الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ) ؛ أَيْ: الْعَشْرِ ضَرَبَاتٍ، (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ مَا سَبَقَ؛ (بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَاهُ) . نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيُقْضَى؛ أَيْ: لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ.
[فَائِدَةٌ حَبْسُ الْمُوسِر الْمُمْتَنِع مِنْ دَفْعِ مَا عَلَيْهِ]
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالْقَوْلُ بِالْحَبْسِ اخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا تَخْلُصُ الْحُقُوقُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ إلَّا بِهِ وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ.
وَقَالَ فِي " الْإِفْصَاحِ ": أَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عَلَى الدُّيُونِ، لَكِنْ يَتَلَازَمُ الْخَصْمَانِ، (وَإِلَّا) يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ (فَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (إخْرَاجُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينَ مِنْ الْحَبْسِ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَيَجِبُ إطْلَاقُهُ، (أَوْ يُبْرِئُهُ) غَرِيمُهُ، (أَوْ يُوَفِّيهِ) دَيْنَهُ، أَوْ يَرْضَى الْغَرِيمُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ. (وَلَيْسَ عَلَى مَحْبُوسٍ قَبُولُ مَا يَبْذُلُهُ غَرِيمُهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَّةٌ فِيهِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَذَلَّةِ النَّفْسِ أَوْ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا (وَيَجِبُ تَخْلِيَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْبُوسِ (وَإِنْظَارُهُ إنْ بَانَ مُعْسِرًا)، سَوَاءً رَضِيَ غَرِيمُهُ أَوْ سَخِطَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ؛ قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ، (وَفِي إنْظَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمُعْسِرَ (فَضْلٌ عَظِيمٌ) ؛ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، (وَتَحْرُمُ مُطَالَبَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَدِينُ الَّذِي ظَهَرَتْ عُسْرَتُهُ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ (وَمُلَازَمَتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ) ؛
(فَإِنْ ادَّعَى) مَدِينٌ (الْعُسْرَةَ) ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الدَّيْنِ، (وَدَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ كَثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَ) ؛ بَدَلِ (قَرْضٍ وَأُجْرَةِ) مَأْجُورٍ، حُبِسَ، (أَوْ) كَانَ دَيْنُهُ (عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ؛ كَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ) وَضَمَانٍ (وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ، وَ) كَانَ الْمَدِينُ (أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ - وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ - حُبِسَ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مَدِينٌ (بَيِّنَةً بِالْإِعْسَارِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِإِعْسَارِهِ (أَنْ تَخْبُرَ بَاطِنَ حَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا الْمُخَالِطُ لَهُ، لَا يُقَالُ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ؛ فَلَا تُسْمَعُ؛ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُرَدُّ مُطْلَقًا؛ إذْ لَوْ شَهِدَتْ؛ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ؛ قُبِلَتْ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ النَّفْيَ، فَهِيَ تُثْبِتُ حَالَةً تَظْهَرُ وَتَقِفُ عَلَيْهَا الْمُشَاهَدَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْهَدُ بِهِ حَالَةً يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَتِهِ.
(وَلَا يَحْلِفُ مَدِينٌ مَعَهَا)، أَيْ: مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَدَّعِيَ نَحْوَ تَلَفٍ) لِمَالِهِ وَنَفَادِهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، (وَيُقِيمُ بِهِ) ؛ أَيْ: التَّلَفِ وَنَحْوِهِ (بَيِّنَةً)، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تَخْبُرَ بَاطِنَ حَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ وَالنَّفَادَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ خَبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ وَغَيْرُهُ؛ (وَيَحْلِفُ) الْمَدِينُ (مَعَهَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِتَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ) ، إنْ طَلَبَ رَبُّ الْحَقِّ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، (وَيَكْفِي فِي الْحَالَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ أَوْ الْإِعْسَارِ) يَعْنِي يَكْفِي فِي الْإِعْسَارِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ، وَفِي التَّلَفِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، (وَتُسْمَعَ) بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ أَوْ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ حَبْسِ) الْمَدِينِ؛ كَمَا تُسْمَعُ (بَعْدَهُ) - وَلَوْ بِيَوْمٍ - لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدُ جَازَ
سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ.
، وَإِنْ سَأَلَ مُدِعٍّ حَاكِمًا تَفْتِيشَ مَدِينٍ مُدَّعِيًا أَنْ الْمَالَ مَعَهُ؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُسْأَلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: يَسْأَلُ الْمَدِينُ (الْمُدَّعِيَ عَنْ عِلْمِ حَالِهِ) ، فَتَكُونَ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً (فَيُصَدِّقُ) الْمُدَّعِي الْمَدِينَ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَلَا يُحْبَسُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عُسْرَتِهِ، أَوْ عَلَى نَفَادِ مَالِهِ، أَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعٍ) عُسْرَةَ مَدِينٍ، (وَحَلَفَ) مُدَّعٍ (بِحَسَبِ جَوَابِهِ) ؛ أَيْ: حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ أَوْ أَنَّهُ مُوسِرٌ أَوْ ذُو مَالٍ أَوْ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ؛ حُبِسَ، (أَوْ أَقَامَ) مُدَّعٍ (بَيِّنَةً بِقُدْرَتِهِ) ؛ أَيْ: قُدْرَةِ مُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَفَاءِ؛ (حُبِسَ) ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرَتِهِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ أَوْ تَظْهَرَ عُسْرَتُهُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ؛ كَصَدَاقٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ، وَلَمْ يَحْلِفْ مُدَّعِي طَلَبٍ يَمِينَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ؛ (حَلَفَ مَدِينٌ) أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، (وَخُلِّيَ) سَبِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ ذَنْبٌ يُعَاقَبُ بِهِ.
(وَحَرُمَ إنْكَارُ مُعْسِرٍ وَحَلِفُهُ) لَا حَقَّ عَلَيْهِ، (وَلَوْ تَأَوَّلَ) بِحَلِفِ كُنْيَتِهِ بِحَلِفِهِ (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ الْآنَ) ؛ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ؛ لِظُلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ جَوَازِ تَأَوُّلِ الْمَدِينِ بِحَلِفِهِ (إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ عَدَمَ الْوَفَاءِ بَعْدَ) ذَلِكَ؛ أَيْ: وَقْتَ إيسَارِهِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ نِيَّةُ عَدَمِ الْوَفَاءِ، (فَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ يَجِبُ وَفَاؤُهُ حِينَئِذٍ، وَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الِاتِّجَاهَ فِي " الْإِنْصَافِ " قَالَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا ذَكَرَ: قُلْتُ لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.