الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمُ (الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الطَّلَبِ عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ أَيْ: فَأَنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَةٍ، وَلِحَدِيثِ:«خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . وَرُوِيَ (وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ)(فَمَنْ أَقْرَضَهُ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسَ (أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا - وَلَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِحَجْرِهِ - لَمْ يُشَارِكِ الْغُرَمَاءَ وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ) بِبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَتِهِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ (حَقٌّ يَنْفَكُّ حَجْرُهُ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ حَالَ الْحَجْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ، (لَكِنْ إنْ وَجَدَ الْمُعْتَرِضُ أَوْ الْبَائِعُ)(عَيْنَ مَالِهِ؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) إنْ جَهِلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا (كَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ
[فَصْلٌ فِي الْحَجْرِ لِحَظِّ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ]
(فَصْلٌ) فِي الْحَجْرِ لِحَظِّ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] وَأَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ مُدَبِّرُوهَا.
(وَمَنْ دَفَعَ مَالَهُ) بِاخْتِيَارِهِ، (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ الدَّافِعُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (مَحْجُورًا) عَلَيْهِ لِحَظِّهِ، فَتَلِفَ؛ فَلَا يُضَمَّنُ، كَذَا قَالَ وَفِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَإِذَا دَفَعَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالَهُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ، فَتَلِفَ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ مِنْ الْمَالِكِ - وَقَدْ تَلِفَ بِفِعْلِ الْقَابِضِ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ - فَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، أَقُولُ: بَلْ هُوَ مَنْقُولٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كِتَابِ " مُغْنِي ذَوِي الْأَفْهَامِ " لِابْنِ عَبْدِ الْهَادِي (بِعَقْدٍ) ؛ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ.
(أَوْ لَا) بِعَقْدٍ؛ كَوَدِيعَةٍ
وَعَارِيَّةٍ (إلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ؛ كَصَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ؛ رَجَعَ) الدَّافِعُ (فِي بَاقٍ) مِنْ مَالِهِ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، (وَمَا تَلِفَ) مِنْهُ بِنَفْسِهِ؛ كَمَوْتِ قِنٍّ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ بِفِعْلِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (زَمَنَ حَجْرٍ) ؛ كَقَتْلِهِ لَهُ فَهُوَ (عَلَى مَالِكِهِ) غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ سُلِّطَ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، (عَلِمَ) الدَّافِعُ (بِحَجْرِ) الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ (أَوْ لَا) ؛ لِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ.
(وَيَتَّجِهُ وَلَا يُطَالِبُونَ) ؛ أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ بِمَا أَتْلَفُوهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (دُنْيَا وَلَا أُخْرَى) ؛ لِعَدَمِ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي السَّفِيهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي الدُّنْيَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ لِتَكْلِيفِهِ فَيَكُونُ مُتَّجِهًا.
(وَتُضَمَّنُ) ؛ أَيْ: يَضْمَنُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ لِحَظِّ أَنْفُسِهِمْ (جِنَايَةً) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ، (وَ) يَضْمَنُ (إتْلَافَ مَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ) إذَا أَتْلَفُوهُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيطٌ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْإِتْلَافُ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَهْلُ وَغَيْرُهُ.
(وَمَنْ أَعْطَوْهُ) ؛ أَيْ: الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمْ لِحَظِّهِمْ (مَالًا) مِنْ غَيْرِ إذْنِ أَوْلِيَائِهِمْ؛ (ضَمِنَهُ) آخِذُهُ؛ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ دَفْعٌ (حَتَّى يَأْخُذَهُ وَلِيُّهُ) ؛ أَيْ: وَلِيُّ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ قَبْضُهُ، و (لَا) يَضْمَنُ؛ أَيْ: الْمَالَ (مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (لِيَحْفَظَهُ) لَهُمْ مِنْ الضَّيَاعِ (إنْ أَخَذَهُ) مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ (لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ، وَلَمْ يُفَرِّطْ) ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْإِعَانَةِ عَلَى رَدِّ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ فَرَّطَ ضُمِّنَ.
