الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَجْنَبِيُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ - وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ - لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ.
(وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ) الْمُدَّعِيَ (لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ الطَّلَبُ لَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ - وَقَدْ (أَنْكَرَ) الْأَجْنَبِيُّ (الدَّعْوَى -) ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ، (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: وَلَمْ يُنْكِرْ الْأَجْنَبِيُّ (وَالْمُدَّعَى بِهِ دَيْنٌ) ؛ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، (أَوْ) الْمُدَّعَى بِهِ (عَيْنٌ) ، وَأَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ بِهَا، (وَعَلِمَ) الْأَجْنَبِيُّ (عَجْزَهُ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا) مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ؛ (لِأَنَّهُ) فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ (بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَ) فِي الْعَيْنِ بَيْعُ (مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ) ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، بَعْضُهَا فِي الْبَيْعِ، وَبَعْضُهَا فِي السَّلَمِ، بَلْ مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ تَكَرَّرَتْ فِيهِمَا، (وَإِنْ ظَنَّ) الْأَجْنَبِيُّ (الْقُدْرَةَ) عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ مِلْكَهُ الْقَادِرِ عَلَى أَخْذِهِ فِي اعْتِقَادِهِ، (أَوْ) ظَنَّ (عَدَمَهَا) ؛ أَيْ؛ الْقُدْرَةِ، (ثُمَّ تَبَيَّنَتْ) قُدْرَتُهُ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ ظَنُّ عَدَمِهِ، (ثُمَّ إنْ عَجَزَ الْأَجْنَبِيُّ) بَعْدَ الصُّلْحِ ظَانًّا الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ (خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخِ) الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ (وَ) بَيْنَ (إمْضَاءِ) الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِك عَنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَك بِهَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يَجْحَدُك فِي الظَّاهِرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ.
[فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ]
(فَصْلٌ:) فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَصِحُّ)(صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ وَمَعَ إنْكَارٍ عَنْ قَوْلٍ فِي نَفْسٍ وَعُضْوٍ وَعَنْ سُكْنَى) دَارٍ وَنَحْوِهَا (وَ) عَنْ (عَيْبٍ) فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ.
قَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَيَصِحُّ عَنْ قَوْلِ (بِفَرْقِ دِيَةٍ) ، وَلَوْ بَلَغَ دِيَاتٍ، أَوْ قِيلَ: الْوَاجِبُ
إحْدَى شَيْئَيْنِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَمْ يَقَعْ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ.
وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا تَقَدَّمَ (مَهْرًا) فِي نِكَاحٍ مِنْ عِوَضٍ أَوْ نَقْدٍ، قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (بِمَا يَثْبُتُ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ.
وَ (لَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ) فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ) عَنْ (شُفْعَةٍ أَوْ) عَنْ (حَدِّ قَذْفٍ) وَلِأَنَّهَا لَمَا تَشْرَعُ لِاسْتِفَادَةِ مَالٍ، بَلْ الْخِيَارُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحُظِّ، وَالشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلزَّجْرِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، (وَتَسْقُطُ جَمِيعًا) أَيْ: الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ وَحَدُّ الْقَذْفِ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهَا.
(وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ (سَارِقًا أَوْ شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ) وَلَا يَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ، (أَوْ يُصَالِحَ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ) ؛ لِتَحْرِيمِ كِتْمَانِهَا، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، (أَوْ) يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ (لَا يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (بِزُورٍ) ، فَهُوَ حَرَامٌ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، أَوْ يَغْصِبَهُ مَالَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ يَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا كَزِنًا وَسَرِقَةٍ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فِي الْكَدِّ.
(وَمَنْ صَالَحَ) آخَرَ (عَنْ نَحْوِ دَارٍ) ؛ كَكِتَابٍ أَوْ حَيَوَانٍ (بِعِوَضٍ مُعَيَّنٍ، فَبَانَ) الْعِوَضُ (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِ الْمُصَالِحِ، أَوْ بَانَ الْقِنُّ حُرًّا؛ (رَجَعَ بِالدَّارِ) الْمُصَالَحِ عَنْهَا إنْ بَقِيَتْ، (أَوْ) رَجَعَ (بِقِيمَتِهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ كَانَتْ (تَالِفَةً) إنْ كَانَ الصُّلْحُ (مَعَ إقْرَارِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً - وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ لِفَسَادِ عِوَضِهِ - فَرَجَعَ فِيمَا كَانَ لَهُ، (وَ) رَجَعَ بِالدَّعْوَى؛ أَيْ: إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الصُّلْحِ (مَعَ إنْكَارٍ) ، لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ، (وَ) رَجَعَ الْمُصَالِحُ (عَنْ قَوْدٍ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا بِعِوَضٍ بَانَ مُسْتَحَقًّا (بِقِيمَةِ عِوَضٍ) مُصَالَحٍ بِهِ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِقِنٍّ، فَخَرَجَ حُرًّا.
