الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ: عَلَى الْعَمْدِ، (وَلَوْ أَجَّرَ) مُشْتَرٍ؛ (غَرِمَ مُسْتَأْجِرٌ) لِلْحُرِّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ، (لَكِنْ يَرْجِعُ) الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِمَا دَفَعَهُ) لِلْحُرِّ (أُجْرَةً) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي غُرْمِهِ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[فَرْعٌ تَعَاطِي عُقُودٍ فَاسِدَةٍ]
(فَرْعٌ يَحْرُمُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (تَعَاطِي عُقُودٍ فَاسِدَةٍ) ؛ إذَا كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِهَا، وَلَمْ يُقَلِّدْ مَنْ يَرَى صِحَّتَهَا، فَإِنْ قَلَّدَ؛ جَازَ، (وَالنَّاسُ وَاقِعُونَ فِي ذَلِكَ) ، يَتَعَاطَوْنَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ، تَهَاوُنًا مِنْهُمْ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
[بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ]
(بَابُ الْخِيَارِ) فِي الْبَيْعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا يَحْصُلُ بِهِ قَبْضُهُ، وَالْإِقَالَةُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (الْخِيَارُ اسْمُ مَصْدَرِ اخْتَارَ) يَخْتَارُ اخْتِيَارًا لَا مَصْدَرُهُ؛ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى الْفِعْلِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْخِيَارُ (طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءٍ أَوْ فَسْخٍ، وَأَقْسَامُهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِحَسَبِ أَسْبَابِهِ (ثَمَانِيَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ.
(أَحَدُهَا خِيَارُ مَجْلِسٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ، مَوْضِعُ الْجُلُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَكَانُ التَّبَايُعِ.
(وَيَثْبُتُ) خِيَارُ مَجْلِسٍ (فِي بَيْعٍ) عِنْدَ أَشْهَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ؛ لِحَدِيثِ:«الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَوْلُ عُمَرَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ مَعْنَاهُ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ إلَى مَا شُرِطَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ، سَمَّاهُ صَفْقَةً؛ لِقَصْرِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ قَبْلَهُ غَالِبًا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خِيَارٍ بَعْدَهُ.
(غَيْرَ كِتَابَةٍ) ، فَلَا خِيَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ.
(وَ)(تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدِ) بَيْعٍ، بِأَنْ انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ وَاحِدٌ لِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، كَالشَّفِيعِ.
وَ [غَيْرَ](شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ) ؛ كَقَرِيبِهِ، (أَوْ قَوْلٍ) أَوْ تَعْلِيقٍ؛
كَإِنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ.
(أَوْ اعْتِرَافٍ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ، لَا شِرَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، (أَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ)، كَقَوْلِ بَائِعٍ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ مُشْتَرٍ: قَبِلْتُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ، أَوْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ.
(وَكَبَيْعٍ) فِي ثُبُوتِ خِيَارِ مَجْلِسٍ، فِيهِ (صُلْحٌ) بِمَعْنَى بَيْعٍ؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ، (وَ) كَبَيْعِ (قِسْمَةٍ) بِمَعْنَى بَيْعٍ - وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي - (وَ) كَبَيْعِ (هِبَةٍ بِمَعْنَاهُ) - وَهِيَ الَّتِي فِيهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ - فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، كَالْبَيْعِ، (وَ) كَبَيْعِ (إجَارَةٍ) عَلَى عَيْنٍ؛ كَدَارٍ وَحَيَوَانٍ، أَوْ عَلَى نَفْعٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، (وَكَذَا مَا) ؛ أَيْ: عَقْدٌ (قَبَضَهُ) ؛ أَيْ: الْعِوَضَ فِيهِ، (شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: لِدَوَامِهَا؛ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ)(وَ) بَيْعٍ (رِبَوِيٍّ) مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ (بِرِبَوِيٍّ) ؛ كَبَيْعِ بُرٍّ بِبُرٍّ مِثْلِهِ، أَوْ شَعِيرٍ؛ فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَوْضِعَهُ النَّظَرُ فِي الْحَظِّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا.
وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ مَجْلِسٍ (فِي حَوَالَةٍ) ؛ لِاسْتِقْلَالِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا، (وَ) لَا فِي (وَقْفٍ، وَإِقَالَةٍ، وَأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ، وَنِكَاحٍ، وَإِبْرَاءٍ، وَعِتْقٍ، وَضَمَانٍ، وَتَلْزَمُ) هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ جَمِيعُهَا (فِي الْحَالِ) .
(وَلَا) خِيَارَ أَيْضًا فِي (قَرْضٍ، وَرَهْنٍ، وَهِبَةٍ بَعْدَ قَبْضٍ، وَلَا) خِيَارَ (فِي مُسَاقَاةٍ، وَمُزَارَعَةٍ، وَجَعَالَةٍ، وَوَكَالَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَسَبْقٍ؛ بَلْ هِيَ عُقُودٌ جَائِزَةٌ، لِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ) ؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ.
(وَيَبْقَى خِيَارُ مَجْلِسٍ) حَيْثُ ثَبَتَ.
(وَلَوْ أَقَامَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (سَنَةً إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا) ؛ لِلْخَبَرِ، بِمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا (عُرْفًا) ؛ لِإِطْلَاقِ الشَّارِعِ التَّفَرُّقَ وَعَدَمِ بَيَانِهِ؛ فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ
مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ؛ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ.
(بِأَبْدَانِهِمَا اخْتِيَارًا) ، فَإِنْ حُجِزَ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ حَائِطٍ، أَوْ نَامَا؛ لَمْ يَعُدْ تَفَرُّقًا؛ لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ عَقْدٍ، وَخِيَارُهُمَا بَاقٍ - وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ قَامَا كَرْهًا - لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ.
(وَلَوْ) كَانَ تَفَرُّقُهُمَا (بِهَرَبِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ (مِنْ صَاحِبِهِ) ؛ فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ مَشَى أَحَدُهُمَا، أَوْ فَرَّ؛ لِيَلْزَمَ الْعَقْدُ قَبْلَ اسْتِقَالَةِ الْآخَرِ وَفَسْخِهِ وَرِضَاهُ؛ حَرُمَ، وَبَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ فِي الْأَشْهَرِ.
وَ (لَا) يَبْطُلُ خِيَارُهُمَا إنْ تَفَرَّقَا (مَعَ إكْرَاهٍ) لَهُمْ أَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّفَرُّقِ؛ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ إلَى زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (أَوْ) تَفَرَّقَا بِحُدُوثِ (فَزَعٍ مِنْ مَخُوفٍ) ؛ كَسَبُعٍ أَوْ ظَالِمٍ خَشِيَاهُ؛ فَهَرَبَا مِنْهُ، (أَوْ) تَفَرَّقَا مَعَ (إلْجَاءٍ) ؛ كَتَفَرُّقٍ (بِسَيْلٍ) أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ) تَفَرَّقَا مَعَ (حِمْلٍ) لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا مِنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ فَرَّقَتْهُمَا رِيحٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ وَالْمُلْجَأِ كَعَدَمِهِ، (إلَّا إنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ ذَلِكَ) الْإِكْرَاهُ أَوْ الْإِلْجَاءُ، (فَإِنْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا؛ بَقِيَ خِيَارُهُ) إلَى زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَالتَّفَرُّقِ مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ خِيَارِ صَاحِبِهِ.
(وَإِنْ أَسْقَطَاهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارَ (بَعْدَ عَقْدٍ)[قَبْلَ] تَفَرُّقِهِمَا؛ (سَقَطَ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُسْقِطِ بِعَقْدِ الْمَبِيعِ، فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ؛ كَالشُّفْعَةِ؛ (كَقَوْلِ كُلٍّ) مِنْهُمَا [اخْتَرْتُ](إمْضَاءَ الْعَقْدِ، أَوْ) اخْتَرْتُ (الْتِزَامَهُ، أَوْ) اخْتَرْتُ (إبْطَالَ الْخِيَارِ، وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِسْقَاطِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» ؛ أَيْ: لَزِمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَالتَّخَايُرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاحِدٌ، فَلَوْ قَالَ بَائِعٌ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْت، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا.
