الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ؛ كَأَعْطَيْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِكَذَا.
(وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (بِلَفْظِ بَيْعٍ إنْ لَمْ يُضِفْ الْعَيْنَ)، نَحْوَ قَوْلِهِ: بِعْتُكَ نَفْعَ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ سُكْنَاهَا وَنَحْوَهُ؛ (كَبِعْتُكَ نَفْعَهَا عَامًا) أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَانْعَقَدَتْ بِلَفْظِهِ؛ كَالصَّرْفِ، وَالْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَتُضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْإِتْلَافِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَرَفَا الْمَقْصُودَ انْعَقَدَتْ بِأَيِّ لَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَرَفَ بِهَا الْمُتَعَاقِدَانِ مَقْصُودَهُمَا، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ حَدًّا لِأَلْفَاظِ الْعُقُودِ، بَلْ ذَكَرهَا مُطْلَقَةً، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَالنَّظْمِ " وَمَعْنَاهُ فِي " التَّلْخِيصِ " قَالَ: مُضَافًا إلَى النَّفْعِ كَبِعْتُكَ نَفْعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَ بِعْتُكَهَا شَهْرًا.
(وَيَتَّجِهُ وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَتَنْعَقِدُ (بِمُعَاطَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[فَصْلٌ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ]
(فَصْلٌ: وَشُرُوطُهَا) - أَيْ الْإِجَارَةُ - (ثَلَاثَةٌ) . أَحَدُهَا: (مَعْرِفَةُ مَنْفَعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْمَبِيعِ.
وَمَعْرِفَتُهَا (إمَّا بِعُرْفٍ) وَهُوَ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ (كَسُكْنَى دَارٍ شَهْرًا) ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِيهَا يَسِيرٌ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَبْطِهِ، (وَخِدْمَةُ آدَمِيٍّ سَنَةً) ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ أَيْضًا مَعْلُومَةٌ بِالْعُرْفِ، (وَإِنْ لَمْ يَضْبِطَا) - أَيْ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةَ - (عَمَلًا بِالْعُرْفِ) ، فَلَا يَحْتَاجَانِ لِضَبْطٍ، فَيَسْكُنُ فِي الدَّارِ كَالْعَادَةِ، وَيَخْدُمُهُ نَهَارًا وَمِنْ اللَّيْلِ مَا يَكُونُ مِنْ خِدْمَةِ أَوْسَاطِ النَّاسِ.
(وَ) قَالَ فِي " النَّوَادِرِ " وَالرِّعَايَةِ " إنْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا يَخْدُمُ لَيْلًا
وَنَهَارًا، وَالْمُرَادُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اللَّيْلِ.
قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ ": يَخْدُمُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا، وَبِاللَّيْلِ مَا يَكُونُ مِنْ خِدْمَةِ أَوْسَاطِ النَّاسِ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": (يَجِبُ ذِكْرُ صِفَةِ سُكْنَى وَذِكْرُ عَدَدِ مَنْ يَسْكُنُ وَصِفَتُهُمْ، وَبَيَانُ الْخِدْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا) إنْ اخْتَلَفَتْ الْأُجْرَةُ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُمَا عُرْفٌ أَغْنَى عَنْ تَعْيِينِ النَّفْعِ وَتَعْيِينِ الصِّفَةِ، وَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَى الْعُرْفِ؛ لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ، فَإِذَا كَانَ عُرْفُ الدَّارِ السُّكْنَى، وَاكْتَرَاهَا فَلَهُ السُّكْنَى عَلَى مَا يَأْتِي، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ عُرْفٌ وَاكْتَرَاهَا لِلسُّكْنَى؛ فَلَهُ السُّكْنَى، وَلَهُ وَضْعُ مَتَاعِهِ فِيهَا، وَيَتْرُكُ فِيهَا الطَّعَامَ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْمَسَاكِنِ بِهِ، وَيَأْتِي، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَيَسْتَحِقُّ مَاءَ الدَّارِ تَبَعًا لِلدَّارِ فِي الْأَصَحِّ، (أَوْ) أَيْ: وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ (بِوَصْفٍ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا لِمَحَلِّ كَذَا) ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُحْمَلُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ، فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَحْمُولٍ.
(وَيَتَّجِهُ وَلَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ كِتَابًا لِشَخْصٍ [فَوَجَدَهُ] مَيِّتًا، فَفِي " الرِّعَايَةِ ") وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ " (لَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ) يَعْنِي دُونَ أُجْرَةِ الرَّدِّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَجِيرَ الْمَحْمُولَ إلَيْهِ (غَائِبًا) - وَلَا وَكِيلَ لَهُ - (فَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ؛ (لِجَهَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَلَهُ) - أَيْ الْأَجِيرِ - (أُجْرَةُ مِثْلِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا دُونَ الْمُسَمَّى) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " النَّظْمِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الذَّهَابِ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ، وَلَيْسَ سِوَى رَدِّهِ إلَّا تَضْيِيعُهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى تَضْيِيعَهُ، فَتَعَيَّنَ رَدُّهُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ، فَكَانَ الْبَاعِثُ مُفْرِطًا بِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَفْظُ هَذَا الِاتِّجَاهِ مَوْجُودٌ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَفِي بَعْضِهَا سَاقِطٌ الصَّوَابُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ، لَا اتِّجَاهٌ؛ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ.
(أَوْ بِنَاءُ حَائِطٍ يَذْكُرُ طُولَهُ) - أَيْ الْحَائِطِ - (وَعَرْضَهُ وَيَذْكُرُ سَمْكَهُ) - بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ ثَخَانَتَهُ - وَهُوَ فِي الْحَائِطِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمْقِ فِي غَيْرِ الْمُنْتَصِبِ.
ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ " (وَ) يَذْكُرُ (آلَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْعُرْفُ يَخْتَلِفُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ، فَيَقُولُ (مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ وَآجُرٍّ وَشِيدٍ) - أَيْ جِيرٍ - وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْجِصِّ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَنْفَعَةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ فَلَمْ يَكُنْ [بُدٌّ] مِنْ ذِكْرِهِ؛ (وَيُبَيِّنُ مَوْضِعَهُ) - أَيْ الْحَائِطِ -؛ (لِاخْتِلَافِهِ) - أَيْ الْمَوْضِعِ - (بِقُرْبِ مَاءٍ) وَبُعْدِهِ (وَسُهُولَةِ) حَفْرِ (تُرَابٍ) وَحُزُونَتِهِ.