(وَإِنْ عَلِمَا) ؛ أَيْ: عَلِمَ الْمُتَصَالِحَانِ الْعِوَضَ [مُسْتَحَقًّا] أَوْ حُرًّا حَالَ الصُّلْحِ، (فَبِالدِّيَةِ) يَرْجِعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ لِحُصُولِ الرِّضَى عَلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، فَيَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ، فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَإِنْ صَالَحَ فِي الْقَوْدِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مُطْلَقًا؛ صَحَّ وَلَهُ الْوَسَطُ.
(وَحَرُمَ أَنْ يُجْرِيَ) شَخْصٌ (فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ فِي سَطْحِهِ) ؛ أَيْ: الْغَيْرِ (مَاءً) - وَلَوْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ - (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ السَّطْحِ؛ لِتَضَرُّرِهِ أَوْ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ، وَكَزَارِعِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا اسْتِعْمَالٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ) رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّطْحِ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِالْإِجْرَاءِ، وَلَمْ تَتَضَرَّرْ الْأَرْضُ أَوْ السَّطْحُ، (وَاضْطُرَّ الْمُجْرِي) إلَى الْإِجْرَاءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ (جَازَ) ؛ كَوَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، كَمَا يَأْتِي. .
قَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفَائِقِ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ لَمْ يُضَرَّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ.
(وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَلَى ذَلِكَ) ؛ أَيْ: إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ سَطْحِهِ (بِعِوَضٍ) مَعْلُومٍ، فَإِنْ صَالَحَهُ (مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ) ؛ أَيْ: رَبِّ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، بِأَنْ تَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ، وَمِلْكِهِ فِيهِ، وَمَلَكَهُ بِحَالِهِ؛ فَهُوَ (إجَارَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، (وَإِلَّا) ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَحَلِّ بَاقٍ لَهُ؛ فَهُوَ (بَيْعٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ، (وَيُعْتَبَرُ)
لِصِحَّةِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ إجَارَةً (عِلْمُ قَدْرِ الْمَاءِ) الَّذِي يُجْرِيهِ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ (بِسَاقِيَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمَاءِ (الَّتِي يَجْرِي فِيهَا) ، وَهِيَ الْأُنْبُوبَةُ، لَا الْقَنَاةُ - وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ - لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِلْئِهَا (وَعِلْمُ) قَدْرِ (مَاءِ مَطَرٍ بِرُؤْيَةِ مَا) ؛ أَيْ: مَحَلٍّ (يَزُولُ عَنْهُ) مِنْ سَطْحٍ أَوْ أَرْضٍ (أَوْ مِسَاحَتِهِ) ؛ أَيْ: ذِكْرُ قَدْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُهُ، (وَتَقْدِيرِ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ) مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَ (لَا) يُعْتَبَرُ عِلْمُ قَدْرِ (عُمْقِهِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) ؛ أَيْ: فَلَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا عِلْمُ قَدْرِ الْعُمْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ عَيْنَ الْأَرْضِ أَوْ نَفْعَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْزِلَ فِيهَا مَا شَاءَ، (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ إجَارَةً اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْعُمْقِ.
(وَلَا) يُعْتَبَرُ أَيْضًا عِلْمُ قَدْرِ (مُدَّتِهِ لِلْحَاجَةِ كَنِكَاحٍ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَا قَدْرَ مُدَّتِهِ لِلْحَاجَةِ كَالنِّكَاحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُنْتَهَى "، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ.
وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَيْسَ بِأُجْرَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ، بَلْ هُوَ بِالْبَيْعِ.
(وَلِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ عَلَى سَاقِيَةٍ؛ أَيْ: قَنَاةٍ مَحْفُورَةٍ) فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيُجْرِيَ الْغَيْرُ مَاءَهُ فِيهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى رَسْمٍ قَدِيمٍ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا (بِقَدْرِ مُدَّةِ [الْإِجَارَةِ] ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّاقِيَّةُ مَحْفُورَةً؛ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهَا فِيهَا.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (كَوْنُ عِوَضٍ) مُصَالَحٍ بِهِ عَلَى السَّاقِيَةِ الْمُؤَجَّرَةِ (لِمُسْتَأْجِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهَا وَانْتِفَاعَهَا، وَأَمَّا الْعِوَضُ الَّذِي صَالَحَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ؛ فَهُوَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَجَرَهَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ
لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَوْ يُعِيرَ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَيَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ (عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَى سَطْحٍ أَوْ) عَلَى (أَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ - وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ - وَالْأَرْضُ يُجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا رَسْمًا؛ فَرُبَّمَا ادَّعَى رَبُّ الْمَاءِ الْمِلْكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ (وَ) أَرْضٌ (مَوْقُوفَةٌ - وَلَوْ عَلَيْهِ - كَمُؤَجَّرَةٍ) فِي الصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ، لَا عَلَى إحْدَاثِ سَاقِيَةٍ أَوْ إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَيْهَا.
قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (وَ) قَالَ (فِي " الْمُغْنِي ": الْأَوْلَى الْجَوَازُ) ؛ أَيْ: يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَفْرُ السَّاقِيَةِ؛ (لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ) ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَفِي مَوْقُوفِهِ الْخِلَافُ أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ صَاحِبِ " الْمُغْنِي " لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لَمْ يُفْدَ،
وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ
، بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ، وَأَنَّ إذْنَهُ، يُعْتَبَرُ لِرَفْعِ الْخِلَافِ.
وَجَعَلَ ابْنُ عَقِيلٍ إذْنَ الْحَاكِمِ فِيهِ
لِمَصْلَحَةِ الْمَأْذُونِ
الْمُمْتَازِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ، فَلِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَهُوَ مَعْنَى نَصِّهِ فِي تَجْدِيدِهِ لِمَصْلَحَةٍ كالحكورة، وَعَمِلَهُ حُكَّامُ الشَّامِ حَتَّى صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَقَدْ زَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيَّرَا بِنَاءَهُ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَزَادَ فِيهِ أَبْوَابًا، ثُمَّ الْمَهْدِيُّ، ثُمَّ الْمَأْمُونُ قُلْتُ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ كَمُؤَجَّرَةٍ شَامِلٌ لِلْمَوْقُوفَةِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِلنَّاظِرِ فِعْلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَقْيِ أَرْضِهِ) ؛ أَيْ: زَيْدٍ مَثَلًا (مِنْ نَهْرِهِ) ؛ أَيْ: عَمْرٍو (أَوْ) مِنْ (عَيْنِهِ) أَوْ بِئْرِهِ الْمُعَيَّنِ (مُدَّةً - وَلَوْ) كَانَتْ مُدَّةُ السَّقْيِ (مُعَيَّنَةً - لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ بِعِوَضٍ؛ (لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَاءَ) ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْعَيْنِ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ (كَثُلُثٍ) وَرُبْعٍ وَخُمُسٍ؛ (جَازَ) الصُّلْحُ، (وَكَانَ) ذَلِكَ (بَيْعًا لِ) الْجُزْءِ الْمُسَمَّى مِنْ (الْقَرَارِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْقَرَارِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ.
(وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ صَالَحَهُ عَلَى سَاقِيَةٍ (بِأَرْضٍ) مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ) أَرْضِ (مِصْرَ) كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (إنْ كَانَتْ) السَّاقِيَةُ (مَبْنِيَّةً، فَكَذَلِكَ) يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْبِنَاءِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ، (وَإِلَّا) تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَبْنِيَّةً؛ (فَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَمَرٍّ فِي دَارٍ) وَنَحْوِهَا (وَ) شِرَاءُ (مَوْضِعٍ بِحَائِطٍ يُفْتَحُ بَابًا) وَنَحْوَهُ.
(وَيَتَّجِهُ وَأَحْجَارُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْقَضُ مِنْهُ (لِبَائِعٍ) ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُشْتَرِي الْمَحَلُّ الَّذِي يَفْتَحُهُ، لَا الْأَحْجَارُ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
. (وَ) يَصِحُّ (شِرَاءُ بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَجَازَ بَيْعُهَا؛ كَالْأَعْيَانِ.
(وَ) يَصِحُّ شِرَاءُ (عُلْوِ بَيْتٍ) مَمْلُوكٍ - (وَلَوْ لَمْ يُبْنَ) الْبَيْتُ الَّذِي اشْتَرَى عُلْوَهُ - (إذَا وَصَفَ) الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ لِيَكُونَا مَعْلُومَيْنِ؛ (لِيَبْنِيَ) الْمُشْتَرِي (أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْعُلْوِ (بُنْيَانًا أَوْ خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ) ، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقَرَارِ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى الْعِوَضِ، (وَمَعَ زَوَالِهِمَا) ؛