(وَإِنْ أَسْقَطَهُ) أَيْ الْخِيَارَ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ؛ بَقِيَ خِيَارُ
صَاحِبِهِ، (أَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا (لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ؛ سَقَطَ) خِيَارُ الْقَائِلِ (وَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . (وَتَحْرُمُ فُرْقَةٌ خَشْيَةَ اسْتِقَالَةٍ) ؛ أَيْ: خَشْيَةَ أَنْ يَفْسَخَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ يَمْشِي خُطُوَاتٍ؛ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ [مَحْمُولٌ] عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ، أَوْ عَلَى إلْزَامِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا تُرَاوِدَهُ بِالرَّدِّ؛ لَا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِقَالَةِ، وَهَذَا أَوْلَى
(وَيَنْقَطِعُ خِيَارُ) مَجْلِسٍ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَعْظَمُ الْفُرْقَتَيْنِ.
(وَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ مَجْنُونٍ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ، وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْمَجْنُونُ (عَلَى خِيَارِهِ إذَا أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ، (وَلَا يَثْبُتُ) الْخِيَارُ (لِوَلِيِّهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "" وَالتَّلْخِيصِ "" وَالْحَاوِيَيْنِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمَهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ إلَّا فِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ) ؛ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَلِيِّهِ حِينَئِذٍ؛ لِلْيَأْسِ مِنْ إفَاقَتِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوجٍ يَأْتِي قَرِيبًا.
(وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ (قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ نُطْقِهِ) ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نُطْقُهُ، (فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ) إشَارَتُهُ، (أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْأَخْرَسُ؛ (قَامَ وَلِيُّهُ) أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ (مَقَامَهُ) ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "" وَالشَّرْحِ "، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَلَعَلَّهُ إلْحَاقًا [بِالسَّفِيهِ] ، لَكِنْ يَأْتِي فِي الْحَجْرِ أَنَّ مَنْ جُنَّ؛ لَا يَنْظُرُ فِي
مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " عَلَى الصَّحِيحِ [مِنْ] الْمَذْهَبِ تَنْبِيهٌ لَوْ أَلْحَقَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، لَمْ يَلْحَقْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الشُّرُوطِ صُلْبُ الْعَقْدِ.
(وَيَخْتَلِفُ عُرْفُ تَفَرُّقٍ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِ بَيْعٍ) ؛ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ (بِفَضَاءٍ وَاسِعٍ، أَوْ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ) - إنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ - (أَوْ) فِي (سُوقٍ) ؛ فَالتَّفَرُّقُ (بِمَشْيِ أَحَدِهِمَا مُسْتَدْبِرًا لِصَاحِبِهِ خُطُوَاتٍ) - جَمْعُ خُطْوَةٍ - قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَفْرِقَةِ الْأَبَدَانِ، فَقَالَ: إذَا أَخَذَ هَذَا كَذَا أَوْ أَخَذَ هَذَا كَذَا فَقَدْ تَفَرَّقَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ " " وَالْحَاوِيَيْنِ " وَقِيلَ: بَلْ يَبْعُدُ (بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ) .
قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ".
(وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (بِسَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ) فَبِصُعُودِ أَحَدِهِمَا لِأَعْلَاهَا؛ أَوْ نُزُولِهِ لِأَسْفَلِهَا (وَبِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ) فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا، وَيَمْشِي.