(وَإِنْ) اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ مَا ذَكَرَ، أَوْ لِيَبْنِيَ لَهُ مِنْ زَمَنٍ مَعْلُومٍ كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، فَبَنَاهُ الْأَجِيرُ، ثُمَّ (سَقَطَ مَا بَنَاهُ) ، فَقَدْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ، وَحَيْثُ عَمِلَ مَا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ؛ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ) كَامِلَةً؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَائِطِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ هَذَا (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ) ، فَأَمَّا إنْ كَانَ سُقُوطُهُ مِنْ جِهَتِهِ (كَبِنَائِهِ مَحْلُولًا أَوْ نَحْوَهُ) كَأَنْ بَنَاهُ مَائِلًا، فَسَقَطَ؛ (وَجَبَ إعَادَتُهُ، وَ) عَلَيْهِ (غُرْمُ مَا تَلِفَ) بِهِ؛ لِتَفْرِيطِهِ.
، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ (لِبِنَاءِ أَذْرُعٍ) مَعْلُومَةٍ، (فَبَنَى بَعْضَهَا، ثُمَّ سَقَطَ) عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ؛ (فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ) - أَيْ السَّاقِطِ -، (وَ) عَلَيْهِ (إتْمَامُ) مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ (الْإِجَارَةُ) مِنْ الذَّرْعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ بِالْعَمَلِ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا تَلِفَ إنْ فَرَّطَ.
وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِتَطْيِينِ الْأَرْضِ وَالسُّطُوحِ وَالْحِيطَانِ وَلِتَجْصِيصِهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَيُقَدَّرُ بِالزَّمَنِ، ولَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ؛ بِأَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَطْيِينِ هَذَا الْحَائِطِ
أَوْ تَجْصِيصِهِ؛ لِأَنَّ الطِّينَ أَوْ الْجِصَّ يَخْتَلِفُ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ مِنْهَا الْعَالِي وَالنَّازِلُ، وَكَذَلِكَ الْحِيطَانُ وَالسَّطْحُ مِنْهَا الْعَالِي وَالنَّازِلُ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ (لِضَرْبِ لَبِنٍ ذَكَرَ عَدَدَهُ وَقَالِبَهُ وَمَوْضِعَ الضَّرْبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ وَالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَالِبٌ مَعْرُوفٌ جَازَ؛ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ، وَلَا يَكْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْقَالِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ كَالسُّلَّمِ، (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ الْأَجِيرَ - (إقَامَتُهُ) - أَيْ اللَّبِنِ - (لِيَجِفَّ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُؤْجِرَ لِلضَّرْبِ، لَا لِلْإِقَامَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ) أَوْ شَرْطٌ، فَيُعْمَلُ بِهِ، (وَكَذَا) - أَيْ وَمِثْلُ إقَامَةِ اللَّبِنِ - (إخْرَاجُ آجُرّ مِنْ تَنُّورٍ اُسْتُؤْجِرَ لِشَيِّهِ) ، فَلَا يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ شَرْطٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ اُسْتُؤْجِرَ (لِحَفْرِ قَبْرٍ لَزِمَهُ رَدُّ تُرَابِهِ) - أَيْ الْقَبْرِ - (عَلَى مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَلَا) يَلْزَمُهُ (تَطْيِينُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفَ.
(وَلَا بَأْسَ لِمُسْلِمٍ بِحَفْرِ قَبْرٍ لِذِمِّيٍّ) ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، (وَكُرِهَ إنْ كَانَ) أَيْ الْقَبْرُ - (نَارُوسًا) هُوَ حَجَرٌ يُحْفَرُ، وَيُجْعَلُ، فِيهِ الْمَيِّتُ.
وَكَمَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آدَمِيٍّ لِحَفْرٍ تَصِحُّ إجَارَةُ (أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ بِرُؤْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ (لِزَرْعٍ) أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قُطْنٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ غَرْسٍ) مَعْلُومٍ؛ كَنَخْلٍ وَجَوْزٍ وَمِشْمِشٍ وَنَحْوِهَا، (أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ) كَدَارٍ وَصَفَهَا (أَوْ لِزَرْعِ) مَا شَاءَ (أَوْ لِغَرْسِ مَا شَاءَ) أَوْ لِبِنَاءِ مَا شَاءَ؛ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِأَكْثَرِ الزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ ضَرَرًا، (أَوْ لِزَرْعٍ وَغَرْسٍ مَا شَاءَ) ؛ وَلِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ مَا شَاءَ، أَوْ لِزَرْعٍ وَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ مَا شَاءَ، (أَوْ لِزَرْعٍ) وَيَسْكُتُ، (أَوْ لِغَرْسٍ وَيَسْكُتُ) ، أَوْ لِبِنَاءٍ، وَيَسْكُتُ، وَلَهُ فِي الْأُولَى زَرْعُ مَا شَاءَ، وَفِي الثَّانِيَةِ غَرْسُ مَا شَاءَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِنَاءُ مَا شَاءَ؛ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِأَكْثَرِ ذَلِكَ ضَرَرًا، (أَوْ) يَقُولُ أَجَّرْتُك الْأَرْضَ، و (يُطْلِقُ، وَ) هِيَ (تَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ) - أَيْ لِلزَّرْعِ وَغَيْرِهِ - فَتَصِحُّ
الْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِلْعِلْمِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ تَخْصِيصِ الْإِجَارَةِ بِنَوْعٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ (إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ) تَمْنَعُ الْعُمُومَ، و (تَقْتَضِي تَخْصِيصَ أَحَدِهَا) - أَيْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ - فَمَتَى وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهَا تَعَيَّنَ فِعْلُهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُسْتَحْسَنٌ.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: (إنْ قَالَ) الْمُؤَجِّرُ: (انْتَفِعْ بِهَا) - أَيْ الْأَرْضِ - (بِمَا شِئْت فَلَهُ زَرْعٌ وَغَرْسٌ وَبِنَاءٌ) .
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَزْرَعَ أَوْ يَغْرِسَ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ، (لِعَدَمِ التَّعْيِينِ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.
