الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ (تَنْفَسِخُ بِاسْتِيلَاءِ حَرْبِيٍّ) عَلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمَأْجُورِ، وَيَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، (وَعَكْسُهُ) ؛ بِأَنْ يَسْتَوْلِيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَيَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى مَأْجُورَاتِهِمْ، فَلَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّ، فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ، (إلَّا) إنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ قَدْ (أَجَّرَهُ) - أَيْ: مَا بِيَدِهِ - (لِ) إنْسَانٍ (مَعْصُومٍ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِدَوَامِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْمَأْجُورِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْمَأْجُورِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[فَصْلٌ ظَهَرَ بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ]
(فَصْلٌ: وَإِنْ ظَهَرَ) بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ؛ بِأَنْ كَانَ بِهَا حِينَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مُسْتَأْجِرٌ، (أَوْ حَدَثَ بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ) ؛ كَجُنُونِ الْأَجِيرِ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ كَانَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(وَهُوَ) - أَيْ: الْعَيْبُ - (مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ) ؛ بِأَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعَهُ دُونَهَا مَعَ عَدَمِهِ؛ (كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ) مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ؛ (فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ الْعَيْبَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَالْمَنَافِعُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ، فَقَدْ وَجَبَ قَبْضُ الْبَاقِي مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأُثْبِتَ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، (إنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ) سَرِيعًا (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (كَفَتْحِ بَالُوعَةٍ سُدَّتْ) أَيْ: إذَا فَتَحَهَا الْمُؤَجِّرُ فِي
زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا تَتْلَفُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَضُرُّ الْمُسْتَأْجِرَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، (وَ) لِمُسْتَأْجِرٍ أَيْضًا (الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا) بِلَا أَرْشٍ لِعَيْبٍ قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ (بِكُلِّ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَوْ لَا؟ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ خَشِنَةَ الْمَشْيِ، أَوْ أَنَّهَا تُتْعِبُ رَاكِبَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرْكَبُ كَثِيرًا، (فَمَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ عَيْبٌ؛ فَهُوَ عَيْبٌ) ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ، وَيَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ بِرَدِّهَا؛ لِكَوْنِهَا مُعَيَّنَةً، وَعَلَى الْمُكْرِي إبْدَالُهَا بِسَلِيمَةٍ؛ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ وَتَقَدَّمَ.
(وَمِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي يُسَوِّغُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ - (جَارُ سُوءٍ) لِلدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْعُيُوبِ.
(وَ) الْعُيُوبِ (خَوْفُ سُقُوطِ حَائِطٍ، وَ) خَوْفُ (غَرَقِ سَفِينَةٍ) إبْقَاءً لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ (وَ) مِنْهَا (تَغَيُّرُ رَائِحَةِ بِئْرٍ) بِدَارٍ مُؤَجَّرَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ.
(وَ) مِنْهَا (غَوْرُ مَائِهَا) - أَيْ: الْبِئْرُ - فَيَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ " الِانْتِصَارِ " وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ.
(وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضًا) لَهَا مَاءٌ لِيَزْرَعَهَا، (أَوْ) اسْتَأْجَرَ (دَارًا) يَسْكُنُهَا، (فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا) - أَيْ: الْأَرْضُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ - (أَوْ انْهَدَمَتْ) الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِتَعَطُّلِ النَّفْعِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ قَدْ فَاتَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا أُجْرَةَ لِمَا لَمْ يُرْوَ مِنْ الْأَرْضِ) الْمُؤَجَّرَةِ (اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ) ؛ أَيْ: وَلَوْ قَالَ مُؤَجِّرٌ (فِي) عَقْدِ (الْإِجَارَةِ) : أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ (مَقِيلًا وَمَرَاحًا) - أَيْ:
لِلنُّزُولِ فِيهَا وَجَمْعِ الْحَطَبِ وَوَضْعِ الرَّحْلِ - أَوْ أَطْلَقَ؛ أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَقُلْ مَقِيلًا وَمَرَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى عَقْدٌ كَأَرْضِ الْبَرِيَّةِ انْتَهَى مَا (قَالَهُ الشَّيْخُ) ؛ أَيْ: فَلَوْ زَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَلَمْ تُرْوَ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَجَرْتُكَهَا بِلَا مَاءٍ كَمَا يَأْتِي.
(وَيُخَيَّرُ مُكْتَرٍ فِيمَا) - أَيْ: مُؤَجَّرٌ - (انْهَدَمَ بَعْضُهُ) ، كَدَارٍ انْهَدَمَ مِنْهَا بَيْتٌ، بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْسَاكٍ لِلْعَيْبِ، (فَإِنْ أَمْسَكَ) الْبَقِيَّةَ (فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْأُجْرَةِ) ، فَتُقَسَّطُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَا انْهَدَمَ وَعَلَى مَا بَقِيَ، وَيَلْزَمُهُ قِسْطُ الْبَاقِي لِرِضَاهُ بِهِ نَاقِصًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَنْتَفِعَ بِهَا مَا شَاءَ بِلَا مَاءٍ) ؛ فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ كَيْفَ شَاءَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْعَقْدِ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَيْفَ شَاءَ (أَوْ) اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَ (أَطْلَقَ) ؛ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ وَلَا مَاءَ لَهَا (مَعَ عِلْمِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (بِحَالِهَا) وَعَدَمِ مَائِهَا؛ (صَحَّ) .
اخْتَارَهُ فِي " الْمُقْنِعِ " وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي " لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا مَاءَ لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرْطَاهُ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا فِي الْأُولَى.
(وَ) مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (غَارِقَةً بِالْمَاءِ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا قَبْلَ انْحِسَارِهِ، (وَ) هُوَ (تَارَةً يَنْحَسِرُ وَتَارَةً لَا) يَنْحَسِرُ؛ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا إذَنْ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَالِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَفِي الْمَآلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ يَنْحَسِرُ عَنْهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى الزِّرَاعَةِ كَأَرْضِ مِصْرَ فِي وَقْتِ مَدِّ النِّيلِ؛ صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ مُتَحَقِّقٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ مُمْكِنَةً، وَيَخَافُ غَرَقُهَا - وَالْعَادَةُ غَرَقُهَا - لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَارِقَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ.
(أَوْ) اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (بِلَا مَاءٍ لِيَزْرَعَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ) الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ " لِلْإِقْنَاعِ "" وَالْمُنْتَهَى " - لِقَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ. وَعِبَارَةُ
الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالنُّزُولِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا؛ فَلَهُ زَرْعُهَا. وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ.
قَالَ مُصَنِّفُهُ فِي شَرْحِهِ لِيَزْرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ، أَوْ أَطْلَقَ؛ صَحَّ. انْتَهَى، فَتَقَرَّرَ أَنَّ الْكِتَابَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِلَا مَاءٍ لِلزَّرْعِ صَحِيحٌ مَعَ عِلْمِهِمَا، أَوْ عِلْمِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَوَضْعِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ الْحَطَبِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا رَجَاءَ الْمَاءِ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمُمْكِنِ اسْتِيفَاؤُهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ، وَلَا يَغْرِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ، وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ تَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ؛ صَحَّ مَعَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ.
قُلْنَا، التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِظَاهِرِهِ فِي التَّفْرِيغِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قَلْعَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَيَصْرِفُ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ عَمَّا يُرَادُ لَهُ بِظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى.
أَقُولُ: مَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ؛ لَمْ يَجِدْ ثَمَرَةً لَمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ " الْإِقْنَاعُ "" وَالْمُنْتَهَى " لِمُوَافَقَتِهِمَا مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أُولِي النُّهَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ عَدَمَ مَائِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهُ؛ (كَمَا لَوْ ظَنَّ) الْمُسْتَأْجِرُ (إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - فَلَا يَصِحُّ؛
لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُحَصِّلُ لَهُ مَاءً، وَأَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِهَا، أَوْ ظَنَّ إمْكَانَ مَجِيئِهِ (مِنْ نَهْرٍ نَادِرٍ لِفَيْضٍ) أَوْ غَيْرِ ظَاهِرٍ كَالْأَرْضِ الَّتِي يَكُونُ شُرْبُهَا مِنْ فَيْضِ مَاءِ وَادٍ نَادِرٍ مَجِيئُهُ، أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ نَادِرَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ غَيْرِ غَالِبَةٍ، (أَوْ أَرْضٍ لَا يَجِيئُهَا الْمَطَرُ إلَّا نَادِرًا) ، وَلَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا قَبْلَ مَجِيءِ النَّهْرِ النَّادِرِ، أَوْ الْمَطَرِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ (أَجَّرَهَا قَبْلَ تَحْصِيلِهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُ الزَّرْعَ أَوْ الْغَرْسَ بِلَا مَاءٍ، وَحُصُولُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ فَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا كَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ.
(وَ) إنْ أَجَّرَهَا (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ وُجُودِ مَاءٍ يَسْقِيهَا بِهِ - فَإِنَّهُ (يَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَزَرْعُهَا، فَجَازَتْ إجَارَتُهَا؛ كَذَاتِ الْمَاءِ الدَّائِمِ؛ (كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا يَظُنُّ تَحْصِيلَهُ) - أَيْ: الْمَاءُ - (بِأَمْطَارٍ) مُعْتَادَةٍ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا نَادِرًا.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ إمَّا مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ كَالْأَرَاضِيِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَهَا مَاءٌ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ، أَوْ تَشْرَبُ مِنْ عَيْنٍ نَابِعَةٍ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ تَجْتَمِعُ فِيهَا، ثُمَّ تُسْقَى بِهِ، أَوْ مِنْ بِئْرٍ يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ مَاءٍ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَةِ الْأَرْضِ وَقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كُلُّهُ دَائِمٌ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِلْغَرْسِ وَالزَّرْعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. الْقِسْمِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) يَشْرَبُ مِنْ (زِيَادَةٍ مُعْتَادَةٍ) تَأْتِي وَقْتَ الْحَاجَةِ؛ (كَأَرْضِ مِصْرَ) الشَّارِبَةَ مِنْ زِيَادَةِ النِّيلِ، وَمَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةِ الْفُرَاتِ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَرْضِ الْبَصْرَةِ الشَّارِبَةِ مِنْ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ.
قَالَ فِي " مُخْتَارِ الصِّحَاحِ " الْجَزْرُ ضِدُّ الْمَدِّ، وَهُوَ
رُجُوعُ الْمَاءِ إلَى خَلْفٍ، وَأَرْضُ دِمَشْقَ (الشَّامِ) الشَّارِبَةُ مِنْ زِيَادَةِ بَرَدَى، وَمَا يَشْرَبُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْجَارِيَةِ بِمَاءِ الْمَطَرِ الْمُعْتَادِ؛ فَهَذِهِ تَصِحُّ إجَارَتُهَا قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ؛ فَجَازَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ بِهِ؛ كَالشَّارِبَةِ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَلِأَنَّ ظَنَّ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي وَقْتِهِ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ كَالسَّلَمِ فِي الْفَاكِهَةِ إلَى أَوَانِهَا.
(وَلَوْ زَرَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ، (فَغَرِقَ) الزَّرْعُ، (أَوْ تَلِفَ بِنَحْوِ جَرَادٍ) كَحَرِيقٍ وَفَأْرٍ أَوْ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ، (أَوْ لَمْ يَنْبُتْ؛ فَلَا خِيَارَ) لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، (وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً) ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَإِنَّمَا تَلِفَ مَالُ الْمُكْتَرِي فِيهِ؛ فَأَشْبَهَ مَنْ اكْتَرَى دُكَّانًا فَاحْتَرَقَ مَتَاعُهُ فِيهِ.
