الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَرْعٌ قَالَ الضَّامِنُ كَانَ ضَمَانِي قَبْلَ بُلُوغِي وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ]
(فَرْعٌ لَوْ قَالَ) الضَّامِنُ: (ضَمِنْت) وَكَانَ ضَمَانِي لِذَلِكَ (قَبْلَ بُلُوغِي)، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ: بَلْ كَانَ الضَّمَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ، (أَوْ) قَالَ: ضَمِنْت (حَالَ جُنُونِي) ، وَأَنْكَرَهُ مَضْمُونٌ لَهُ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْ الضَّامِنِ (- وَلَوْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ -) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْعَقْدِ.
[فَصْلٌ شَرْط صِحَّةِ الضَّمَان]
(فَصْلٌ: وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ ضَمَانٍ (رِضَا ضَامِنٍ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الرِّضَى؛ كَالتَّبَرُّعِ بِالْأَعْيَانِ، وَ (لَا) يُعْتَبَرُ رِضَى (مَنْ ضُمِنَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ الْمَيِّتَ بِالدِّينَارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِصِحَّةِ قَضَاءِ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَوْلَى ضَمَانُهُ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى مَنْ (ضُمِنَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا قَبْضٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا رِضًى؛ كَالشَّهَادَةِ.
(وَلَا) يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الضَّمَانِ (أَنْ يَعْرِفَهُمَا) ؛ أَيْ: الْمَضْمُونَ لَهُ وَالْمَضْمُونَ عَنْهُ (ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا، فَكَذَا مَعْرِفَتُهُمَا.
(وَلَا) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ ضَامِنٍ (الْعِلْمَ بِالْحَقِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ؛ كَالْإِقْرَارِ.
(وَلَا) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ (وُجُوبِهِ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ (إنْ آلَ إلَيْهَا) ؛ أَيْ: إلَى الْعِلْمِ وَالْوُجُوبِ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبُ إذَا آلَ إلَى الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] .
فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى ضَمَانِ حِمْلِ الْبَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ.
لَا يُقَالُ الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ شَيْءٌ فَلَا ضَمٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ،
وَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا، وَهَذَا كَافٍ.
(فَيَصِحُّ) قَوْلُهُ (ضَمِنْتُ لِزَيْدٍ مَا عَلَى بَكْرٍ) أَوْ مَا عَلَى زَيْدٍ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي وَنَحْوُهُ.
وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمَجْهُولِ، (أَوْ) ضَمِنْتُ لَهُ (مَا يُدَايِنُهُ) وَهُوَ [مِنْ] أَمْثِلَةِ مَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ، (أَوْ) ضَمِنْتُ لَهُ (مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ) ، أَوْ مَا تَقُومُ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يُخْرِجُهُ الْحِسَابُ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمَجْهُولِ أَيْضًا.
(وَلَهُ) أَيْ: الضَّامِنِ (إبْطَالُهُ) ؛ أَيْ: الضَّمَانِ (قَبْلَ وُجُوبِهِ) ، لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْوُجُوبِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ ضَامِنٍ، (وَإِنْ) قَالَ إنْسَانٌ لِزَيْدٍ:(مَا أَعْطَيْتُهُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِعَمْرٍو فَهُوَ (- عَلَيَّ وَلَا قَرِينَةَ) تَدُلُّ عَلَى مَا أَعْطَاهُ فِي الْمَاضِي أَوْ مَا يُعْطِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ - فَهُوَ (لِمَا وَجَبَ فِي الْمَاضِي) ، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إذْ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ مِنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ "
(وَمِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ ضَمَانِ مَا يَجِبُ (ضَمَانُ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَلْزَمُ التَّاجِرَ مِنْ دَيْنٍ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ غَيْنٍ مَضْمُونَةٍ) .
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَقَالَ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَالشَّهَادَةُ بِهِ لِمَنْ لَمْ يَرَ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِمْ فَحَرَامٌ، (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (صِحَّةَ ضَمَانِ حَارِسٍ وَنَحْوِهِ وَتُجَّارِ حَرْبٍ مَا يَذْهَبُ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْبَحْرِ) ، وَإِنَّ غَايَتَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَضَمَانُ الْمَجْهُولِ كَضَمَانِ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الضَّامِنُ مَا يَجِبُ عَلَى التُّجَّارِ مِنْ الدُّيُونِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَحْمَدَ.