(وَ) كَانَ (فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ ذَاتِ مَجَالِسَ وَبُيُوتٍ)، فَالتَّفَرُّقُ (بِخُرُوجِهِ) ؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا (مِنْ بَيْتٍ) إلَى بَيْتٍ (أَوْ مِنْ مَجْلِسٍ لِآخَرَ) ،
أَوْ مِنْ صُفَّةٍ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ، (وَ) إنْ كَانَا (فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ؛ فَبِصُعُودِ أَحَدِهِمَا السَّطْحَ، أَوْ خُرُوجِهِ مِنْهَا)
(وَلَا يَحْصُلُ) تَفَرُّقٌ (بِبِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَجْلِسِ؛ (وَلَا إنْ نَامَا فِيهِ) ، أَوْ قَامَا مِنْهُ، (وَمَشَيَا جَمِيعًا) ، وَلَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ.
(وَيَتَّجِهُ لَوْ) كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي بَلْدَتَيْنِ، أَوْ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا، (فَتَبَايَعَا بِمُكَاتَبَةٍ) ؛ فَيَحْصُلُ تَفَرُّقُهُمَا (بِمُفَارَقَةِ مَجْلِسٍ) وَقَعَ فِيهِ (قَبُولٌ) مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَلِيِّهِ، (أَوْ) تَبَايَعَا (بِمُنَادَاةٍ مِنْ بُعْدٍ) - بِضَمِّ الْبَاءِ - فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ (بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَكَانَهُ) الَّذِي نُودِيَ [فِيهِ]، وَهُوَ فِيهِ (بِحَيْثُ لَوْ كَانَ) الْآخَرُ (مَعَهُ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ (عُدَّ) ؛ أَيْ: عَدَّهُ الْعُرْفُ (تَفَرُّقًا) .
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ يُصَدَّقُ مُنْكِرٌ) مِنْهُمَا (عَدَمَ تَفَرُّقٍ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى) أَحَدُهُمَا (بَعْدَ تَفَرُّقٍ) مِنْ مَجْلِسِ عَقْدٍ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ (الْفَسْخُ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: قَبْلَ التَّفَرُّقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ تَفَرُّقٍ؛ فَدَعْوَى الْفَسْخِ) مِنْ أَحَدِهِمَا (فَسْخٌ) لِلْعَقْدِ، فَلَا يُكَلَّفُ مُدَّعِي ذَلِكَ إلَى بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ: (خِيَارُ شَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَاهُ فِي
الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) ؛ أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةٍ حَالَ الْعَقْدِ (إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ - وَإِنْ طَالَ) الْأَمَدُ - لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» .
(وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ كَانَ طُولُهُ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ؛ (كَأَلْفِ سَنَةٍ وَمِائَةِ) سَنَةٍ كَذَلِكَ؛ (لِإِفْضَائِهِ) ؛ أَيْ: الشَّرْطِ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ، (لِلْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ) فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (الْمُنَافِي لِلْعَقْدِ) الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ إرْفَاقًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(فَيَصِحُّ) الشَّرْطُ، وَلَوْ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى يُعْتَمَدَ الشَّرْطُ، فَرَجَعَ فِي تَقْدِيرِهِ إلَى مُشْتَرِطِهِ؛ كَالْأَجَلِ.
وَلَمْ يَثْبُتْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: مِنْ تَقْدِيرِهِ بِثَلَاثٍ، وَرَوَى أَنَسٌ خِلَافَهُ.
(وَلَوْ) كَانَ الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ (فِيمَا) أَيْ: عَقْدِ بَيْعٍ (يَفْسُدُ) مَعْقُودٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ أَيْ: قَبْلَ انْتِهَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ؛ كَأَنْ تَبَايَعَا طَبِيخًا، وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمَيْنِ؛ فَيَصِحُّ، (وَيُبَاعُ) الطَّبِيخُ؛ أَيْ: يَبِيعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، (وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى مُضِيِّ الْخِيَارِ، فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ مُضِيِّهِ؛ أَخَذَهُ بَائِعٌ، وَإِلَّا؛ أَخَذَهُ مُشْتَرٍ، عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي رَهْنِ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ.
وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ خِيَارٍ (فِي عَقْدِ) بَيْعٍ جُعِلَ (حِيلَةً؛ لِيَرْبَحَ) فِي ثَمَنِ تَرْكِ مَنْزِلِهِ (قَرْضًا) بِسَبَبِ الْخِيَارِ (فَيَحْرُمُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَرْضٍ يَجُرُّ نَفْعًا، (وَلَا يَحِلُّ تَصَرُّفُهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي ثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ، وَلَا خِيَارَ لَهُمَا.
