الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سِوَى رَهْنِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ، (وَ) سِوَى رَهْنِ (زَرْعٍ أَخْضَرَ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ) ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهِمَا؛ لِعَدَمِ أَمْنِ الْعَاهَةِ وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهِمَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الْمُرْتَهِنِ، (وَ) سِوَى (قِنٍّ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (دُونَ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ) ؛ كَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِ وَحْدَهُ؛ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا؛ فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَيْعُ الرَّهْنِ (يُبَاعَانِ) مَعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (وَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنَ بِمَا يَخُصُّ الْمَرْهُونَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) ، فَيُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ؛ فَلِرَاهِنٍ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبِذِمَّةِ مَدِينٍ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مَعَ كَوْنِهِ ذَا وَلَدٍ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسُونَ؛ فَحِصَّةُ الرَّاهِنِ ثُلُثًا الثَّمَنِ، (لَكِنْ لَوْ رَهَنَ ثَمَرَةً عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) إلَى أَجَلٍ (تَحْدُثُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْأَجَلِ ثَمَرَةٌ (أُخْرَى) بِحَيْثُ (لَا تَتَمَيَّزُ) عَنْ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ؛ فَالرَّهْنُ (بَاطِلٌ) ؛ لِجَهَالَتِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ (وَإِنْ) جُعِلَتْ الثَّمَرَةُ رَهْنًا عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ؛ وَ (شُرِطَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - فِي الْعَقْدِ (قَطْعٌ) عِنْدَ حُدُوثِ غَيْرِهَا؛ (فَلَا) يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ، وَعَدَمِ الْغَرَرِ. (وَلَوْ) تُرِكَ قَطْعُهَا حَتَّى (حَدَثَتْ) ثَمَرَةٌ (أُخْرَى) ، وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا؛ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، فَإِنْ سَمَحَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ، وَمَا اخْتَلَطَتْ بِهِ عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَزِيَادَةِ الرَّهْنِ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرٍ مِنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، (وَ) إنْ اخْتَلَفَا وَتَشَاحَّا؛ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ) بِيَمِينِهِ (فِي قَدْرِ حَادِثٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.
[فَصَلِّ شَرْطُ تَنْجِيزِ الرَّهْن]
(فَصْلٌ) : لَمَّا كَانَتْ صِحَّةُ الرَّهْنِ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطٍ سِتَّةٍ اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا. فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَشَرْطُ تَنْجِيزِ رَهْنٍ، فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا) ؛ كَالْبَيْعِ.
وَالثَّانِي: (كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَعَ حَقٍّ) ؛ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا
بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ تَرْهَنُنِي بِهَا عَبْدَك هَذَا، فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْت؛ فَيَصِحُّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْهُ مَعَ الْحَقِّ؛ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدُ، (أَوْ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، فَجَعَلَهُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ، فَيَكُونُ فِي مَحِلِّهَا وَهُوَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَابِعٌ لَهُ؛ كَالشَّهَادَةِ، فَلَا يَتَقَدَّمُهُ.
(وَ) الثَّالِثُ كَوْنُ رَاهِنٍ (مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَبَرُّعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ كَالْبَيْعِ، (وَلَوْ) كَانَ الرَّاهِنُ (غَيْرَ مَدِينٍ) لِلْمُرْتَهِنِ (فَيَصِحُّ رَهْنُ مَالِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ) - وَلَوْ (بِلَا إذْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَدِينِ أَوْ رِضَاهُ -[كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَوْلَى] وَهُوَ نَظِيرُ إعَارَةِ الْمَدِينُ شَيْئًا يَرْهَنُهُ. صَرَّحَ بِجَوَازِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مِلْكَهُ) ؛ أَيْ: الرَّاهِنِ، (وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ) ؛ أَيْ: الْمِلْكِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ صَحَّ؛ كَمَنْ رَهَنَ قِنَّ أَبِيهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَانْتَقَلَ الْقِنُّ إلَيْهِ، (أَوْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ دَارًا مَثَلًا، وَأَذِنَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُعِيرُ لَهُ بِرَهْنِهَا، فَرَهَنَهَا؛ صَحَّ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ تَعْيِينُ الدَّيْنِ، وَلَا وَصْفُهُ، وَلَا مَعْرِفَةُ رَبِّ الدَّيْنِ، (وَيَنْبَغِي) لِلْمَدِينِ (أَنْ يُذَكِّرَ الْآذِنَ) مِنْ نَحْوِ مُؤَجِّرٍ وَمُعِيرٍ (الْمُرْتَهَنَ)، فَيَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَرْهَنَهُ عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (قَدْرَ دَيْنٍ) يَرْهَنُهُ بِهِ، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (جِنْسَهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ؛ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (مُدَّةَ رَهْنٍ) ؛ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، (فَإِنْ شُرِطَ) فِي الْإِذْنِ (شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: شَرَطَ الْآذِنُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ لَا يَرْهَنَهُ إلَّا عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى مُدَّةِ كَذَا، فَخَالَفَ الْمَدِينُ، (وَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ شَرْطِهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ (لَكِنْ لَوْ رَهَنَهُ) ؛
أَيْ: رَهَنَ الْمَدِينُ الْمُؤَجَّرَ أَوْ الْمُعَارِ الْمَأْذُونَ فِيهِ (بِأَنْقَصَ مِمَّا قُدِّرَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، (وَ) لَوْ رَهَنَهُ (بِأَكْثَرَ؛ صَحَّ) الرَّهْنُ (فِيمَا قُدِّرَ) لَهُ (فَقَطْ) ، وَبَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَهُ فِي دَنَانِيرَ، فَرَهَنَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِلْمُخَالَفَةِ.
