الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّفَهاءُ: ضعفاء العقول، والمقصود هنا الجهلاء وضعفاء النفوس.
شَياطِينِهِمْ المراد: إخوانهم في الكفر. مُسْتَهْزِؤُنَ الاستهزاء: الاستخفاف والسخرية، وهو من اليهود بهذا
المعنى
، ومن الله بمعنى أنه لا يعبأ بهم لحقارتهم وسوء إدراكهم، أو بمعنى أنه سيجازيهم عليه. يَمُدُّهُمْ: يزيدهم. طُغْيانِهِمْ الطغيان: مجاوزة الحد. يَعْمَهُونَ العمه: ضلال البصيرة، والمراد: التحير والتردد. اشْتَرَوُا: استبدلوا.
المعنى:
الصنف الثالث من الناس هم المنافقون، وهؤلاء أشد خطرا على الإسلام من الكفار صراحة ولذا تكلم عليهم في ثلاث عشرة آية، وليس المراد بهم المنافقين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم فقط بل كل من ينطبق عليه الوصف في كل عصر ووقت.
بعض الناس آمن بالله واليوم الآخر قولا باللسان فقط، وقلبه ملئ بالكفر والضلال، فيرد الله عليهم دعواهم وأنهم ليسوا بمؤمنين وإن تظاهروا به، ولا شك أنهم في إظهارهم الإيمان وإخفائهم الكفر في صورة المخادعين لله، ولأن الله- سبحانه- يعلم عنهم ذلك وأنهم ليسوا بمؤمنين، بل أشد ضررا من الكفار، ومع ذلك يأمر بإجراء أحكام الإسلام الظاهرة عليهم كأنه يخادعهم، وهكذا المسلمون حيث امتثلوا أمر الله فيهم كأنهم مخادعون لهم، فهذا كله من باب التشبيه والتمثيل.
وإلا فالله عالم بهم لا تجوز عليه مخادعتهم وقادر على إيقاف المسلمين على حالهم حتى لا ينخدعوا بهم، وليس خداعهم وعاقبته إلا وبالا عليهم، وما يشعرون بذلك لأن قلوبهم قد ملئت غيظا وحسدا وشكّا ونفاقا حتى عموا عن إدراك أبسط الأشياء، زادهم الله من هذه الأمراض، ولهم عذاب شديد مؤلم في الدنيا والآخرة.
والواقع أن المنافقين في كل زمان ودولة هم الخطر الداهم على أممهم والسهم الذي يصوب في ظهر وطنهم، وكثيرا ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق والمنافقين.
والنفاق واليهودية شيئان متلازمان لأنه ينشأ عن جبن حقيقى ولؤم طبيعي، فالمنافق يلتوى مع الناس في أقواله وأفعاله، وكم للمنافق في المجتمعات من أضرار بالغة ومخادعات هادمة.
لو أن كل إنسان أظهر نفسه على حقيقته، وأدى واجبه دون أن يخادع أو يخاتل ودون أن يوقع الآخرين لتكون عندنا المجتمع الصالح والدولة العزيزة الجانب.
ومن صفاتهم أيضا أنه إذا قيل لهم: إن إثارتكم الفتن والتجسس لحساب الكفار وتأليب القبائل على المسلمين فساد، وأى فساد بعد الحرب وما تجره؟ فكفوا عن الفساد، قالوا: ليس الأمر كما زعمتم فإنما نحن مصلحون، لا نتعدى الصلاح إلى غيره أبدا، فرد الله عليهم بعبارة أبلغ في إسناد الفساد لهم وقصره عليهم، وأنهم كاذبون على أنفسهم في دعوى الإصلاح وأنه لا يتعداهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكن المنافقين لا يدركون المحسوس فلا يشعرون بحالهم. وما كان المسلمون يقفون معهم موقف الإنكار فقط، بل كانوا يدعونهم كذلك إلى الإيمان بشتى الوسائل.
فإذا قالوا لهم: ادخلوا في الإيمان كما دخل فيه غيركم من الناس أجابوا متهكمين منكرين: أنؤمن بالقرآن والنبي، كما آمن به ضعفاء الناس من العبيد والفقراء وضعفاء العقل من الأميين والجهلاء؟! وجهلوا أن ضعيف العقل من يرى طريق الخير والنور أمامه فلا يسلكه، فانظروا يا أيها المنافقون من أى نوع أنتم؟ ألا إنكم أنتم السفهاء وحدكم ليس عندكم إدراك صحيح للإيمان فتعلموا مقداره!!
وروى أن أبا بكر وعمر وعليّا- رضى الله عنهم أجمعين- توجهوا إلى ابن أبىّ وأصحابه من اليهود فلما رآهم ابن أبى قال لأصحابه: انظروا كيف أراد هؤلاء السفهاء عنكم بمعسول القول، فلما حضروا أخذ يمدحهم الواحد بعد الآخر في الدين والسبق فيه ثم قال لأصحابه بعد أن انصرف الصحابة: كيف رأيتمونى؟ فأثنوا عليه خيرا فنزلت الآية.
وليست تكرارا مع ما سبق بل السابق بيان مذهبهم وما استكن في نفوسهم جميعا من النفاق، وفي هذه الآية بيان موقف بعض المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين ومع زعمائهم في اليهودية والفساد، الذين هم كالشياطين بل أشد، وإذا خلوا إلى بعضهم قالوا: إنا معكم، ولكنا نستهزئ بهم ونسخر بدينهم، فيرد الله عليهم زعمهم الباطل:
الله- سبحانه وتعالى هو الذي يعبأ وسيجازيهم على فعلهم أيما جزاء، ويزيدهم في الطغيان والضلال حتى يصيروا مثلا في الوصول إلى أقصى درجات الحيرة والتخبط.