الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَحَرُمَ قَلْبُ دَيْنٍ) مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعْسِرٍ لِأَجَلٍ (آخَرَ اتِّفَاقًا) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إنْظَارِ الْمُعْسِرِ حَتَّى يُقْلَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَمَتَى قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ: إمَّا أَنْ تَقْلِبَ الدَّيْنَ، وَإِمَّا أَنْ تَقُومَ مَعِي إلَى عِنْدِ الْحَاكِمِ، وَخَافَ أَنْ يَحْبِسَهُ الْحَاكِمُ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ إعْسَارِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَقُلِبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ حَرَامًا غَيْرَ لَازِمَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْغَرِيمَ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْ نَسَبَ جَوَازَ الْقَلْبِ عَلَى الْمُعْسِرِ بِحِيلَةٍ مِنْ الْحِيَلِ إلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَغَلِطَ، وَإِنَّمَا تَنَازُعُ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِثْلِ التَّوَرُّقِ وَالْعِينَةِ.
[فَصْلٌ التَّسْعِيرُ عَلَى النَّاسِ]
" فَصْلٌ "(يَحْرُمُ التَّسْعِيرُ) عَلَى النَّاسِ، بَلْ يَبِيعُونَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى مَا يَخْتَارُونَ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ:«غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: التَّسْعِيرُ (تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ) أَوْ نَائِبِهِ (لِلنَّاسِ سِعْرًا، وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا قَدَّرَهُ، (وَيُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا قَدَّرَهُ، (وَإِنْ هَدَّدَ مَنْ خَالَفَهُ) ؛ أَيْ: التَّسْعِيرَ؛ (حَرُمَ) ؛ الْبَيْعُ (وَبَطَلَ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ إكْرَاهٌ.
(وَحَرُمَ قَوْلُهُ لِبَائِعٍ) غَيْرِ مُحْتَكِرٍ: (بِعْ كَالنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ، (وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إلْزَامَ السُّوقَةِ الْمُعَاوَضَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ)، وَقَالَ: إنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهَا كَالْجِهَادِ.
(وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) إلْزَامٌ (حَسَنٌ فِيمَا) ؛ أَيْ: مَبِيعٍ (ثَمَنُهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَتَفَاوَتُ؛ كَمَوْزُونٍ) وَنَحْوِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَحَرُمَ احْتِكَارُ قُوتِ آدَمِيٍّ فَقَطْ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» .
(وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ الِاحْتِكَارُ فِي (نَحْوِ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ) كَالْأَقِطِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، كَمَا فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ عَنْهُ: وَمَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ، لِحَدِيثِ:«مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ (لَا) يَحْرُمُ احْتِكَارُ (أُدْمٍ) ؛ كَعَسَلٍ وَزَيْتٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَا عَلَفِ بَهَائِمَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا، أَشْبَهَتْ الثِّيَابَ وَالْحَيَوَانَ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الِاحْتِكَارُ (شِرَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْقُوتِ (لِتِجَارَةٍ لِيَحْبِسَهُ) طَلَبًا (لِلْغَلَاءِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ) ، وَهُوَ بِالْحَرَمَيْنِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا.
(وَيَصِحُّ الشِّرَاءُ) مِنْ الْمُحْتَكِرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الِاحْتِكَارُ، وَلَا تُكْرَهُ التِّجَارَةُ فِي الطَّعَامِ إذَا لَمْ يُرِدْ الِاحْتِكَارَ.
(وَمَنْ حَبَسَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ مِلْكِهِ وَنَحْوِهِ) ، كَمَا لَوْ اسْتَغَلَّهُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اكْتَسَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ زَمَنَ الرُّخْصِ، وَلَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ؛ (فَلَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ كَمِصْرِ وَبَغْدَادَ) وَنَحْوِهَا.
قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " بَعْدَ حِكَايَتِهِ ذَلِكَ قُلْتُ: إنْ أَرَادَ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَتَأْخِيرِهِ مُجَرَّدَ الْكَسْبِ فَقَطْ كُرِهَ، وَإِنْ أَرَادَهُ لِلتَّكَسُّبِ وَنَفْعِ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ.
(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ لَهُ الشِّرَاءَ مِنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَحَبْسَهُ حَتَّى يَغْلُوَ (مَا لَمْ يَضِقْ) عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ؛ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ، لَكِنَّ تَرْكَ ادِّخَارِهِ لِذَلِكَ أَوْلَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَكُرِهَ لِغَيْرِ مُحْتَكِرٍ تِجَارَةٌ فِي قُوتِ) آدَمِيٍّ، (إنْ تَرَبَّصَ بِهِ السِّعْرَ) ، وَ (لَا) يُكْرَهُ لَهُ التِّجَارَةُ بِالْقُوتِ إذَا كَانَ (جَالِبًا) مِنْ خَارِجٍ لِيَبِيعَهُ (بِسِعْرِ يَوْمِهِ) لِمَا فِي فِعْلِ ذَلِكَ مِنْ التَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ.