(وَمَنْ أَجَّرَهُ لِيَزْرَعَ، وَشَرَطَ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ (لِرُكُوبٍ) ذَكَرَ الْمَوْضِعَ الْمَرْكُوبَ إلَيْهِ و (مَعْرِفَةِ رَاكِبٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ) كَمَبِيعٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالطُّولِ وَالسِّمَنِ وَضِدِّهِمَا، (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (مَعْرِفَةُ تَوَابِعِهِ الْعُرْفِيَّةِ كَزَادٍ وَأَثَاثٍ) مِنْ الْأَغْطِيَةِ وَالْأَوْطِيَةِ وَالْمَعَالِيقِ، (وَقِدْرٍ وَقِرْبَةٍ) وَنَحْوِهِمَا إمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ صِفَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، (وَ) يُشْتَرَطُ (ذِكْرُ جِنْسِ مَرْكُوبٍ كَمَبِيعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا؛ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ بِالنَّظَرِ إلَى أَجْنَاسِ الْمَرْكُوبِ مِنْ كَوْنِهِ فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا أَوْ بَغْلًا أَوْ حِمَارًا، (وَ) مَعْرِفَةُ (مَا يُرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجٍ وَغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَرْكُوبِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، (وَ) مَعْرِفَةُ (كَيْفِيَّةِ سَيْرِهِ مِنْ هِمْلَاجٍ) - بِكَسْرِ الْهَاء - (وَغَيْرِهِ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِ، وَالْهَمْلَجَةُ مِشْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ و (لَا) يُشْتَرَطُ ذِكْرُ (ذُكُورِيَّتِهِ أَوْ أُنُوثِيَّتِهِ) - أَيْ الْمَرْكُوبِ - (أَوْ نَوْعِهِ) كَعَرَبِيٍّ أَوْ بِرْذَوْنٍ أَوْ حِجْرٍ أَوْ حِصَانٍ فِي الْفَرَسِ، وَلَا بُخْتِيٍّ وَلَا عَرَابِيٍّ فِي الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ ذَلِكَ يَسِيرٌ.
(وَ) يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةٍ (لِحَمْلِ مَا يَتَضَرَّرُ) ؛ أَيْ: يُخْشَى عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِكَثْرَةِ الْحَرَكَةِ، أَوْ يَفُوتُ غَرَضُ الْمُسْتَأْجِرِ بِاخْتِلَافِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا حُمِلَ؛ (كَخَزَفٍ) - أَيْ فُخَّارٍ - (وَنَحْوِهِ) ؛ كَزُجَاجٍ (مَعْرِفَةُ حَامِلِهِ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، (وَمَعْرِفَتُهُ) - أَيْ الْحَامِلِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ فِي اسْتِئْجَارٍ - (لِمَحْمُولٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ) إنْ كَانَ خَزَفًا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا، (وَذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ خَزَفًا وَنَحْوَهُ؛ بِأَنْ كَانَ حَدِيدًا أَوْ قُطْنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالْكَيْلِ أَوْ بِالْوَزْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، [قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " والْفُرُوعِ "] فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ وَزْنِهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ فِيهِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ " التَّرْغِيبِ ".
(وَ) يُشْتَرَطُ فِي اسْتِئْجَارٍ (لِحَرْثٍ مَعْرِفَةُ أَرْضٍ بِرُؤْيَةٍ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ بِاخْتِلَافِهَا سُهُولَةً وَحُزُونَةً، وَلَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي) : لِلْإِجَارَةِ (مَعْرِفَةُ أُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ عِلْمُهُ كَالثَّمَنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْ أَجْرَهُ» .
وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُعِينَةً (كَثَمَنِ) مَبِيعٍ، (فَمَا صَحَّ ثَمَنًا بِذِمَّةٍ صَحَّ) أَنْ يَكُونَ (أُجْرَةً) فِي الذِّمَّةِ، (وَمَا عُيِّنَ) مِنْ أُجْرَةٍ (كَمَبِيعٍ) مُعَيَّنٍ (فَتَكْفِي مُشَاهَدَةُ صُبْرَةٍ) وَقَطِيعٍ - وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَهُ - لِجَرَيَانِ الْمَنْفَعَةِ جَرْيَ الْأَعْيَانِ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ، بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ فَإِنَّهُ يُعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ، فَافْتَرَقَا.
(وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ) بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى، (أَوْ) اسْتِئْجَارُ رَاعٍ (لِرَعْيِ غَنَمٍ بِسُكْنَى) دَارٍ أَوْ رَعْيِ غَنَمٍ (أُخْرَى، وَبِخِدْمَةِ) عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، (وَبِتَزْوِيجِ) امْرَأَةٍ (لِمُعَيَّنٍ كَقِصَّةِ شُعَيْبٍ وَمُوسَى صلى الله عليه وسلم) .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، فَإِنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ عِوَضَ الْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَيْنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً، سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا كَالْأَوَّلِ أَوْ مُخْتَلِفًا كَالثَّانِي؛ (وَشَرْعُ
مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخْ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ بَقَاؤُهُ، وَالنَّسْخُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
(وَلَوْ أَجَّرَهَا) - أَيْ دَارِهِ - مُدَّةً مَعْلُومَةً (بِشَيْءٍ - أَيْ أَجْرِ مَعْلُومٍ - عَلَى أَنْ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ) الدَّارُ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحِ شَعَثٍ (بِنَفَقَةٍ مُسْتَأْجَرٍ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ.
(وَ) إنَّ شَرْطَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ (خَارِجًا عَنْ الْأُجْرَةِ؛ لَمْ يَصِحَّ) كَاسْتِئْجَارِهَا؛ بِعِمَارَتِهَا.
(وَلَوْ دَفَعَ غُلَامَهُ لِصَانِعٍ) كَخَيَّاطٍ (لَيُعَلِّمَهُ) الصَّنْعَةَ (بِعَمَلِ الْغُلَامِ سَنَةً؛ جَازَ) ذَلِكَ.
(قَالَهُ الْمَجْدُ) وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ أُسْلِمَ إلَيْهِ صَبِيٌّ لَيُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً بِعَيْنِهَا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنْ أَخَذُوهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَخَذُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ - وَقَدْ تَعَلَّمَ - فَلَهُ شَرْطُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ عِوَضَ التَّعْلِيمِ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَخْدُمُهُ، وَيَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ عَلَيْهَا، أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ أَرَادَ صِحَّةَ الشَّرْطِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ الْعِوَضُ، وَلَا يَذْهَبُ تَعْلِيمُهُ مَجَّانًا.
