الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى؛ فَهُوَ (غَاصِبٌ، وَلِمُسْتَأْجِرٍ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ) بِنَفَقَتِهِ، (وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ) ، خِلَافًا لِلْقَاضِي.
(وَكَذَا غَاصِبُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ زُرِعَتْ) ؛ أَيْ: زَرَعَهَا الْغَاصِبُ؛ فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ لِمِلْكِ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَ) إنْ زُرِعَتْ أَرْضٌ (مُوصًى بِنَفْعِهَا) لِمُعَيَّنٍ؛ فَلِلْمُوصِي لَهُ تَمَلُّكُ زَرْعِهَا بِنَفَقَتِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْصُوبَةِ.
(وَ) لَوْ (اكْتَرَى) أَرْضًا (مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ) ذَلِكَ الزَّرْعُ (فِيهَا) عَادَةً؛ كَمَنْ اكْتَرَى خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ إلَّا فِي سَنَةٍ، نَظَرْنَا (فَإِنْ شَرَطَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قَلْعَهُ) - أَيْ الزَّرْعُ - (بَعْدَهَا) - أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ - أَوْ نَقْلَهُ عَنْهُ وَتَفْرِيغَهَا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ لِيَأْخُذَهُ قَصِيلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ، (وَإِلَّا) يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ؛ بِإِنْ شَرَطَ إبْقَاءَهُ إلَى إدْرَاكِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوْ سَكَتَ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً؛ (فَلَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؛ لِفَسَادِهَا بَعْدَ الِاشْتِرَاطِ.
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ يَقْتَضِي التَّفْرِيغَ بَعْدَهَا، وَشَرْطُ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولَةٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِزَرْعِ شَيْءٍ لَا يُنْتَفَعُ بِزَرْعِهِ فِي مُدَّةٍ لِإِجَارَةٍ، أَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَرْضِ الْمُنْتِجَةِ لِلزَّرْعِ.
[تَتِمَّةٌ أَسْلَمَ الْعَيْنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ]
: وَإِذَا أَسْلَمَ الْعَيْنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ بَعْضُهَا، أَوْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، أَوْ لَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ الْمَأْجُورَ، أَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُؤَجِّرِ، فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلَّمْ الْعَيْنُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ - وَلَوْ بَذَلَ الْعَيْنَ الْمَالِكُ - لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا أَثَرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ.
[فَصْلٌ الْأَجِيرُ قِسْمَانِ قِسْمٌ خَاصٌّ وَقِسْمٌ مُشْتَرَكٌ]
(فَصْلٌ:)(وَالْأَجِيرُ قِسْمَانِ) ، قِسْمٌ (خَاصٌّ وَ) قِسْمٌ (مُشْتَرَكٌ) ، (فَلَا ضَمَانَ
عَلَى) أَجِيرٍ (خَاصٍّ، وَهُوَ مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِمُدَّةٍ) ؛ بِأَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِدْمَةٍ أَوْ عَمَلٍ فِي بِنَاءٍ أَوْ خِيَاطَةٍ يَوْمًا أَوْ أُسْبُوعًا وَنَحْوَهُ؛ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ نَفْعُهُ بِهَا، لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ؛ فَمُشْتَرَكٌ؛ كَمَا يَأْتِي، سِوَى زَمَنِ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِسُنَنِهَا الْمُؤَكَّدَاتِ.
قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَسِوَى صَلَاةِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ، فَإِنَّ أَزْمِنَةَ ذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، بَلْ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ النَّصِّ يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إذْنٍ، سَوَاءٌ (سَلَّمَ نَفْسَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ، (أَوْ لَا) ؛ بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ، وَتَتَعَلَّقُ الْإِجَارَةُ بِعَيْنِهِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ؛ فَلَمْ يَضْمَنْ؛ كَالْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ؛ كَالْقِصَاصِ (إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ) الْإِتْلَافَ، (أَوْ يُفَرِّطَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ كَالْغَاصِبِ.