قَالَ (الْمُنَقِّحُ: فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا - وَهُوَ يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَا أَقْرَضَهُ لَهُ - فَاشْتَرَى مِنْهُ
شَيْئًا بِمَا أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ لَهُ، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُرِدْ الْحِيلَةَ عَلَى الرِّبْحِ فِي الْقَرْضِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: جَائِزٌ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ؛ فَلَا خِيَارَ لِوَرَثَتِهِ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: جَائِزٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَبِيعٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ؛ كَنَقْدٍ وَبُرٍّ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَبِيعِ مُدَّةَ الْخِيَارِ؛ لِكَوْنِهِ بِيَدِ الْبَائِعِ مُدَّتَهُ؛ فَلَا يَجُرُّ قَرْضُهُ نَفْعًا؛ فَلَا حِيلَةَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُحَرَّمٍ.
(وَيَثْبُتُ) خِيَارُ الشَّرْطِ (فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ مَجْلِسٍ) ؛ كَبَيْعٍ، وَصُلْحٍ بِمَعْنَاهُ، وَقِسْمَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَهِبَةٍ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ.
(وَ) يَثْبُتُ (فِي إجَارَةٍ) فِي ذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ إجَارَةٍ (مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ) ، إنْ انْقَضَى قَبْلَ دُخُولِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ دَارِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً تَنْقَضِي قَبْلَ دُخُولِ سَنَةِ ثَلَاثٍ، فَإِنْ وَلِيَتْهُ، أَوْ دَخَلَتْ فِي مُدَّةِ إجَارَةٍ؛ فَلَا؛ لِأَدَائِهِ إلَى فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، أَوْ اسْتِيفَائِهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ ضَمَانٍ وَغَيْرِهِ.
وَ (لَا) يَثْبُتُ خِيَارُ شَرْطٍ (فِيمَا) ؛ أَيْ: مَبِيعٍ (قَبَضَهُ) ؛ - أَيْ: قَبَضَ عِوَضَهُ - (شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْعَقْدِ؛ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ) وَرِبَوِيٍّ بِرِبَوِيٍّ - وَلَوْ قَبَضَ - لِأَنَّ وَصْفَهَا عَلَى أَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عُلْقَةٌ بَعْدَ التَّفَرُّقِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ، وَثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا؛ يُنَافِي ذَلِكَ؛ فَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ.
(وَيَتَّجِهُ وَيَبْطُلُ بَيْعُ) مَبِيعٍ، قَبْضُ عِوَضِهِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، إذَا شُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ؛ (لِعَدَمِ حُلُولٍ) كَذَا قَالَ: وَتَقَدَّمَ لَكَ آنِفًا أَنَّهُ يَلْغُو الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا.
(وَابْتِدَاءُ أَمَدِ خِيَارِ) الشَّرْطِ (مِنْ عَقْدٍ) شُرِطَ فِيهِ؛ كَأَجَلِ ثَمَنٍ،
فَإِنْ شُرِطَ بَعْدَ عَقْدِ زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ، فَمِنْ حِينِ شُرِطَ، وَإِنْ شُرِطَ مِنْ تَفَرُّقٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِجَهَالَتِهِ.
