الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ (قَبُولُهُ مَعَ أَمْنِ بَلَدٍ وَطَرِيقٍ) ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إذَنْ. وَكَذَا ثَمَنٌ وَأُجْرَةٌ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ الْبَلَدُ أَوْ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ - وَلَوْ تَضَرَّرَ الْمُقْتَرِضُ أَوْ الْغَاصِبُ - لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. (وَمَعَ بَقَاءِ مَغْصُوبٍ) إذَا بَذَلَ الْغَاصِبُ بَدَلَهُ لِرَبِّهِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهُ عَلَى قَبُولِهِ) ؛ أَيْ: الْبَدَلِ (بِحَالٍ) لَا مَعَ مُؤْنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا عَدَمِهَا، وَلَا مَعَ أَمْنِ الْبَلَدِ أَوْ الطَّرِيقِ، وَلَا مَعَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْبَدَلِ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ.
وَلَوْ أَقْرَضَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا؛ بَطَلَ الْقَرْضُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ مُقْرِضٌ لِمُقْتَرَضٍ: إنْ مِتَّ - بِضَمِّ التَّاءِ - فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ؛ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنْ مِتَّ - بِفَتْحِهَا - فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَشَرْطُ الْإِبْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا؛ كَالْهِبَةِ.
[بَابُ الرَّهْنِ]
ِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، يُقَالُ: مَاءٌ رَاهِنٌ؛ أَيْ: رَاكِدٌ، وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ؛ أَيْ: دَائِمَةٌ، وَقِيلَ هُوَ الْحَبْسُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ: مَحْبُوسَةٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ ثَابِتٌ فِي مَكَان لَا يُزَايِلُهُ. وَشَرْعًا (تَوْثِقَةُ دَيْنٍ) غَيْرُ سَلَمٍ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، (أَوْ) تَوْثِقَةُ (عَيْنٍ) مَضْمُونَةٍ؛ كَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (بِعَيْنٍ) ؛ أَيْ: جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ (يُمْكِن أَخْذُهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ كُلِّهِ، (أَوْ)
(بَعْضِهِ)، إنْ لَمْ تَفِ بِهِ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، (أَوْ) يُمْكِنُ أَخْذُهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ (ثَمَنِهَا) ، إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ حَضَرًا وَسَفَرًا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَذِكْرُ الْآيَةِ فِي السَّفَرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْكَاتِبِ.
(وَالْمَرْهُونُ عَيْنٌ مَعْلُومَةٌ) قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً (جُعِلَتْ وَثِيقَةً بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ (أَوْ) اسْتِيفَاءُ (بَعْضِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا) ؛ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ نَحْوِ وَقْفٍ وَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ وَكِتَابَةٍ.
(وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِلَفْظٍ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَالْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمَا: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ؛ كَسَائِرِ الْعُقُودِ. (وَ) يَنْعَقِدُ (بِمُعَاطَاةٍ) ؛ كَالْبَيْعِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ".
(وَتَصِحُّ زِيَادَةُ رَهْنٍ) ؛ بِأَنْ رَهَنَهُ شَيْئًا عَلَى دَيْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ شَيْئًا آخَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ، (وَلَا) تَصِحُّ زِيَادَةُ (دَيْنِهِ) ؛ بِأَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ دِينَارًا وَرَهَنَهُ كِتَابًا، أَوْ أَقْبَضَهُ لَهُ مِنْهُ، ثُمَّ اقْتَرَضَ مِنْهُ دِينَارًا آخَرَ، وَجَعَلَ الْكِتَابَ رَهْنًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ رَهْنُ مَرْهُونٍ، وَالْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ. (وَيَتَّجِهُ) لَا تَصِحُّ زِيَادَةُ دَيْنِ الرَّهْنِ (إلَّا بِعَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ) ؛ كَأَنْ يَفْسَخَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، ثُمَّ يُجَدِّدَ مَعَ الرَّاهِنِ عَقْدًا عَلَى الدَّيْنَيْنِ بِذَلِكَ الرَّهْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَ) يَصِحُّ (رَهْنُ) كُلِّ (مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ لَا الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاشْتِيَاقُ لِلْوُصُولِ لِلدَّيْنِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ، (وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّرًا مُعَارًا) ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (بِإِذْنِ) رَبِّهِ لَهُ فِي رَهْنِهِ - وَلَوْ لِرَبِّ دَيْنٍ - لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ) ؛ لِانْتِقَالِهَا لِلْأَمَانَةِ إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا الْمُرْتَهِنُ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَعِيبًا؛ كَقِنٍّ مُرْتَدٍّ) وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ - وَلَوْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ - (وَ) قِنٍّ (جَانٍ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ، (وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ عَالِمٍ) بِالْحَالِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْجِنَايَةِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالْحَالِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَفِدَاءِ الْجَانِي؛ وَكَذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ (فَلَهُ رَدُّهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (وَفَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ) ؛ أَيْ: عَقْدُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، فَلَمْ يُوفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (الْإِمْسَاكُ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بِلَا أَرْشٍ) لَهُ لِذَلِكَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ تَلِفَ بِجُمْلَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لَمْ يُمْلَكْ بَدَلُهُ، فَبَعْضُهُ أُولَى، وَكَذَلِكَ لَا أَرْشَ لِلْمُرْتَهِنِ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ حَتَّى قُتِلَ الْعَبْدُ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ سُلِّمَ لِوَلِيِّهَا، وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي؛ لَمْ يُجْبَرْ، وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّهْنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ.