(وَإِنْ عَمَلَ) أَجِيرٍ خَاصٌّ (لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ، فَأَضَرَّهُ؛ فَلَهُ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ - عَلَى الْأَجِيرِ (قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ) عَلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يَحْتَطِبَ لَهُ عَلَى حِمَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَنْقُلُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى حَمِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ: فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ؛ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجِيرِ بِقِيمَةِ مَا اسْتَضَرَّ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ عَمَلِهِ.
(وَيَقْبَلُ دَعْوَاهُ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - لِحَمْلِ شَيْءٍ (تَلِفَ) ذَلِكَ (الْمَحْمُولُ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضْمَنُهُ بِيَمِينِهِ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْحَامِلُ - (أُجْرَةُ حَمْلِهِ) إلَى مَحَلِّ تَلَفِهِ. ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مَا عَمَلَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ بِإِذْنٍ، وَعَدَمُ تَمَامِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ.
(وَلَا) ضَمَانَ عَلَى (حَجَّامٍ أَوْ خَتَانِ) ، خَاصًّا كَانَ أَوْ مُشْتَرَكًا، (بِآلَةٍ غَيْرِ كَالَّةٍ) ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَطْعِ (فِي وَقْتٍ صَالِحٍ لِقَطْعٍ) ، فَإِنْ قَطَعَ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ؛ ضَمِنَ، (أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ طَبِيبٍ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا) إذَا كَانَ (حَاذِقًا) فِي صَنْعَتِهِ، (وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ بِمُجَاوَزَةٍ، أَوْ قَطْعِ مَا لَمْ يَقْطَعْ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا، فَلَمْ يَضْمَنْ سِرَايَتَهُ؛ كَحَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: اقْطَعْ قَطْعًا لَا يَسْرِي، بِخِلَافِ دُقَّ دَقًّا لَا يَخْرِقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حِذْقٌ فِي الصَّنْعَةِ، ضَمِنُوا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ إذَنْ، فَإِذَا قَطَعَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، فَضَمِنَ سَرَايَتَهُ. (وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ) - أَيْ: الْفِعْلُ - (مُكَلَّفٌ وَلَوْ سَفِيهًا - أَوْ) أَذِنَ فِيهِ (وَلِيُّ نَحْوِ صَغِيرٍ) ؛ كَمَجْنُونٍ، أَوْ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ بِنَحْوِ الصَّغِيرِ، أَوْ وَلِيُّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى فِي قَطْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ ذِي الْوِلَايَةِ، (وَإِلَّا) يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَسَرَتْ الْجِنَايَةُ؛ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ فِي طِفْلَةٍ مَاتَتْ مِنْ الْخِتَانِ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنِهَا.
وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ، وَكَانَ حَاذِقًا، لَكِنْ جَنَتْ يَدُهُ، وَلَوْ خَطَأً؛ مِثْلَ أَنْ جَاوَزَ الْخِتَانَ إلَى الْحَشَفَةِ أَوْ إلَى بَعْضِهَا، أَوْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ سِلْعَةً، فَتَجَاوَزَ مَوْضِعَ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ بِآلَةٍ كَآلَةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " تُحْفَةِ الْوَدُودِ ": فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ فِي زَمَنِ حَرٍّ مُفْرِطٍ، أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ، أَوْ فِي حَالِ ضَعْفٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ شَرْعًا، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيُّهُ؛ أَيْ: فِي زَمَنِ الْحَرِّ الْمُفْرِطِ أَوْ الْبَرْدِ؛ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ الْخَاتِنِ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْوَلِيَّ مُتَسَبِّبٌ، وَالْخَاتِنَ مُبَاشِرٌ؛ فَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي تَضْمِينَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ، مَا إذَا تَعَذَّرَ تَضْمِينُهُ. انْتَهَى.
