الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّة إجَارَة أَوْ انْفَسَخَتْ بنحو تقايل أَوْ عَيْب]
(فَصْلٌ: فَإِذَا انْقَضَتْ، وَيَتَّجِهُ أَوْ)(انْفَسَخَتْ بِنَحْوِ تَقَايُلِ) الْمُتَآجِرِينَ مِنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، (وَ) كَذَا بِظُهُورِ (عَيْبٍ) فِي الْمَأْجُورِ مُبِيحٍ لِلْفَسْخِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(إجَارَةُ أَرْضٍ) ؛ أَيْ: انْتَهَتْ مُدَّتُهَا، (لَيْسَتْ) الْأَرْضُ (مُشَاعًا لِشَرِيكٍ، وَبِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ - (غِرَاسٌ) - بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - (أَوْ بِنَاءٌ)(لَمْ يُشْتَرَطْ) فِي الْعَقْدِ (قَلْعُهُ بِانْقِضَاءِ) الْمُدَّةِ، (أَوْ شُرِطَ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (بَقَاؤُهُ) - أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ - (أَوْ أُطْلِقَ) بِأَنْ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعٌ وَلَا بَقَاءٌ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَرْطِ الْبَقَاءِ وَالْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، [فَإِنْ قَلَعَهُ مَالِكُهُ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ] .
(وَإِنْ لَمْ يَقْلَعْهُ مَالِكُهُ) - أَيْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ (خُيِّرَ مَالِكُهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - (بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَخْذُهُ) - أَيْ تَمَلُّكُهُ " - (بِقِيمَتِهِ) إنْ كَانَ مِلْكُهُ لِلْأَرْضِ تَامًّا، فَيَدْفَعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، وَيُمْلَكُ مَعَ أَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بِذَلِكَ، وَصِفَتُهُ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً، ثُمَّ خَالِيَةً مِنْهُمَا؛ فَمَا بَيْنَهُمَا قِيمَتُهُ، (أَوْ تَرْكُهُ بِأُجْرَتِهِ) - أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ - لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَإِزَالَةَ ضَرَرِ الْمَالِكَيْنِ؛ فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِ الْمُسْتَأْجِرِ تَبْقِيَةَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ، (أَوْ قَلْعُهُ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " وَالْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَلْعَ وَضَمَانَ النَّقْصِ؛ فَالْقَلْعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَوْ الْبِنَاءِ بَيْعُهُ لِمَالِكِ
الْأَرْضِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَالِكِ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، (وَكَذَا) لَا يُمْنَعُ الْخِيرَةَ مِنْ أَخْذِ رَبِّ الْأَرْضِ لَهُ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ، أَوْ تَرْكِهِ الْأُجْرَةَ.
(لَوْ وَقَفَ مُسْتَأْجِرٌ مَا بَنَاهُ، أَوْ وَقَفَ مَا غَرَسَهُ) ، وَلَوْ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ كَزَاوِيَةٍ وَمَدْرَسَةٍ.
(فَإِذَا تَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ؛ اشْتَرَى بِهَا) - أَيْ: بِالْقِيمَةِ أَوْ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَرْشِ الْقَلْعِ - (مَا يَكُونُ وَقْفًا) ؛ كَمَا لَوْ أُتْلِفَ الْوَقْفُ، وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ مِنْ مُتْلِفِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآلَاتِ وَالْغِرَاسَ الْمَقْلُوعَ بَاقٍ مَقَامَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ ".
(وَيَتَّجِهُ لَوْ أَبَى) مُسْتَأْجِرٌ (الثَّلَاثَ) ، وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِكِ بِالْقِيمَةِ، وَالتَّرْكُ بِالْأُجْرَةِ، وَالْقَلْعُ، (وَ) أَبَى (مَالِكٌ الْقَلْعَ) لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ؛ (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَ حَاكِمٌ مِنْ الْمَأْجُورِ (أَرْضًا بِمَا فِيهَا) مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَدَفَعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَتَهَا فَارِغَةً، وَمَا بَقِيَ يُدْفَعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِيعَ مَالُهُ مُنْفَرِدًا.
وَالْحُكْمُ فِيهَا (كَعَارِيَّةٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ الْأَرْضَ لِلْغِرَاسِ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الْقَلْعِ، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ؛ لَزِمَ عِنْدَهُ - وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مُعِيرٌ - وَإِلَّا يَشْتَرِطْ الْقَلْعَ؛ فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ، فَإِنْ أَبَى مُعِيرٌ ذَلِكَ، وَمُسْتَعِيرٌ الْأُجْرَةَ وَالْقَلْعَ؛ بِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا إنْ رَضِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيُجْبَرُ الْآخَرُ، وَدُفِعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَتُهَا فَارِغَةً، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وحُكْمُ) إجَارَةٍ (فَاسِدَةٍ فِي ذَلِكَ) ؛ أَيْ: الْمُتَقَدِّمِ تَفْصِيلُهُ مِنْ أَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ؛ كَحُكْمِ إجَارَةٍ (صَحِيحَةٍ) مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ
فِيهَا بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، (لَا كَعَارِيَّةٍ) ؛ إذْ الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ (فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ) : وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ انْتَهَى.
فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ جَعَلَهَا كَالْعَارِيَّةِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ سِوَى صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ "، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ " الْمُنْتَهَى ": بِأَنَّ تَشْبِيهَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ بِعَقْدِ فَاسِدٍ بِالْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْقَلْعِ مَجَّانًا، لَا فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ إذَنْ.
(وَ) لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ؛ فَحُكْمُهُ (حُكْمُ الْعَارِيَّةِ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: اشْتَرَاهُ اشْتِرَاءً (صَحِيحًا، ثُمَّ فُسِخَ) عَقْدُ (بَيْعٍ بِنَحْوِ عَيْبٍ) ؛ كَغَبْنٍ (وَتَقَايُلٍ) ، أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ:" لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْأَخْذُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْقَلْعُ وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَتَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى.
فَجَعَلَ فِي " الْإِقْنَاعِ " حُكْمَ مَا بِيعَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ فُسِخَ، حُكْمَ الْإِجَارَةِ، فَلِذَلِكَ خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَعَلَهُ كَالْعَارِيَّةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ.
مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَالرِّعَايَةِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْمَبِيعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بَنَى؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَصَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِي الشُّرُوطِ فِي الرَّهْنِ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ) الَّذِي بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ (نَحْوَ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَسِقَايَةٍ وَقَنْطَرَةٍ؛ (لَزِمَ بَقَاؤُهُ) - أَيْ: الْبِنَاءِ - فَلَا يُهْدَمُ، وَلَا يُتَمَلَّكُ، بَلْ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ (بِأُجْرَتِهِ إلَى زَوَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ؛ إذْ وَضْعُ هَذِهِ لِلدَّوَامِ، وَلَا يُعَادُ
الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ إذَا انْهَدَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِغَيْرِ رِضَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْعَقْدِ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ (لَوْ أَعْسَرَ) الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَجَزَ عَنْ دَفْعِ أُجْرَةِ أَرْضٍ مَبْنِيَّةٍ مَسْجِدًا؛ (لَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُؤَجِّرَ - إبْقَاءُ الْبِنَاءِ إلَى أَنْ يَبِيدَ، أَوْ يُوسِرَ الْمُسْتَأْجِرُ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ مَاتَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مُعْسِرًا؛ فَلِمَالِكٍ) فِعْلُ (مَا مَرَّ) مِنْ تَمَلُّكِ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ (جَزْمًا) مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ.
وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
(وَ) قَالَ (فِي " الْفَائِقِ ") : قُلْتُ: (لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ) - أَيْ: الْمُؤَجَّرَةُ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ - (وَقْفًا) ، وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ؛ (لَمْ) يَجُزْ أَنْ (يُتَمَلَّكَ) غِرَاسٌ وَلَا بِنَاءٌ لِجِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ (إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ) لِلْأَرْضِ، (أَوْ رِضَى مُسْتَحِقٍّ) لِرِيعِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ فِي دَفْعِ قِيمَتِهِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ تَفْوِيتًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُقْلَعُ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ، إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُتَمَلَّكُ إلَّا تَامُّ الْمِلْكِ، هَذَا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ رِضَى مُسْتَحِقٍّ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْلَعَ غِرَاسَ الْمُسْتَأْجِرِ وَزَرْعَهُ، صَحِيحَةً كَانَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ فَاسِدَةً، لِتَضَمُّنِهَا الْإِذْنَ فِي وَضْعِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ،
بَلْ إذَا بَقِيَ؛ فَعَلَى مَالِكِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَبْقَاهُ - أَيْ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ الْمَوْقُوفَ - بِالْأُجْرَةِ؛ فَمَتَى بَادَ؛ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَأَخَذَ الْأَرْضَ صَاحِبُهَا، فَانْتَفَعَ بِهَا.
وَقَالَ فِيمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ بِنَاءً وَقَفَهُ عَلَيْهِ: مَتَى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ، وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ؛ زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ، وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ، فَانْتَفَعُوا بِهَا، وَمَا دَامَ الْبِنَاءُ قَائِمًا فِيهَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ كَوَقْفِ عُلُوِّ رَبْعٍ أَوْ دَارٍ مَسْجِدًا، فَإِنَّ وَقْفَ عُلُوِّ ذَلِكَ؛ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مُلَّاكِ السُّفْلِ وَكَذَا وَقْفُ الْبِنَاءِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مُلَّاكِ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ فِي " الْفُنُونِ " مَعْنَاهُ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ.
