الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثِّيَابُ مَعْلُومَةً أَوْ مُقَدَّرَةً بِثَمَنٍ، جَازَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِلْجَهَالَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ ثِيَابًا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ؛ فَجَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ كَشِرَاءِ الثِّيَابِ.
[فَصْلٌ الْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ]
(فَصْلٌ: وَالْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ)(الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) : أَنْ تَقَعَ (عَلَى) مَنْفَعَةِ (عَيْنٍ) ، وَلَهَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ، وَالْأُخْرَى أَنْ تَكُونَ إلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ، وَسَتَأْتِيَانِ، ثُمَّ الْعَيْنُ تَارَةً مُعَيَّنَةً؛ ك اسْتَأْجَرْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ يَخْدِمُنِي سَنَةً بِكَذَا؛ أَوْ لِيَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا، وَتَارَةً تَكُونُ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ؛ ك اسْتَأْجَرْتُ مِنْك حِمَارًا صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، لِأَرْكَبَهُ سَنَةً بِكَذَا وَكَذَا، أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا بِكَذَا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ شُرُوطٌ، وَبَدَأَ بِشُرُوطِ الْمَوْصُوفَةِ؛ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، فَقَالَ:.
(وَشَرْطُ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِ سَلَمٍ فِي) عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَإِنْ اُسْتُقْصِيَتْ صِفَاتُ السَّلَمِ؛ كَانَ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدَ مِنْ الْغَرَرِ.
(وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اسْتِقْصَاءُ صِفَاتِ السَّلَمِ فِي عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ غَائِبَةٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُشَاهَدَةٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَاشْتَرَطَ لَهَا مَا يَشْتَرِطُ لَمَا فِي الذِّمَّةِ.
وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ) .
أَيْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ - (لَا يُنَافِيه مَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ (مِنْ عَدَمِ) اشْتِرَاطِ (تَعْيِينِ نَوْعٍ) مَأْجُورٍ (وَذُكُورَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إجَارَةُ مَنْفَعَةٍ) ، وَهَذَا إجَارَةُ عَيْنٍ مُرَادٍ بِهَا الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ جَرَتْ) إجَارَةٌ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ (بِلَفْظِ سَلَمٍ) ؛ ك أَسْلَمْتُك هَذَا الدِّينَارَ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ صَنْعَتُهُ كَذَا، وَقِبَلَ الْمُؤَجِّرُ؛ (اُعْتُبِرَ قَبْضُ أُجْرَةٍ بِمَجْلِسٍ) جَرَى فِيهِ الْعَقْدُ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، (وَ) اُعْتُبِرَ (تَأْجِيلُ نَفْعٍ) إلَى
أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ؛ جَازَ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ (بِمَا لَهُ وَقْعٌ) فِي الْعَادَةِ؛ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ فَقَالَ: (وَشُرِطَ فِي) إجَارَةِ عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ خَمْسَةُ) شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: (صِحَّةُ بَيْعٍ) ؛ أَيْ: كَوْنُهَا يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ وَالثَّوْبِ وَالْخَيْمَةِ وَالْخَيْلِ وَالْجَمَلِ وَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْفَرَسِ وَاللِّجَامِ وَالسَّرِيرِ وَالْإِنَاءِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ لِحِرَاسَةٍ وَلَا لِصَيْدٍ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، (سِوَى وَقْفٍ) - أَيْ مَوْقُوفٍ - (وَ) سِوَى (أُمِّ وَلَدٍ وَحُرٍّ وَحُرَّةٍ) ؛ فَتَصِحُّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ، وَمَنَافِعُ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ؛ فَجَازَتْ إجَارَتُهَا كَمَنَافِعِ الْقِنِّ.
(وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَ) سِوَى (جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ، وَ) جِلْدِ (عَقِيقَةٍ) فِي الْأُضْحِيَّةِ، أَمَّا الْعَقِيقَةُ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ جِلْدِهَا وَإِجَارَتُهُ قِيَاسًا عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ؛ إذْ تَصِحُّ إجَارَتُهَا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُؤَجِّرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إجَارَةِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَأَجْنَبِيَّةٍ أُجِّرَتْ [لِغَيْرِ مَحْرَمِهَا] فِي نَظَرِ) مُسْتَأْجِرِهَا إلَيْهَا، (وَ) فِي (خَلَوْته) بِهَا؛ (كَغَيْرِهَا) مِنْ الْأَجَانِبِ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِشُغْلٍ مُبَاحٍ لِعَمَلِهِ؛ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ لِلْخِدْمَةِ، وَلَكِنْ
يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْحُرَّةِ.