(وَلَا) ضَمَانَ عَلَى (رَاعٍ) فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْمَاشِيَةِ إذَا (لَمْ يَتَعَدَّ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ
فِي نَفْيِهِ) - أَيْ: التَّعَدِّي - (أَوْ) لَمْ (يُفَرِّطْ) فِي حِفْظِهَا (بِنَحْوِ نَوْمٍ) ؛ كَاشْتِغَالٍ بِلَعِبٍ (أَوْ غَيْبَتِهَا) - أَيْ: الْمَاشِيَةُ - (عَنْهُ، أَوْ ضَرْبِهَا) ضَرْبًا (مُبَرِّحًا) ؛ بِأَنْ يُسْرِفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ سُلُوكِهِ مَوْضِعًا يَتَعَرَّضُ لِتَلَفِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى حِفْظِهَا؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، فَلَا يَضْمَنُهَا بِدُونِ مَا ذُكِرَ؛ كَالْمُؤَجَّرَةِ، فَإِنْ فَرَّطَ الرَّاعِي فِي حِفْظِهَا بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ تَرَكَهَا تَتَبَاعَدُ عَنْهُ، أَوْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ وَحِفْظِهِ، أَوْ تَعَدَّى؛ بِأَنْ أَسْرَفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ ضَرَبَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ، أَوْ ضَرَبَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الضَّرْبِ؛ ضَمِنَ الرَّاعِي التَّالِفَ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَإِذَا جَذَبَ الدَّابَّةَ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ) ، أَوْ السَّيْرَ مَعَ الْكَرِّ أَوْ الْفَرِّ (لِتَقِفَ) ، أَوْ تَنْقَلِبَ، فَتَلِفَتْ؛ لَمْ تُضْمَنْ، (أَوْ ضَرَبَاهَا) - أَيْ: الدَّابَّةُ - مُسْتَأْجِرُهَا أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ وَنَحْوِهِ، كَالضَّرْبِ الْمُتَعَارَفِ (عَادَةً) مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ؛ (لَمْ تُضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ جَذَبَهَا لَا لِلْوُقُوفِ، وَلَا لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ ضَرْبًا غَيْرَ الْمُعْتَادِ؛ (حَرُمَ) ذَلِكَ، (وَضَمِنَ) الدَّابَّةَ إنْ تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ.
(وَعَلَى رَاعٍ تَحَرِّي نَافِعٍ مَكَانٍ رَعْيٍ، وَ) يَلْزَمُهُ (تَوَقِّي نَبَاتٍ مُضِرٍّ، وَ) يَلْزَمُهُ (إيرَادُهَا) - أَيْ: الْمَاشِيَةِ - (الْمَاءَ) إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَضُرُّهَا شُرْبُهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ (رَدُّهَا عَنْ زَرْعِ النَّاسِ، وَ) يَلْزَمُهُ (دَفْعُ سِبَاعٍ عَنْهَا، وَ) يَلْزَمُهُ (مَنْعُ بَعْضِهَا مِنْ أَذِيَّةِ بَعْضٍ قِتَالًا وَنَطْحًا. وَ) يَلْزَمُهُ أَنْ (يُؤَدِّبَ الصَّائِلَةَ) بِرَدِّهَا عَنْ الْمَصُولِ عَلَيْهَا، وَيَرُدَّ الْقَرْنَاءَ عَنْ الْجَمَّاءِ، وَالْقَوِيَّةَ عَنْ الضَّعِيفَةِ. (وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا عِنْدَ الْمَسَاءِ لِأَرْبَابِهَا) .
وَإِنْ اخْتَلَفَ رَاعٍ وَرَبُّ مَاشِيَةٍ فِي تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ وَعَدَمِهِ؛ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّهَا أَنْ الرَّاعِيَ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ، فَتَلِفَتْ، وَأَنْكَرَ الرَّاعِي؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ، وَإِنْ فَعَلَ الرَّاعِي فِعْلًا، وَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ تَعَدِّيًا، أَوْ فَرَّطَ؛ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ.
(وَإِنْ ادَّعَى) الرَّاعِي (مَوْتًا) لِشَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ - (وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْ جِلْدًا) أَوْ غَيْرَهُ - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، (أَوْ ادَّعَى مُكْتَرٍ) لِدَابَّةٍ أَوْ آدَمِيٍّ (أَنْ الْمُكْتَرَى أَبَقَ أَوْ مَرِضَ أَوْ شَرَدَ أَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا) - أَيْ: الْمُدَّةُ - (قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِ التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ.
