الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَيُوفِي حَاكِمٌ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ إنْ وُجِدَ) لَهُ مَالٌ، (وَإِلَّا بَاعَ الْمَبِيعَ، وَوَفَّى ثَمَنَهُ مِنْهُ) ، وَحَفِظَ الْبَاقِيَ إنْ كَانَ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةَ مَالِ الْغَائِبِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ. وَإِنْ لَمْ يُوفِ الْمَبِيعُ بِالثَّمَنِ، فَيَتْبَعُ بَائِعٌ مُشْتَرِيًا بِمَا بَقِيَ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ هَرَبِهِ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَا الْبَائِعَانِ فِي صِفَةِ الثَّمَن]
(فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا)، أَيْ: الْبَائِعَانِ (فِي صِفَةِ ثَمَنٍ) اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْبَيْعِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (جِنْسِهِ) ، كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَقَدَ بِذَهَبٍ، وَالْآخَرُ بِفِضَّةٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِنَقْدٍ وَالْآخَرُ بِعَرَضٍ، أَيْ: فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَاخْتِلَافٍ فِي الصِّفَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَجِيهٍ، إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ عَيْنِهِ. وَتَقَدَّمَ، (أُخِذَ بِيَمِينِ مُدَّعِي نَقْدِ الْبَلَدِ) إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا إلَّا نَقْدٌ وَاحِدٌ وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا، فَيَقْضِي لَهُ بِهِ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ بِهِ، فَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ النَّقْدَ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً، فَرَخُصَتْ، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا.
(ثُمَّ) إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ نُقُودٌ وَاخْتَلَفَتْ رَوَاجًا، أَخَذَ (غَالِبَهُ رَوَاجًا) ، لِغَلَبَتِهِ وَكَثْرَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهِ، (فَإِنْ اسْتَوَتْ) النُّقُودُ رَوَاجًا (فَالْوَسَطُ) مِنْهَا، تَسْوِيَةً بَيْن حَقَّيْهِمَا، وَدَفْعًا لِلْمِيلِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَى مُدَّعِي الْمَأْخُوذِ الْيَمِينَ، لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ خَصْمُهُ.
(وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مَا ذُكِرَ حَيْثُ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ ادَّعَيَا غَيْرَهُ، (تَحَالَفَا، أَوْ تَفَاسَخَا) - ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ - (لِعَدَمِ) دَلِيلٍ (ظَاهِرٍ) يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ أَحَدِهِمَا، (وَاحْتُمِلَ) لَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (مَعَ تَفَاوُتِ الثَّمَنَيْنِ قِيمَةً، أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْر)، أَيْ: فِي قَدْرِ الثَّمَنِ،
وَتَقَدَّمَ إذَا تَخَالَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً وَحُكْمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ صَحِيحٍ أَوْ) شَرْطٍ (فَاسِدٍ) يُبْطِلُ الْعَقْدَ، أَوْ لَا، بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطَهُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ، (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (أَجَلٍ فِي غَيْرِ سَلَمٍ) - إذْ السَّلَمُ لَا يَكُونُ حَالًّا، وَيَأْتِي - (وَ) فِي غَيْرِ (إقْرَارٍ) - إذْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى كَذَا مُؤَجَّلَةً إلَى كَذَا، وَلَوْ عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ قَابِلٍ لِأَمْرَيْنِ، كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ - (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (رَهْنٍ، أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِمَا)، أَيْ: الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ، (أَوْ) فِي شَرْطِ (ضَمِينٍ) بِالثَّمَنِ أَوْ بِعُهْدَتِهِ أَوْ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ، (فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، كَمَا يُقْبَلُ (مُنْكِرٌ مُفْسِدٌ) لِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ (مِنْ نَحْوِ إكْرَاهٍ) ، كَسَفَهٍ (أَوْ جُنُونٍ) . (وَلَوْ عَمَلًا لَهُ حَالَةَ جُنُونٍ) ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، فَقَوْلُ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، (وَنَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي دَعْوَى عَبْدٍ عَدِمَ الْإِذْنِ) مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْكَارُ الْمُشْتَرِي، (وَ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى (بَائِعِ الصِّغَرِ) ، بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ حَالَ الْعَقْدِ كَانَ صَغِيرًا، وَأَنْكَرَهُ
الْمُشْتَرِي، فَقَوْلُهُ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتَعَاطَى إلَّا عَقْدًا صَحِيحًا.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَبِيعٍ)، بِأَنْ قَالَ بَائِعٌ: بِعْتُكَ قَفِيزَيْنِ، فَقَالَ مُشْتَرٍ: بَلْ ثَلَاثَةً (فَقَوْلُ بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْبَيْعُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ، فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَقْدًا آخَرَ يُنْكِرُهُ الْبَائِعُ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ.
(وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِ الْبَائِعِ (إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْحِسُّ) ، فَإِنْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَكَذَا) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي عَيْنِهِ)، أَيْ: الْمَبِيعِ، كَبِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ، فَيَقُولُ: بَلْ الْعَبْدَ، فَقَوْلُ بَائِعٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ كَالْغَارِمِ. وَوَرَثَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، ثَبَتَ الْعَقْدَانِ مَعًا، لِعَدَمِ تَنَافِيهِمَا) ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ، ثُمَّ الْعَبْدَ، (وَكَذَا حُكْمُ إجَارَةٍ) فِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ تَشَاحَّا فِي أَيِّهِمَا يُسَلِّمُ قَبْلَ) الْآخَرِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَتَسَلَّمَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ، (وَالثَّمَنُ عَيْنٌ)، أَيْ: مُعَيَّنٌ فِي الْعَقْدِ، (نُصِبَ عَدْلٌ)، أَيْ: نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ، لِيَقْطَعَ النِّزَاعَ (يَقْبِضُ مِنْهُمَا الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ، وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ) لِمُشْتَرٍ، (ثُمَّ) يُسَلِّمُ (الثَّمَنَ)
لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مِنْ تَتِمَّاتِ الْبَيْعِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ الْبَيْعِ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، (وَإِنْ بَادَرَ أَحَدَهُمَا بِالتَّسْلِيمِ)، أَيْ: تَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ، (أُجْبِرَ الْآخَرُ) عَلَى قَبْضِهِ وَتَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ أَيْضًا.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ)، أَيْ: تَشَاحِّهِمَا فِي أَيِّهِمَا يُسَلِّمُ مَا بِيَدِهِ قَبْلَ الْآخَرِ (جَوَازُ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ صَحَّ قَبْضُهُ)، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِلَا رِضَا بَائِعٍ) ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ جَوَازَ حَبْسِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، (فَمِنْ ضَمَانِهِ)، أَيْ: الْبَائِعِ، كَمَا لَوْ كَانَ غَاصِبًا فَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا حَالًّا، أُجْبِرَ بَائِعٌ) عَلَى تَسْلِيمِ مَبِيعٍ، لِتَعَلُّقِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بِعَيْنِهِ، (وَلَا يُحْبَسُ الْمَبِيعُ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ إذَنْ، نَصًّا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَحَقَّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، كَتَقْدِيمِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، (ثُمَّ أُجْبِرَ مُشْتَرٍ) عَلَى تَسْلِيمِ ثَمَنٍ (إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَاضِرًا) مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ وَمَطْلُهُ ظُلْمٌ، (وَ) إنْ كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ (غَائِبًا دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، حَجَرَ حَاكِمٌ عَلَى مُشْتَرٍ فِي مَالِهِ كُلِّهِ) حَتَّى الْمَبِيعِ (حَتَّى يُسَلِّمَهُ)، أَيْ: الثَّمَنَ، خَوْفًا مِنْ تَصَرَّفْهُ، فَيَضُرُّ بِبَائِعٍ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَائِبًا (أَوْ) غَيَّبَهُ مُشْتَرٍ (فَوْقَهَا)، أَيْ: فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، (أَوْ ظَهَرَ مُعْسِرًا، فَيَفْسَخُ) الْبَائِعُ، لِتَعَذُّرِ قَبْضِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ، (وَتَقَدَّمَ) قَرِيبًا.
(وَكَذَا)، أَيْ: كَبَائِعٍ فِيمَا ذُكِرَ (مُؤَجِّرٌ بِنَقْدٍ حَالٍّ) ، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، لَمْ يُطَالَبْ بِهِ حَتَّى يَحِلَّ.
(وَإِنْ أَحْضَرَ مُشْتَرٍ بَعْضَ الثَّمَنِ، لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ مَا يُقَابِلُهُ) مِنْ مَبِيعٍ (إنْ