(وَيَسْقُطُ) خِيَارُ شَرْطٍ (بِأَوَّلِ الْغَايَةِ، فَإِنْ مَضَتْ) الْغَايَةُ (قَبْلَ تَفَرُّقٍ؛ بَقِيَ خِيَارُ مَجْلِسٍ) ، فَإِنْ شُرِطَ إلَى رَجَبٍ؛ سَقَطَ بِأَوَّلِهِ، (وَإِلَى صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ؛ كَالظُّهْرِ مَثَلًا؛ سَقَطَ (بِدُخُولِ وَقْتِهَا) ؛ كَمَا إذَا شُرِطَ إلَى (الْغَدِ) ؛ فَيَسْقُطُ (بِطُلُوعِ فَجْرِهِ، وَ) إنْ شُرِطَ (بِطُلُوعِ شَمْسٍ، أَوْ إلَى غُرُوبِهَا، وَيَشُكُّ فِيهِ) ؛ أَيْ: الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ؛ فَيَصِحُّ الشَّرْطُ، وَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ (حَتَّى يَتَعَيَّنَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ جُعِلَ الْخِيَارُ (إلَى طُلُوعِهَا) ؛ أَيْ: الشَّمْسِ (مِنْ تَحْتِ غَيْمٍ) ؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ إلَى غَيْبَتِهَا تَحْتَهُ؛ (لَمْ يَصِحَّ) شَرْطُ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ؛ (لِجَهَالَتِهِ) ؛ كَمَا لَوْ شُرِطَ (نُزُولُ الْمَطَرِ وَقُدُومُ زَيْدٍ) وَهُبُوبُ رِيحٍ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَاهُ (لِحَصَادٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَجُذَاذٍ؛ فَيَلْغُوَا الشَّرْطُ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ) ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، (وَإِنْ شَرَطَاهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارَ شَهْرًا، مَثَلًا (يَوْمًا) يَثْبُتُ، (وَيَوْمًا) لَا يَثْبُتُ؛ (صَحَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) لَا مَكَانَهُ (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لَمْ يَعُدْ إلَى الْجَوَازِ.
(وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ شَرْطِ يَوْمٍ لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ، (وَيَوْمٍ لِأَجْنَبِيٍّ) عَنْهُمَا، أَوْ شُرِطَ (يَوْمٌ لِأَجْنَبِيٍّ وَثَانِيهِ) ؛ أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمُ (لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ) ؛ أَيْ: مَعَهُمَا، لَا دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَصِحُّ شَرْطُهُ) ؛ أَيْ: الْخِيَارِ (لَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُهُ (مُتَفَاوِتًا) ؛ كَأَنْ يَشْرِطَاهُ لِأَحَدِهِمَا مُدَّةً وَلِلْآخَرِ دُونَهَا، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُهُ (لِأَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمَا، وَإِنَّمَا جُوِّزَ؛ رِفْقًا بِهِمَا، فَكَيْفَمَا تَرَاضَيَا بِهِ جَازَ.
وَيَصِحُّ شَرْطُ بَائِعَيْنِ غَيْرِ وَكِيلَيْنِ الْخِيَارَ
(لِغَيْرِهِمَا)، [أَيْ: غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، (وَلَوْ) كَانَ الْغَيْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ (الْمَبِيعَ) ؛ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا قِنًّا] ، وَشَرَطَا لَهُ الْخِيَارَ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، (وَيَكُونُ) جَعْلُ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ (اشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلًا) ؛ [لَهُ فِيهِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَقَامَاهُ مَقَامَ نَفْسَيْهِمَا؛ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْخِيَارِ لِوَكِيلٍ دُونَهُمَا] ؛ أَيْ: دُونَ الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَظِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
فَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ جَعْلِهِ لِلْمَبِيعِ؛ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ.
(فَلَوْ شَرَطَهُ وَكِيلٌ لِنَفْسِهِ؛ ثَبَتَ) الْخِيَارُ (لَهُمَا) ، فَيَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ، وَيَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالْخِيَارُ مِنْ تَعَلُّقَاتِهِ؛ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ.
قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ شَرَطَهُ الْوَكِيلُ (لِنَفْسِهِ دُونَ مُوَكِّلِهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ دُونَهُ، (أَوْ) شَرَطَ الْوَكِيلُ (لِأَجْنَبِيٍّ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ دُونِي؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لِمُتَعَاقِدَيْنِ - وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ - لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَحْصِيلِ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَى الْوَكِيلِ (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرَا) ؛ أَيْ: يَأْمُرْ الْمُوَكِّلَانِ الْوَكِيلَيْنِ (بِهِ) ؛ أَيْ: شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِمَا مَرَّ: أَنَّ شَرْطَ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَى الْوَكِيلِ.