لَيْسَتْ الْأَمَةُ مِثْلَ الْحُرَّةِ، فَلَا يُبَاحُ لِلْمُسْتَأْجِرِ النَّظَرُ لِشَيْءٍ مِنْ الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ، فَيَنْظُرُ مِنْهَا إلَى الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ، أَوْ إلَى مَا عَدَّا عَوْرَةَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ مَعَ إحْدَاهُمَا فِي بَيْتٍ، وَلَا يَنْظُرَ إلَى الْحُرَّةِ مُتَجَرِّدَةً، وَلَا إلَى شَعْرِهَا الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
(وَكُرِهَ اسْتِئْجَارُ أَصْلِهِ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ - وَإِنْ عَلَوَا - (لِخِدْمَتِهِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْوَالِدَيْنِ بِالْحَبْسِ عَلَى خِدْمَةِ الْوَلَدِ.
(وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا) لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَقِصَارَتِهِ، أَوْ إلَى أَمَدٍ كَأَنْ يَسْتَقِي لَهُ أَوْ يَنْسَخُ أَوْ يُقَصِّرُ لَهُ ثِيَابًا شَهْرًا بِكَذَا، نَصًّا.
و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا (لِخِدْمَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، إنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ مِنْ خِدْمَتِهِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِ شَيْءٍ؛ جَازَ، وَكَوْنُهَا تَصِحُّ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يَتَضَمَّنُ إذْلَالَ الْمُسْلِمِ، وَلَا اسْتِخْدَامَهُ؛ أَشْبَهَ مُبَايَعَتَهُ، وَكَوْنُهَا لَا تَصِحُّ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ، وَإِذْلَالَهُ لَهُ، وَاسْتِخْدَامَهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ؛ أَشْبَهَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي مَعْرِفَتُهَا) - أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْعَاقِدَيْنِ - (بِرُؤْيَةٍ) إنْ كَانَتْ لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ؛ كَالدَّارِ وَالْحَمَّامِ (أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا) مَعْرِفَتُهَا؛ (كَمَبِيعٍ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، (فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ) الْمَعْرِفَةُ (بِهَا) - أَيْ الصِّفَةِ - (أَوْ كَانَتْ) الصِّفَةُ (لَا تَأْتِي فِيهَا) - أَيْ الْمُؤَجَّرَةِ -؛ (كَدَارٍ وَعَقَارٍ) مِنْ بَسَاتِينَ وَنَخِيلٍ وَأَرْضٍ، وَعَطْفُهُ عَلَى الدَّارِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ (اُشْتُرِطَتْ مُشَاهَدَتُهُ وَتَحْدِيدُهُ وَمُشَاهَدَةُ قَدْرِ حَمَّامٍ، وَمَعْرِفَةُ مَائِهِ، وَ) مَعْرِفَةُ (مَصْرِفِهِ) - أَيْ الْمَاءِ - (وَمُشَاهَدَةُ الْإِيوَانِ، وَمَطْرَحُ رَمَادٍ وَزِبْلٍ) .
وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ كَرِهَ كَرْيَ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ مَنْ تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهُ فِيهِ، حَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ
عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ.
حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا حَيْثُ حَدَّدَهُ وَذَكَرَ جَمِيعَ السِّتَّةِ شُهُورٍ الْمُسَمَّاةِ. .
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قُدْرَةُ) مُؤَجِّرٍ (عَلَى تَسْلِيمِهَا) - أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - (كَمَبِيعٍ) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الْأَعْيَانِ، (فَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (فِي) عَبْدٍ (آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَجَمَلٍ شَارِدٍ، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ [وَلَوْ] مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَا مَغْصُوبٍ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَاصِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ، وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، (وَ) إجَارَةُ (مُشَاعٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ (كَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ اشْتِمَالُهَا) - أَيْ الْعَيْنِ - (عَلَى النَّفْعِ) الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (الْمُرَادُ مِنْهَا، فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي) بَهِيمَةٍ (زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ) أَوْ رُكُوبٍ، (وَلَا) أَرْضٍ (سَبِخَةٍ) لِزَرْعٍ، وَالسَّبِخَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ، (أَوْ) - أَيْ وَلَا إجَارَةُ أَرْضٍ - (لَا مَاءَ لَهَا لِزَرْعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ.
(وَيَتَّجِهُ) وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ (حَمَّامٍ خَرِبٍ أَوْ) - أَيْ وَلَا - (دَارٍ خَرِبَةٍ لِسُكْنَى) ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (إلَّا إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَهُمَا) - أَيْ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ - (لِبِنَاءٍ) ؛ فَتَصِحُّ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (أَخْرَسَ لِتَعْلِيمِ مَنْطُوقٍ أَوْ) - أَيْ وَلَا إجَارَةُ - (أَعْمَى لِحِفْظِ) ؛ أَيْ: لِيَحْفَظَ شَيْئًا يَحْتَاجُ رُؤْيَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ. .