(وَلَوْ جَاءَ بِهِ صَحِيحًا وَكَذَّبَهُ) الْمَالِكُ؛ أَيْ: فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالرِّعَايَةِ " فِي إبَاقِ الْعَبْدِ، (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَيْهِ (حَيْثُ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ) - أَيْ الْمَأْجُورُ - لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَإِنْ عَقَدَ) إجَارَةٍ (عَلَى) رَعْيِ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ (مُعَيَّنَةٍ مُدَّةً، تَعَيَّنَتْ) ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ؛ (فَلَا تُبْدَلْ؛ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ) مِنْهَا؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ كَمَوْتِ الْوَضِيعِ (وَ) إنْ عَقَدَ (عَلَى) رَعْيِ شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهِ) وَجِنْسِهِ، فَيَقُولُ: إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا، وَيَقُولُ فِي الْإِبِلِ: بَخَاتِيًّا أَوْ عِرَابًا، وَفِي الْبَقَرِ بَقَرًا أَوْ جَوَامِيسَ، وَفِي الْغَنَمِ ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا، (وَ) يَذْكُرُ (كِبَرَهُ أَوْ صِغَرَهُ، وَ) يَذْكُرُ (عَدَدَهُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ؛ إزَالَةً لِلْجَهَالَةِ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ الرَّاعِي - (رَعْيُ سِخَالِهَا) ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا.
(وَلَا يَشْمَلُ إطْلَاقَ) الْعَقْدِ عَلَى (بَقَرٍ) رَعْيُ (جَوَامِيسَ) ، وَعَلَى إبِلٍ لَمْ يَشْمَلْ بَخَاتِيَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ.
(وَيَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ. وَيَتَّجِهُ) تَضْمِينُهُ الشَّيْءَ (الْمَعْمُولَ) الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ (آلَةً) دَفَعَهَا لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِيَعْمَلَ بِهَا ذَلِكَ (الْعَمَلَ)
إنْ تَلِفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ تَلِفَتْ فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ، فَلَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَهُوَ) - أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ - (مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِعَمَلٍ، وَلَوْ تَعَرَّضَ فِيهِ) - أَيْ: الْعَمَلُ - وَقْتَ عَقْدٍ (لِمُدَّةٍ؛ كَكَحَّالٍ) يُكَحِّلُهُ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، وَيَتَقَبَّلُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْأَعْمَالَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَعْمَلُ لَهُمْ، فَيَشْتَرِكُونَ فِي نَفْعِهِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا، فَتَتَعَلَّقُ الْإِجَارَةُ بِذِمَّتِهِ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِتَسْلِيمِ عَمَلِهِ، دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ (مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ) - أَيْ: الْأَجِيرُ - الْمُشْتَرَكُ (مِنْ تَخْرِيقِ) قَصَّارٍ بِدَقِّهِ أَوْ مَدِّهِ أَوْ عَصْرِهِ أَوْ بَسْطِهِ، (وَغَلَطِ) خَيَّاطٍ (فِي تَفْصِيلٍ) ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، لِأَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ فِيمَا عَمَلَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، (أَوْ) غَلَطٍ فِي (نَسْجٍ، أَوْ) فِي (طَبْخٍ، أَوْ) فِي (خَبْزٍ) ، وَكَذَا مَلَّاحُ سَفِينَةٍ وَنَحْوُهُ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ مِنْ يَدِهِ أَوْ خَرْقِهِ أَوْ مَا يُعَالِجُ بِهِ السَّفِينَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ لَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "" وَالْوَجِيزِ "" وَالْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ.
(وَيُقَدَّمُ قَوْلُ رَبِّهِ) - أَيْ: التَّالِفُ - (فِي صِفَةِ عَمَلِهِ) ؛ أَيْ: إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَمَلِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَأْجُورِ؛ لِيَغْرَمَهُ لِلْعَامِلِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَتَبِعَهُمَا فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَهُوَ مَرْجُوحٌ.