وَيَصِحُّ شَرْطُ خِيَارٍ (فِي مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَبِيعَيْنِ بِعَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا عَبْدَيْنِ صَفْقَةً، وَشَرَطَا الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَ مَا بَيْنَ مَبِيعٍ فِيهِ الْخِيَارُ، وَمَبِيعٍ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ، وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، (وَمَتَى فُسِخَ) الْبَيْعُ (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ مِنْهُمَا؛ (رَجَعَ) مُشْتَرٍ أَقْبَضَ ثَمَنَهُمَا.
(بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ كَمَا لَوْ رُدَّ أَحَدُهُمَا لِعَيْبِهِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْبَضَهُ؛ سَقَطَ عَنْهُ بِقِسْطِهِ، وَدَفَعَ الْبَاقِيَ.
(وَيَخْتَصُّ خِيَارُ مَجْلِسٍ بِوَكِيلٍ) حَيْثُ لَمْ يَحْضُرْ الْمُوَكِّلُ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَاقِدِينَ،
(فَإِنْ حَضَرَ مُوَكِّلٌ) بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ، (وَحَجَرَ عَلَى وَكِيلِهِ فِي خِيَارٍ؛ رَجَعَ الْخِيَارُ) حَقِيقَةً (لِمُوَكِّلٍ) ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، (وَلَا يَفْتَقِرُ فَسْخُ مَنْ يَمْلِكُهُ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (لِحُضُورِ صَاحِبِهِ) الْعَاقِدِ مَعَهُ، (وَلَا) إلَى (رِضَاهُ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَلَّ عَقْدٌ جُعِلَ إلَيْهِ؛ فَجَازَ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَمَعَ سَخَطِهِ؛ كَالطَّلَاقِ.
(وَلَا فَسْخَ لِمُحْرِمٍ فِي صَيْدٍ) بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فِي مُدَّتِهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ (قَبْلَ حِلِّهِ) مِنْ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً تَمْلِيكٌ لِلصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحْظُورَاتِهِ.
(وَيَجِبُ) الْفَسْخُ (فِي لُقَطَةٍ) بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَتَعْرِيفِهَا فِيهِ، ثُمَّ (عَرَفَ رَبَّهَا) فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ فَسْخُ الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ، وَرَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي ".
وَ (لَا) يَجِبُ الْفَسْخُ (فِي صَدَاقٍ) بَاعَتْهُ الزَّوْجَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ (سَقَطَ) الصَّدَاقُ بِتَطْلِيقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَقْدِ مَعَهَا؛ بِخِلَافِ رَبِّ اللُّقَطَةِ مَعَ الْمُلْتَقِطِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ، (وَعَنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: (لَا فَسْخَ لِبَائِعٍ إلَّا بِرَدِّ الثَّمَنِ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ (كَالشَّفِيعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَا التَّمَلُّكَاتُ الْقَهْرِيَّةُ؛ كَأَخْذِ غِرَاسٍ، وَبِنَاءِ مُسْتَأْجِرٍ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، (وَمُسْتَعِيرٍ وَزَرْعِ غَاصِبٍ) إذَا أَدْرَكَهُ بِالْأَرْضِ قَبْلَ حَصَادِهِ.
(وَفِي " الْإِنْصَافِ " هَذَا هُوَ الصَّوَابُ) الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، (خُصُوصًا فِي زَمَنِنَا هَذَا، وَقَدْ كَثُرَتْ الْحِيَلُ) . أَقُولُ: وَهَذَا زَمَنُهُ، فَكَيْفَ بِزَمَنِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ.
(انْتَهَى)" كَلَامُ الْإِنْصَافِ ".
(وَيَتَّجِهُ) عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ رَدِّ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لَكِنْ (لَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (حَبْسُهُ) ؛ أَيْ: الْمَبِيعِ، (لِيَرُدَّ) الْبَائِعُ (الثَّمَنَ