الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
فالِقُ الفلق والفتق: الشق في الشيء مع إبانة بعضه عن بعض. الْحَبِّ:
الثمر يكون في الأكمام والسنبل. وَالنَّوى: جمع نواة: ما تكون في التمر والزبيب وما شاكله. تُؤْفَكُونَ: تصرفون. سَكَناً: ما يسكن فيه الإنسان مكانا كالبيت وزمانا كالليل وهو المراد. حُسْباناً: بالحساب والعدد. يَفْقَهُونَ الفقه: الفهم مع العمق في التفكير. مُتَراكِباً: يتراكم بعضه فوق بعض.
طَلْعِها الطلع: أول ما يبدو ويظهر من الزهر قبل أن ينشق عنه الغلاف.
قِنْوانٌ: هو العذق، كالعنقود. وَيَنْعِهِ: نضجه واكتماله.
بعد إقرار مبدأ التوحيد والنبوة، وبعض مواقف البعث ذكر هنا مظاهر كمال قدرته وعلمه وآياته الكونية التي تشهد له بكل ذلك.
المعنى:
إن الإله الذي يستحق العبادة والتقديس هو الذي يتصف بهذا، ويعمل هذه الأعمال التي يعجز عن أقلها الأوثان والشركاء والأصنام بل والخلق مجتمعين متكتلين- سبحانه وتعالى جل جلاله..؟؟
إن الله فالق الحب والنوى يخرج الزرع كالنجم والشجر من الحب والنوى، والحياة هنا بمعنى قبول النمو والتغذية، ولا شك أن الحب والنوى ميت بهذا المعنى، وبعضهم يتوسع في الحياة، ويقول إن الحب والنوى فيهما حياة بدليل أنه لو عقما لما أنبتا ولكن
اللغة لا تساعدهم وكانوا يمثلون قديما بإخراج الحيوان من النطفة أو البيضة، ولكن العلم الحديث أثبت أن في النطفة حياة وكذا في البيضة، وقيل: إن الرأى الصحيح أن الحيوان يخرج بمعنى يتكون من الغذاء، وهو ميت ويخرج من الحيوان لبنه وفضلاته وهي ميتة وكون خلايا الجسم الحي تتكون من غذاء كاللبن والنبات مع عدم الحياة في الغذاء دليل على كمال القدرة.
والله مخرج الميت من الحي فيخرج الحب والنوى من النبات الحي، ويخرج اللبن والفضلات من الحيوان الحي، سبحانه وتعالى من قادر حكيم عليم، فكيف تؤفكون وتصرفون عن طريق الهدى والفلاح؟ والله فالق الإصباح، قد فلق ظلمة الليل وشقها بعمود الصبح عند طلوع الفجر، وجعل الليل سكنا للحيوان الحي، يستريح فيه من التعب، ويسكن جسمه من الألم وأعصابه من التفكير والنصب، والليل وقت سكون وراحة، والنهار وقت عمل ونشاط، وجعل الشمس والقمر يجريان بحساب وتقدير، وترتيب ونظام محكم لا يختل أبدا لتعلموا بهما عدد السنين والحساب.
فانظر- وفقك الله للخير- للآيات الكونية الثلاث: شق الإصباح، وسكون الليل، ونظام الشمس والقمر وحسبانهما إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر 49] .
وهو الذي جعل لكم النجوم والمراد بها ما عدا الشمس والقمر مما لا يعلمه إلا هو جعلها علامات للسارى، بها يهتدى للوقت من الليل أو من السنة، ويعرف المسالك والطرق والجهات، جعلها لتهتدوا بها في ظلمات الليل والماء، أو المراد ظلمة الخطأ والضلال.
ولما في عالم السماء من صنع وإحكام، وتقدير ونظام قد فصل الله الآيات القرآنية والآيات التكوينية وهما يدلان على حكم الله وتمام علمه، ولا يستخرج كل هذا ولا يهتدى به إلا أهل العلم والنظر فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «1» ولذا اختتمت الآية بقوله تعالى: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
هذه آيات الله الكونية في الأرض والسماء، وها هي ذي آياته في أنفسنا وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً «2»
(1) سورة الحشر آية 2.
(2)
سورة النساء آية 1.
قد خلقكم من ذكر وأنثى وجعلكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، وفي هذا إرشاد إلى التّوادّ والمحبة، والتعاطف بين الخلق جميعا، وإشارة إلى كمال القدرة وتمام العلم والحكمة، خلقكم من نفس واحدة، لكلّ مستقر في الأصلاب، ومستودع في الأرحام، والاستقرار: مكث غير محدود بزمن ولا وقت وهو أقرب إلى الثبات، والاستيداع:
مكث موقوت معرض للرد والرجوع، ولهذا كان الاستقرار في الأصلاب والاستيداع في الأرحام. وبعضهم عكس، وبعضهم قال غير ذلك، والله أعلم.. قد فصلنا الآيات ووضحناها لقوم يفقهون ويقفون على الأسرار الخفية بذكائهم وعمق تفكيرهم، ولا شك أن النظر في الخلق والتكوين الإنسانى يحتاج إلى دقة ونظر وفهم.
وها هي ذي آياته التكوينية في النبات.
وهو الذي أنزل من السحاب الذي في السماء ماء فجعل منه كل شيء حي، فأخرج به المولى- جل شأنه- نبات كل صنف من الأصناف فالتربة واحدة والماء واحد ولكن الشكل والطعم مختلف سبحانك يا رب أنت القوى القادر يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ «1» في الشجرة الواحدة تمر حسن وآخر رديء، ثمر ناضج، وثمر نيئ، ثمر طعمه جميل وأخر قبيح، سبحان الله أليس هذا من دلائل الوحدانية والقدرة، فأخرج الله من النبات شيئا غضا أخضر وهو ما تشعب من أصل النبات، وذلك كورق النجم، وغصن الشجر، ويخرج من هذا الأخضر حبا جافّا صلبا متراكبا بعضه فوق بعض في السنبل.
أما الشجر فهذا النخل عنوانه يخرج من طلعها قنوان دانية القطوف سهلة التناول ويخرج من النبات الأخضر جنات من أعناب وغيره من الفواكه والثمار كالزيتون والرمان مشتبها في الشكل والورق والثمر، وغير مشتبه في لون الثمر وطعمه فمنها الحلو والحامض والمزّ، بل منها ما هي كاليوسفى والبرتقال أو كالنارنج، انظر إلى ثمر ما ذكر نظرة اعتبار وفحص إذا أثمر النبات وكيف يصير هذا الثمر من درجة إلى درجة حتى يصل إلى كمال نضجه وتمام منفعته، وكيف يكون الثمر أجوف فارغا ثم يمتلئ بالخير والبركة، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون بالله أو فيهم الاستعداد لذلك.
(1) سورة الرعد آية 4.