الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
لا تَغْلُوا الغلو: مجاوزة الحد من جهة التفريط أو الإفراط. وَكَلِمَتُهُ المراد أنه حدث بكلمة (كن) التكوينية لا بمادة أخرى كغيره من الناس. وَرُوحٌ وجد بنفخ من روح الله وهو جبريل. سْتَنْكِفَ
الاستنكاف: الامتناع عن الشيء أنفة وكبرا. الاستكبار: أن يجعل الإنسان نفسه كبيرة غرورا منه وإعجابا بها.
المناسبة:
بعد أن حاج اليهود وألزمهم كلمة التقوى والطريقة المثلى، أردف ذلك بمحاجة النصارى، وألزمهم جميعا الرأى الوسط في عيسى ابن مريم.
المعنى:
يا أهل الكتاب لا تكونوا مغالين في الدين ومجاوزين الحدود فيه، فلا تكفروا بعيسى وتبهتوا أمه، وتحقروه وتهينوه كما فعلت اليهود، ولا تعظموه وتقدسوه حتى تجعلوه إلها أو ابن الإله كما فعلت النصارى، ولا تقولوا على الله إلا القول الحق الثابت بالنقل المتواتر، الذي يستحيل معه الكذب، أو المؤيد بالحجج الدامغة، أما القول بالحلول واتخاذ الصاحبة والولد فكذب وبهتان وخرافة ووثنية وموسى وعيسى والأنبياء جميعا برآء منها.
إنما المسيح عيسى ابن مريم البتول الطاهرة الصديقة النقية التي أنبتها الله نباتا حسنا، وكفلها زكريا الرجل الصالح والتي برأها القرآن الكريم.
إنما المسيح عيسى رسول الله إلى بنى إسرائيل، أمرهم بالمعروف، ونهاهم عن المنكر، وأمرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عن الكفر به والشرك والتثليث وزهدهم في الدنيا، وحثهم على التقوى، وبشرهم بخاتم النبيين والمرسلين وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
…
[سورة الصف آية 6] .
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وهو مكون بكلمة (كن) التكوينية إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران 47] نعم كل مولود له سبب ظاهر وهو اتصال الجنسين، وله سبب حقيقى وهو إرادة الله المعبر عنها بكلمة (كن) فلما انتفى مع عيسى السبب الأول بالبرهان ثبت أن عيسى خلق بالسبب الثاني وهو كلمة (كن) أوصلها الله مريم بواسطة جبريل إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [سورة آل عمران آية 45] .
وهو مؤيد بروح كائنة منه- سبحانه وتعالى لا بعضا منه كما فهم المسيحيون، وإلا لكان كل شيء بعضا من الله بدليل قوله: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية 13] وكونه مؤيدا بروح منه يؤيده قوله: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة 87 و 253] وقيل: المعنى: أن عيسى خلق بنفخ من الله وهو جبريل، ويوضحه قوله تعالى: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا [الأنبياء 91] فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
[سورة مريم آية 17] .
وقال بعضهم: المعنى: أن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ورحمة منه ويقويه قوله تعالى: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا [سورة مريم آية 21]، وما لنا نعجب من خلق عيسى بلا أب؟ حتى تنكب المسيحيون طريق الحق وانغمسوا في الشرك والتثليث هذا!! فهذا آدم خلق بلا أب وأم إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [سورة آل عمران آية 59] وهذه حواء خلقت من آدم فقط!! وبماذا نرد أصول الحيوانات جميعا!! وكما يقولون: هل البيضة أصل أم الفرخة؟ أيا كان فمن الذي أوجد الأصل الأول من الفرخة أو البيضة؟ هو الله: بلا تناسل وبدون تزاوج معروف.
ومن الغريب أن بعض النصارى يفهمون قوله تعالى: رُوحٌ مِنْهُ أن عيسى ابن الله أو جزء الإله أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والذي أوقع المسيحيين في هذا هو التشابه في التوراة والإنجيل، وما وصل إليهم عن طريق الوثنيين من اليونان والرومان والمصريين القدامى والبراهمة.
فالديانة المسيحية الصحيحة مبنية على أساس التوحيد البريء لله سبحانه ذاتا وصفة وفعلا، ولكن الكنيسة أدخلت هذه الوثنيات والعقائد الزائفة في عقول أبنائها لأمر في نفوس القوم، ولما رأوا القرآن يعارضهم في ذلك كذبوه وأنكروا، وهو الذي برأ مريم من قول اليهود!! ووضع عيسى الموضع اللائق ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [سورة مريم آية 34] وفي أقوال الأحرار من المسيحيين ما يؤيد هذا وهي موجودة في كتاب الشيخ رشيد رضا (تفسير الشيخ محمد عبده) الجزء السادس من تفسير هذه الآية. وفي كتاب (إظهار الحق) .
وإذا كان الأمر كذلك فآمنوا بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
…
وآمنوا برسله جميعا لا فرق بين نبي ونبي، ولا تقولوا الآلهة ثلاثة (الأب والابن وروح القدس) أو الله ثلاثة أقانيم كل منها عين الآخر وكل منها إله كامل ومجموعها إله واحد.
فإن هذا إشراك بالله وترك للتوحيد الذي هو ملة أبيكم إبراهيم وهذا كلام ينافي العقل الراجح والفكر السليم إذ كيف يكون واحدا وثلاثة وكيف يحل الإله في بعض خلقه؟ وكيف يتحدد، وهل طبيعة الإله كطبيعة البشر؟ أظن لا!! بل طبيعة البشر تتنافى مع طبيعة الملك فهذا لا يأكل ولا يشرب، وعيسى وأمه يأكلان ويشربان! وما ميزة عيسى على غيره من الأنبياء؟ أرسل مؤيدا بالمعجزات وكانت كغيرها لم تجر على سنن الطبيعة بل بقدرة الله وقوته كما نص القرآن الكريم، وموسى الكليم، ومحمد كذلك. فكيف تقولون: عيسى إله؟ - انتهوا خيرا لكم، وقولوا قولا حسنا يكن خيرا لكم، وأجدى من هذا العبث والوثنية والعصبية الحمقاء.
إنما الله إله واحد، لا إله إلا هو، سبحانه وتعالى عما يشركون! سبحان أن يكون له ولد فليس المسيح ابنه إذ الولد يقتضى اتصالا جنسيا بالأم، وحاجة إليه، وإلى أمه، حتى يبرز إلى الوجود أفيليق هذا! لا: يا قوم! الله له ما في السموات وما في الأرض، ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [سورة مريم آية 93- 95] .