الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
الرَّجْفَةُ: الحركة والاضطراب، والمراد: الزلزلة والعذاب. يَغْنَوْا غنى بالمكان: أقام به. آسى الأسى: الحزن الشديد. قَرْيَةٍ: مدينة جامعة تجمع الزعماء كالعاصمة. بِالْبَأْساءِ: الشدة والمشقة من حرب أو فقر أو غيره.
الضَّرَّاءِ: ما يضر الإنسان في بدنه أو معيشته. يَضَّرَّعُونَ: يظهرون الضراعة والخضوع. عَفَوْا: كثروا ونموا، من قولهم: عفا النبات: إذا كثر.
المعنى:
وقال الملأ الذين كفروا- وهم عيون مدين وأشرافهم- قالوا للمستضعفين المؤمنين: تالله لئن اتبعتم شعيبا وآمنتم به إنكم إذا لخاسرون شرفكم حيث تركتم دين آبائكم إلى دين لم تعرفوه ولم تألفوه، وخاسرون دنياكم حيث تركتم ما به ينمو مالكم ويزيد من التطفيف في الكيل، وأكل أموال الناس.
ولقد كان وصفهم بالاستكبار أولا لمناسبة التهديد بالإخراج من الديار، ووصفهم هنا بالكفر يناسب الضلال والصد عن سبيل الله، أما جزاؤهم فأخذتهم الرجفة وعمتهم الصيحة، وزلزلوا زلزالا شديدا، حتى أصبحوا جثثا هامدة، جاثمين في مكانهم لا حراك بهم.
وكان قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا بمعنى أنهم حرموا من ديارهم، وأخرجوا من أوطانهم كأن لم يقيموا فيها: ردّا عليهم في قولهم: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك.
وكان قوله تعالى: الذين كذبوا هم الخاسرون على سبيل الحصر ردّا عليهم في قولهم:
لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ
…
«1» وحقا الكافرون هم الذين خسروا في الدنيا والآخرة دون سواهم.
وأما شعيب فقد تولى عنهم وأعرض قائلا: يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي، وبلغتكم ما فيه صلاحكم في المعاش والمعاد، ونصحت لكم، ومن بشر وأنذر فقد أعذر، ومن أعذر فكيف يحزن على قوم عصوه ولم يؤمنوا؟ وكانوا كافرين!! وما أرسلنا في قرية من القرى ولا مدينة من المدن، ما أرسلنا فيها رسولا ثم كذب أهلها وعصوا إلا أخذناهم بالشدة والمكروه وأصابتهم سنين عجاف، لعلهم بهذا يتضرعون، ويلتجئون إلى ربهم وهكذا سنة الله في الخلق، ولن تجد لسنة الله تبديلا، يرسل الشدائد لعلها ترجع الإنسان إلى ربه، وترده عن غيه، ولكن كثيرا من الناس لا تردعهم الروادع، فهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «2» .
ثم أعطيناهم بدل الشدة سعة، ومكان الفقر والضيق غنى وفضلا، حتى عفوا وكثروا في المال والعدد، فالله- سبحانه- يريهم الحالتين ويمكن لهم في الجهتين لعلهم يعتبرون، ولكن العصاة يقولون: هؤلاء آباؤنا قد مستهم الضراء والسراء، وحل بهم الضيق والفرج والعسر واليسر. وما نحن إلا مثلهم، وهذا قول من لم يعتبر ويتعظ بأحداث الزمن، أليس ما هم فيه ابتلاء واستدراجا؟ ألم يعلموا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ وهم مع ذلك قد أعرضوا ونأوا، واستكبروا وبغوا فكان جزاؤهم ما يأتى:
فأخذناهم بغتة وحل بهم العذاب فجأة، وهم في غيهم سادرون، وفي عمايتهم لاهون فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ «3» .
فاعتبروا يا أولى الأبصار، واتعظوا بما حل بغيركم فتلك سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا!!!
(1) سورة الأعراف آية 90.
(2)
سورة الأنعام آية 43.
(3)
سورة الأنعام آية 44.