(وَ) يَصِحُّ (اسْتِئْجَارُ حُلِيٍّ بِأُجْرَةٍ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَكَذَا بِأُجْرَةٍ (مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَقْصُودَةً مَعَ بَقَائِهَا، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ؛ كَالْأَرَاضِيِ، (وَيُكْرَهُ) إذَا كَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَكُّ بِالِاسْتِعْمَالِ، فَيَذْهَبُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لِيَحْصُلَ الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَمُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، فَيُفْضِي إلَى بَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَشَيْءٍ آخَرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ، وَإِلَّا لَمَا جَازَتْ إجَارَةُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (أَجِيرٍ وَمُرْضِعَةٍ) أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا (بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا - وَلَوْ لَمْ يُوصَفَا) - أَيْ: الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ - وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، وَشَرَطَ مَعَهَا طَعَامَهُمَا وَكِسْوَتَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَأَوْجَبَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ عَلَى الرَّضَاعِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ الزَّوْجَةُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُرْضِعْ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَيُسْتَدَلُّ لِلْأَجِيرِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَبِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي مُوسَى أَنَّهُمْ اسْتَأْجَرُوا الْأُجَرَاءَ بِطَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ نَكِيرٌ، فَقَامَ الْعُرْفُ فِيهِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ؛ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.
(وَهُمَا) - أَيْ: الْأَجِيرُ وَالْمُرْضِعَةُ - (فِي تَنَازُعٍ) مَعَ مُسْتَأْجِرِهِمَا فِي صِفَةِ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ قَدْرِهِمَا؛ (كَزَوْجَةٍ) نَصًّا، فَلَهُمَا نَفَقَةُ وَكِسْوَةُ مِثْلِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233](فَلَا يُطْعَمَانِ إلَّا مَا يُوَافِقُهُمَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ) .
(وَإِنْ شَرَطَ لِلْأَجِيرِ) لِخِدْمَةٍ أَوْ رَضَاعٍ (طَعَامَ غَيْرِهِ وَكِسْوَتَهُ مَوْصُوفًا) كَصِفَةِ السَّلَمِ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ غَالِبًا؛ (صَحَّ) لِلْعِلْمِ بِهِ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْمَشْرُوطُ - (لِلْأَجِيرِ) نَفْسِهِ، (إنْ شَاءَ أَطْعَمَهُ) لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِهِ.
(وَ) إنْ شَرَطَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ كِسْوَتَهُ (بِلَا وَصْفٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) لِلْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ إذَا شَرَطَ لِلْأَجِيرِ نَفْسِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجَرَى الْعَادَةُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُ احْتِمَالُهَا لَهَا مَعَ ذَلِكَ.
(وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ أَجِيرٍ) عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ (بِاسْتِغْنَائِهِ) - أَيْ الْأَجِيرِ - وَعَجْزِهِ
عَنْ الْأَكْلِ (لِنَحْوِ مَرَضِهِ) أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ، فَلَا تَسْقُطُ بِالْغِنَى عَنْهُ كَالدَّرَاهِمِ.
(فَإِنْ احْتَاجَ) الْأَجِيرُ (لِدَوَاءٍ) لِمَرَضٍ؛ (لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَأْجِرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّفَقَةِ؛ كَالزَّوْجَةِ (بَلْ) يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ (بِقَدْرِ طَعَامِ الصَّحِيحِ) يَدْفَعُهُ لَهُ، فَيَصْرِفُهُ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ) دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ لِأَجِيرٍ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَقَطْ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ، (وَأَرَادَ أَجِيرٌ) بَعْدَ أَنْ قَبَضَ طَعَامَهُ (أَنْ يَفْضُلَ) بَعْضَهُ (لِنَفْسِهِ مِنْ طَعَامِهِ) الَّذِي قَبَضَهُ - (وَلَا ضَرَرَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ؛ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ، وَلَا حَقَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ الدَّرَاهِمَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْأَجِيرِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَيَفْضُلَ الْبَاقِيَ؛ مُنِعَ مِنْهُ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهُ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ أَكْلَ قَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بِاسْتِفْضَالِهِ ضَرَرٌ؛ (بِأَنْ ضَعُفَ عَنْ الْعَمَلِ، أَوْ قَلَّ لَبَنُ مُرْضِعَةٍ) ؛ مُنِعَ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَرَرًا بِتَفْوِيتِ بَعْضِ مَا لَهُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْجَمَّالِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ عَمَلِ الْجِمَالِ.
(وَإِنْ قَدَّمَ) الْمُسْتَأْجِرُ (إلَيْهِ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - (طَعَامًا، فَنُهِبَ، أَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَكْلِهِ، وَكَانَ) الطَّعَامُ (عَلَى مَائِدَةٍ غَيْرِ خَاصَّةٍ بِهِ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - فَالطَّعَامُ (مِنْ) ضَمَانِ (مُكْتَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْأَجِيرِ طَعَامًا، وَخَصَّهُ بِهِ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ نُهِبَ أَوْ تَلِفَ؛ (فَمِنْ) ضَمَانِ (أَجِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمُ عِوَضٍ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى مُرْضِعَةٍ أَنْ تَأْكُلَ، وَتَشْرَبَ مَا يُدِرُّ لَبَنَهَا، وَيَصْلُحُ بِهِ، وَلِمُكْتَرٍ مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّمْكِينِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَفِي تَرْكِهِ إضْرَارٌ بِالطِّفْلِ.
(وَإِنْ) لَمْ تُرْضِعْهُ، لَكِنْ سَقَتْهُ لَبَنَ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ أَطْعَمَتْهُ، أَوْ
(دَفَعَتْهُ لِنَحْوِ خَادِمِهَا) كَصَدِيقَتِهَا، (فَأَرْضَعَتْهُ؛ فَلَا أَجْرَ لَهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تُوَفِّ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَتْ: أَنَا أَرْضَعْتُهُ) ، وَأَنْكَرَ الْمُسْتَرْضِعُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ.
(وَ) قَالَ (فِي الْمُغْنِي ": لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ، فَكَانَ) ، الْأَجِيرُ (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ حَالَ عَمَلِهِ، فَإِنْ ضَرَّ الْمُكْرِيَ) بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ (رَجَعَ) الْمُكْرِي (عَلَيْهِ) - أَيْ الْأَجِيرِ - (بِقِيمَةِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ) مِنْ الْعَمَلِ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ.