وَقَالَ (" الْمُنَقَّحُ ") : قُلْتُ: (بَلْ إذَا حَصَلَ بِهِ) - أَيْ: التَّمَلُّكِ (نَفْعٌ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ؛ بِأَنْ يَكُونَ تَمَلُّكُهُ أَحَظَّ مِنْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ، وَمِنْ إبْقَائِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ؛ (كَانَ لَهُ ذَلِكَ) - أَيْ: تَمَلُّكُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ - لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً تَعُودُ إلَى مُسْتَحِقِّ الرِّيعِ؛ أَشْبَهَ شِرَاءَ وَلِيٍّ بِنَاءً لِيَتِيمٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَدْ رُئِيَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَمَرَّ فِي فَصْلِ: وَإِنْ ظَهَرَ عَيْبٌ: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ (تَمَلُّكَ زَرْعٍ) زَرَعَهُ مُؤَجِّرٌ تَعَدِّيًا بِنَفَقَتِهِ، (وَ) مَرَّ أَيْضًا أَنَّ (مَيْلَ ابْنِ رَجَبٍ) إلَيْهِ.
(وَفِي " الْإِقْنَاعِ " لَا يَتَمَلَّكُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ؛ كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَمُسْتَأْجِرٍ) وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِقُصُورِ مِلْكِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، هَذَا تَخْرِيجٌ لِابْنِ رَجَبٍ، وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَهُ تَمَلُّكُ زَرْعِ الْغَاصِبِ بِالنَّفَقَةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَلِذَلِكَ جَوَّزَ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا غُصِبَتْ الْأَرْضُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا، أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ وَزُرِعَ فِيهَا، فَهَلْ يَمْلِكُ الزَّرْعَ مَالِكُ الرَّقَبَةِ؟ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ؟ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " بِأَحْكَامِ الْخَرَاجِ ": فِيمَا إذَا خَرَجَ مَنْ بِيَدِهِ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ مِنْهَا، وَلَهُ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ فِيهَا، فَهَلْ يُقَالُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ إذَا رَآهُ أَصْلَحَ؟ كَمَا يَتَمَلَّكُ نَاظِرُ الْوَقْفِ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ؟ فَظَاهِرُهُ جَوَازُهُ لِلنَّاظِرِ مُطْلَقًا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً انْتَهَى.
(وَلَا) يَتَمَلَّكُهُ (مُرْتَهِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِيثَاقِ.
(وَمُؤْنَةُ قَلْعٍ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ) ؛ كَنَقْلِ مَتَاعِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَفْرِيغَ الْمُؤَجَّرَةِ مِمَّا أَشْغَلَهَا بِهِ مِنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ اخْتَارَهُ - أَيْ الْقَلْعَ - مُسْتَأْجِرٌ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ، فَإِنْ اخْتَارَهُ مُؤَجِّرٌ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ، (وَ) كَذَا (تَسْوِيَةُ حُفَرٍ) حَصَلَتْ بِقَلْعٍ، فَتَلْزَمُ مُسْتَأْجِرًا، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ مُخَالَفَةٌ لِأَصْلَيْهِ، وَلَمْ يُشِرْ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُمَا أَوْجَبَا مُؤْنَةَ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُطْلَقًا، وَتَسْوِيَةَ الْحُفَرِ إنْ اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْقَلْعَ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَجِّرُ؛ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُؤْنَةُ الْقَلْعِ دُونَ تَسْوِيَةِ الْحُفَرِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي " الْإِقْنَاعِ " عَنْ " التَّلْخِيصِ " وَهُوَ مَفْهُومُ " الْمُنْتَهَى " حَيْثُ فَصَّلَ بِلَفْظِهِ كَذَا فِي تَسْوِيَةِ، الْحُفَرِ وَالْأَقْوَى فِي النَّظَرِ مَا جَنَحَا إلَيْهِ.
(وَإِنْ شَرَطَ) عَلَى مُسْتَأْجِرِ أَرْضٍ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ (قَلْعَهُ بِانْقِضَاءِ) مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (لَزِمَهُ) قَلْعُهُ وَفَاءً بِمُوجِبِ شَرْطِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمُوجِبِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ أَوْ الْغِرَاسُ (غَيْرَ نَحْوِ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَقَنْطَرَةٍ وَمَا وَقَفَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَبْقَى بِأُجْرَةٍ الْمِثْلِ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الشَّرْطِ - (تَسْوِيَةُ حُفَرٍ) حَصَلَتْ بِالْقَلْعِ، (وَلَا إصْلَاحُ أَرْضٍ) ؛ لِدَلَالَةِ الشَّرْطِ عَلَى رِضَى رَبِّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ، (إلَّا بِشَرْطٍ) ؛ بِأَنْ شَرَطَهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ.
(وَلَا) يَجِبُ (عَلَى رَبِّ