الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاقتضت الحكمة الإلهية مشيئة اقتتالهم فاقتتلوا بما ركب فيهم من دواعي الاختلاف والشقاق.
ولو شاء عدم قتالهم بعد اختلاف ميولهم ونزعاتهم ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد ويحكم بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وهو على كل شيء قدير وهو العزيز الحكيم.
وقد اختلف اليهود واقتتلوا، وكذلك النصارى، وها هم المسلمون بعد أن كانوا يدا واحدة أصبحوا فرقا متنازعين متقاتلين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [سورة النساء آية 59] .
في الحث على الإنفاق [سورة البقرة (2) : آية 254]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
المفردات:
(بيع) البيع المراد به: الكسب بأى نوع من أنواع المبادلة والمعاوضة. خُلَّةٌ الخلة: الصداقة والمحبة، والمراد لازمها من الكسب كالصلة والهدية والوصية.
شَفاعَةٌ الشفاعة: المراد لازمها من الكسب.
المعنى:
سبق أن تعرض القرآن الكريم للإنفاق بأسلوب فيه لطف كثير وبلاغة لقوم يؤثر فيهم
أمثال هذا الكلام مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «1» وهناك من يفعل الخير خوفا من عقابه وطلبا لثوابه، فهؤلاء خوطبوا بتلك الآية وأمثالها.
يا أيها الذين آمنوا واتصفوا بهذا الوصف العالي وهو الإيمان: بادروا إلى الإنفاق في سبيل الله مما تناله أيديكم ابتغاء مرضاة الله وطلبا لرضوانه، وأنتم الآن في فسحة من العمل وغدا سيأتى يوم لا تتمكنون فيه من الإنفاق أصلا مع أنه مطلوب إذ لا بيع في ذلك اليوم ولا شراء ولا كسب بأى نوع من أنواع المبادلة، ولا يوجد ما يناله الإنسان من الصداقة والخلة والشفاعة، فهذا هو يوم الجزاء والثواب والعقاب يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم يظهر فيه فقر العباد إلى الواحد القهار والكافرون نعمة الله الجاحدون حقوق المال المشروعة هم الظالمون لأنفسهم فقط، هم الذين يمهدون للأفكار السامّة والمذاهب الهدامة حتى تغزو الشرق المسلم، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم
ولا حصن لها أقوى من أن يعرف الفقير أن له حقّا معلوما في مال الغنى.
والمراد الإنفاق الواجب بدليل الوعيد الشديد، والدين يطالب بإنفاق القليل مما جعلكم مستخلفين فيه، فإنه ما آل إليكم إلا بعد أن خرج من يد غيركم أساءوا التصرف فيه ولم يحصنوه، فكانوا كافرين بنعمة الله ظالمين لأنفسهم.
أمن الحكمة أن يرى الأغنياء الأمة وقد تكاتفت عليها الأعداء الثلاثة من فقر وجهل ومرض، ثم هم يبذّرون المال ذات اليمين وذات اليسار في الخارج وعلى موائد القمار وفي الليالى الحمراء ويعرف الجميع هذا؟ ثم يقول الناس: إنهم يحاربون الأفكار الهدامة كالشيوعية وغيرها.
لا يا قوم إن أسلحة الحرب لهؤلاء الأعداء هي القوانين الإسلامية والحدود الشرعية، والإنفاق في سبيل الله أمضى سلاحا وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ «3» .
(1) سورة البقرة آية 245.
(2)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/ 382.
(3)
سورة البقرة آية 272. [.....]