الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْإِجَارَةِ]
الْإِجَارَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ أَجْرًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَوِّضُ الْعَبْدَ بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقَوْله تَعَالَى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] وقَوْله تَعَالَى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي خَبَرِ الْهِجْرَةِ قَالَتْ: «وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا» وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ» . وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَجِيرًا لِابْنَةِ غَزْوَانٍ بِطَعَامِ بَطْنِي وَعُقْبَةِ رِجْلِي، أَحْطِبُ لَهُمْ إذَا نَزَلُوا وَأَحْدُو بِهِمْ إذَا رَكِبُوا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنِ مَاجَهْ. وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ إذْ كُلُّ إنْسَانٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَقَارٍ يَسْكُنُهُ، وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ يَرْكَبُهُ، وَلَا عَلَى صَنْعَةٍ يَعْمَلُهَا، وَأَرْبَابُ ذَلِكَ لَا يَبْذُلُونَهُ مَجَّانًا؛ فَجُوِّزَتْ طَلَبًا لِلرِّفْقِ. وَهِيَ لُغَةً: الْمُجَازَاةُ يُقَالُ: آجَرَهُ عَلَى عَمَلِهِ إذَا جَازَاهُ عَلَيْهِ. وَشَرْعًا (عَقْدٌ وَيَتَّجِهُ مُنَجَّزًا) . وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) ، لَا مُحَرَّمَةٍ؛ كَزِنًا وَزَمْرٍ (مَعْلُومَةٍ)، لَا مَجْهُولَةٍ تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَهِيَ ضَرْبَانِ:
أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (مِنْ عَيْنٍ) مَعْلُومَةٍ (مُعَيَّنَةٍ) ؛ كَآجَرْتُكِ هَذَا الْبَعِيرَ (أَوْ) مِنْ عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ) ؛ كَآجَرْتُكِ بَعِيرًا صِفَتُهُ كَذَا، وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ. وَأَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ:(أَوْ) عَلَى (عَمَلٍ مَعْلُومٍ) ؛ كَحَمْلِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا (لَا يَخْتَصُّ فِعْلُهُ بِمُسْلِمٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ لِفِعْلِهِ؛ كَنِيَابَةِ الْحَجِّ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ:(بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ) رَاجِعٌ لِلضَّرْبَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ، خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرُّوذِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هِيَ الَّتِي تُسْتَوْفَى وَالْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَلِذَا تُضْمَنُ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ الْمَنْفَعَةِ وَمُنْشَؤُهَا؛ كَمَا يُضَافُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ، وَالِانْتِفَاعُ تَابِعٌ ضَرُورَةً إذْ الْمَنْفَعَةُ لَا تُوجَدُ عَادَةً إلَّا عَقِبَهُ. (وَالِانْتِفَاعُ) مِنْ قِبَلِ مُسْتَأْجِرٍ (تَابِعٌ) لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا.
(وَيُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ) فِي أَحَدِ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ (صُورَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الصُّلْحِ) ، وَهِيَ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَجْرِي عَلَى أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ؛ لِلْحَاجَةِ؛ كَالنِّكَاحِ.
(وَ) يُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ أَيْضًا (مَا فَعَلَهُ) الْإِمَامُ (عُمَرُ رضي الله عنه فِيمَا فَتَحَ) مِنْ الْأَرْضِ عَنْوَةً، (وَلَمْ يُقَسِّمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَإِنَّهُ وَقَفَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مَدَّتْهَا؛ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا.
(وَيَتَّجِهُ عَلَى الصَّحِيحِ عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ فِعْلِ عُمَرَ) رضي الله عنه؛ (لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إجَارَةً لَلَزِمَ الرُّجُوعُ فِي الْخَرَاجِ لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) . أَقُولُ: فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ
نَظَرٌ؛ إذْ مَحِلُّ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ عُمَرَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ، أَمَّا إذَا تَغَيَّرَ السَّبَبُ؛ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيُعْمَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
(وَهِيَ) - أَيْ: الْإِجَارَةُ - (وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْعَرَايَا وَالشُّفْعَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالسَّلَمُ وَالْجِعَالَةُ مِنْ الرُّخَصِ الْمُسْتَقَرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ) ؛ لِمَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ انْتِزَاعِ مِلْكِ إنْسَانٍ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلِمَا فِي الْكِتَابَةِ مِنْ اتِّحَادِ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعِ، وَلِمَا فِي الْبَاقِي مِنْ الْغَرَرِ، فَالْغَرَرُ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِكَوْنِهَا عَقْدًا عَلَى مَنْفَعَةٍ لَمْ تُخْلَقْ، وَفِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ؛ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعَقْدُ فِيهَا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْعَامِلِ بِعِوَضٍ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ حَالَ الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَفِي الْعَرَايَا لِكَوْنِ الْبَيْعِ بِالْخَرْصِ: وَهُوَ مِنْ الْحِرْزِ وَالتَّخْمِينِ؛ فَهُوَ مَظِنَّةٌ، وَفِي السَّلَمِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ أَيُوجَدُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ لَا؟ وَفِي الْجِعَالَةِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ أَيُتَمَّمُ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ (وَالْأَصَحُّ لَا) ؛ أَيْ: لَيْسَ حُكْمُهَا مُسْتَقِرًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، بَلْ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ. قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَالْأَصَحُّ عَلَى وَفْقِهِ، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ " عَنْ الْإِجَارَةِ: وَقَدْ قِيلَ: هِيَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْأَصَحُّ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ الْعِلَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ مُخَالَفَةُ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، وَمَنْ خَصَّصَهَا، فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ مَوْجُودًا فِيهِ، وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ.
(وَتَنْعَقِدُ) الْإِجَارَةُ (بِلَفْظِ إجَارَةٍ وَ) لَفْظِ (كَرْيٍ) ؛ كَآجَرْتُكِ وَاسْتَكْرَيْتُكَ، وَاسْتَأْجَرْتُ وَاكْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مَوْضُوعَانِ لَهَا، وَتَنْعَقِدُ (بِمَا بِمَعْنَاهُمَا) ؛ كَأَعْطَيْتُكَ نَفْعَ هَذِهِ الدَّارِ، وَمَلَّكْتُكَهُ سَنَةً بِكَذَا؛