(وَسُنَّ عِنْدَ فِطَامٍ لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ أَمَةً) لِوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ (إعْتَاقُهَا)، وَلِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ (حُرَّةً) لِوَلَدِهِ (إعْطَاؤُهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذِمَّةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَعَلَّ هَذَا فِي مُتَبَرِّعَةٍ) بِالرَّضَاعَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: - بِكَسْرِ الذَّالِ - مِنْ الذِّمَامِ، وَبِفَتْحِهَا مِنْ الذَّمِّ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا خَصَّ الرَّقَبَةَ بِالْمُجَازَاةِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي إرْضَاعِهِ وَحَضَانَتِهِ سَبَبُ حَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ وَحِفْظِ رَقَبَتِهِ، فَاسْتُحِبَّ جَعْلُ الْجَزَاءِ هِبَتَهَا رَقَبَةً؛ لِيُنَاسِبَ مَا بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُرْضِعَةَ أُمًّا، فَقَالَ:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيُعْتِقَهُ» .
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُسْتَحَبُّ إعْتَاقُهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمُجَازَاةُ الَّتِي جَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُجَازَاةً لِلْوَلَدِ مِنْ النَّسَبِ.
(وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ) ؛ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ وَلَدُهُ (مِنْهَا) ؛ (وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِأَجْلِ (حَضَانَتِهِ) - أَيْ: الْوَلَدِ - سَوَاءٌ كَانَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
(وَحَرُمَ أَنْ تَسْتَرْضِعَ أَمَةٌ لِغَيْرِ وَلَدِهَا قَبْلَ رِيِّهِ) - أَيْ الْوَلَدِ - (لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلَدِ وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ إلَّا مَا فَضُلَ) عَنْ الْوَلَدِ مِنْ اللَّبَنِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ يُؤَجِّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَمَتَهُ - وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ - لِلْإِرْضَاعِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَمَنَافِعُهَا لَهُ، وَلَيْسَ لَهَا إجَارَةُ نَفْسِهَا لِرَضَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ عَبْدِ سَيِّدِهَا؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ إجَارَتُهَا لِلرَّضَاعِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِحَقِّهِ، وَإِنْ أَجَّرَهَا السَّيِّدُ لِلرَّضَاعِ؛ صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالنِّكَاحِ؛ كَالْبَيْعِ، وَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَقْتَ فَرَاغِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ، لِسَبْقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. .
(وَالْعَقْدُ) فِي الرَّضَاعِ (عَلَى الْحَضَانَةِ مِنْ) خِدْمَةِ الْمُرْتَضِعِ و (حَمْلِهِ) وَدُهْنِهِ (وَوَضْعِ ثَدْيٍ بِفِيهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا (اللَّبَنُ) فَهُوَ (تَبَعٌ) ؛ (كَصَبْغِ صَبَّاغٍ وَمَاءِ بِئْرٍ بِدَارٍ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ؛ كَلَبَنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ.
قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ "(وَالْأَصَحُّ) وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَى (اللَّبَنِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَا خِدْمَةٍ؛ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا إرْضَاعٍ؛ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَرَتَّبَ إيتَاءَ الْأَجْرِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ عَلَى الْخِدْمَةِ؛ لَمَا لَزِمَهَا سَقْيُ لَبَنِهَا.
وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِضَرُورَةِ حِفْظِ الْآدَمِيِّ (لَا عَلَيْهِمَا) - أَيْ: الْحَضَانَةِ وَاللَّبَنِ - (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الرَّضَاعِ الْحَضَانَةُ وَاللَّبَنُ.
قَالَ النَّاظِمُ:
وَفِي الْأَجْوَدِ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ دَرُّهَا
…
وَالْإِرْضَاعُ لَا حَضْنٌ وَمَبْدَأُ مَقْصِدِ
(وَ) عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ أُطْلِقَتْ) الْحَضَانَةُ؛ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَضَانَتِهِ، وَأَطْلَقَ؛
لَمْ يَشْمَلْ الرَّضَاعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " لَمْ يَلْزَمْهَا وَجْهًا وَاحِدًا، (أَوْ خُصِّصَ رَضَاعُ) الْعَقْدِ؛ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكِ لِرَضَاعَةٍ؛ (لَمْ يَشْمَلْ)[الْآخَرَ]- أَيْ الْحَضَانَةَ - لِئَلَّا يَلْزَمَهَا زِيَادَةٌ عَمَّا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا.
قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ؛ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إلَّا وَضْعُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الطِّفْلِ، وَحَمْلُهُ وَوَضْعُهُ فِي حِجْرِهَا وَبَاقِي الْأَعْمَالِ فِي تَعَهُّدِهِ عَلَى الْحَاضِنَةِ، وَدُخُولُ اللَّبَنِ تَبَعًا كَنَفْعِ الْبِئْرِ.
قَالَ فِي الْهَدْيِ " عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: اللَّهُ يَعْلَمُ وَالْعُقَلَاءُ قَاطِبَةً أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّ وَضْعَ الطِّفْلِ فِي حِجْرِهَا لَيْسَ مَقْصُودًا أَصْلًا وَلَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، لَا عُرْفًا وَلَا حَقِيقَةً، وَلَا شَرْعًا وَلَوْ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ وَهُوَ فِي حِجْرِ غَيْرِهَا أَوْ فِي مَهْدِهِ؛ لَاسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إلْقَامَ الثَّدْيِ الْمُجَرَّدِ لَاسْتُؤْجِرَ لَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا ثَدْيٌ - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَبَنٌ - فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ، وَالْفِقْهُ الْبَارِدُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " إنَّ الْحَضَانَةَ تَتْبَعُ الْعُرْفَ.
(وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ) ؛ انْفَسَخَ بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ، أَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ (مَعَ حَضَانَةٍ، انْفَسَخَ) الْعَقْدُ (بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ) ؛ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْحَضَانَةَ فِي الْغَالِبِ تَبَعٌ لِلرَّضَاعِ. .
(وَشُرِطَ) فِي اسْتِئْجَارِ الرَّضَاعِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ (مَعْرِفَةُ مُرْتَضِعٍ) .
بِمُشَاهَدَةٍ؛ لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ بِاخْتِلَافِ الرَّضِيعِ، كِبَرًا وَصِغَرًا، وَنَهِمَةً وَقَنَاعَةً.
(وَ) الثَّانِي مَعْرِفَةُ (أَمَدِ رَضَاعٍ) ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ وَالْعَمَلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ.
