا نَفْسَهُمَا؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ أَعَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي التَّحْمِيلِ؛ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.
(وَتَصِحُّ شَرِكَةُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قِصَارَةٍ، وَلِآخَرَ بَيْتٌ، شَرِكَةَ) أَبْدَانٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّهُمَا (يَعْمَلَانِ) ؛ أَيْ: يُقَصِّرَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِ عَمَلَهُ عَلَى عَمَلِهِمَا، وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ
فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ، فَصَارَا كَالدَّابَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَحْمِلَانِ عَلَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِ حَمْلَهُ فِي ذِمَّتَيْهِمَا. فَإِنْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ لِنَحْوِ جَهَالَةٍ؛ قُسِّمَ رِبْحُ الْحَاصِلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا، أَوْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَدْ أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ، يَلْزَمُ تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِمَا بِالْمُحَاصَّةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِأَجْرٍ وَاحِدٍ.
وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا بَيْتٌ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِالْآلَةِ أَوْ فِي الْبَيْتِ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا صَحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ (ثَلَاثَةٌ، لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَاوِيَةٌ، وَثَالِثٌ يَعْمَلُ) بِالرَّاوِيَةِ عَلَى الدَّابَّةِ، عَلَى أَنْ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ. (أَوْ أَرْبَعَةٌ، لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَحًى، وَلِثَالِثٍ دُكَّانٌ، وَرَابِعٌ يَعْمَلُ) الطَّحْنَ بِالدَّابَّةِ وَالرَّحَى فِي الدُّكَّانِ، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشَارَكَةً وَلَا مُضَارَبَةً؛ لِكَوْنِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا عُرُوضًا، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهِمَا عَوْدَ رَأْسِ الْمَالِ تَسْلِيمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسْتَوْفَى رَأْسُ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً؛ لِافْتِقَارِهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ. (وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا تَقَبَّلَهُ) مِنْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْمَاءِ وَالطَّحْنِ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْعَامِلِ - (أُجْرَةُ آلَةِ رُفْقَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ، فَكَانَ لَهُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَقِيَاسُ نَصِّهِ) - أَيْ: الْإِمَامِ - فِي دَابَّةٍ يَدْفَعُهَا شَخْصٌ إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا؛ (صِحَّتُهَا) ؛ أَيْ: مَسْأَلَةِ اشْتَرَاكِ الثَّلَاثَةِ، وَمِثْلُهَا اشْتِرَاكُ الْأَرْبَعَةِ، (وَاخْتَارَهُ) ؛ أَيْ: الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، (جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، (وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ")، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالرِّعَايَةِ " قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ.
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَا ذُكِرَ)، مِنْ الدَّابَّةِ وَالرَّحَى وَالدُّكَّانِ وَالْعَامِلِ (لِلطَّحْنِ) ؛ أَيْ: لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَأَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، (صَفْقَةً)