الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
كان لعناد المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم أثر كبير في نفسه، وكانوا يطلبون منه آيات غريبة جهلا منهم بموقف الرسول ومهمته ورسالته، فقال الله للنبي صلى الله عليه وسلم ما معناه. قل لهؤلاء: أنا لا أدّعى لكم أن عندي خزائن الله أملكها وأقسمها بين الخلق، وأتصرف فيها، ولم أدع أنى أعلم الغيب الذي استأثر الله بعلمه فلم يطلع أحدا عليه من رسول أو ملك، اللهم إلا ما علمه الرسول عن طريق الوحى الإلهى فهو من العلم الضروري لا الكسبي، ولم أدّع أنى من الملائكة آتى بما لا يأتى به البشر.
والمعنى: لست أدّعى الألوهية أو الملكية حتى تطلبوا منى ما ليس في طاقتي وقدرتي، وإنما أنا بشر قد شرفني الله بالنبوة، وما أتبع إلا ما يوحى إلىّ فقط، وهذه الرسالة ليست لي خاصة بل سبقني بها رسل كرام قبلي.
واعلموا أن التصرف المطلق في الكون لله وحده الواحد القهار، القادر على أن ينزل الآيات التي تطلبونها وغيرها، وهو العليم بما كان وما سيكون، أما الرسول فيبلغ عنه أمر الدين، وليس قادر على ما لا يقدر عليه البشر من تفجير الينابيع والأنهار، وخلق الجنات والبساتين، وإسقاط السماء كسفا والإتيان بالله والملائكة قبيلا وغير ذلك مما يطلبه المعاندون.
وإذا كان الأنبياء لم يؤتوا القدرة على التصرف فيما وراء الأسباب فمن باب أولى غيرهم من الأولياء الصالحين.
قل لهؤلاء: هل يستوي الأعمى والبصير؟ والضال عن طريق الحق والهدى والمهتدى إلى سواء السبيل؟ وكيف يستويان؟، أعميتم فلا تتفكرون فيما أذكر لكم من الحجج وأدعوكم إليه؟! وتنظرون إلى القرآن وما فيه!! وإلى بلاغته ومعانيه! وأنه ليس في مقدوري أن آتى بمثله، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله، بعيدا عن الإتيان بمثل ذلك عاطلا عن هذه المعرفة وتلك العلوم! وأنذر بما يوحى إليك الذين يخافون من الحشر، والحال أنهم يعتقدون بأن ليس لهم فيه ولى ولا شفيع بل الأمر كله لله! فهم الذين ينتفعون به، ولقد كرر القرآن هذا
المعنى وصدر سورة البقرة به ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فالذين يؤمنون بالغيب، ويؤمنون بالحياة الأخروية هم المنتفعون بالقرآن، أما الماديون الذين لا يؤمنون بغير المادة، فقد ختم الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم وجعل في آذانهم وقرا فلا ينتفعون بنور القرآن أصلا إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ [سورة فاطر آية 18] .
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى، يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم، ولا تطردهم عن مجلسك، فهم المخلصون لك المؤمنون بدعوتك، يريدون بهذا وجه الله، لا نفاقا ولا رياء ولا سمعة.
روى أحمد وابن جرير والطبراني في جماعة آخرين عن عبد الله بن مسعود قال: مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟
أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك. فأنزل الله فيهم وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلى قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ.
وفي رواية أخرى وقع في نفس عمر بن الخطاب حسن عرضهم، فلما نزلت الآية أقبل عمر فاعتذر، فأنزل الله وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ [سورة الأنعام آية 54] .
وقد كان من علامات النبوة أن يتبع النبي ضعفاء الناس لا أشرافهم، تذكر قصة هرقل، وقد سأل الوفد أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟؟
فقيل: بل ضعفاؤهم، فقال: هكذا الرسل من قبله وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ من قصة نوح في سورة هود [الآية 27 وما بعدها] .
ولماذا تطردهم؟ ما عليك من حسابهم من شيء إن كانوا غير مخلصين، وما عليهم من حسابك من شيء، فكل نفس بما كسبت رهينة وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وما عليك أنت إلا البلاغ فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية 21 و 22] إنك إن طردتهم تكن من الظالمين لأنفسهم بعدم امتثالهم أمر الله، ومثل ذلك الابتلاء العظيم ابتلينا بعضهم ببعض لتكون العاقبة أن يقول هؤلاء المشركون المغرورون حينما يرون