(وَ) الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ (مَكَانِهِ) - أَيْ الرَّضَاعِ - (كَعِنْدِ مُرْضِعَةٍ أَوْ) عِنْدَ (وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَيَشُقُّ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَسْهُلُ فِي بَيْتِهَا.
(وَلَا يُكْرَهُ إرْضَاعُ مُسْلِمَةٍ طِفْلًا لِكِتَابِيٍّ بِأُجْرَةٍ [لَا لَمَجُوسِيٍّ] ) وَنَحْوِهِ مِمَّنْ
يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ " خَصَّ أَحْمَدُ فِي مُسْلِمَةٍ تُرْضِعُ طِفْلًا لِنَصَارَى بِأُجْرَةٍ، لَا لَمَجُوسِيٍّ.
(وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ بِعَلَفِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (وَجَمْعٍ) ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ " الْفَائِقِ " وَصَحَّحَ فِي " الْقَوَاعِدِ " أَنَّهُ كَاسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ وَالظِّئْرِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا (بِهِ) - أَيْ عَلَفِهَا - (وَبِأَجْرٍ مُسَمًّى) ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَا عُرْفَ لَهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ، (فَإِنْ وَصَفَ) عَلَفَهَا مِنْ مُعَيَّنٍ؛ كَشَعِيرٍ (وَقَدَّرَهُ؛ صَحَّ) ؛ لِنَفْيِ الْجَهَالَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِسَلْخِهَا) - أَيْ الدَّابَّةِ - (بِجِلْدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ الْجِلْدُ سَلِيمًا، أَوْ لَا؟ ، وَهَلْ هُوَ ثَخِينٌ أَمْ رَقِيقٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنْ سَلَخَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ (أَوْ) اسْتِئْجَارٌ (لِرَعْيِهَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَمَائِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيّ؛ كَرِعَايَةٍ غَنَمٍ بِثُلُثِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا، أَوْ نِصْفِهِ أَوْ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَا يَصِحُّ عِوَضًا فِي بَيْعٍ، وَلَا يَدْرِي أَيُوجَدُ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا جَوَازُ دَفْعِ الدَّابَّةِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهَا؛ فَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ، فَأَشْبَهَتْ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ الْحَاصِلَ فِي الْغَنَمِ لَا يَقِفُ حُصُولُهُ عَلَى عَمَلِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَكُنْ إلْحَاقُهُ بِذَلِكَ، (بَلْ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِرَعْيِهَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ (مِنْهَا) - أَيْ الدَّابَّةِ - أَيْ مِنْ عَيْنِهَا - لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ وَالْمُدَّةِ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ جَعَلَ الْأَجْرَ دَرَاهِمَ.
(وَلَا) يَجُوزُ (نَفْضُ نَحْوَ زَيْتُونٍ) ؛ كَجَوْزٍ وَتُوتٍ (بِبَعْضِ مَا يَسْقُطُ) - أَيْ بِآصُعَ مَعْلُومَةٍ - (مِنْهُ) ؛ لَلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَاقِيَ بَعْدَهَا.
(وَلَا) يَجُوزُ (طِحْنُ) مَا يُطْحَنُ؛ (كَبُرٍّ) وَنَحْوِهِ (بِقَفِيزٍ مِنْهُ) ؛ «لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَاقِيَ بَعْدَهُ كَمْ هُوَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.
(وَيَتَّجِهُ) وَيَصِحُّ نَفْضُ زَيْتُونٍ كُلِّهِ وَنَحْوِهِ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ) ؛ كَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَمَا سَبَقَ فِي الزَّرْعِ [ (لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ؛ كَمَا مَرَّ آخِرَ الْمُضَارَبَةِ] ) ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِحَصْدِ زَرْعٍ وَصَرْمِ نَخْلٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ، وَيَصْرِمَ النَّخْلَ بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ.
قَالَ الشَّارِحُ: إنَّمَا جَازَ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ أَعْلَى طُرُقِ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا عَلِمَ جُزْأَهُ الْمُشَاعَ، فَيَكُونُ جُزْءًا مَعْلُومًا، وَاخْتَارَهُ عَلَى الْمُقَاطَعَةِ مَعَ جَوَازِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الزَّرْعِ مِثْلُ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ، وَهَهُنَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ يَقِينًا انْتَهَى وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
(وَمَنْ أَعْطَى صَانِعًا مَا يَصْنَعُهُ) ؛ كَغَزْلٍ لِيَنْسِجَهُ، أَوْ ثَوْبٍ لِيُقَصِّرَهُ، أَوْ يَصْبُغَهُ، أَوْ يَخِيطَهُ، أَوْ حَدِيدَةٍ لِيَضْرِبَهَا سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا، أَوْ يَجْعَلَهَا إبَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، (أَوْ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا وَنَحْوَهُ) ؛ كَدَلَّالٍ وَحَصَادٍ وَحَجَّامٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ.
(وَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ) الْعَمَلُ (مِنْ) صَانِعٍ (مُعِدٍّ نَفْسَهُ لِذَلِكَ) - أَيْ: لِلْعَمَلِ - بِالْأُجْرَةِ؛ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَعْرِيضٍ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الشَّرْحِ.
(فَلَهُ أَجْرُ
مِثْلِهِ) عَلَى عَمَلِهِ سَوَاءٌ وَعَدَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْهُ، وَخُذْ أُجْرَتَهُ، أَوْ عَرَّضَ لَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْهُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّك إنَّمَا تَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ، أَوْ لَا؛ (وَلَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ) - أَيْ الصَّانِعِ - (بِأَخْذِ) أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لَهُ بِإِذْنِهِ مَا لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَلَمْ يَتَبَرَّعْ؛ كَمَا لَوْ وَضَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَلَا دَلَالَةَ عَنْ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ، أَوْ إذْنِهِ فِي إتْلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي قَبْضِ مَالِ غَيْرِهِ، أَوْ مَنْفَعَتِهِ الضَّمَانُ.
(وَكَذَا رُكُوبُ سَفِينَةٍ، وَحَلْقُ رَأْسٍ، وَغَسْلُ ثَوْبٍ، وَبَيْعُهُ، وَقَابِلَةٌ فِي وِلَادَةٍ) تَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَشُرْبُ مَاءٍ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ، أَوْ قَهْوَةٍ وَنَحْوِهَا فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ الْقَهْوَةِ وَنَحْوِهَا، وَأُجْرَةُ الْآنِيَةِ وَالسَّاقِي وَالْمَكَانِ؛ جَائِزٌ، بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ.