وَقَالَ أَيْضًا: الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّتِي يَنْصُرُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَجْرِي مَجْرَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي مُعَاهَدَتِهِنَّ، وَإِذَا شَرَطُوا عَلَى أَنَّ تُجَّارَهُمْ يَدْخُلُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا لِلْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَمَا أَخَذُوهُ كَانُوا ضَامِنِينَ لَهُ، وَالْمَضْمُونُ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ التُّجَّارِ؛ جَازَ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا أَخَذُوا مَالًا لِتُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُطَالِبَهُمْ بِمَا ضَمِنُوهُ وَيَحْبِسَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ. انْتَهَى
(وَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا صَحَّ أَخْذُ رَهْنٍ بِهِ) مِنْ دَيْنٍ وَعَيْنٍ، لَا عَكْسُهُ؛ لِصِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ دُونَ أَخْذِ الرَّهْنِ بِهَا.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (نَحْوِ جُعْلٍ) فِي جَعَالَةٍ وَمُسَابَقَةٍ وَمُنَاضَلَةٍ - وَلَوْ قَبْلَ الْعَمَلِ - لِأَنَّ الْجُعْلَ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ، لَا ضَمَانِ الْعَمَلِ فِي الْجَعَالَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ ضَامِنٍ) بِأَنْ يَضْمَنَهُ ضَامِنٌ آخَرُ، وَكَذَا ضَامِنُ الضَّامِنِ، فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ [فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَيَثْبُتُ الْحَقُّ] عَلَى الْجَمِيعِ أَيُّهُمْ قَضَاهُ بَرِئُوا، وَإِنْ بَرِئَ الْمَدِينُ، بَرِئَ الْكُلُّ، وَإِنْ أَبْرَأَ مَضْمُونٌ لَهُ أَحَدَهُمْ؛ بَرِئَ وَمَنْ بَعْدَهُ لَا مَنْ قَبْلَهُ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (مَيِّتٍ) وَإِنْ (لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً) لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دِينَارَانِ قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟ قَالُوا: لَا، فَتَأَخَّرَ، فَقَالُوا: لِمَ لَا تُصَلِّي؟ فَقَالَ: مَا تَنْفَعُهُ صَلَاتِي وَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ، أَلَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (قَبْلَ وَفَاءِ) دَيْنِهِ (نَصًّا) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ» .
وَلَمَّا أَخْبَرَ أَبُو قَتَادَةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِوَفَاءِ الدِّينَارَيْنِ قَالَ: «الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنِهِ؛ أَشْبَهَ الرَّهْنَ، وَكَالْحَيِّ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (مُفْلِسٍ مَجْنُونٍ) ؛ لِعُمُومِ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ.» .
(مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ دَيْنًا وَأُخْرَى إنْ لَمْ يُفَرِّطْ قَبْلُ) . قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ لَكِنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُهُ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (نَقْصِ صَنْجَةٍ أَوْ)(كَيْلٍ) أَيْ: مِكْيَالٍ فِي بَذْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَآلِهِ إلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ دَيْنَ سَلَمٍ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ بَاذِلٍ، فَصَحَّ
ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ؛ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ، (وَيَرْجِعُ) قَابِضٌ (بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ) فِي قَدْرِ نَقْصٍ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ بَاذِلٌ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اشْتِغَالِ ذِمَّةِ بَاذِلٍ، وَلِرَبِّ الْحَقِّ طَلَبُ ضَامِنٍ بِهِ؛ لِلُزُومِهِ مَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونُ.
