الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ذَرَأَ أى: خلق وأبدع. أَوْلادِهِمْ الولد: يطلق على الذكر والأنثى.
لِيُرْدُوهُمْ: ليهلكوهم بالإغواء. وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ: يخلطوا عليهم دينهم.
حِجْرٌ الحجر: أصله المنع، ومنه سمى العقل حجرا لمنعه صاحبه، والمراد الحرام.
وَصْفَهُمْ أى: جزاء وصفهم.
المعنى:
أثر من آثار وسوسة الشيطان للإنسان وعمل من أعمال إبليس، وصورة من صور الجاهلية الجهلاء، التي كان عليها العرب قبل الإسلام.
وجعلوا لله مما خلق من الحرث والأنعام نصيبا مفروضا وقدرا محدودا، وجعلوا كذلك نصيبا لمن أشركوهم مع الله من الأوثان والأصنام، فقالوا: هذا لله بزعمهم وبقولهم الذي لا بينة معه ولا حجة فيه. وهذا لشركائنا ومعبوداتنا، نتقرب به إليها.
والمروي أنهم كانوا يجعلون في مالهم نصيبا لله ينفقونه لإطعام الفقراء والمساكين وإكرام الضيفان والصبيان، ونصيبا للآلهة يعطى لسدنتهم وخدمهم، وما ينفق على معابدهم، وما كان لشركائهم خاصة لا يصرف إلى الوجوه التي جعلوها لله، بل يجعلونه للسدنة وخدمة الأصنام والأوثان، وما كان لله فهو واصل إلى شركائهم، ألا ساء الحكم حكمهم وبئس ما يصنعون!؟؟
إذ هم اعتدوا على الله بالتشريع الفاسد، وأشركوا به غيره، وفضلوه عليه. والحال أن الله هو الذي خلق كل شيء، وما عملوه لا سند له من عقل أو شرع، أليست هذه جاهلية جهلاء وضلالة عمياء؟؟
ومثل ذلك التزيين لقسمة القرابين من الحرث والأنعام بين الله والآلهة زين لكثير من المشركين شركاؤهم قتل أولادهم. وكان مظهر التزين أنهم خوفوهم الفقر في الحاضر والمستقبل وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ «1» وخوفوهم العار، فقتلوا البنات خوف العار والفقر والزواج من غير الكفء.
(1) سورة الإسراء آية 31.
وثالثة الأثافى أنهم كانوا يمنّونهم بأن قتلهم أولادهم قربى إلى الآلهة كما فعل عبد المطلب حين نذر قتل ابنه عبد الله.
وقد سمى الله المزينين لهم من شياطين الإنس كالسدنة، أو شياطين الجن سماهم الله شركاء، لأنهم أطاعوهم طاعة الله مع التبجيل والاحترام، كما فعل أهل الكتاب مع رجال الدين:
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ «1» ، زين هؤلاء قتل الأولاد ليردوا المشركين ويهلكوهم بالإغواء. وليخلطوا عليهم أمر دينهم الذي يدعونه وهو دين إسماعيل وملة إبراهيم. والواقع أنه ليس فيه شيء من هذا، ولو شاء الله ما فعلوا هذا أبدا، ولكن مشيئة الله للناس جميعا أن يكونوا واختيارهم وما جبلوا عليه من اختيار أى الطريقين بدون جبر ولا قهر.
أما أنت يا رسول الله فذرهم ولا يهمنك أمرهم ودعهم وما يفترون في حقك وحقنا. فعلى الله حسابهم.
ثم ذكر صورة ثالثة من صور الجاهلية المشوهة.
أنهم قسموا أموالهم وأقواتهم إلى ثلاثة أقسام:
(أ) فتارة أنعام وأقوات تكون محبوسة على معبوداتهم وأوثانهم، ويقولون هي محجوزة للآلهة لا يطعمها إلا من نشاء من رجال ونساء، وقولهم هذا بزعمهم وادعائهم الخالي من الحجة والبرهان.
(ب) أنعام حرمت ظهورها، فلا تركب ولا يحمل عليها، وهي البحيرة والسائبة والحامى.
(ج) أنعام لا يذكرون اسم الله عليها عند الذبح بل يهلون بآلهتهم وحدها عند الذبح، وقد قسموا هذا التقسيم مفترين على الله كاذبين عليه، والله من ذلك برىء قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ «2» ؟ والله سيجزيهم الجزاء الذي يستحقونه بما كانوا يفترون.
(1) سورة التوبة آية 31.
(2)
سورة يونس آية 59.
وقالوا: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا، والمراد بها البحائر المشقوقة الآذان والسوائب، وخالصة خلوصا مبالغا فيه لذكورنا فقط ومحرم على نسائنا، وكانت السوائب إذا ولدت ذكرا جعلوه للذكور خاصة، وإذا ولدت أنثى جعلت للنتاج، وإن كان ما في بطنها ميتا جعل شركة بين الذكر والأنثى، سيجزيهم الله جزاء وصفهم، إنه حكيم عليم.
ولقد نعى الله- سبحانه وتعالى على مشركي العرب أمرين عظيمين: هما قتل الأولاد، ووأد البنات، وتحريم ما رزقهم الله من الطيبات، وحكم عليهم بالخسران والسفه، وعدم العلم والافتراء على الله، والضلال وعدم الاهتداء، إذ كيف تقتل ابنتك أو ابنك خشية الفقر أو العار، وتحرم طيبات أحلت لك؟
فأما الخسران فالولد نعمة من الله وزينة في الدنيا، فإذا سعى لإزالتها استحق الغضب من الله لاعتدائه، وقال الناس: إنه قتل ابنه خوف أن يأكل طعامه، وخسر عاطفة الأبوة، التي هي مصدر الرحمة والحنان. وجعلها مصدر الاعتداء والفناء
…
وأما السفه فهل هناك سفه أكثر من قتله ابنه وفلذة كبده خوف الفقر أو خوف العار؟ وربما كان الولد مصدر الخير لأهله، وهل من يفعل هذا لا يعد في مصاف الجهلاء؟ أعوذ بالله من عادات الجاهلية.
وأما الافتراء على الله، والكذب عليه، فقد جعلوه دينا وهم كاذبون، وأما ضلالهم فهم لم يرشدوا إلى الخير أصلا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولم يسيروا وراء عقل ولا شرع.
أخرجه البخاري: «إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام» .
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ.. إلى قوله.. وَما كانُوا مُهْتَدِينَ.