(وَ) كَذَا (كَانَ دُخُولُ حَمَّامٍ) ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِيه.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ "(وَمَا يَأْخُذُهُ حَمَّامٌ فَأُجْرَةُ مَحَلٍّ وَسَطْلٌ وَمِئْزَرٍ وَالْمَاءُ تَبَعٌ) ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَبَنِ الْمُرْضِعَةِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ؛ فَإِنَّ الْمَاءَ مَبِيعٌ.
(وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ) ؛ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَبَعًا، بَلْ تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحُوزٌ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يُنْقِصُهُ، وَلَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَقُ مِنْهُ بِالْجَسَدِ إلَى الْعِلْمِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْجَهْلِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَقَوَاعِدُهُمْ لَا تَأْبَاهُ.
يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فَوْقَ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ كَاسْتِعْمَالِهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ فَوْقَ الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجِبُ صَرْفُهُ الْوَقْفَ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ انْتَهَى.
وَمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِخَيَّاطٍ، (وَ) قَالَ:(إنْ خِطْته الْيَوْمَ) ؛ فَبِدِرْهَمٍ، (أَوْ) إنْ خِطْته (رُومِيًّا؛ فَبِدِرْهَمٍ وَ) ، إنْ خِطْته (غَدًا) ؛ فَبِنِصْفِهِ، (وَ) إنْ خِطْته (فَارِسِيًّا؛ فَبِنِصْفِهِ) - أَيْ: نِصْفَ دِرْهَمٍ - لَمْ يَصِحَّ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك الدَّارَ بِدِرْهَمٍ نَقْدًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ نَسِيئَةً، أَوْ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا بِدِرْهَمَيْنِ؛ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِأَحَدِهِمَا.
(أَوْ) دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى زَرَّاعٍ، وَقَالَ:(إنْ زَرَعْتهَا بُرًّا؛ فَبِخَمْسَةٍ، وَ) إنْ زَرَعَتْهَا (ذُرَةً؛ فَبِعَشَرَةٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ كِتَابٍ إلَى الْكُوفَةِ، وَقَالَ: إنْ وَصَّلْته يَوْمَ كَذَا؛ فَلَكَ عِشْرُونَ، وَإِنْ تَأَخَّرْت بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ؛ فَلَكَ عَشَرَةٌ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
(وَكَذَا) قَوْلُ رَبِّ شِقْصٍ: بِعْتُكَهُ، أَوْ أَجَرْتُكَهُ (بِدِرْهَمٍ نَقْدًا، أَوْ دِرْهَمَيْنِ نَسَاءً) ؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك الْحَانُوتَ شَهْرًا إنْ قَعَدْت فِيهِ خَيَّاطًا؛ فَبِخَمْسَةٍ، أَوْ حَدَّادًا؛ فَبِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً، وَقَالَ لِمُسْتَأْجِرِهَا:(إنْ رَدَدْت الدَّابَّةَ الْيَوْمَ؛ فَبِخَمْسَةٍ، وَ) إنْ رَدَدْتهَا (غَدًا؛ فَبِعَشَرَةٍ) ؛ صَحَّ نَصًّا قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي.
، (أَوْ عَيْنًا) - أَيْ: الْعَاقِدَانِ - (زَمَنًا وَأُجْرَةً) ؛ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، (وَمَا زَادَ فَلِكُلٍّ يَوْمٍ كَذَا؛ صَحَّ) نَصًّا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى جُدَّةَ بِكَذَا، فَإِنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ؛ فَبِكَذَا؛ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا، فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ اسْتَسْقَى لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةَ غَيْرِهِ (لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ) ؛ لِجَهْلِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، (أَوْ) لِمُدَّةِ (غَيْبَتِهِ) فِي تِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْغَزَاةِ قَدْ تَطُولُ وَتَقْصُرُ، وَالْعَمَلَ فِيهَا يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَغَيْبَةُ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ، فَإِنْ تَسَلَّمَ الْمُؤَجَّرَةَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
هَذَا (إنْ لَمْ يُعَيَّنْ لِكُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ كَذَا) - أَيْ: دِينَارٌ، (وَمَا زَادَ)[عَنْ الْمُعَيَّنِ مِنْ] الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ؛ (فَكَذَا) وَكَذَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ.
(فَإِنْ عُيِّنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْءٌ مَعْلُومٌ (أَوْ اكْتَرَاهُ) لِيَسْتَقِيَ لَهُ (كُلَّ دَلْوٍ مَعْلُومٍ مَعَ) عِلْمِ (بِئْرٍ) بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ (بِتَمْرَةٍ) ؛ صَحَّ؛ لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ قَالَ جُعْت مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْت أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ بَدْرًا، فَظَنَنْت أَنَّهَا تُرِيدُ بَلَّهُ، فَقَاطَعْتهَا كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَمَدَدْت سِتَّةَ عَشَرَ ذُنُوبًا، فَعَدَّتْ لِي سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْته فَأَكَلَ مَعِي مِنْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ «رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَّهُ قَالَ لِيَهُودِيٍّ: أَسْقِي نَخْلَك؟ قَالَ: نَعَمْ كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَاشْتَرَطَ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ خَدِرَةً وَلَا تَارِزَةً وَلَا حَشَفَةً، وَأَلَّا يَأْخُذَ جَلْدَةً، فَاسْتَقَى بِنَحْوٍ مِنْ صَاعَيْنِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْلُومٍ لَهُ عِوَضٌ مَعْلُومٌ، فَجَازَ كَمَا لَوْ سَمَّى دِلَاءً مَعْرُوفَةً، وَقَوْلُهُ: جَمَعَتْ بَدْرًا - بِمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ - هُوَ جِلْدُ السَّخْلَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاشْتَرَطَهَا جَلْدَةً - أَيْ: شَدِيدَةً قَوِيَّةً أَوْ كَبِيرَةً - وَقَوْلُهُ: خَدِرَةً - بِوَزْنِ زَنِخَةٍ - هِيَ الثَّمَرَةُ تَقَعُ مِنْ النَّخْلَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَارِزَةً بِوَزْنِ فَاعِلَةٍ - أَيْ: يَابِسَةً - وَقَوْلُهُ: وَلَا حَشَفَةً - أَيْ: رَدِيئَةً أَوْ ضَعِيفَةً - لَا نَوَى لَهَا، أَوْ فَاسِدَةً.