(وَيَتَّجِهُ لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهِ، بَلْ يَقْبَلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمْ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ:" لِلْإِقْنَاعِ " - كَمَا يُقَدَّمُ قَوْلُ (الْخَيَّاطِ) عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَضْمَنُ حَامِلٌ مَا تَلِفَ (بِزَلْقِهِ أَوْ عَثْرَتِهِ) - أَيْ: الْحَامِلُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ - (وَسُقُوطِ) مَحْمُولٍ (عَنْ دَابَّةٍ) أَوْ رَأْسٍ، (أَوْ تَلِفَ بِقَوَدِهِ) - أَيْ: الْجَمَّالُ - (وَسَوْقِهِ أَوْ انْقِطَاعِ حَبْلِهِ) الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَمْلُ، سَوَاءٌ (حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ غَابَ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ صَاحِبِ الْعَمَلِ حَاضِرًا عِنْدَهُ أَوْ غَائِبًا، أَوْ كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَّاحِ أَوْ الْجَمَّالِ أَوْ لَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَلَّاحِ بِحَذْقِهِ، أَوْ بِجِنَايَةِ الْمُكَارِي بِشَدِّهِ الْمَتَاعَ وَنَحْوِهِ؛ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ يَدِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ؛ كَالْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ رَاكِبًا مَعَهُ يَعُمُّ الْمَتَاعُ وَصَاحِبُهُ، وَتَفْرِيطُهُ يَعُمُّهُمَا؛ فَلَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ الضَّمَانُ؛ كَمَا لَوْ رَمَى إنْسَانًا مُتَتَرِّسًا، فَكَسَرَ تُرْسَهُ وَقَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الطَّبِيبَ وَالْخَتَّانَ إذَا جَنَتْ يَدَاهُمَا؛ ضَمِنَا مَعَ حُضُورِ الْمُطَبَّبِ وَالْمَخْتُونِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَمَّالٌ يَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهِ - وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ - فَعَثَرَ، فَسَقَطَ الْمَتَاعُ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَ، وَإِنْ سَرَقَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعِثَارِ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ،
وَالسَّرِقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ غَابَ، بَلْ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَقْصُودٌ لِفَاعِلِهِ، وَالسَّقْطَةُ مِنْ الْحَمَّالِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، فَإِذَا أَوْجَبَ الضَّمَانُ هَا هُنَا فَثَمَّ أَوْلَى، قَالَ فِي الشَّرْحِ:(وَ) يَضْمَنُ أَيْضًا مَا نَقَصَ (بِخَطَئِهِ فِي فِعْلِهِ) ؛ كَصَبَّاغٍ أُمِرَ بِصَبْغِ ثَوْبٍ أَصْفَرَ، فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، وَدَلِيلُ ضَمَانِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَا أَجْرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ؛ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، (وَلَوْ بِدَفْعِهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ - (لِغَيْرِ رَبِّهِ) غَلَطًا، فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي قَصَّارٍ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ: يَغْرَمُ الْقَصَّارُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْقَصَّارِ نَصًّا، (وَغَرِمَ قَابِضُ) الثَّوْبِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَلَطًا - (قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا) أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ - (أَرْشَ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةَ لُبْسِهِ) ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، (وَرَجَعَ) قَابِضٌ (بِهِمَا) - أَيْ بِأَرْشِ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةِ لُبْسِهِ - (عَلَى دَافِعٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ " وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْقَصَّارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ " مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ بِأُجْرَةِ اللُّبْسِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِثَوْبِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ، فَضَمِنَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ. .
(وَإِنْ عَلِمَ) قَابِضٌ أَنْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِثَوْبِهِ، فَقَطَعَهُ، أَوْ لَبِسَهُ؛ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ عَلَى دَافِعٍ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَ (لَا) : يَضْمَنُ أَجِيرٌ (مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