(وَمَنْ بَلَغَ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى (رَشِيدًا) انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، (أَوْ) بَلَغَ (مَجْنُونًا، أَوْ) بَلَغَ (سَفِيهًا، ثُمَّ عَقَلَ؛ انْفَكَّ حَجْرُهُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حِفْظًا لَهُ - وَقَدْ زَالَ - فَيَزُولَ الْحَجْرُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، (بِلَا حُكْمٍ) بِفَكِّهِ، وَسَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ فَيَزُولُ بِدُونِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَاشْتِرَاطُ الْحُكْمِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ الدَّفْعَ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ، (وَأُعْطِيَ) مَنْ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ (مَالَهُ) لِلْآيَةِ (وَسُنَّ) إعْطَاؤُهُ مَالَهُ (بِإِذْنِ قَاضٍ وَ) إشْهَادِ (بَيِّنَةٍ) بِرُشْدٍ وَدُفِعَ لِيَأْمَنَ التَّبِعَةَ، وَ (لَا) يُعْطَى مَالُهُ (قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ - وَلَوْ صَارَ شَيْخًا -) رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ فِي " الْمُتَرْجَمِ " قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَلِي أَمْرَ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ذِي أَهْلٍ وَمَالٍ لِضَعْفِ عَقْلِهِ.
(وَ) يَحْصُلُ (بُلُوغُ ذَكَرٍ بِإِمْنَاءٍ) بِاحْتِلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59](أَوْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ - وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ - وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَأَجَازَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: فَلَمْ يُجِزْنِي، وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ، (أَوْ نَبَاتِ شَعْرٍ خَشِنٍ) ؛ أَيْ: يَسْتَحِقُّ أَخْذُهُ بِالْمُوسَى، لَا زَغَبٍ ضَعِيفٍ (حَوْلَ قُبُلِهِ) ؛ «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَكَمَ بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَحَكَمَ بِأَنْ يُكْشَفَ عَنْ مُؤْتَزِرِيهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ لَمْ يُنْبَتْ أَلْحَقُوهُ بِالذَّرَارِيِّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْفِعَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَ) بُلُوغُ
(أُنْثَى بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ الذَّكَرِ، (وَ) تَزِيدُ عَلَيْهِ (بِحَيْضٍ) ؛ لِحَدِيثِ:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(وَحَمْلُهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا) ؛ لِإِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَاءِ الزَّوْجَيْنِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7](فَإِذَا وَلَدَتْ حُكِمَ بِبُلُوغِهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَقَلُّ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ.
(وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: الْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ (إنْ عَاشَ) الْوَلَدُ، (وَإِلَّا) يَعِشْ؛ (رُجِعَ لِخِبْرَةِ النِّسَاءِ) ، فَإِنْ أَخْبَرْنَ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ؛ عُمِلَ بِإِخْبَارِهِنَّ [إنْ وُجِدَتْ فِيهِنَّ الْعَدَالَةُ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ] .
(وَإِنْ طَلُقَتْ زَمَنَ إمْكَانِ بُلُوغٍ) ؛ أَيْ: بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ (وَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ؛ أُلْحِقَ) الْوَلَدُ (بِمُطَلِّقٍ، وَحُكِمَ بِبُلُوغِهَا مِنْ قَبْلِ الطَّلَاقِ) ؛ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ.
(وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِزَمَنٍ يَتَّسِعُ لِلْوَطْءِ) لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَيَحْصُلُ بُلُوغُ (خُنْثَى) بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (بِسِنٍّ) وَهُوَ تَمَامُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، (أَوْ نَبَاتِ شَعْرٍ) خَشِنٍ (حَوْلَ قُبُلَيْهِ) : قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَإِنْ وُجِدَ حَوْلَ أَحَدِهِمَا فَلَا، (أَوْ إمْنَاءٍ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ حَيْضٍ مِنْ قُبُلٍ، أَوْ هُمَا) ؛ أَيْ: الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ (مِنْ مَخْرَجٍ) وَاحِدٍ أَوْ مَنِيٌّ مِنْ ذَكَرِهِ وَحَيْضٌ مِنْ فَرْجِهِ؛
لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى؛ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ حَاضَتْ، وَيَأْتِي حُكْمُ إشْكَالِهِ وَمَا يَزُولُ بِهِ فِي مِيرَاثِهِ.
(وَلَا اعْتِبَارَ) ؛ أَيْ: لَا يَحْصُلُ بُلُوغٌ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ (بِغِلَظِ صَوْتٍ وَفَرْقِ أَنْفٍ وَنُهُودِ ثَدْيٍ وَشَعْرِ إبِطٍ وَ) شَعْرِ (لِحْيَةٍ) وَغَيْرِهَا (وَالرُّشْدُ إصْلَاحُ الْمَالِ، لَا) إصْلَاحُ (الدِّينِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي صَلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ.
وَلِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ؛ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُهُ. وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ دَوَامًا، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ؛ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: الْفَاسِقُ غَيْرُ رَشِيدٍ، مُنْتَقَضٌ بِالْكَافِرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي دِينِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ.
(وَلَا يُعْطَى) مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ظَاهِرًا (مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ بِمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (وَمَحَلُّهُ) ؛ أَيْ: الِاخْتِبَارِ (قَبْلَ بُلُوغٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] .