(وَيُجْبَرُ مُحْتَكِرٌ عَلَى بَيْعِ) مَا احْتَكَرَهُ؛ (كَمَا فِي مَبِيعِ النَّاسِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَبِيعَ مَا احْتَكَرَهُ مِنْ الطَّعَامِ، (وَخِيفَ التَّلَفُ) لِحَبْسِهِ عَنْ النَّاسِ، (فَرَّقَهُ السُّلْطَانُ) عَلَى الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ، (وَيَرُدُّونَ بَدَلَهُ) عِنْدَ زَوَالِ الْحَاجَةِ؛ (وَكَذَا سِلَاحٌ لِحَاجَةٍ) ؛ أَيْ: اُحْتِيجَ إلَيْهِ، فَيُفَرِّقُهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ، وَيَرُدُّونَهُ أَوْ بَدَلَهُ عِنْدَ زَوَالِ الْحَاجَةِ. (وَيَتَّجِهُ: لَكِنْ يُرَدُّ) السِّلَاحُ (بِعَيْنِهِ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَ (فَ) يَرُدُّ آخِذُهُ (قِيمَتَهُ) ؛ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ، (وَلَا أُجْرَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ) ، أَشْبَهَ السِّلَاحَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ.
(وَيُحْتَمَلُ) وُجُوبُ رَدِّهِ بِعَيْنِهِ (مَا لَمْ يُفَرِّقْهُ) ؛ أَيْ: يُفَرِّقُهُ السُّلْطَانُ (تَفْرِيقَ تَمْلِيكٍ)، فَإِنْ فَرَّقَهُ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ تَفْرِيقَ تَمْلِيكٍ؛ (فَ) تُرَدُّ (قِيمَتُهُ) يَوْمَ أَخْذِهِ (لَا غَيْرَ) ؛ أَيْ: دُونَ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهَا شُبْهَةً، وَقَوِيَتْ بِتَمَلُّكِهَا لَهُمْ صُورَةً، مَعَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُ سِلَاحٍ مُرْصَدٍ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ اسْتِرْدَادُ قِيمَةِ مَا دَفَعَهُ لَهُمْ، يَشْتَرِي بِهِ سِلَاحًا
مَكَانَهُ يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَلِفَ بَعْضُهَا وَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهَا، فَالْمَصْلَحَةُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَالِاتِّجَاهُ مُتَّجِهٌ، وَالِاحْتِمَالُ غَرِيبٌ.
(وَلَا يُكْرَهُ) لِأَحَدٍ (ادِّخَارُ قُوتِ أَهْلِهِ وَدَوَابِّهِ وَلَوْ سِنِينَ) ، وَنَصُّهُ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ، وَلَا يَنْوِي التِّجَارَةَ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ادَّخَرَ قُوتَ أَهْلِهِ سَنَةً» .
(وَلَيْسَ لِمُضْطَرٍّ سَنَةَ مَجَاعَةٍ بَذْلُ قُوتِهِ) وَقُوتِ عِيَالِهٍ (لِمُضْطَرِّينَ) ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ لِذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَهْلِكَ، (وَيَأْتِيَ آخِرَ الْأَطْعِمَةِ) مُسْتَوْفًى.
(وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا مُبَاحًا لِيَبِيعَ) فِيهِ وَحْدَهُ، (وَيَشْتَرِي فِيهِ وَحْدَهُ؛ كُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ) ؛ لِبَيْعِهِ بِفَرْقِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَشِرَائِهِ بِدُونِهِ؛ (كَمَا يُكْرَهُ) الشِّرَاءُ بِلَا حَاجَةٍ (مِنْ مُضْطَرٍّ وَمُحْتَاجٍ لِنَقْدٍ) ، لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، (وَ) كَمَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ (جَالِسٍ عَلَى طَرِيقٍ؛ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الَّذِي ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِيهِ وَحْدَهُ (أَخْذُ زِيَادَةٍ) عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ مُثَمَّنٍ (بِلَا حَقٍّ) ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ".
(وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: تَحْرِيمُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ (إنْ لَزِمَتْ) بِإِلْزَامِ السُّلْطَانِ (الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ)، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ:«إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» . وَهُوَ مُتَّجِهٌ.