الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالقبيلة في ولد إسماعيل، والسبط: ولد الولد، وجعله ولد البنت أمر عرفي.
فَانْبَجَسَتْ: انفجرت، بمعنى انفتحت بسعة وكثرة. وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ: جعلنا الغمام يظللهم في التيه، والغمام: سحاب رقيق. الْمَنَّ: شيء أبيض حلو كالعسل، والسَّلْوى: طير سماني.
المعنى:
هذه شهادة الحق- سبحانه وتعالى الذي أمرنا بالقسط، وقد شهد لقوم موسى بأن منهم جماعة عظيمة تهدى بالحق، وترشد إلى الخير، وتوصل إلى سواء السبيل، وتحكم بين الناس بالعدل الذي أمر الله به.
وهاكم بعض النعم التي أنعم الله بها على بنى إسرائيل ولم يقابلها بعضهم بالشكر وصيرناهم، أى: قوم موسى الذين منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، صيرناهم قطعا وفرقناهم اثنتي عشرة فرقة، كل فرقة لها ميزة خاصة، ونظام خاص بها وتسمى جماعة.
وأوحينا إلى موسى وقت أن طلب من قومه السقيا وقد لحقهم العطش في التيه، أوحينا إليه أن اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه مع السرعة والسعة والكثرة اثنتا عشرة عينا بقدر أسباطهم، كل سبط له عين خاصة به، وقد علم كل جماعة منهم مشربهم.
وإذا أصابهم الحر الشديد في الصحراء المحرقة جعلنا الغمام يظلهم بظله الظليل رحمة منا وشفقة عليهم.
وأنزلنا عليهم طعاما شهيا بلا تعب ولا مشقة، يقيهم شدة الجوع وغائلته، هذا الطعام هو المن والسلوى.
ثم قيل لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، وما متعناكم به، ولكنهم جاروا واعتدوا، ولم يقوموا بواجب الشكر، وما ظلمونا بهذا أبدا، ولكن أنفسهم فقط كانوا يظلمون، ومن ظلم نفسه وإن لم يعرف فظلمه لغيره أكثر،
وفي الحديث القدسي: «يا عبادي:
إنى حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى، ولن تبلغوا نفعي فتنفعونى»
.
تقدم مثل هاتين الآيتين في البقرة آية 58، 59، فالموضوع واحد والصياغة مختلفة اختلافا يدل على كمال الإعجاز الذي حير الألباب وزلزل العقول، إذ البلاغة: إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة، فهنا قال: اسكنوا بدل ادخلوا وكلوا بدل فكلوا، وحذف هنا رغدا، وعكس الترتيب قُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وهناك قال: خَطاياكُمْ بدل خَطِيئاتِكُمْ وهنا قال: سَنَزِيدُ وحذف الواو، كل هذا لنسق الكلام ولكمال التعبير، والله أعلم بأسرار كلامه.
فالسكنى أخص من الدخول ولا عكس، فمن يسكن يدخل قطعا وليس كل من يدخل يسكن، والدخول لأجل الأكل يعقبه الأكل فجاء هناك بالفاء، والأكل عقب الدخول مباشرة له لذة، ولذا أتى هناك بكلمة رغدا. أما من يسكن فقد تقل لذة أكله بل قد تنعدم لمرض أو ألم.
وفي الترتيب لا شيء إذ الواو لا تقتضي ترتيبا، والمهم أنهم أمروا بالدعاء مع الخضوع والانحناء فسواء تقدم هذا أو تأخر فلا ضرر.
وحذفت الواو هنا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ دليل على أن الموعود به شيئان: المغفرة وزيادة الحسنة، على معنى أنه قيل: ماذا حصل بعد المغفرة؟ قيل:
سنزيد المحسنين، والإرسال كما هنا كالإنزال في المعنى العام وإن أفاد الإرسال كثرة وزيادة، والظلم والفسق شيء واحد وإن أفاد الأول الاعتداء على الغير والثاني الخروج عن الدين، وتشير الآيتان إلى أنهما جمعا بين النقيصتين.
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، والتبديل: التغيير في القول والفعل فهم لم يعملوا بظاهر القول ولا بحقيقته بل تركوه كله، هذا هو التبديل، وبعض العلماء يرى أنهم غيروا لفظا بدل لفظ فقالوا: حبة في شعرة، أى: حنطة في زكائب من شعر، بدل قوله تعالى لهم قولوا: حطة.
أيها المسلمون العبرة من هذا القصص أن يفهم جيدا أن الله مع خلقه سنة لا تتغير ولا تتبدل، فالأمة التي تفسق وتظلم نفسها وغيرها وتبتعد عن دستورها وكتابها مآلها أن ينزل الله عليها عذابا أليما يضطرب له كل قلب، وهذا الرجز من السماء قد يختلف ويأتى بأشكال متباينة على حسب الأزمنة والأمكنة.