الْآيَةَ وَالدَّلِيلُ مِنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ الْيَتَامَى وَلَا يَكُونُونَ يَتَامَى إلَّا قَبْلَ الْبُلُوغِ. الثَّانِي أَنَّهُ مُدَّةُ اخْتِبَارِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ حَتَّى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ قَبْلَهُ.
وَتَأْخِيرُ الِاخْتِبَارِ إلَى الْبُلُوغِ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ، وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَلَا يُخْتَبَرُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَتَصَرُّفُهُ حَالَ الِاخْتِبَارِ صَحِيحٌ بِتَصَرُّفٍ (لَائِقٍ بِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بِيُخْتَبَرُ - (وَ) حَتَّى (يُؤْنَسَ رُشْدُهُ) ؛ أَيْ: يُعْلَمَ، يَخْتَلِفُ الْإِينَاسُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.
(وَعُقُودُ) يَتِيمٍ حَالَ (الِاخْتِبَارِ صَحِيحَةٌ) ؛ لِلْآيَةِ، وَيَخْتَلِفُ الرُّشْدُ
بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، (فَوَلَدُ تَاجِرٍ) يُؤْنَسُ رُشْدُهُ؛ (بِأَنْ يَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، فَلَا يَغْبِنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا، وَ) يُؤْنَسُ رُشْدُ (وَلَدِ رَئِيسٍ وَكَاتِبٍ بِاسْتِيفَاءٍ عَلَى وَكِيلِهِ) فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ، (وَ) يُؤْنَسُ رُشْدُ (أُنْثَى بِاشْتِرَاءِ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ) كَصُوفٍ وَكَتَّانٍ وَاسْتِجَادَتِهِ وَدَفْعِهِ (وَ) دَفْعِ أُجْرَتِهِ (لِلْغَزَّالَاتِ وَاسْتِيفَاءٍ عَلَيْهِنَّ) ؛ أَيْ: الْغَزَّالَاتِ (وَ) يُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إينَاسِ رُشْدِهِ (حِفْظُ الْأَطْعِمَةِ مِنْ نَحْوِ هِرٍّ وَفَأْرٍ) وَحِفْظِ ثِيَابٍ مِنْ نَحْوِ عَتٍّ (وَ) يُخْتَبَرُ (ابْنُ كُلِّ مُحْتَرِفٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ) ، فَيُخْتَبَرُ ابْنُ الزَّارِعِ وَابْنُ النَّجَّارِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِزَرْعِهِ وَنِجَارَتِهِ؛ (وَ) يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ (أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ كَشِرَاءِ نِفْطٍ وَنَحْوِهِ كَبَارُودٍ يُحْرِقُهُ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ) وَنَحْوِهِ، (أَوْ) صَرْفِهِ فِي (حَرَامٍ؛ كَقِمَارٍ) وَغِنَاءٍ، (وَشِرَاءِ مُحَرَّمٍ كَآلَةِ لَهْوٍ) أَوْ خَمْرٍ، (وَلَيْسَ صَرْفُ الْمَالِ فِي بِرٍّ) ؛ كَغَزْوٍ وَحَجٍّ وَصَدَقَةٍ، (وَ) صَرْفُهُ فِي (مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ تَبْذِيرًا؛ إذْ لَا سَرَفَ فِي الْمُبَاحِ) قَالَ: فِي الِاخْتِيَارَاتِ الْإِسْرَافُ مَا صَرَفَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ كَانَ صَرْفُهُ فِي الْمُبَاحِ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ أَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ يَثِقْ بِإِيمَانِهِ، أَوْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي " حَاشِيَتِهِ ": الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ، وَالتَّبْذِيرِ أَنَّ الْإِسْرَافَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالتَّبْذِيرُ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي.
(وَمَنْ نُوزِعَ فِي رُشْدِهِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ وَلِيِّهِ، فَشَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ؛ ثَبَتَ) رُشْدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ عَدْلَانِ؛ (فَادَّعَى) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (عَلِمَ وَلِيُّهُ) رُشْدَهُ؛ (حَلَفَ) وَلِيُّهُ (أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ) رُشْدَهُ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ مُدَّعٍ، وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى فِي النُّكُولِ إلَّا فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ. (وَمَنْ تَبَرَّعَ فِي) حَالِ (حَجْرِهِ) ، أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ (فَثَبَتَ كَوْنُهُ) ؛ أَيْ الْمُتَبَرِّعُ وَنَحْوُهُ (مُكَلَّفًا رَشِيدًا)[نَفَذَ] تَصَرُّفُهُ؛ لِتَبَيُّنِ أَهْلِهِ لَهُ.