(وَيَمْلِكُ آذِنٌ) مُؤَجِّرًا كَانَ أَوْ مُعِيرًا (الرُّجُوعَ) فِي الْإِذْنِ فِي الرَّهْنِ (قَبْلَ إقْبَاضِهِ) الْمُرْتَهَنَ، (لَا بَعْدَهُ) ؛ لِلُزُومِهِ. (وَيُطَالِبُ) مُعِيرٌ (رَاهِنًا بِفَكِّهِ) فِي مَحِلِّ الْحَقِّ وَقَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ، وَلَا يَمْلِكُ مُؤَجِّرٌ الرُّجُوعَ (فِي إجَارَةِ عَيْنِ الرَّهْنِ قَبْلَ) مُضِيِّ (مُدَّتِهَا) ؛ أَيْ: الْإِجَارَةُ؛ لِلُزُومِهَا (وَإِنْ بِيعَ) رَهْنٌ مُؤَجَّرٌ أَوْ مُعَارٍ (مَأْذُونٌ) لِلرَّاهِنِ (فِيهِ) لِوَفَاءِ دَيْنٍ؛ (رَجَعَ) مُؤَجِّرٌ أَوْ مُعِيرٌ (عَلَى رَاهِنٍ بِمِثْلٍ مِثْلِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، (وَ) رَجَعَ (بِالْأَكْثَرِ مِنْ مُتَقَوِّمٍ، أَوْ مَا) ؛ أَيْ: ثَمَنٍ (بِيعَ بِهِ) اخْتَارَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "" وَالتَّلْخِيصِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "" وَالْمُنَوِّرِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": (فَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؛ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَصَحِّ) ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَصَوَّبَهُ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ "" وَالْإِنْصَافِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّنْقِيحِ "، لِأَنَّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الرَّاهِنُ نَقْصَهُ، وَبِالْأَكْثَرِ فَثَمَنُهُ كُلُّهُ لِمَالِكِهِ؛ إذْ لَوْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ حَقَّهُ مِنْ رَهْنٍ؛ رَجَعَ ثَمَنُهُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ، فَإِذَا قَضَى رَبُّهُ دَيْنَ الرَّاهِنِ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِ نَقْصِهِ أَلَّا تَكُونَ زِيَادَتُهُ لِرَبِّهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ.
(وَإِنْ تَلَفَ) رَهْنٌ مُعَارٍ أَوْ مُؤَجَّرٌ بِتَفْرِيطِهِ؛ ضَمِنَهُ رَاهِنٌ بِبَدَلِهِ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ؛ (ضَمِنَ رَاهِنٌ لَا مُرْتَهِنٌ الْمُعَارَ، لَا الْمُؤَجَّرَ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وَالْمُؤَجَّرَ أَمَانَةٌ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ.
(وَإِنْ قَالَ مَأْذُونٌ) فِي الرَّهْنِ لِمَالِكِهِ: (أَذِنْتُ لِي فِي رَهْنِهِ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ) أَذِنْتُ لَك فِي رَهْنِهِ (بِخَمْسَةٍ؛ فَقَوْلُ آذِنٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْإِذْنِ فِي الزِّيَادَةِ، وَيَكُونُ رَهْنًا بِالْخَمْسَةِ فَقَطْ.