(وَإِنْ تَعَيَّبَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ قَبْضٍ)، أَوْ اسْتَحَالَ الْعَصِيرُ الْمَرْهُونُ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضٍ؛ (فَكَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يُخَيِّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ مَعِيبًا، أَوْ رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا [فِيهِ] ، (فَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا فَانْهَدَمَتْ) الدَّارُ (قَبْلَ قَبْضِهَا؛ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ) لَمْ يَبْطُلْ بِتَهَدُّمِهَا؛ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ، (وَلِمُرْتَهِنٍ الْخِيَارُ) بَيْنِ إمْسَاكهَا مُتَهَدِّمَةً، أَوْ رَدِّهَا وَفَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَكَذَا قَرْضٌ (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَبِيعًا) - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ، فَصَحَّ رَهْنُهُ؛
كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ (غَيْرَ مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ، وَمَا بِيعَ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، (وَلَوْ) كَانَ رَهْنُ الْمَبِيعِ (عَلَى ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنٌ، وَالْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي؛ فَجَازَ رَهْنُهُ؛ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُشَاعًا) وَلَوْ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ فِي مُشَاعٍ يُقَسَّمُ إجْبَارًا؛ بِأَنْ رَهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ يَمْلِكُ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَصَحَّ رَهْنُهُ [وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِالْقِسْمَةِ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَصَرَّفُ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ] .
وَإِذَا رَهَنَهُ الْمَتَاعَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا؛ [لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّخْلِيَةِ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ وَرَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ] بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا؛ جَازَ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ شَرِيكٌ وَمُرْتَهِنٌ بِكَوْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمُشْتَرَكِ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ) ، بِيَدِ (غَيْرِهِمَا؛ جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً، أَوْ) جَعَلَهُ بِيَدِ أَمِينٍ (بِأُجْرَةٍ) يَأْخُذُهَا الْأَمِينُ (مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ عَلَى حِفْظِهِ، (أَوْ أَجَرَهُ) الْحَاكِمُ عَلَيْهِمَا، فَيَجْتَهِدُ فِي الْأَصْلَحِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ، فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهِ عَلَيْهِمَا.
(وَإِنْ رَهَنَ نِصْفَ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مُشَاعٍ مِنْ دَارٍ مُشَاعَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَاقْتَسَمَا؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَشَرِيكُهُ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ، (فَوَقَعَ) الْمُعَيَّنُ (الْمَرْهُونُ) بَعْضُهُ - وَهُوَ الْبَيْتُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ - (لِغَيْرِ رَاهِنٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ فَيُمْنَعُ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمُضِرَّةِ؛ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ، (قَطَعَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ (الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ) ، وَمَعْنَاهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ".
(أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُدَبَّرًا) ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالْحُكْمُ فِيمَا إذًا
عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ وُجُودَ التَّدْبِيرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ، (أَوْ) كَانَ (مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَهَا) ؛ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي شَعْبَانَ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، (أَوْ) كَانَ وُجُودُ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ (يُحْتَمَلُ) قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى (قُدُومِ زَيْدٍ) ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ أَيْضًا؛ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمَرِيضِ، (وَيُبَاعُ مُدَبَّرٌ) كُلُّهُ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ، (وَاسْتَغْرَقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَبَّرَ (الدَّيْنُ) وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ كَالْوَصِيَّةِ، (وَإِلَّا) يَسْتَغْرِقْهُ الدَّيْنُ (بِيعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَبَّرُ (بِقَدْرِهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ (وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي) مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ (وَبَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ) ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، فَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ لِخُرُوجِهِ كُلِّهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ بَطَلَ رَهْنُهُ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ بَقِيَ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ قِنًّا، كَمَا لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ.
(أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُكَاتَبًا) ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ. لِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ رَهْنُهُ (لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) ؛ بِأَنْ رَهَنَ الْمُكَاتَبَ عِنْدَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ؛ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: مُرْتَهِنَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ (لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ) عِنْدَ جَوَازِهِ، وَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ. (وَيُمَكِّنُ) ؛ أَيْ: يُمَكِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ (مِنْ كَسْبٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَمَا أَدَّاهُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ رَهْنٌ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَنَمَائِهِ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَعَادَ قِنًّا؛ (فَهُوَ وَكَسْبُهُ رَهْنٌ؛) لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ، (وَإِنْ عَتَقَ) بِأَدَاءٍ أَوْ إعْتَاقٍ (فَمَا أَدَّى بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنٌ) ؛ كَقِنٍّ مَرْهُونٍ اكْتَسَبَ وَمَاتَ.
(أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (يَسْرُعُ فَسَادُهُ) ؛ كَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَطَبِيخٍ - وَلَوْ رَهَنَهُ (بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) - لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، (وَيُبَاعُ) ؛ أَيْ: يَبِيعُهُ حَاكِمٌ (إنْ لَمْ يَكُنْ تَجْفِيفُهُ) ؛ لِحِفْظِهِ بِالْبَيْعِ.
(وَلَوْ شُرِطَ) فِي رَهْنِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ (عَدَمُ بَيْعِهِ) ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ الْعَقْدَ؛ كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ عَدَمُ النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، فَيُبَاعُ، (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَيُوَفَّى مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا، (وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا فَخَافَ) الْمُرْتَهِنُ (تَلَفَهَا، أَوْ) رَهَنَهُ (حَيَوَانًا، فَخَافَ مَوْتَهُ) ؛ فَيُبَاعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (قِنًّا مُسْلِمًا) وَلَوْ بِدَيْنٍ (لِكَافِرٍ إذَا شُرِطَ) فِي الرَّهْنِ (كَوْنُهُ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ)، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141](وَيَتَّجِهُ) لَا سِيَّمَا (إنْ كَانَ) الْقِنُّ الْمَرْهُونُ (أُنْثَى أَوْ كَانَ أَمْرَدَ) ، فَيَتَأَكَّدُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَكَقِنٍّ) فِي الْحُكْمِ رَهْنُ (كُتُبِ حَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ) لِكَافِرِ؛ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ جَعْلِهَا بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ؛ لِأَمْنِ الْمَفْسَدَةِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ (لَا مُصْحَفًا) ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ - وَلَوْ لِمُسْلِمٍ - لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى بَيْعِهِ الْمُحَرَّمِ، (أَوْ دَيْنًا) ؛ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ (- وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ -) صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " فِي آخِرِ السَّلَمِ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي " الِانْتِصَارِ " لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُ مَا فِي " الْإِقْنَاعِ " وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ أَوْ جِلْدَ عَقِيقَةٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، كَذَا قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُبَاعُ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسَّوَاقِطُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالْخُلَاصَةِ " وَالْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَفِي الشَّرْحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ صِحَّةَ بَيْعِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالسَّوَاقِطِ قَالَ: لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَحَيْثُ تَقَرَّرَ صِحَّةُ بَيْعِ الْجِلْدِ؛ فَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ رَهْنِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهِ. لَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ، يَضْمَنُهَا الرَّاهِنُ بَدَلَ ثَمَنِهِ لِلْفُقَرَاءِ
(وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) ؛ كَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَعَيْنٍ مَرْهُونَةٍ وَكَلْبٍ - وَلَوْ مُعَلَّمًا - وَآبِقٍ وَمَجْهُولٍ؛ (لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ؛ (كَكِيسٍ بِمَا فِيهِ) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْجَهَالَةِ، وَكَذَا أَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، وَهَذَا الْبَيْتُ بِمَا فِيهِ (وَنَحْوِ أَرْضِ مِصْرَ) ؛ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَفَهَا، وَأَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ (وَكَذَا حُكْمُ بِنَائِهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ (مِنْهَا) ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَالْكَافِي " وَالْمُبْدِعِ " هُنَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَسَاكِنِ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ رَهْنِ مَا بُنِيَ مِنْ مَسَاكِنِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ أُحْدِثَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