(وَيَتَّجِهُ لَا) يَرْجِعُ قَابِضُ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَجَدَهُ نَاقِصًا عَلَى ضَامِنِ نَقْصِهِ (مَعَ تَصْدِيقِ بَاذِلٍ) ، فَيُطَالِبُ الْبَاذِلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ لَهُ بِذَلِكَ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (عُهْدَةِ مَبِيعٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَثِيقَةِ، وَالْوَثَائِقُ ثَلَاثَةٌ: الشَّهَادَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ، وَالشَّهَادَةُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْحَقُّ؛ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ ضَمَانُهُ فِيهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حَبْسُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يُؤَدَّى، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُؤَدِّي إلَى حَبْسِهِ أَبَدًا [؛ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَامْتَنَعَتْ الْمُعَامَلَاتُ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ] ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ رَافِعٌ لِأَصْلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِهَا.
وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ لُغَةً الصَّكُّ يُكْتَبُ فِيهِ الِابْتِيَاعُ، وَاصْطِلَاحًا ضَمَانُ الثَّمَنِ (عَنْ بَائِعٍ لِمُشْتَرٍ بِأَنْ يَضْمَنَ) الضَّامِنُ (عَنْهُ) ؛ أَيْ: الْبَائِعِ. (الثَّمَنَ) - وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ - لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ) ؛ أَيْ: ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ بَائِعٍ، (أَوْ رُدَّ) الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعٍ (بِعَيْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ) يَضْمَنُ (أَرْشَهُ) إنْ اخْتَارَ مُشْتَرٍ إمْسَاكَهُ مَعَ عَيْبٍ، (وَ) يَكُونُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ (عَنْ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ بِأَنْ يَضْمَنَ) الضَّامِنُ (عَنْهُ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ) فِي الْمَبِيعِ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، أَوْ إنْ ظَهَرَ بِهِ) ؛ أَيْ: الثَّمَنِ (عَيْبٌ، أَوْ اُسْتُحِقَّ) الثَّمَنُ؛ أَيْ: خَرَجَ مُسْتَحَقًّا؛ فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ
(وَلَوْ بَنَى مُشْتَرٍ) فِي مَبِيعٍ، ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا، (فَهَدَمَهُ مُسْتَحِقٌّ، فَالْأَنْقَاضُ لِرَبِّهَا) - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا.
(وَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ) لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ مَغْصُوبٌ (بِقِيمَةِ تَالِفٍ) مِنْ ثَمَنِ مَاءِ وَرَدٍ وَطِينٍ وَنَوْرَةٍ وَجِصٍّ وَنَحْوِهِ (عَلَى بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَكَذَا أُجْرَةُ مُعَمَّرِينَ وَثَمَنُ الْمُؤْنَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَأَرْشُ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالْقَلْعِ وَأُجْرَةُ الْمَبِيعِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، (وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْعُهْدَةِ) ؛ فَلِمُشْتَرٍ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى ضَامِنِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَرَكِ الْمَبِيعِ.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ قُلِعَ غِرَاسٌ) بِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِ أَرْضٍ مَبِيعَةٍ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْغَرْسِ وَبِمَا نَقَصَهُ الْغِرَاسُ بِسَبَبِ الْقَلْعِ عَلَى ضَامِنِ الْعُهْدَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَأَلْفَاظُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ ضَمِنْتُ عُهْدَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ دَرَكَهُ، أَوْ يَقُولُ) الضَّامِنُ (لِلْمُشْتَرِي: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ مِنْهُ، أَوْ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَقَدْ ضَمِنْتُ كَذَا الثَّمَنُ) . وَ (لَا) يَصِحُّ (إنْ ضَمِنَ لِمُشْتَرٍ خَلَاصَ الْمَبِيعِ. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: كَيْفَ يَسْتَطِيعُ الْخَلَاصَ؟) وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ (إذَا خَرَجَ حُرًّا) أَوْ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلَاصَهُ.
(وَيَصِحُّ ضَمَانُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ كَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَوَلَدِهِ) ؛ أَيْ: الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَا غَصْبٌ وَعَارِيَّةٌ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُمَا (فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِسَوْمٍ - لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ يَضْمَنُهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَوْ تَلِفَتْ؛ فَصَحَّ ضَمَانُهَا كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ (إنْ قَطَعَ ثَمَنَهُ أَوْ أُجْرَتَهُ أَوْ سَامَهُ فَقَطْ) بِلَا قَطْعِ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ (لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ إنْ رَضُوهُ وَإِلَّا رَدَّهُ) ؛ فَهُوَ فِي حُكْمِ
الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى حُكْمِ الْبَدَلِ وَالْعِوَضِ، لَكِنْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، لَا الْعَيْنِ؛ إذْ فَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا؛ كَمَا يَأْتِي. .
