الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْحَوَالَةِ]
(بَابُ الْحَوَالَةِ)(الْحَوَالَةُ) : - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ؛ لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَهِيَ (عَقْدُ إرْفَاقٍ) مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِهِ، (لَا خِيَارَ فِيهِ) وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الْأَصَمِّ، وَسَنَدُهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَمِنْهَا مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» .
وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» .
(وَلَيْسَتْ) الْحَوَالَةُ (بَيْعًا) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَتْ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَمَا جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَلَجَازَتْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ جِنْسَيْنِ كَالْبَيْعِ كُلِّهِ، وَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُشْعِرُ بِالتَّحَوُّلِ، وَلَيْسَتْ أَيْضًا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ الْعَيْنِ فِيهَا، (بَلْ هِيَ) ؛ أَيْ: الْحَوَالَةُ (انْتِقَالُ مَالٍ) مُحَالٍ بِهِ (مِنْ ذِمَّةِ) مُحِيلٍ (إلَى ذِمَّةِ) مُحَالٍ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا رُجُوعَ [لِلْمُحْتَالِ] عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنْ دَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا قَبْضٌ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْهُ؛ أَشْبَهَ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ.
وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ (بِلَفْظِهَا أَوْ بِمَعْنَاهَا الْخَاصِّ) بِهَا؛ (كَ ابْتَعْتُكَ بِدَيْنِكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ خُذْ) دَيْنَكَ (أَوْ اُطْلُبْ دَيْنَكَ مِنْهُ) ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ.
(وَشَرْطُ) الْحَوَالَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا (رِضَى مُحِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ.
(وَ) الثَّانِي (عِلْمُ) مَالٍ (مُحَالٍ بِهِ) وَاسْتِقْرَارُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ (عَلَيْهِ) ؛ لِاعْتِبَارِ التَّسْلِيمِ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ.
(وَ) الثَّالِثُ إمْكَانُ (الْمُقَاصَّةِ؛ بِأَنْ يَسْتَوِيَ الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا وَقَدْرًا؛ فَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِذَهَبٍ عَلَى فِضَّةٍ، وَلَا بِصِحَاحٍ عَلَى مُكَسَّرَةٍ، وَعَكْسُهُ) كَمُكَسَّرَةٍ عَلَى صِحَاحٍ، وَلَا بِحَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ، (وَلَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجَلٍ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ، فَلَوْ جُوِّزَتْ مَعَ الِاخْتِلَافِ؛ لَصَارَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا الْأَفْضَلَ، فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، (وَلَوْ كَانَا) ؛ أَيْ: الدَّيْنَانِ الْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ (حَالَّيْنِ، فَشُرِطَ عَلَى مُحْتَالٍ تَأْخِيرُ حَقِّهِ أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهِ) إلَى أَجَلٍ - وَلَوْ مَعْلُومًا - (لَمْ تَصِحَّ) الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ، (لَكِنْ إذَا صَحَّتْ) الْحَوَالَةُ، (فَرَضِيَا) ؛ أَيْ: الْمُحْتَالُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ (بِدَفْعِ أَدْنَى) مِنْ الدَّيْنِ، (أَوْ) بِدَفْعِ (أَعْلَى) مِنْهُ، (أَوْ) رَضِيَا (بِتَأْجِيلِهِ) وَهُوَ مُعَجَّلٌ، (أَوْ تَعْجِيلِهِ) وَهُوَ مُؤَجَّلٌ، (أَوْ بِدَفْعِ عِوَضٍ عَنْهُ، جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ فَهُنَا أَوْلَى، لَكِنْ إنْ جَرَى بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا النَّسِيئَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَعِوَضُهُ عَنْهُ مَوْزُونًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ كَانَ مَكِيلًا، فَعِوَضُهُ عَنْهُ مَكِيلًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ اشْتَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ بِمَجْلِسِ التَّعْوِيضِ (وَ) يُشْتَرَطُ [فِي] الْحَوَالَةِ تَمَاثُلُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْقَدْرِ؛ (فَلَا يَصِحُّ بِقَلِيلٍ عَلَى كَثِيرٍ) كَعَشَرَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ، (وَ) لَا (عَكْسُهُ) كَخَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِلِاخْتِلَافِ، (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ، (بِقَلِيلٍ عَلَى قَدْرِهِ مِنْ كَثِيرٍ) ؛ بِأَنْ أَحَالَهُ بِخَمْسَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ، (وَعَكْسُهُ) ؛ بِأَنْ أَحَالَهُ بِخَمْسَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ عَلَى خَمْسَةٍ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ سَبَبِ الدَّيْنَيْنِ؛ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ.
(الرَّابِعُ اسْتِقْرَارُ) دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ (مُحَالٍ عَلَيْهِ) نَصًّا كَبَدَلِ قَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِرِّ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ وَمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ إلْزَامُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا، وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ دَيْنٍ مُحَالٍ (بِهِ) ، فَتَصِحُّ بِجَعْلٍ قَبْلَ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ وَفَائِهِ، وَيَصِحُّ الْوَفَاءُ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ (فَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ، (عَلَى صَدَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ)
وَنَحْوِهِ مِمَّا يُقَرِّرُ الصَّدَاقَ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى (مَالِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ أَيْضًا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا عَلَى (أُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ) فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِعَمَلٍ (أَوْ) قَبْلَ (فَرَاغِ مُدَّةٍ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا.
(وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ عَلَى مُشْتَرٍ فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى قِيمَةِ مُتْلَفٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا) وَجَهَالَتِهَا.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى مَالِ مُسْلَمٍ) ؛ أَيْ: مُسْلَمٍ فِيهِ (أَوْ) عَلَى (رَأْسِهِ) ؛ أَيْ: رَأْسِ مَالِ سُلِّمَ (بَعْدَ فَسْخِ) عَقْدِ سَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَاصَّةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. .
(أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى (عَيْنٍ مِنْ نَحْوِ وَدِيعَةٍ) كَمُضَارَبَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ عَلَى دَيْنٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا عَلَى (اسْتِحْقَاقٍ فِي وَقْفٍ أَوْ عَلَى نَاظِرِهِ أَوْ عَلَى نَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي كُلٍّ، (فَلَوْ أَحَالَ نَاظِرٌ لِوَقْفٍ وَنَحْوِهِ) كَصَاحِبِ الْعَطَاءِ فِي الدُّيُونِ (بَعْضَ الْمُسْتَحَقِّينَ) فِي الْوَقْفِ (عَلَى جِهَةٍ) مِنْ جِهَاتِ الْوَقْفِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) الْحَوَالَةُ، لَكِنَّ ذَلِكَ وِكَالَةٌ؛ كَالْحَوَالَةِ عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ.
(وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ مِنْ مُكَاتَبٍ (إنْ أَحَالَ سَيِّدَهُ) بِمَالِ كِتَابَةٍ، (أَوْ) أَحَالَ (زَوْجَ امْرَأَتِهِ) بِصَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَنَحْوُهُ) ؛ كَمَا لَوْ أَحَالَ مُشْتَرٍ بَائِعًا بِثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ مُحَالٍ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَ (لَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (بِجِزْيَةٍ) عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِفَوَاتِ الصَّغَارِ مِنْ