(وَ) إنْ أَمْكَنَ الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ بِغَيْرِ الزَّرْعِ أَوْ بِهِ؛ (فَلَهُ زَرْعُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُ) أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ (لِغَرَقٍ) حَدَثَ أَوْ انْقِطَاعِ مَائِهَا؛ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ؛ فَلَيْسَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا تَسَبُّبٍ؛.
(أَوْ قَلَّ الْمَاءُ قَبْلَ زَرْعِهَا) بِحَيْثُ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، (أَوْ) قَلَّ الْمَاءُ (بَعْدَهُ) - أَيْ بَعْدَ أَنْ زَرَعَهَا؛ فَلَهُ الْفَسْخُ أَيْضًا، وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِحِصَّتِهِ إلَى حِينِ الْفَسْخِ، وَأَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَرْضٍ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ بِالْكُلِّيَّةِ، (أَوْ عَابَتْ) أَرْضُ مُؤَجِّرِهِ (بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ الزَّرْعُ؛ فَلَهُ الْخِيَارُ) ؛ لِحُصُولِ مَا تَنْقُصُ بِهِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ.
(فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ زَرْعٍ؛ فَلَهُ قِسْطُ الْمُسَمَّى) مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ (إلَى) حِينِ (الْفَسْخِ، وَ) يَلْزَمُهُ (أَجْرُ مِثْلٍ لِبَاقٍ) مِنْ الْمُدَّةِ لِأَرْضٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْعَيْبِ الَّذِي مَلَكَ الْفَسْخَ مِنْ أَجْلِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) - أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ فَسَخَ إلَى آخِرِهِ - (إنْ
تَصَرَّفَ مُسْتَأْجِرٌ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَصَرُّفُ الْمُسْتَأْجِرِ مَانِعًا مِنْ الْفَسْخِ؛ (لَمَا كَانَ فَرْقٌ بَيْنَ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ) ، فَإِنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فِيهِ، وَتَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِ يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا) - أَيْ الْأَرْضُ - (عَامًا فَزَرَعَهَا) زَرْعًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِنَبَاتِهِ، (فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا بِعَامٍ قَابِلٍ بِلَا تَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ) مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يَنْتَهِي فِي الْمُدَّةِ عَادَةً، فَأَبْطَأَ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِلْعَامِ (الْأَوَّلِ الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ، (وَلِلْعَامِ الثَّانِي أُجْرَةُ مِثْلٍ) وَيَلْزَمُ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ (وَلَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهُ) - أَيْ الزَّرْعُ - (قَبْلَ إدْرَاكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ فِي تَأْخِيرِهِ؛ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا، فَزَرَعَهَا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَالِكُ قَبْلَ كَمَالِ الزَّرْعِ. (وَ) إنْ كَانَ عَدَمُ نَبَاتِ الزَّرْعِ فِي الْعَامِ (بِتَفْرِيطِهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - (كَتَأْخِيرِ زَرْعٍ لِمُدَّةٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا) عَادَةً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ، (لِلْمَالِكِ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (إبْقَاؤُهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ) لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى زَرْعَهُ بِأَرْضِ غَيْرِهِ بِعِدْوَانِهِ، (وَ) لَهُ (تَمْلِيكُهُ بِقِيمَتِهِ) - وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ - وَمَحَلُّ ذَلِكَ، (مَا لَمْ يَخْتَرْ مُكْتَرٍ إزَالَتَهُ) - أَيْ: الزَّرْعُ - (حَالًا) وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ، فَإِنْ اخْتَارَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّرَرَ، وَيُسَلِّمُ الْأَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَلْعُ زَرْعِهِ لَوْ طَلَبَهُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْغَرْسِ.
وَمَتَى أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيْءٍ لَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ زَرْعِهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ (مِنْ زَرْعٍ) إزَالَةً لِضَرَرِهِ.
(وَإِنْ زَرَعَ مُؤَجِّرٌ تَعَدِّيًا) ؛ بِأَنْ زَرَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ زَرْعًا