(أَوْ) اكْتَرَاهُ (عَلَى) حَمْلِ (زُبْرَةِ حَدِيدٍ لِمُحَلِّ كَذَا عَلَى أَنَّهَا) أَيْ: الزُّبْرَةَ - (عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، وَإِنْ زَادَتْ) فَلِكُلِّ رِطْلٍ كَذَا، (أَوْ) قَالَ:(مَا زَادَ؛ فَلِكُلِّ رِطْلٍ كَذَا) ؛ صَحَّ فِي الزُّبْرَةِ فَقَطْ، لِلْعِلْمِ بِهَا دُونَ مَا زَادَ؛ فَإِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَأَيْضًا عَقْدُهُ مُعَلَّقٌ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَارَةِ.
(أَوْ أَجَّرَهُ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ سَنَةٍ بِكَذَا؛ صَحَّ) ، وَكُلَّمَا دَخَلَ يَوْمٌ أَوْ سَنَةٌ أَوْ شَهْرٌ؛ لَزِمَهَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ إنْ لَمْ يَفْسَخَاهَا أَوْ لَهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِمَنْزِلَةِ إيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقْدِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ، وَالرِّضَا بِبَذْلِهِ بِهِ؛ جَرَى مَجْرَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ إذَا جَرَى مِنْ الْمُسَاوَمَةِ مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا بِهَا.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (الْفَسْخُ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ فِي الْحَالِ) - أَيْ: عَقِبَ تَقَضِّي كُلُّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ عَلَى الْفَوْرِ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ؛ بِأَنْ يَقُولَ: فَسَخْت الْإِجَارَةَ فِي قَابِلٍ، وَلَيْسَ بِفَسْخٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ، لَمْ يَثْبُتْ.
قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَقَالَا: إذَا تَرَكَ التَّلَبُّسَ بِهِ؛ فَهُوَ كَالْفَسْخِ، لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ؛ لِعَدَمِ الْعَقْدِ، (فَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يَتَّسِعُ لِلْفَسْخِ، وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لَزِمَتْ) الْإِجَارَةُ (فِيهِ) ؛ لِأَنَّ تَمَهُّلَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِلُزُومِ الْإِجَارَةِ فِيهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَعْتَبِرَ (أَوَّلَ الْيَوْمِ) الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ الْيَوْمَ الشَّرْعِيَّ (طُلُوعَ الْفَجْرِ) الثَّانِي، فَلَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَسِخَ؛ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمَالِكَ - لِلْفَسْخِ، (لَوْ جَهِلَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ) - أَيْ: مُدَّةِ الْإِجَارَةِ -؛ (لَمْ يُتَصَوَّرْ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إذَا عَلِمَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ، وَقَدْ جَهِلَ؛ فَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ (إلَّا بِ) اشْتِرَاطِ (التَّعْلِيقِ) ؛ كَقَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ سَنَةً وَنَحْوَهَا:(فُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (إذَا مَضَتْ مُدَّتِي، أَوْ) قَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ شَهْرًا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ إذَا مَضَى (الشَّهْرُ) فَتَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ الْمُضِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَلَوْ أَجَّرَهُ دَارًا أَوْ نَحْوَهَا شَهْرًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِلْجَهَالَةِ.
وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك هَذَا لِشَهْرٍ بِكَذَا، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ؛ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ قَالَ: أَجَّرْتُك دَارِي عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ كَذَا، كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ؛ صَحَّ الْعَقْدُ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْأَجْرَ مَعْلُومَانِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ؛
أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك عِشْرِينَ شَهْرًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
(فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ) لِلْأَجِيرِ: (احْمِلْ لِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَانْقُلْ صُبْرَةً أُخْرَى فِي الْبَيْتِ بِحِسَابِ ذَلِكَ) - أَيْ: كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ - (وَعَلِمَا مَا فِي الْبَيْتِ مُشَاهَدَةً) ، أَوْ وَصْفًا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِلْعِلْمِ بِهِمَا، (وَإِلَّا) يَعْلَمَاهَا؛ بِأَنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الْأُولَى لِلْعِلْمِ بِهَا، و (لَا) يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِلْجَهْلِ بِهَا.
و (لَوْ) قَالَ لَهُ: (احْمِلْ) لِي (هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَ) الصُّبْرَةُ (الَّتِي فِي الْبَيْتِ بِعَشَرَةٍ، وَ) كَانَا (يَعْلَمَانِ مَا فِي الْبَيْتِ؛ صَحَّ فِيهِمَا) بِالْعَشَرَةِ (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) يَعْلَمَا مَا فِي الْبَيْتِ؛ (بَطَلَ فِيهِمَا) - أَيْ: فِي الْمُشَاهَدَةِ وَاَلَّتِي فِي الْبَيْتِ - (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَفْصِيلَهُ فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ؛ (كَتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي عَقْدٍ؛ كَقَوْلِهِ بِعْتُك هَذِهِ الْفَرَسَ، وَمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْفَرَسِ الْأُخْرَى بِكَذَا؛ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ؛ لِجَهَالَتِهِ، وَالْمَعْلُومُ مَجْهُولُ الثَّمَنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا، وَالْحَمْلُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ، فَيَتَعَذَّرُ التَّقْسِيطُ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ، لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ بِقِسْطِهِ: فَعُلِمَ مِنْهُ حَيْثُ شَبَّهَهَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ، يَصِحُّ فِي الصُّبْرَةِ الْمَعْلُومَةِ بِقِسْطِهَا مِنْ الْعَشَرَةِ، وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى لِلْجَهَالَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) لَوْ قَالَ لَهُ: (احْمِلْ) لِي إلَى كَذَا (قَفِيزًا مِنْهَا) - أَيْ: الصُّبْرَةِ (بِدِرْهَمٍ، وَمَا زَادَ) عَلَى الْقَفِيزِ؛ (فَبِحِسَابِ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَهْمَا حَمَلْته مِنْ بَاقِيهَا؛ فَلَكَ بِكُلِّ قَفِيزٍ دِرْهَمٌ؛ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِلْجَهَالَةِ.
(وَلَوْ) قَالَ لَهُ: (احْمِلْ لِي) إلَى كَذَا هَذِهِ الصُّبْرَةَ قَفِيزًا [مِنْهَا - أَيْ: