الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
لِلْمَلائِكَةِ الملائكة: خلق الله أعلم بهم، وقيل: هم أجسام نورانية لا يأكلون ولا يشربون، دأبهم الطاعة ليلا ونهارا. خَلِيفَةً الخليفة: من يخلفك ويقوم مقامك.
يَسْفِكُ الدِّماءَ: يريقها. نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أى: ننزهك عن كل نقص متلبسين بحمدك والثناء عليك. وَنُقَدِّسُ لَكَ: نعظمك. أَنْبِئُونِي: أخبرونى السجود: الخضوع والانقياد. إِبْلِيسَ: واحد من الجن، وقيل: أبوهم كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [سورة الكهف 50] ، وقيل- من الملائكة لظاهر الآية والأحسن أن الله أعلم بهؤلاء جميعا أَبى امتنع.
القصة لون من ألوان الأدب العالي، وهي في القرآن الكريم لمعان سامية لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وهذه القصة فيها مدى تكريم الله لآدم وبنيه باختياره خليفة، وتعلمه ما لا تعلمه الملائكة، أفيليق منهم أن يقفوا من الله ورسله موقف الكفر والعناد؟ ومن هنا ندرك سر المناسبة بين الآيات، ولا تنس ما فيها من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يرى موقف الملائكة الأطهار من الله- سبحانه وتعالى.
المعنى:
واذكر يا محمد لقومك قصة خلق أبيهم آدم حيث قال الله للملائكة: إنى جاعل في الأرض خليفة يقوم بعمارتها وسكناها، ويقوم بعضهم بالزعامة والتوجيه وتنفيذ الأحكام حتى يعمر الكون، فقالت الملائكة: يا رب هذا الخليفة وبنوه تصدر أفعالهم عن إرادتهم واختيارهم، وهم لا يعلمون المصلحة الحقيقية لأن علمهم محدود، وقد خلقوا من طين فالمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب فهو يفسد في الأرض.
وأنت يا رب تريد عمارتها فيا رب!! كيف تجعل فيها من يفسد فيها؟ [استفهام من لون التعليم لا الاعتراض] ونحن أولى لأن أعمالنا تسبيحك وتقديسك.
لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فأجابهم المولى: إنى أعلم ما لا تعلمون
…
إنى أعلم كيف تصلح الأرض وكيف تعمر ومن أصلح لعمارتها؟
فهذا خلق فيه دواعي الخير والشر، فبالخير والشر تصلح الدنيا وتعمر، وبهذا تظهر حكمة إرسال الرسل.
وإن أردتم موضع السر فالله قد علم آدم أسماء الأشياء المادية التي بها تعمر الدنيا وتصلح إلى الأبد، ثم عرض هذه الأشياء على الملائكة، وقال لهم: أخبرونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين في دعوى أنكم أحق بالخلافة من غيركم. فوقفوا عاجزين، قالوا: يا رب لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم بكل شيء الحكيم في كل صنع.
فقال المولى- جل جلاله: يا آدم أخبرهم بأسمائهم، فلما أخبرهم بالأسماء أدركوا السر في خلافة آدم وبنيه وأنهم لا يصلحون لعدم استعدادهم للاشتغال بالماديات، والدنيا لا تقوم إلا بها إذ هم خلقوا من النور وآدم خلق من الطين، فالمادة جزء منه. وهنا قال الله- سبحانه-: ألم أقل إنى أنا العالم بكل ما غاب وما حضر في السموات والأرض؟
وأعلم ما ظهر، وما تبدون وما تكتمون.
قصة ثانية تبين لنا مدى تكريم الله للإنسان حيث أمر الملائكة بالسجود له، وفي هذا تعظيم وأى تعظيم! واذكر يا محمد لقومك وقت أن قلنا للملائكة الأطهار: اسجدوا لآدم سجود تعظيم وإجلال لا سجود عبادة وتأليه كما يفعل الكفار مع أصنامهم، فسجد الملائكة جميعا وامتثلوا أمر الله إلا إبليس اللعين فإنه امتنع من السجود واستكبر قائلا: أأسجد له وأنا خير منه؟ خلقتني من نار وخلقته من طين، منعه حسده وغروره وتكبره من امتثال أمر ربه، ولعل هذا الإباء والاستكبار والتعالي والغرور الذي عند إبليس من صفات النار التي خلق منها، وهكذا قد خرج عن أمر ربه فاستحق اللعنة وكان من الكافرين.
يا ابن آدم! هكذا شرفك الله وكرمك وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ «1» بأن جعلك خليفة في الأرض، وعلمك ما لم تكن تعلم وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، وأمر الملائكة بالسجود لأبيك فسجدوا، أفيليق بك أن تقف موقفا لا يرضاه ربك؟ لا بل يجب أن تمتثل أمر ربك وأن تعصى الشيطان عدوك، وأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
(1) سورة الإسراء آية رقم 70.