وَ (لَا) ضَمَانَ عَلَى أَخْذِهِ (إنْ أَخَذَهُ لِذَلِكَ) ؛ أَيْ: لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ (بِلَا مُسَاوَمَةٍ أَوْ قَطْعِ ثَمَنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَوْمَ فِيهِ؛ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانٌ.
وَمَعْنَى ضَمَانِ الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ ضَمَانُ انْتِقَاضِهِ وَالْتِزَامُ تَحْصِيلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَلَفِهِ؛ فَهُوَ كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ (وَيَتَّجِهُ) .
(وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانٌ (زَائِدٍ عَنْ قَدْرِ مَا يَأْخُذُ مِنْهُ) ؛ بِأَنْ سَاوَمَهُ عَلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ بَيَّنَ لَهُ ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الثَّوْبَ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ فَقَطَعَ مِنْهُ عَشَرَةً؛ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا زَادَ عَنْ الْعَشَرَةِ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ سَوْمٌ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (بَعْضٍ لَمْ يُقَدَّرْ مِنْ دَيْنٍ) ؛ لِجَهَالَتِهِ حَالًا وَمَآلًا (أَوْ) ضَمَانُ (أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ) ؛ لِلْجَهَالَةِ أَيْضًا.
(وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَدَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْأَصْلُ فَالْفَرْعُ أَوْلَى.
(وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ وَمُؤَجَّرٍ) وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَعَيْنٍ وَثَمَنٍ بِيَدِ وَكِيلٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُومَةٍ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَكَذَا عَلَى ضَامِنِهِ، (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا) ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ التَّعَدِّي كَالْغَصْبِ.
(وَصَحَّ ضَمَانُ أَرْشِ جِنَايَةٍ) ، نُقُودًا كَانَ الْأَرْشُ كَقِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ حَيَوَانًا كَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ
(وَ) صَحَّ ضَمَانُ (نَقْدٍ وَ) ضَمَانُ (نَفَقَةِ زَوْجَةٍ، مُسْتَقْبَلَةً) كَانَتْ (أَوْ مَاضِيَةً) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الضَّامِنَ (مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ) عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَوْ زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ مِنْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ.
(وَيَتَّجِهُ) لُزُومُ الضَّامِنِ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ (مَا دَامَتْ) الزَّوْجَةُ (فِي عِصْمَتِهِ) ؛ أَيْ: زَوْجِهَا، أَمَّا لَوْ بَانَتْ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ سِوَى النَّفَقَةِ مِنْ حِينِ الضَّمَانِ إلَى وَقْتِ الْبَيْنُونَةِ، (وَلَوْ مَاتَ ضَامِنٌ) قَبْلَ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَتَلْزَمُ الضَّامِنَ النَّفَقَةُ بِالْتِزَامِهِ - وَلَوْ (لَمْ يُقَدِّرْ زَمَنٌ) - لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ إيصَالَهَا لِلزَّوْجَةِ «وَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (بِشَرْطِ ضَمَانِ دَرَكِهِ إلَّا مِنْ)[زَيْدٍ] ؛ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ زَيْدٍ مِنْ ضَمَانِ دَرَكِهِ يَدُلُّ عَلَى حَقٍّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا، (ثُمَّ) إنْ (ضَمِنَ دَرَكَهُ مِنْهُ) أَيْضًا؛ (لَمْ يَعُدْ الْبَيْعُ صَحِيحًا) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.
(وَإِنْ شُرِطَ خِيَارٌ فِي ضَمَانٍ أَوْ فِي كَفَالَةٍ) ؛ بِأَنْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ كَفِيلٌ بِبَدَنِهِ وَلِي الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا؛ (فَسَدَا) ؛ أَيْ: الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ؛ لِمُنَافَاتِهِ لَهُمَا.