الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
لا تَغْلُوا الغلو: الإفراط وتجاوز الحد. أَهْواءَ: آراء قوم دعت إليها الشهوة دون الحجة والبرهان. لُعِنَ اللعن: الطرد من الرحمة.
المعنى:
يا أيها الرسول قل لهؤلاء النصارى: أتعبدون عيسى متجاوزين الله، وعيسى وكذا كل معبود من دون الله لا يملك ضرا ولا نفعا لأعدائه وأوليائه على السواء، فهذا عيسى مع أعدائه اليهود هل أمكنه أن يصيبهم بضر، لا. بل حاولوا قتله وصلبه، والصلب أحقر أنواع القتل وأشده وملعون صاحبه، هل فعل شيئا، وهل دفع عن نفسه ضرا؟
هل أوقع عذابا على أعدائه؟ كل الذي فعله التجأ إلى الله وفوض أمره إليه.
وهذا عيسى كذلك مع أنصاره وأتباعه وقد كانوا مطرودين معذبين، هل أوصل نفعا لهم؟
والله هو السميع لكل صوت بل لكل همس في القلوب، العليم بكل شيء فهو الذي يستحق العبادة وحده دون سواه.
قل لهم يا محمد: لا تغلوا يا أهل الكتاب ولا تتجاوزوا الحدود في عيسى بين إفراط
وتفريط، فاليهود يبالغون في إهانته هو وأمه، والنصارى يرفعونه إلى مقام الألوهية بل يعبدونه.
فالوسط الوسط. والحق الحق، في المسيح وأمه الذي ذكر في القرآن!! يا أهل الكتاب لا تتبعوا أهواء قوم وآراءهم المدفوعة بالشهوة لا بالحجة والبرهان، هؤلاء القوم ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا من غيرهم، وهذا خطاب لأهل الكتاب المعاصرين.
وبعد أن بيّن الله أنهم ضلوا وأضلوا كثيرا، وضلوا عن السبيل الوسط والرأى المعتدل، بين سبب ذلك فقال:
لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل في الزبور على لسان داود، وفي الإنجيل على لسان عيسى بن مريم. وذلك اللعن بسبب عصيانهم، فقد لعن داود من اعتدى منهم يوم السبت وكذلك عيسى، وما كان هذا إلا بسبب تماديهم في العصيان والمخالفة: فاحذروا أيها المعاصرون ذلك.
وقد بين الله سبب استمرارهم في المعاصي بقوله:
كان من دأبهم ألا ينهى أحد منهم أحدا عن منكر ارتكبه، وذنب اقترفه، بل العاصي منهم لا يجد من يأخذ على يديه، والظالم لا يجد من يمنعه فانتشرت الفوضى وعم سوء الخلق، وهذا نذير الفناء ودليل الهلاك، تالله لبئس الفعل فعلهم وما كانوا يعملونه.
والمنكر إذا فشا في قوم ولم يجد من ينكره. ورأى العامة ذلك زالت الهيبة من النفوس والحياة من الضمائر. وصار عادة للناس، وبالطبع زال سلطان الدين من القلوب.
والنهى عن المنكر هو حفاظ الدين وسياجه، وتركه جريمة خصوصا من رجال الدين وأهله، وفي هذا الوقت العصيب لا يدفع السوء الذي استشرى وبلغ الغاية إلا تكتل القوى، وتضافر الأفراد والجماعات حتى تستأصل شأفة الفساد.
وإنى نذير لقومي أن يطبق عليهم هذا الجزاء الطبعي لكل جماعة يموت بينهم التناهى عن المنكر والأمر بالمعروف، ولعل هذا هو السبب في سياق هذه الآيات تحذيرا وإنذارا لنا.
روى أبو داود والترمذي عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول
ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوبهم بعضهم ببعض، ثم تلا قوله:
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله فاسِقُونَ ثم قال صلى الله عليه وسلم: «كلا، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذون على يد الظالم ولتأطرنه (تعطفنه) على الحق أطرا ولتقسرنه على الحق قسرا أو ليضربن قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما يلعنهم» «1» .
والأحاديث في خطر ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كثيرة.
وإلى متى يا قوم؟ إلى متى نعرض عن ديننا ولا نرعوى عن غينا؟
…
هذه هي أحوال أسلافهم أما المعاصرون منهم فهاك حديثا عنهم: ترى كثيرا من أهل الكتاب خصوصا اليهود منهم يتولون الذين كفروا من مشركي مكة ويتحالفون معهم بل ويؤلبونهم على النبي صلى الله عليه وسلم.
إنه لعجب وأى عجب يتحالف أهل الكتاب مع من لا كتاب له ولا رسول على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه!!!
وقد روى أن كعب بن الأشرف وأصحابه ذهبوا إلى مكة واستجاشوا المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم يتم لهم ما أرادوا.
لبئس شيئا قدموه لأنفسهم في الآخرة وهو الأعمال التي أوجبت سخط الله وغضبه عليهم، ولعنه لهم وهم في العذاب خالدون.
ولو كانوا، أى: اليهود يؤمنون بالله والنبي موسى كما يدعون، ويؤمنون بما أنزل إلى موسى من التوراة ما اتخذوا المشركين من قريش وغيرهم أولياء وحلفاء ضد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن كثيرا منهم فاسقون وخارجون عن حدود الدين ويريدون رئاسة كاذبة وعرضا زائلا.
وفقنا الله للخير، والاهتداء بهدى القرآن والسنة المطهرة إنه سميع الدعاء.
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم باب الأمر والنهى 4/ 508 رقم 4336 والترمذي وابن ماجة. [.....]