(وَ) الْخَامِسُ (كَوْنُهُ) ؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَعْلُومًا جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ وَصِفَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالْبَيْعِ.
(وَ) السَّادِسُ كَوْنُهُ (بِدَيْنٍ وَاجِبٍ) ؛ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ (غَيْرِ سَلَمٍ)، وَتَقَدَّمَ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مَآلُهُ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ الْوَاجِبِ؛ (كَثَمَنٍ) فِي (مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَأُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ) مَأْجُورٍ (وَمَهْرٍ قَبْلَ دُخُولٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (وَبِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ؛ كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ) عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ، وَهَذَا حَاصِلٌ؛ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الْأَعْيَانِ يَحْمِلُ الرَّاهِنَ عَلَى أَدَائِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا اُسْتُوْفِيَ بِهِ لَهَا مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَتْ مَا فِي الذِّمَّةِ.
وَيَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى (نَفْعِ إجَارَةٍ بِذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ) ، وَحَمْلِ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَيَكُنْ وَفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِنَفْعِ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ، وَلِذَا كَانَ سَاقِطًا فِي أَصْلَيْهِ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ (بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ، وَلَا بِجُعْلٍ قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الدِّيَةِ (وَ) قَبْلَ تَمَامِ (عَمَلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الْجَعْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ) أَخْذُ رَهْنٍ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ، وَبِجُعْلٍ (بَعْدَهُمَا) ؛ أَيْ: الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِمَا.
(وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِدَيْنِ كِتَابَةٍ) ؛ لِفَوَاتِ الْإِرْفَاقِ بِالْأَجَلِ الْمَشْرُوعِ؛ إذْ يُمْكِنُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَإِيفَاءُ الْكِتَابَةِ، (وَلَا بِعُهْدَةِ مَبِيعٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَيَعُمُّ ضَرَرُهُ بِمَنْعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِذَا وَثَّقَ الْبَائِعُ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ، وَلَا ارْتَفَقَ بِهِ، (وَلَا بِعِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ؛ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَيْنِ وَإِجَارَةِ مَنَافِعَ) عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ؛ كَدَارٍ وَنَحْوِهَا)
كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ زَمَنًا مُعَيَّنًا، (أَوْ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ مُعَيَّنٍ) إلَى مَكَان مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ هَذِهِ، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا بِتَلَفِهَا، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ حَقٌّ.
(وَحَرُمَ) عَلَى وَلِيٍّ، (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَجْحَدُهُ الْفَاسِقُ، أَوْ يُفَرِّطُ فِيهِ فَيَضِيعُ. (وَيَتَّجِهُ) مَحِلُّ عَدَمِ صِحَّةِ رَهْنِ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ (إنْ جَعَلَ) مَالَ الْيَتِيمِ (تَحْتَ يَدِهِ) ؛ أَيْ: الْفَاسِقِ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى جَعْلِهِ تَحْتَ يَدِ عَدْلٍ، فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَيَتِيمٍ مُكَاتَبٍ وَ) قِنٍّ (مَأْذُونًا لَهُ) فِي تِجَارَةٍ؛ لِاشْتِرَاطِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَيَتِيمٍ (نَحْوُ سَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ) ، فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَتْ أَمْوَالُهُمَا تَحْتَ يَدِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا تَحْتَ يَدِ فَاسِق عَلَى طَرِيقِ رَهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ عَلَيْهِ صِيَانَتُهَا وَحِفْظُهَا عَنْ الضَّيَاعِ، وَطَلَبُ تَنْمِيَتِهَا لَهُمَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِضَعْفِهِمَا عَنْ ذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ رَهَنَ ذِمِّيٌّ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَمْرًا) - وَلَوْ بِشَرْطِ جَعْلِهِ (بِيَدِ ذِمِّيٍّ - لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، (فَإِنْ بَاعَهَا) ؛ أَيْ: الْخَمْرَ (الذِّمِّيُّ) الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ، أَوْ بَاعَهَا رَبُّهَا، (لَا) إنْ بَاعَهَا (الْمُسْلِمُ؛ حَلَّ) لِرَبِّ دَيْنٍ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ، وَحَيْثُ بَاعَهَا الذِّمِّيُّ أَوْ رَبُّهَا (فَيَقْضِيهِ) ؛ أَيْ: الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَهَنَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ الْخُمُورُ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا، (أَوْ يُبْرِئُ) رَبَّ الدَّيْنِ مِنْهُ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَهْنٍ مِنْ مَدِينٍ وَلَا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ، دَيْنَهُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ؛ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَأَوْلَى.