الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ يُتْلِفْهَا بِفِعْلِهِ؛ أَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا؛ أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ) ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ (مَا ضَاعَ بِحِرْزِهِ) - أَيْ مِنْ حِرْزِهِ - بِنَحْوِ سَرِقَةٍ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) أَيْ: لِلْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ - (فِيمَا عَمَلَ فِيهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، (وَلَوْ) كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ (بِبَيْتِ رَبِّهِ) ، خِلَافًا " لِلْحَاوِي " إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَعْمُولِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ؛ كَمَكِيلٍ بِيعَ، وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِبَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، (وَتَلِفَ) الْمَعْمُولُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْعَمَلِ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ بَيْتُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ مَا عَلَيْهِ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ:" لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمَلَهُ، سَوَاءٌ عَمَلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بَيْتِهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
[تَنْبِيهٌ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ]
: قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَكُلُّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوقِعَهُ وَهِيَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ؛ كَالصَّبَّاغِ يَصْبُغُ فِي حَانُوتِهِ، وَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانِهِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُسَلِّمَهُ
مَفْرُوغًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ، مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْعَاقِدِ كَالْمَبِيعِ مِنْ الطَّعَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُوقِعُ الْعَمَلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ مِثْلَ أَنْ يُحْضِرَهُ إلَى دَارِهِ لِيَخِيطَ فِيهَا، أَوْ يَصْبُغَ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَصِيرُ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ حَالًّا فَحَالًّا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَبْنِي لَهُ حَائِطًا فِي دَارِهِ، أَوْ يَحْفِرَ بِهَا بِئْرًا بَرِيءَ مِنْ الْعَمَلِ، وَاسْتَحَقَّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ الْحَائِطِ؛ لَمْ يَبْرَأْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَلَوْ انْهَارَتْ عَقِيبَ الْحَفْرِ، أَوْ الْحَائِطُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْعَمَلِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَعْمَلَ أَلْفَ لَبِنَةٍ فِي كَذَا وَكَذَا فَعَمَلَ، ثُمَّ سَقَطَ؛ فَلَهُ الْكِرَاءُ.
وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ تَلِفَ مَا عَمَلَهُ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: إذَا اسْتَأْجَرَ يَوْمًا، فَعَمَلَ وَسَقَطَ عِنْدَ اللَّيْلِ مَا عَمَلَهُ، فَلَهُ الْكِرَاءُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَعَمَلُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ. بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعَ، فَبَنَى بَعْضَهُ، فَسَقَطَ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتِمَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَشْرُوطٌ بِإِتْمَامِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قِيلَ لَهُ: ارْفَعْ حَائِطًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَإِنْ سَقَطَ؛ فَعَلَيْهِ التَّمَامُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عُمْقُهَا عَشْرَةُ أَذْرُعَ، فَحَفَرَ مِنْهَا خَمْسَةً، وَانْهَارَ فِيهَا تُرَابٌ مِنْ جَوَانِبِهَا؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتَمِّمَ حَفْرَهَا. انْتَهَى.
(وَلَا يَضْمَنُ) أَجِيرٌ (مُشْتَرَكٌ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ عَمَلَهُ بِبَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَجِيرٌ أَوْ مُتَبَرِّعٌ؛ فَقَوْلُ أَجِيرٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ. (وَلِأَجِيرٍ حَبْسُ مَعْمُولٍ) ؛ كَثَوْبٍ صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ (عَلَى أُجْرَتِهِ؛ إنْ حَكَمَ بِفَلَسِ رَبِّهِ) ، وَكَوْنُ الْأَجِيرِ يَمْلِكُ حَبْسَ مَا صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ؛
لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لِلْمُفْلِسِ؛ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ الَّذِي هُوَ عِوَضُهَا مَوْجُودٌ فِي عَيْنِ الثَّوْبِ، فَمَلَكَ حَبْسَهُ مَعَ ظُهُورِ عُسْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّتَهُ أَوْ نَحْوَهَا لِإِنْسَانٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ عُسْرُ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لَهُ؛ فَإِنَّ لِلْمُؤَجِّرِ حَبْسَهَا عَنْهُ، وَفَسْخَ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ؛ أَخَذَ الزِّيَادَةَ، وَحَاصَصَ الْغُرَمَاءَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ حَبْسُ الْمَعْمُولِ (بِمُجَرَّدِ إعْسَارِ) الْمَالِكِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِعْسَارِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْأَجِيرُ (يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ) بِحُدُوثِ زِيَادَةٍ فِي ثَمَنِ الْمَعْمُولِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ (وَلَا يَخْتَصُّ) الْأَجِيرُ (بِهِ) ؛ أَيْ: الزَّائِدُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، (إلَّا إنْ زَادَ) ثَمَنُهُ (بِعَمَلِهِ) فَيَخْتَصُّ بِالزَّائِدِ حَيْثُ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ أُجْرَتِهِ؛ (كَمُضَارِبٍ) يَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ رِبْحٍ ظَهَرَ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ رَبُّ الْمَالِ، وَلَا يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءُ فِي نَصِيبِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِلَّا) يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِفَلَسِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ (فَلَا) يَمْلِكُ الْأَجِيرُ حَبْسَ الْمَعْمُولِ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ، وَلَا أَذِنَهُ فِي إمْسَاكِهِ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِهِ قَبْلَ أَخْذِ أُجْرَتِهِ، وَمَتَى فَعَلَ، فَتَلِفَ؛ (ضَمِنَ) هـ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ) الْأَجِيرُ بَعْدَ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ حَمْلِهِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ، (وَخُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ) - أَيْ: الْأَجِيرُ - (إيَّاهُ) أَيْ الْمَعْمُولُ أَوْ الْمَحْمُولُ (غَيْرُ مَعْمُولٍ) - أَيْ: مِخْيَطٌ وَنَحْوُهُ - (أَوْ) غَيْرُ (مَحْمُولٍ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِيهِ لِيَحْمِلَهُ مِنْهُ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ أَوْ تَضَمَّنَهُ الْمَعْمُولُ أَوْ الْمَحْمُولُ التَّالِفُ تَعَدِّيًا بِقِيمَتِهِ
(مَعْمُولًا) - أَيْ: مَصْبُوغًا وَنَحْوُهُ - (وَمَحْمُولًا) إلَى مَكَان تَلِفَ فِيهِ، (وَلَهُ الْأَجْرُ) - أَيْ: أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَحَمْلِهِ -، لِأَنَّ تَضْمِينَهُ إيَّاهُ كَذَلِكَ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَصْحِبٌ عَلَيْهِ إلَى حِينِ الْمُطَالَبَةِ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ عَمَلِهِ وَحِينَ تَلَفِهِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) أَجِيرٌ (مُشْتَرَكٌ) أَجِيرًا (خَاصًّا) ؛ كَخِيَاطَةٍ أَوْ صَبَّاغٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا فَأَكْثَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا؛ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ (حُكْمُ نَفْسِهِ) ، فَإِذَا تَقَبَّلَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ فَخَرَقَهُ، أَوْ أَفْسَدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ، وَيَضْمَنُهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ.
(وَإِنْ تَقَبَّلَ) الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، (وَلَمْ يَعْمَلْ، بَلْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ؛ فَلَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرَكُ - (الْأُجْرَةُ) الْمُسَمَّاةُ فِي الْعَقْدِ؛ (لِضَمَانِهِ) - أَيْ: الْتِزَامِهِ الْعَمَلَ - (لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ) ، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، وَسَوَاءٌ عَمَلَ فِيهِ شَيْئًا، أَوْ لَا.
(وَ) إنْ قَالَ الْأَجِيرُ: (أَذِنْت لِي فِي تَفْصِيلِهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ - (قَبَاءً، وَقَالَ) الْمُسْتَأْجَرُ: (بَلْ) أَذِنْت لَك بِتَفْصِيلِهِ (قَمِيصًا) ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ خَيَّاطٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ "" وَالْمُذَهَّبِ "" وَالْخُلَاصَةِ "" وَالْمُحَرَّرِ "" وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ، (وَلَوْ كَانَ مِثْلُ رَبِّهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ - (لَا يَلْبِسُ الْقَبَاءَ) ، خِلَافًا لِابْنِ أَبِي مُوسَى، وَإِنَّمَا قَبْلَ قَوْلِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْذُونِ؛ كَالْمَضَارِبِ إذَا قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مِلْكِ الْخَيَّاطِ الْقَطْعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا مَلَكَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي
لُزُومِ الْغُرْمِ لَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَيَحْلِفُ الْخَيَّاطُ: لَقَدْ أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ كَذَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، (وَ) يَكُونُ (لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِعِوَضِهِ، (وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ مُسَمًّى بِدَعْوَاهُ) ؛ فَلَا يَجِبُ بِيَمِينِهِ، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ صَبَّاغٌ: (أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ كَذَا) - أَيْ: أَسْوَدَ - (فَقَالَ رَبُّهُ) - أَيْ: الثَّوْبِ: بَلْ أَمَرْتُك بِصَبْغِهِ - (كَذَا) - أَيْ: أَحْمَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
(وَ) لَوْ قَالَ رَبُّ ثَوْبٍ لِخَيَّاطٍ: (إنْ كَانَ) الثَّوْبُ (يَكْفِينِي) قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً، فَاقْطَعْهُ، وَ (فَصِّلْهُ، فَقَالَ) الْخَيَّاطُ: (يَكْفِيك، فَفَصَّلَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ ضَمِنَ أَرْشَ تَقْطِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَطْعِهِ بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ، فَقَطَعَهُ بِدُونِ شَرْطِهِ؛ (كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْهُ قَبَاءً، فَقَطَعَهُ قَمِيصًا) ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ أَرْشَ نَقْصِهِ لِمُخَالَفَتِهِ، (لَا إنْ قَالَ: اُنْظُرْ هَلْ يَكْفِينِي) قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً؟ (قَالَ: يَكْفِيك، فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْهُ) ، فَقَطَعَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَ) لَوْ قَالَ: (اقْطَعْهُ) - أَيْ: الثَّوْبَ - (قَمِيصًا لِرَجُلٍ، فَقَطَعَهُ ثَوْبَ امْرَأَةٍ؛ غَرِمَ) الْخَيَّاطُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا) ، لِأَنَّ هَذَا قَطْعٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَلِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ قَمِيصٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، فَإِذَا قَطَعَ قَمِيصًا غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا الْمَأْذُونَ فِيهِ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِابْتِدَاءِ الْقَطْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَطْعِ أَجْرًا.
(وَ) إنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا، وَقَالَ:(انْسِجْهُ لِي عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، فَنَسَجَهُ زَائِدًا عَلَى مَا قَدَّرَ لَهُ) فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، (فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) - أَيْ: الْحَائِكِ - (لِزَائِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، (وَيَضْمَنُ) حَائِكٌ (نَقْصَ غَزْلِ نَسْجٍ) فِي الزِّيَادَةِ؛ لِتَعَدِّيهِ.
تَتِمَّةٌ: فَأَمَّا مَا عَدَا الزَّائِدَ، فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الطُّولِ