الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
روى أنه مر شاس بن قيس اليهودي- وكان شديد الكفر كثير الحسد على المسلمين- مر بنفر من الأنصار يتحدثون فغاظه ذلك حيث اتحد الأوس والخزرج، واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية، وقال اللعين: ما لنا معهم إذا تجمعوا من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه: أن اذهب إليهم وذكرهم بيوم بعاث- كان بين الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس- وما قيل فيه من الأشعار فتنازع القوم وتصايحوا: السيوف السيوف.
وجمع كل فريق منهم جموعه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا فخرج إليهم ومعه المهاجرون والأنصار وقال: أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وألف بين قلوبكم؟ فعرف القوم أنها نزعة الشيطان وكيد العدو فألقوا السلاح وبكوا وتعانقوا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير: نزل قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ الآية في شأن شاس اليهودي.
ونزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا
…
في الأنصار [آل عمران 149] .
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب فيما يكيدون لكم ويوقعون بينكم من العداوة والبغضاء، يردوكم بعد أن منّ الله عليكم بالإيمان والمحبة والصفاء كافرين بالله والدين والخلق الكريم وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [سورة البقرة آية 109] .
وكيف تكفرون بالله؟ وكيف تطيعونهم فيما يأمرون به ويشيرون؟ والحال أنكم تتلى عليكم آيات الله. وهي روح الهداية وجماع الخير وحفاظ الإيمان تتلى غضة ندية.
وبين أظهركم رسول الله إمام المرسلين ورسول المحبة والخير والألفة والرشاد، فهل يليق بمن أوتوا هذا أن يتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل؟
ومن يعتصم بالله وبكتابه ورسوله فقد تحققت هدايته، لا يضل أبدا ولا يخشى عليه من المهالك أصلا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله اتقاء حقا وأدوا واجب التقوى الذي يطلب منكم فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [سورة التغابن آية 16] على معنى: بالغوا في التقوى وأدوها كاملة حتى لا تتركوا من المستطاع شيئا.
ولا تموتن إلا ونفوسكم مخلصة لله، أى: لا تكوننّ على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت.
وتمسكوا بكتاب الله وعهده واعتصموا بحبله جميعا ولا تفرقوا عنه أبدا فإن الداء العضال داء الفرقة والانحلال.
وفي الآية تمثيل الاستيثاق بالعهد أو القرآن والوثوق بحمايته، باستمساك المتدلى من مكان مرتفع بحبل متين وثيق يأمن انقطاعه.
وحبل الله هو الإيمان والطاعة، أو القرآن
لقوله صلى الله عليه وسلم: «القرآن حبل الله المتين، لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد، من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به فقد هدى إلى صراط مستقيم» .
وقد كان العرب الجاهليون في حروب مستعرة وعداوات وإحن خاصة الأوس والخزرج، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه أفواجا، سل من قلوبهم سخائم الحقد وطهر أرواحهم من نكد العداوة، وأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين متعاطفين يؤثرون غيرهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة يدينون بمبدأ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [سورة الحجرات آية 10]
وبالحديث: «مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها نعم كان العرب على حافة حفرة من النار بسبب شركهم ووثنيتهم لا يفصلهم عن النار إلا الموت فأنقذهم الله بالإسلام والتوحيد: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [سورة إبراهيم آية 34] .
مثل هذا البيان القيم والتوجيه السديد يبين الله آياته لكم، وهو في هذا البيان كالذي يرجو منكم الهداية والسداد لعلكم تهتدون.