الشَّرْطُ (الْخَامِسُ كَوْنُ مُؤَجِّرٍ يَمْلِكُ النَّفْعَ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ) بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ؛ كَحَاكِمٍ يُؤَجِّرُ مَالَ نَحْوِ سَفِيهٍ أَوْ غَائِبٍ، أَوْ وَقْفًا لَا نَاظِرَ لَهُ، أَوْ مِنْ
قِبَلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَنَاظِرٍ خَاصٍّ.
وَوَكِيلٍ فِي إجَارَةٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ؛ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ؛ (فَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ؛ (مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) - لَعَيْنٍ (غَيْرِ حُرٍّ) أَنْ يُؤَجِّرَهَا (لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ، أَوْ هُوَ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّسَلُّطُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ لِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَا لِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرَهُ؛ لِمَا مَرَّ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْجُورُ حُرًّا، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، خِلَافًا " لِلتَّنْقِيحِ " حَيْثُ قَيَّدَ بِالْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ يَدُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إنْ كَانَ كَبِيرًا، أَوْ يُسَلِّمُهُ وَلِيُّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا. .
وَتَصِحُّ إجَارَةِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - (وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا) الْمُسْتَأْجِرُ -؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَيْنِ لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الضَّمَانُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، (حَتَّى لِمُؤَجِّرِهَا) - أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ مَعَ غَيْرِ الْعَاقِدِ جَازَ مَعَهُ؛ كَالْبَيْعِ - (وَلَوْ بِزِيَادَةٍ) عَلَى مَا أَجَّرَهَا بِهِ الْمُؤَجِّرُ، وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا (بِنَقْصٍ) عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَجَازَ بِنَقْصٍ وَزِيَادَةٍ، (مَا لَمْ تَكْفِ) إجَارَتُهُ لِمُؤَجِّرِهِ بِزِيَادَةِ (حِيلَةٍ كَعِينَةٍ) ؛ بِأَنْ أَجَّرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ نَقْدًا، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مُؤَجَّلًا؛ (فَلَا تَصِحُّ) حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي بِالْأُجْرَةِ، لِأَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِغَرِيمٍ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: إنْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ، أَوْ امْتَنَعَ؛ فَلِلْمُؤَجِّرِ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي، وَيُوَفِّيهِ أُجْرَتَهُ، أَوْ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، حَفِظَهُ لِلْمُسْتَأْجَرِ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ فَمَتَى وَجَدَ لَهُ مَالًا وَفَّاهُ مِنْهُ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِذَا تَقَبَّلَ الْأَجِيرُ فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا بِأُجْرَةٍ كَخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ [بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَنْ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا
جَازَ أَنْ يَقْبَلَهُ بِمِثْلِ] الْأَجْرِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ جَازَ بِدُونِهِ؛ كَالْبَيْعِ وَكَإِجَارَةِ الْعَيْنِ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ (مِنْ مُسْتَعِيرٍ بِإِذْنِ مُعِيرٍ) فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهَا؛ لَجَازَ، فَكَذَا فِي إجَارَتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَجَازَ بِإِذْنِهِ، (وَتَصِيرُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ (أَمَانَةً) بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِصَيْرُورَتِهَا مُؤَجَّرَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ مُدَّةً لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لَهُ رَبَّهَا مُدَّةً تَقَيَّدَ بِهَا، وَإِلَّا فَكَوَكِيلٍ مُطْلَقٍ؛ كَمَا يُؤَجِّرُ الْعُرْفُ كَمَا يَأْتِي (وَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا) - أَيْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ - دُونَ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَمَالِكٌ نَفْعَهَا، وَلِانْفِسَاخِ الْعَارِيَّةِ بِوُجُودِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، لِكَوْنِ الْإِجَارَةِ أَقْوَى؛ لِلُزُومِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةٌ (فِي وَقْفٍ مِنْ نَاظِرِهِ)، لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِيجَارِ؛ كَالْوَلِيِّ يُؤَجِّرُ عَقَارَ مُوَلِّيهِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَتَصِحُّ إجَارَةٌ مِنْ (مُسْتَحِقِّهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَهُ، فَلَهُ إجَارَتُهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ، (لَكِنْ تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِمُجَرَّدِ (مَوْتِ مُسْتَحِقٍّ) ، وَهُوَ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ؛ لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ نَاظِرًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ "، وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَيْضًا وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَ " شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " وَالْقَاضِي فِي " الْمُنْجِزِ " فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ؛ كَمَا لَوْ عُزِلَ الْوَلِيُّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَمِلْكِهِ الطَّلْقَ، وَقَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ انْفَسَخَتْ إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لَا تَنْفَسِخُ، وَهُوَ أَشْهُرٌ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ انْتَهَى.
وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَمَلُ الْحُكَّامِ عَلَى مُقَابِلِهِ.
(وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ (نَاظِرٍ) ، بِشَرْطٍ؛ بِأَنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ، أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَلَهُ النَّظَرُ
بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالشَّرْطِ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ أَقَامَهُ حَاكِمٌ، أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ مُسْتَحِقًّا، وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَارَهُ هُنَا بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ، وَمَنْ يَلِي بَعْدَهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْأَوَّلُ.
(وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِعَزْلِهِ) - أَيْ: النَّاظِرِ - بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ النَّاظِرُ الْعَامُّ - أَيْ: الْحَاكِمُ - عِنْدَ عَدَمِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا؛ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا.
(وَيَتَّجِهُ وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِتَحَوُّلِ وَقْفٍ) عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ (لِجِهَةٍ أُخْرَى بَعْدَ انْقِطَاعِ) الْجِهَةِ الْأُولَى؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعَزْلِ، وَبَيْنَ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ آلَ إلَيْهَا الْوَقْفُ؛ لِوُجُودِ الِانْتِقَالِ فِي كُلٍّ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَاذَا انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِهِ) - أَيْ: النَّاظِرِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ - (رَجَعَ مُسْتَأْجِرٌ) عَجَّلَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ حَيًّا، (وَعَلَى تَرِكَتِهِ) إنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَبِمَوْتِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَهُ، وَمِلْكَ غَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي مِلْكِهِ، دُونَ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارَيْنِ إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى لِغَيْرِهِ، فَلَا يَنْفُذُ عَقْدُهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا وِلَايَةٍ، بِخِلَافِ الطَّلْقِ إذَا مَاتَ مُؤَجِّرُهُ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُوَرِّثِ، فَلَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا مَا خَلْفَهُ، وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنَافِعُ الَّتِي أَجَّرَهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِجَارَةِ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ يَمْلِكُونَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ، فَمَا حَدَثَ مِنْهَا بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ،
فَقَدْ صَادَفَ تَصَرُّفَ الْمُؤَجِّرِ مِلْكُهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَكَذَا) - أَيْ: مِثْلُ النَّاظِرِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ - (مُؤَجِّرُ إقْطَاعِهِ) غَيْرَ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ، [أَمَّا هُوَ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَمَا يَأْتِي فِي التَّتِمَّةِ]، (ثُمَّ يُقْطَعُهُ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - (غَيْرُهُ) - أَيْ: غَيْرُ الْمُؤَجِّرِ - يَنْتَزِعُ مَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ وَالْإِقْطَاعُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ عَجَّلَ أُجْرَتَهُ عَلَى وَرَثَةِ قَابِضٍ مَاتَ، أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ كَالْوَقْفِ، وَلَمْ يَزَلْ يُؤَجَّرُ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنِ، وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ حَتَّى حَدَثَ فِي زَمَنِنَا، فَابْتُدِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لَوْ أَجَّرَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْإِقْطَاعُ لِآخَرَ، فَذَكَرَ فِي " الْقَوَاعِدِ " أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ ثَانٍ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَنْفَسِخُ، لَكِنْ عَمَلُ الْحُكَّامِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ عَلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْإِقْطَاعُ عُشْرًا أَوْ خَرَاجًا؛ بِأَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ إقْطَاعَ اسْتِغْلَالٍ، وَهُوَ عُشْرُ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ خَرَاجُهَا دُونَ الْأَرْضِ؛ لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ، وَلَا مَنْفَعَتَهَا كَتَضْمِينِهِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة أَنَّهُ بَاطِلٌ.
(وَإِنْ أَجَّرَ سَيِّدٌ رَقِيقَهُ أَوْ) أَجَّرَ (وَلِيٌّ يَتِيمًا) مَحْجُورًا عَلَيْهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، (أَوْ) أَجَّرَ (مَالِهِ) - أَيْ: مَالِ مَحْجُورِهِ كَدَارِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ - (ثُمَّ عَتَقَ) الرَّقِيقُ (الْمَأْجُورُ، أَوْ بَلَغَ) الْيَتِيمُ، (أَوْ رَشَدَ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، (أَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ، أَوْ عُزِلَ) الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (لَمْ تَنْفَسِخْ) إجَارَةُ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَرِّفُ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةً، ثُمَّ بَاعَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يَرْجِعْ